مسجد المدهون.. شاهد على «حقبة» من تاريخ الطائف

مسجد المدهون أحد أهم المواقع الأثرية في الطائف («الشرق الأوسط»)
TT

في عمق الطائف وبين حي «المثناه» و«شهار» الشهيرة، وعلى ناصية شارع يشق الطائف باتجاه الغرب، يقف مسجد المدهون، او كما يعرف «القنطرة» شاهدا على حقبة زمنية تاريخية مضت بطابعه المعماري التاريخي.

ويعد المسجد من الآثار الإسلامية التي برهنت على سمو العمارة وفن البناء والتشييد في الحقبة العثمانية، حيث عرفت الطائف الإبداع المعماري من قديم الحضارات واشتهرت ببناء المساجد ذات الطابع العمراني التاريخي.

ومن هذه المساجد مسجد القنطرة الذي قال عنه سعد الجودي ـ باحث تاريخي ـ ان من أبرز ما يميز مدينة الطائف أنها ظلت منذ عصور تتربع تاريخياً وتتميز بفضل مكانها الاستراتيجي واهتمام جميع الملوك والأمراء بها من أصل التاريخ وجذوره.

ويضيف الجودي ان من أبرز تلك الآثار مسجد المدهون، أو بالأحرى مسجد القنطرة، حيث اختلف في تحديد اسمه فمن نعته بالمدهون جعل سبب ذلك نسبة للجبل الذي بني االمسجد بأسفله، وهناك من جعل تسميته بالقنطرة لوجود قنطرة ماء أمام هذا المسجد. ويعلل الجودي أن الأول هو الأرجح والأشمل بسبب ظهوره للعيان ويمتاز بظهور مشهده.

ويبين الجودي انه عند تحديدنا للمسجد، نجد وقوعه في الجانب الشمالي الشرقي للجبل المتاخم ناهيك عن اختلاف المؤرخين في سنة بنائه وفي عهد من تم تشييده.

وظلت الروايات كما يقول الباحث التاريخي متفاوتة فيه. فهل كان في بداية العهد العثماني أو أواسطه أو نهايته؟، الأرجح في ذلك العصر الأخير للعثمانيين لأسباب لعل ابرزها أن مدينة الطائف شهدت انتعاشاً اقتصادياً وتجارياً رائجاً، إضافة لبروز الكثير من الأعمال والشواهد الحضارية في تلك الفترة، خصوصاً في عام 970هـ، إلى عام 1300هـ، خلال عهد الكثير من الخلفاء العثمانيين، الذين ساهموا في تطور وحضارة مدينة الطائف، خاصة خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري.

ومسجد المدهون بالطائف من المساجد التي عمرت خارج سور الطائف وهو شرق مسجد الطائف ومسجد الكوع ويقع على سطح جبل المدهون من غرب الجبل والتسمية يعزوها مؤرخون لوجود عين تمر هناك.

ويصف الجودي المسجد بأنه غاية في الجمال في شكله وبنيانه وله منارة جميلة جدا مطوية اسطوانية متدرجة تلتف لفات عظيمة، تنحف تدريجياً حتى تصل إلى قمتها، وهي دائرية بكامل ارتفاعها. ويوضح الجودي ان مدينة الطائف قد زارها عدة خلفاء عثمانيين، لعل أبرزهم السلطان العثماني وحيد الدين محمد السادس بن عبد المجيد الأول، والمتأمل في معطيات مسجد المدهون يلحظ بناءه في أواخر العصر العثماني.

ويتميز المسجد كذلك بوجود مرآب مجوف يبدو من الخارج مستطيل الشكل وإن بدا المسجد متهدما، فإن له سقفاً بارزاً عن الجدران ويميل للأمام بحيث يترك فرصة لمياه الأمطار لكي تنساب من على سطحه، وإذا أمعنا النظر وجدنا ان الميزاب أعلى المحراب، بالإضافة للمئذنة التي تتميز بشكلها الأسطواني المتدرج التي تبدأ من الأسفل وتنتهي بالأعلى.

كما يقول الجودي فإن وجود هذا المسجد يعد دليلاً جامحاً على حضارة وتطور تلك المدينة الوادعة وتأصيلاً لأهمية «وج» ذلك الوادي الشهير الذي كان عبر التاريخ حاضناً لقبيلة ثقيف التي اتخذته عاصمة استراتيجية.

ومسجد القنطرة من المساجد القائمة وهو نموذج من حوالي عشرين مسجدا اثريا وتاريخيا عرفتها الطائف الى جانب انها تشكل في مجموعها ثراء آثاريا في غاية الاهمية بالنسبة للطائف المدينة التي ارتبطت بمكة المكرمة وبالسيرة النبوية العطرة وبالأحداث المهمة في التاريخ الاسلامي على مدى اربعة عشر قرنا مضت.