قبل شروع القوات الاميركية بشن الحرب ضد العراق والدخول الى اراضيه، قامت مؤسسات حكومية تابعة لوزارة الخارجية الاميركية ومعاهد اميركية مستقلة، بتدريب عدد من الاختصاصيين العراقيين وفي مختلف المجالات لمساعدة الادارة الاميركية في ادارة المؤسسات العراقية وتدريب كوادر عراقية في الداخل.
عندما دخلت القوات الاميركية الى العراق وحررته من نظام صدام حسين تم تعيين هؤلاء الاختصاصيين العراقيين كمستشارين في وزارات الدولة وبعقود، وبلغت رواتب بعضهم اكثر من عشرين الف دولار شهريا. وكنا نلتقي او نسمع تصريحات العديد من هؤلاء، باعتبارهم مستشارين في وزارة الصحة او الاسكان والتعمير او التربية، وغيرها، وكان هؤلاء المستشارون يتبعون اداريا مستشارا اميركيا مشرفا على هذه الوزارة او تلك.
حينما انتهت مهمة غالبية هؤلاء كانت ظاهرة تعيين المستشارين قد تسللت الى الدولة العراقية. واذا كان عدد المستشارين محدودا للغاية في حكومة اياد علاوي، اول حكومة عراقية انتقالية بعد نظام صدام حسين، فان هذه الظاهرة اتسعت في عهد حكومة ابراهيم الجعفري، حيث تم تعيين العشرات من المستشارين في رئاسة الوزراء وفي وزارات الدولة، قبل ان تستشري في عهد حكومة نوري المالكي الحالية.
المستشارون الذين تم تعيينهم، سواء من قبل الادارة الاميركية او الحكومة العراقية، بعد الاحتلال الاميركي مباشرة، والذين انتهت عقود غالبيتهم وجدوا انفسهم بلا أي دعم مادي، خاصة ان أي حكومة تأتي الى السلطة تنهي عقودا او تفصل غالبية من هؤلاء المستشارين، بسبب ولائهم للحكومة التي عينتهم، مما دفع برئاسة الجمهورية الى اعتبارهم متقاعدين، وحسب قرار كان قد صدر في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
هذا القانون يأتي اعترافا من الرئاسة العراقية بعدد المستشارين واصحاب الدرجات الخاصة، ممن لم يوصفهم القانون، وحتى غير المعينين رسميا منهم بوجودهم في الدولة وبحقوقهم في الحصول على رواتب تقاعدية.
وحسب صادق الموسوي، المستشار السابق لرئيس الجمهورية جلال طالباني، فان لرئيس الحكومة نوري المالكي عددا من المستشارين الخاصين، وهيئة للمستشارين، وهناك ما يقرب من 60 مستشار دولة.
غالبية هؤلاء المستشارين اختارهم رئيس الحكومة، وكما تؤكد مريم الريس المستشارة السابقة للمالكي، كونهم برلمانيين ووزراء سابقين ومن قائمة الائتلاف العراقي الموحد (شيعية) التي ينتمي اليها المالكي نفسه.
ومن الطبيعي ان نعرف ان لرئيس الجمهورية طالباني ولنائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي. وحسب هيوا عثمان المستشار الاعلامي لرئيس الجمهورية، فان الرئيس طالباني اختار مستشاريه من الاختصاصيين الذين ينتمون لمختلف الفئات والقوميات والاديان والمذاهب المكونة للشعب العراقي، وان عدد كل هؤلاء لا يتجاوز عدد اصابع اليدين. كما ان لرئيس مجلس النواب (البرلمان) العراقي ولبعض رؤساء الكتل البرلمانية والوزراء ولبعض اعضاء البرلمان مستشاريهم، وهناك في الدولة العراقية، مستشارون للمستشارين انفسهم.
«الشرق الاوسط» استعرضت وعبر احاديث صحافية من عدد من المستشارين السابقين والحاليين ظاهرة المستشارين في الدولة العراقية، التي اضحت دولة المستشارين، وسألتهم عن طريقة اختيارهم كمستشارين وعن مهامهم واختصاصاتهم.
الكاتب والسياسي فخري كريم كبير مستشاري رئيس الجمهورية، ورئيس مؤسسة دار المدى الثقافية والاعلامية، ورئيس تحرير صحيفة «المدى» العراقية، هو ليس موظفا في الدولة ولا يتقاضى أي راتب عن منصبه كمستشار، وقد تم اختياره، حسبما اكد لـ«الشرق الاوسط»، اعتمادا على علاقته الوثيقة برئيس الجمهورية، وكان سبب اختياره كفاءته وخبرته الطويلة كسياسي وكاتب. يقول كريم «الرئيس طالباني اختار مستشاريه من جميع الاديان والطوائف والقوميات ولا يميز بين احد ويسمي مجموعة مستشاريه (شدة ورد) أي باقة ورد، ويكفي ان تعرف ان رئيس ديوان الرئاسة، الذي يجب ان يكون شخصا مقربا جدا من الرئيس تم اختياره من كتلة جبهة التوافق وهو من الحزب الاسلامي، وهذا امر لافت للغاية حيث يتمتع رئيس الديوان بصلاحيات مالية ومعنوية وهو حافظ اسرار الرئاسة».
ويوضح كبير مستشاري الرئيس طالباني قائلا: ان «تنوع الانتماء الديني والقومي لمستشاري الرئيس هو نموذج لما يجب ان تكون عليه ادارة الدولة بالتعامل مع جميع مكونات الشعب العراقي واشراكهم في العملية السياسية». وفيق السامرائي، المستشار الأمني للرئيس طالباني، تم اختياره منذ ان تم انتخاب طالباني رئيسا للجمهورية اعتمادا على تاريخه العسكري، كان رئيسا للاستخبارات العسكرية العراقية في عهد صدام حسين، ثم فر وعارض صدام حسين وانضم الى المعارضة العراقية بمساعدة الاتحاد الوطني، واستمر بعلاقاته الاستراتيجية مع الحزب الكردي.
ويوضح هيوا عثمان، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي والعلاقات الدولية من احدى الجامعات البريطانية، قائلا: «ان رئيس الجمهورية اختارني بناء على مقياس الكفاءة، وليس لانني كردي، كما اني لست مسيسا ولا انتمي الى أي حزب سياسي كردي او غير كردي».
ويشرح الموسوي طريقة تعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية، قائلا: «عندما خرجت من الحركة الدستورية الملكية بسبب عدم حصولها على اصوات كافية ترشحها للوصول الى البرلمان فكرت بالعمل مع الرئيس جلال طالباني، وقد طرحت الموضوع على الدكتور احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، حيث تربطني به علاقة جيدة. وبالفعل فاتح الجلبي الرئيس طالباني حول تعييني مستشارا لديه وتمت الموافقة وعينت مستشارا للشؤون الاسلامية، بعدها مستشارا للرئيس لشؤون الاحزاب السياسية».
ليلى عبد اللطيف، وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الانتقالية التي ترأسها اياد علاوي تعمل حاليا مستشارة للشؤون الهندسية والخدمات مع عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية.
توضح عبد اللطيف سبب عملها مستشارة مع نائب رئيس الجمهورية قائلة: «انا اعمل متطوعة في هذا المنصب ولا اتقاضى أي راتب عنه كوني اتقاضى راتب وزيرة سابقة او متقاعدة، وسبب اختياري من قبل نائب رئيس الجمهورية لهذا المنصب هو اننا عملنا معا وزيرين في حكومة علاوي، فعادل عبد المهدي كان وزيرا للمالية وأنا وزيرة للعمل والشؤون الاجتماعية، وهو يعرف خبراتي ونشاطي في العمل، لهذا اختارني مستشارته للشؤون الهندسية، كوني مهندسة اصلا وللخدمات اعتمادا على خبرتي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية». يترأس هيئة المستشارين التابعة لرئاسة الحكومة واحد من الاكاديميين الناشطين في حقل النفط والاقتصاد، وهو الدكتور ثامر الغضبان، الذي كان يترأس مؤسسة التسويق النفطي في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو وزير نفط سابق. يقول الغضبان «لقد تم اختياري وكذلك هيئة المستشارين بناء على كفاءاتنا العلمية والعملية، حيث تتكون الهيئة من سبعة مكاتب تم اختيار كل مدير مكتب او مستشار طبقا لتاريخه المهني وليس الطائفي او القومي او السياسي.
المستشارة السابقة لرئيس الحكومة مريم الريس، شرحت ظروف اختيارها كمستشارة، قائلة: «تم اختياري مستشارة من قبل المالكي نفسه، حيث اتصل بي رئيس الحكومة شخصيا وطلب مني العمل معه على خلفية معرفته بي، لاننا عملنا معا عندما كنا اعضاء في الجمعية الوطنية سابقا، قبل ان يكون رئيسا للحكومة، للبرلمان، وكلانا كان مرشحا عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد»، مشيرة الى ان المالكي «كان قد اتصل بمجموعة من البرلمانيين السابقين من الائتلاف العراقي الموحد، وتم تعيينهم مستشارين».
صادق الركابي، القيادي في حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي نفسه، هو المستشار السياسي لرئيس الحكومة، وقد تم اختياره للعمل مستشارا بناء على معرفة المالكي به، كونهما ينتميان لذات الحزب. لنائب رئيس الحكومة الدكتور برهم صالح مستشارين لا اكثر، يقول الصحافي طه الهاشمي مدير العلاقات والاعلام في مكتب صالح ان «هناك مستشارا سياسيا واحدا ومستشارا امنيا منسبا من قبل وزارة الداخلية».
وحول طبيعة عمل كل مستشار من هؤلاء المستشارين، يقول هيوا عثمان، المستشار الاعلامي لرئيس الجمهورية ان «مهمتي تتلخص بتهيئة التقارير الاعلامية المحلية والعربية والغربية لرئيس الجمهورية، وتهيئة التقارير التي تتناول نشاطاته السياسية ودعوة الصحافيين خلال المؤتمرات الصحافية واللقاءات الاعلامية والاشراف على موقع الرئاسة على شبكة الانترنت الدولية. وحول اسلوب تعامله مع رئيس الجمهورية، اوضح عثمان قائلا «انا ارفع مقترحاتي الى الرئيس، وهو كأي قائد سياسي له الحق في الاخذ بها او لا، لكنه قارئ ذكي ومتميز ولا يفوت أي ملف او تقرير، بل يقرأها كلها ومهما كانت مواضيعها».
وعن راتب مستشار رئيس الجمهورية يقول عثمان: «الراتب الاصلي او الرسمي هو الفا دولار اميركي وهناك مخصصات سفر وعمل وغيرها لا تتجاوز الراتب الاصلي، أي ان راتب المستشار هنا لا يتجاوز الاربعة الاف دولار»، مشيرا الى ان «هناك فرقا بين مستشار لرئيس الجمهورية او مستشار في ديوان رئاسة الجمهورية».
يوضح الغضبان، رئيس هيئة المستشارين، عمل واختصاصات الهيئة، قائلا: «ان هيئة المستشارين مرتبطة مباشرة بمكتب رئيس الحكومة، المالكي، وليس بالامانة العامة لرئاسة الوزراء، وأنا كرئيس لهذه الهيئة ارتبط مباشرة برئيس الحكومة».
ويوضح الغضبان «في الهيئة سبعة مكاتب هي: شؤون النفط وشؤون الطاقة، الشؤون الاقتصادية، الشؤون القانونية، شؤون الاعمار، شؤون المحافظات وشؤون الخدمات»، مشيرا الى ان أي «مكتب من هذه المكاتب فيه مجموعة من المستشارين الذين يعملون في اختصاص معين، حيث يتم تكليفهم بدراسة ملفات ودراسات كل حسب اختصاصه، او ان يقدم المكتب دراسة او وجهة نظره في ما يتعلق باختصاصه، اضافة الى تقديم المشورة الى رئيس الحكومة او دراسة قانون معين وتقديم مشاريع قوانين عن طريقي».