شادية.. الباقية في قلوب المحبين رغم غياب العشرين عاما

رفضت العودة للأضواء رغم الإغراءات المادية المتكررة

TT

في شهر فبراير ولكن قبل 74 عاما، ولدت الفنانة الكبيرة شادية التي اختارت منذ عشرين عاما واكثر ان تختفي عن الانظار، وتعتزل الحياة الفنية في هدوء تحسد عليه. فشادية من الفنانات القليلات اللاتي نجحن في اجبار الجميع على احترامها قبل وبعد الاعتزال، فلم تتاجر يوما بحجابها، ولم تلعن الفن وايامه، كما فعل البعض قبل العودة له من جديد.

لكن المثير في سيرة حياة شادية ليس فقط احترامها لتاريخها كل هذه السنوات، ورفضها المطلق للعودة للاضواء بأي شكل رغم الاغراءات المادية المتكررة، وانما الشيء الاجدر بالتسجيل هو استمرار تعلق الجمهور بشادية، خصوصا من الاجيال الجديدة، رغم ان القاعدة الفنية القديمة تؤكد ان ابتعاد الفنان يخصم منه الكثير.

لكن شادية انضمت لعمالقة الفن ام كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الاطرش وغيرهم الذين استمر تأثيرهم حتى الآن رغم الغياب الطويل، لتتحول شادية بالتدريج الى جوهرة تزداد قيمة بمرور الزمن. ويكفي ان لشادية موقعا على الانترنت اسسه محبوها قبل سنوات، لا ينافسه موقع آخر كونه تحول لمحطة اذاعية وتلفزيونية تضم غالبية انتاجها الفني الغزير.

شهد يوم الثامن من فبراير من عام 1934، مولد تلك الفتاة التي حملت اسم فاطمه شاكر، ذلك الاسم الذي لم تسمع احدا يناديها به، فقد كانت «فتوش» في صباها وشبابها وبين اسرتها، وكانت «شادية» عندما عملت بالفن، وكانت «شوشو» كما كان يحب ان يناديها جمهورها، الذي بالرغم من مرور اكثر من 22 عاما على اعتزالها لا يزال يشعر بنفس العشرة التي احسوها مع تلك النجمة التي احبوها فأحبتهم واخلصت لهم وغابت عنهم فلم تتنكر لفنها ولم تشوهه او تسيئ اليه، رغم انها الفنانة الوحيدة التي لم تبح بحديث واحد بعد اعتزالها ولم تظهر بأي وسيلة اعلامية حتى وصفها عادل امام بانها «عملت باحترام.. واعتزلت باحترام».

عرفت شادية الطريق إلى عالم الفن من خلال مسابقة للوجوه الجديدة، نظمها المخرجان علي بدرخان وأحمد كامل مرسي في عام 1946، وعندما وقفت للتمثيل والغناء امامهما، سخر منها المخرج أحمد كامل مرسي وأخبرها انها لا تصلح للفن، وطلب منها الذهاب إلى طبيب لاجراء عملية «اللوز». إلا ان المخرج أحمد بدرخان كان على النقيض من زميله وتحمس لها وقدمها للمخرج حلمي رفلة، الذي تبناها فنيا وأطلق عليها اسمها الفني الذي اشتهرت به «شادية». وقدمها في دور قصير في فيلم «أزهار وأشواك» الذي قامت ببطولته الفنانة مديحة يسري مع يحيى شاهين. وعلى الرغم من عدم نجاح الفيلم جماهيريا عند عرضه، الا ان شادية لفتت اليها الانظار بشدة براءتها وملامحها الرقيقة واسلوبها البسيط المعبر عن سن المراهقة عند البنات. وكما كانت شادية رائعة في التمثيل، كانت رائعة في الغناء، ونجحت في تقديم لون مختلف في الغناء بصوتها الناعم وبأسلوب مختلف عما كان سائدا وقت ظهورها، ويؤكد الموسيقيون على ان الفنان محمد فوزي، الذي قدمت معه شادية فيلم «العقل في اجازة»، كان المشجع الاول لصوت شادية ورسم لها الخريطة التي سار عليها فيما بعد الملحنون الذين تعاملت معهم. ومن بينهم منير مراد ومحمود الشريف. حياة شادية الخاصة كانت قصة حب رومانسية كقصص الحب، التي جسدتها على الشاشة. فقد شهد عام 1947 لقاء شادية بكمال الشناوي، الذي قدمت معه عددا كبيرا من الأفلام بلغت 25 فيلما سينمائيا، وأشيع وقتها الكثير عن وجود علاقة حب تجمع بينهما. الا ان كمال تزوج من شقيقتها عفاف. وفي عام 1952 التقت شادية بعماد حمدي، الذي كان يكبرها بنحو 23 سنة الا انها أحبته وارتبطت به وتزوجته لمدة ثلاثة أعوام، انتهى بعدها زواجهما في هدوء عام 1956. وفي ذات العام ارتبطت شادية بقصة حب مع الفنان فريد الاطرش، واعترف كلاهما بها، الا ان زواجا لم يربطهما لظروف لم يعلن عنها. وفي عام 1965 ارتبطت بالزواج بالفنان صلاح ذو الفقار بعد قصة حب ملتهبة، قدما خلالها عدة أفلام من اروعها فيلم «أقوى من الحياة»، الذي يعد من ابدع رومانسيات السينما المصرية. وعلى الرغم من كل هذا انفصل الاثنان عن بعضهما في عام 1969. شادية التي كرمتها الدولة وكرمتها العديد من المهرجانات السينمائيه ونالت اعمالها العديد من الجوائز الدولية، ذاع صيتها عندما عرض فيلمها «المرأة المجهولة» في الاتحاد السوفيتي، كما وصلت شهرتها لليابان عندما قدمت فيلما من انتاج مشترك بين اليابان ومصر اسمه على «ضفاف النيل»، شاركها فيه نجم السينما اليابانية يوجيروا ايشيتارا، وقالوا ان وجهها يتميز بقدرة فائقة على التعبير، فضلا عن كونها خير من تمثل مصر، ونجح الفيلم عندما عرض في اليابان مثلما نجح فيلمها «شيء من الخوف» عندما طلبته السينما اليابانية، ليتم عرضه مدبلجا هناك.

شادية هي نفسها التي رفضت كل التكريمات التي عرضت عليها بعد اعتزالها ايمانا منها بأن التكريم الذي تنتظره يأتي من الله، هذا الرفض لايمثل تبرؤا منها للفن بقدر ما يعكس طبيعة تلك الفنانة الاستثنائية التي لم تسع يوما للقب تناله وتفرضه على الناس بمصاحبة الاعلام، بل كانت واحدة من قلائل ممن حباهم جماهيرهم بالعديد من الالقاب النابعة من مشاعرهم تجاهها مثل، دلوعة الشاشة العربية، محبوبة الجماهير، صوت مصر، وبنت مصر.

واعتادت شادية ان تحيط مشروعاتها الخيرية بسياج من السرية، لكن المؤكد ان لها نشاطا واسعا في جمعية مسجد محمود بالمهندسين، وملجأ للايتام بالهرم، بجانب مساعدات تصل لحالات انسانية تظهر على شاشة التلفزيون، علما بأن مدير اعمالها محمد حافظ، يقدم تلك المساعدات من دون ان يكشف لاصحابها عن صاحبة المال والقلب الكبير.

شادية التي حرمها القدر من الانجاب، نفس القدر اهداها ايضا ابنا شهدت ولادته ببيتها، وخرج من بيتها لبيت الزوجية، هو خالد شاكر، رئيس رابطة مشجعي النادي الاهلي، والذي انفصل ابواه طاهر شاكر اخو الفنانة شادية ووالدته التركية الاصل، التي تركته طفلا عائدة الى بلادها ليهب القدر الذي حرم الام من البنوة وحرم الابن من الام ليكتمل بينهما مافقداه سويا، حيث ربته الفنانة شادية واختها ناهد وكان لهما بمثابة الابناء.

واخيرا ظهر خالد شاكر ليتحدث للناس عن الجانب الخفي في حياة الفنانة شادية الآن، فهي متعبدة، هادئة، مطمئنة، تنعم بالهدوء والاستقرار الذي حرمها الفن من ذلك، وتتحدث لاصدقائها ولأفراد عائلتها.

ويضيف خالد بأن شادية ومنذ سنوات لا تغادر منزلها ابدا.. ولا تضعف امام كل الاغراءات فهي صاحبة ارادة منقطعة النظير.

اما موقعها على الانترنت (www.shadiastar.com) فقد عوض كثيرا اهمال الاعلام لها، حيث يقدم نبذة عن 117 فيلما وهو عدد الافلام التي قدمتها شادية للسينما، كما يمكن زواره تحميل تلك الافلام التي بدأتها عام 1947 بفيلم «العقل في اجازة» واختتمت هذه الافلام بفيلم «لا تسألني من انا» عام 1984 وكذلك مسرحيتها الوحيدة «ريا وسكينة» التي قدمتها عام 1982.

ويقدم الموقع اندر اغانيها التي لا تذاع على اية قناة عربية او اذاعية، كما يقدم العديد من التسجيلات الكاملة لحفلاتها الغنائية النادرة ومسلسلاتها الاذاعية كمسلسل «صابرين» و«نحن لا نزرع الشوك» و«الشك يا حبيبي».