وفاة الشاعر السعودي عبد الله الجشي.. شاعر الأرض والإنسان

بعد 3 أعوام من تكريمه في مهرجان الجنادرية

عبد الله الجشي (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

نعت وزارة الثقافة والاعلام السعودية، وجمهور المثقفين، الأديب السعودي المعروف عبد الله الجشي، الذي رحل مساء الأحد عن عمر ناهز 82 عاماً، بعد معاناة طويلة مع المرض. وكان الراحل أحد ألمع الشعراء السعوديين الكلاسيكيين، عاش وتربى في العراق، بين أساطين العلم والأدب، وتأثر مبكراً برواد المدرسة الكلاسيكية كالشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري، خاطاً على بحره، وناسجاً على منواله، كما في قصيدته «خصب الفراتين»، وتلقى الجشي، تكريماً مميزاً في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» فبراير (شباط) 2005.

ولد عبد الله بن الشيخ علي الجشي، في عام 1926 بالقطيف، على الساحل الشرقي للخليج العربي، وتعلم في كتاتيبها، ثم انتقل مع والده وهو لا يزال صغيراً إلى العراق، ليكمل تعليمه في النجف. وكانت أسرته في القطيف تتعاطى الأدب والفقه وتجارة اللؤلؤ. أقام في العراق فترتين: الأولى حين كان طفلاً صغيراً مع والده الشيخ علي الجشي، الذي سافر إلى النجف لدراسة العلوم الدينية. وعاد مع والده لبلده عام 1948، والفترة الثانية كانت عام 1979 وأقام في بغداد، وقد عاد لوطنه عام 1993. وفي العراق، تولى تحرير مجلة «الغري» في النجف، وإدارة مكتبة الرابطة الأدبية بالعراق. وساهم في الإشراف على جريدة «أخبار الظهران» في المنطقة الشرقية بالسعودية. كما نشر بحثاً بعنوان «الدمام في مدرجة التاريخ» في جريدة «الفجر الجديد» التي اصدرها احمد يوسف الشيخ يعقوب في الدمام سنة 1955. ومثلت العراق بالنسبة للراحل الجشي، بلد الصبا، ومرتع الشعر والذكريات، والبلاد التي اتجه إليها في كهولته وشيخوخته.. ولأنه ولد لأم عراقية، فلم يكن العراق بالنسبة إليه مجرد هوى المكان وظل الجغرافيا، بل كان ارتباطه ارتباطاً روحياً عميقاً نابضاً.

بعد عودته الى السعودية، في 1948 اشتغل بالعمل الأدبي، واتصل برموز الأدب السعودي، بينهم العلامة حمد الجاسر، الذي كان يعمل في الظهران مشرفاً على التعليم في شركة ارامكو. ونشر بعضاً من انتاجه في مجلة «اليمامة» التي اصدرها الجاسر، ومجلة «العرب». ونشر في «الأمالي والأدب» في بيروت و«صوت البحرين»، كما صدرت له ملحمة شعرية بعنوان: «شراع على السراب» وصدر له ديوانان هما: «قطرات من ضوء»، وديوان «الحب للأرض والإنسان» 1998، وله مؤلفات نثرية منها «بحوث تاريخية» و«الدولة القرمطية» في البحرين «وتاريخ النفط في العالم». عرف الجشي، شاعر الارض والانسان، فقد حول قصائده إلى جمرات من العشق للوطن ولأرجائه التي احتضنتها بحور قوافيه، ونظم في مدنها وهضابها وصحرائها ومعالمها، الشعر والنثر، فكتب عن دارين واليمامة ومدرج الرسالات، وكتب عن سعفات هجر، وعن القطيف، وكانت قصائده تنبض بحرارة الشوق للأماكن الكثيرة التي تحويها الجغرافيا السعودية، ولم يكن حبه لأرجاء وطنه مجرداً عن حالته الشعورية الصادقة، فقد قال لـ«الشرق الأوسط» أثناء حوارها معه بمناسبة تكريمه في مهرجان الجنادرية «أنا اشعر بأصولي هنا في هذه الأرض ولدي تعلق بكل المدن والارجاء وكذلك بالدول العربية، وأنت تعلم اني سميت ولدي «قطيف» وأسميت ابنتي «يمامة» ولو قدر لي وأنجبت مولداً لكنت سميته «ثقيف» نسبة إلى الطائف، ولو رزقت بابنة أخرى لسميتها «طيبة» نسبة للمدينة المنورة».

وذكر الجشي لـ«الشرق الأوسط» أن أول قصيدة نظمها جاءت أثناء نزهة كان يتمشى فيها فوق الجسر على نهر «دجلة» ببغداد، وكان عمره 13 عاماً، ورأى وقتها زفافاً نهرياً، حيث كان العريس والعروس ومعهم المزفون فوق قارب نهري. بعد ذلك بزغت موهبته الشعرية، وانتسب لجمعية الرابطة الأدبية في العراق في عام 1941 وكان عمره آنذاك 15 عامًا، وكانت هذه الجمعية تعنى بالشعر والتأليف والنشر. كما أنضم لنادي الغري، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه تعلق بمجموعة من الشعراء البارزين في العالم العربي، أمثال، علي محمود طه في مصر، وإيليا ابو ماضي في المهجر، ومحمد مهدي الجواهري في العراق، وسليمان العيسى في الشام، وقال إنه تأثر بهم جميعاً، وتعرف على الشاعر محمد مهدي الجواهري، ونشر في جريدته «الرأي العام» بعض قصائده. ونشر في مجلة «الألواح» اللبنانية لصاحبها صدر الدين شرف الدين، في تموز 1951 قصيدته «خصب الفراتين» في تكريم الشاعر محمد مهدي الجواهري.

وقال الجشي، إنه عمل متطوعاً في مجلة «الغري»، حيث أوكلت اليه ادارة المجلة واختيار القصائد التي تنشرها، وصار مسؤولاً عن التحرير، ومن خلالها تعرف على نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وذكر لـ«الشرق الأوسط»: «أستطيع القول إنني من أول من تبنى النشر لهذين الأديبين».