الليث.. «لؤلؤة البحر» التي اكتشفها الأجانب قبل السعوديين

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: 10 سنوات تفصل الليث عن التحول إلى أهم منطقة سياحية عالمية * تقرير سياحي يؤكد استيعابها لـ5 آلاف وحدة فندقية ويدعو لإنشاء مدرج للطائرات الخفيفة

سياح يحطون رحالهم على ضفاف جزيرة جبل الليث
TT

على بعد نحو 211 كيلو مترا من الجنوب الغربي من مدينة جدة، تتكئ مدينة الليث الساحلية في هدوء لا يشقه الا صوت امواج البحر المتلاطمة وهدير يخوت وابوات تعود ملكيتها لاحد اهم مراسي اليخوت هناك، والتي تنقل السياح من الليث المدينة الى نحو 47 جزيرة سياحية في عرض البحر يعرفها الاجانب جيدا ويجهلها السعوديون، وربما حتى سكان الليث أنفسهم.

ولأن الليث او كما يسميها اهلها «لؤلؤة البحر» لم تكن منذ سنوات مضت على خارطة السياحة المحلية، الا ان الفضل يعود بعد الله الى خبير صناعة السياحة البحرية الامير عبد الله بن سعود بن محمد بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة مجموعة الاحلام للسياحة البحرية، وهو مالك اكبر واهم مرسى بحري في تلك المدينة حيث يقول: منطقة الليث هي منطقة جذب سياحية. مؤكدا: نتوقع خلال العشر السنوات المقبلة أن تشهد نقلة نوعية في مجال الاستثمار وأن تصبح إحدى أهم المناطق العالمية استثمارياً وسياحياً.

ولكن اللافت لزائر مدينة الليث الساحلية انه سيجد مئات الاجانب الذين يفدون اليها بشكل دائم عبر وفود سياحية ويقومون بجولات على المواقع المهمة فيها من خلال مرسى اليخوت الذي يتكئ على شاطئ الليث.

يقول لوكا فوكوسي من ايطاليا، والذي كان ضمن وفد سياحي كندي ايطالي في حديث لوسائل اعلام سعودية بأن هذه هي الزيارة الثانية للسعودية، وانه يحب الغوص وان هذا الحب زاد كثيرا بعد ان غاص في جزر فرسان والليث.

ويؤكد فوكوسي ان رحلته في السواحل البحرية السعودية لا يعادلها متعة، مشيرا الى انها اعطت انطباعا رائعا عن السعودية لديه ولدى كافة اصدقائه الذين يرافقونه في هذه الرحلة السياحية في مناطق سعودية.

وهنا يعلق الامير عبد الله بن سعود في حديث لـ«الشرق الأوسط» بقوله: لدينا سياح اجانب بصفة اسبوعية من كل دول العالم، وشهرة الليث وصلت الى انحاء العالم. ويضيف: لدينا طلب من قناة الـ(بي بي سي) البريطانية لزيارة الليث والتصوير فيها وسيكون ذلك خلال الايام المقبلة.

ويأتي ذلك في وقت غابت فيه الليث عن اجندة السعوديين، حيث يقول عبد الله العدواني وهو سعودي يسكن مدينة جدة في سؤال حول ما يعرفه عن الليث سياحيا يقول: لا اعرف الا انها مدينة لا تحوي أي مقومات السياحة، بل الحقيقة انني لم اسمع ولا اتوقع ان تكون الليث على خارطة السياحة لا اليوم ولا بعد اليوم.

والحال نفسه قد ينطبق ويمثل وجهة نظر كثيرين بحسب العدواني: لم نسمع احدا يتحدث عن ذلك لكن ربما يستحق الامر بحثا.وفي السياق نفسه وبالحديث عن التوجه نحو الاستثمار في الليث يواجه المستثمرون عقبات عدة اولها غياب الجهاز الذي يعمل على تذليل ذلك وتسهيله، وهو ما يشير اليه رجل الاعمال الامير عبد الله بن سعود بقوله: ان ذلك يتطلب أن تكون هناك تسهيلات لرؤوس الأموال التي ترغب في الاستثمار، وأرى أن يتم إنشاء مجلس خاص بذلك يراعي ويتابع أمور الاستثمار في المنطقة بشكل خاص سيكون له دور كبير في ذلك، فالمستثمر الذي يريد أن يضع الملايين في مثل هذه المناطق لا يجد أمامه جهازاً يذلل له العقبات أو يقدم له التسهيلات.

ولخص الامير عبد الله بن سعود العقبات التي تواجه الراغبين في الاستثمار في مدينة الليث الساحلية في عدة نقاط مثل: تعدد جهات إصدار التراخيص، البطء في الإجراءات، ولهذا السبب لا بد من وجود مظلة خاصة تعتني بهم وتحقق مطالبهم، وهذه من أولى الأولويات التي يجب أن نبادر بها. وبينما اعتبر رجال اعمال ومهتمون الاستثمار في الليث مغامرة غير محسوبة، اعترض الامير عبد الله بقوله: أنا من الناس القلائل الذين فكروا في الاستثمار خارج المدن الكبيرة وهي تجربة فيها مغامرة وفيها تحدٍ ولكنها مغامرة محسوبة، فأنا أعرف الليث من 7 أو 8 سنوات وأزورها بصفة مستمرة وهي منطقة تتميز بتنوع مدهش في الحياة البحرية والجزر الرملية والمرجانية. ولو رأيت الانطباع الإيجابي لكل مجموعة سياحية تزور الليث ما تعجبت من هذه الخطوة الجريئة.

وفي سياق سياحي ينتظر مشروع آخر موافقة عدة جهات بعد أن وافقت امارة مكة وهيئة السياحة على اقامة منصة عائمة على شكل جزيرة، وهو ما يشير اليه الامير عبد الله بقوله: حصلنا على موافقة الامارة وهيئة السياحة وننتظر موافقات اخرى للبدء بتنفيذها، وهي عبارة عن جزيرة لتقديم الخدمات على مساحة الف متر مربع.

واستطرد: ان الليث من اهم الوجهات السياحية وهناك خطوات جادة من قبل امارة مكة وهيئة السياحة لتحديد مواقع استثمارية بها، سواء على جزيرة الليث او شاطئ الليث استعدادا لطرحها للاستثمار، وقد تبلغ المساحة التي ستطرح اكثر من 14 مليون متر مربع.

ولان أمير منطقة مكة المكرمة الامير خالد الفيصل رجل السياحة وخبيرها المعروف وقف على تلك المدينة البحرية البكر وجزرها الثلاث مطلع العام الهجري، فإنه لم يتردد لحظة في التأكيد لمجموعة من المسؤولين ورجال الاعمال عقب جولة بحرية على متن يخت طاف به بحر الليث لـ 3 ساعات بأنكم سترون محافظة الليث واجهة سياحية مميزة تلبي تطلعاتنا وتحقق آمالنا وتكون قبلة مفضلة للسياحة البحرية الجميلة بكل إمكاناتها.

وتتطلع بلدية الليث الى ان تلعب دورا مهما في المساهمة في تطوير تلك المنطقة وهي تشير اليه من خلال موقعها على الانترنت بأن من اهدافها الرقي بالمحافظة والقرى التابعة لها وتحرص على تفعيل الأفكار الهندسية المتقدمة والبناءة لدعم المشاريع العمرانية والسيطرة على أي معوقات تتعارض مع نجاح مشاريع النمو العمراني بصفة عامة.

وشكلت انشاءات الملاهي والحدائق وانشاء ساحة للاحتفالات الرسمية واختيار موقع لانشاء مخطط صناعي للورش وحل مشكلة السيول والأمطار والاهتمام بتطوير كورنيش الليث، ابرز المشاريع التي تعكف بلدية الليث على دراستها والعمل على اتمامها.

وهنا يوضح المهندس محمد علي القحطاني رئيس بلدية الليث المكلف في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» ان اجتماعا عقد أخيرا مكونا من مندوبين لـ 8 وزارات، للمناقشة والاتفاق على تحديد مواقع للاستثمار واعتمادها، وكانت 6 مواقع وقد اطلعنا عليها.

وأضاف: ان منطقة الليث بشكل عام، منطقة قابلة للاستثمار لانها تضم مواقع بحرية وبرية وكذلك مواقع اثرية.

وعن هذه المواقع التي يتم بحث طرحها للاستثمار، اوضح المهندس القحطاني انها ذات مساحات شاسعة وصل بعضها الى 23 كلم على امتداد الشاطئ وبين انها ستمنح لشركات ذات خبرة في مجال الاستثمار لانها مساحات كبيرة وتتطلب جهدا وخبرة.

وبين القحطاني ان مشروعا ضخما تم ترسيته على احد المستثمرين لانشاء منتجع في العين الحارة في الليث. وسط توقعات ان ينجح كمنتجع علاجي، نظرا للاستخدامات الطبية المعروفة للمياه الحارة في انحاء العالم.

وعن نقص الخدمات في محافظة الليث قال المهندس القحطاني: ان هذا الامر يشمل الساحل بصورة عامة من جنوب جدة وحتى جازان. لكنه اكد ان الحركة السياحية ستدفع بتوجه خدمي واستثماري في كل مكان.

ولأن الليث مدينة السياحة البرية والبحرية والاثرية، فإن معظم مرتاديها يحرصون على تنويع زياراتهم فيها، حيث تحتل الآثار مكانا بارزا في تلك المنطقة وفي مقدمة المواقع الاثرية بلدة السرين الاثرية التي يعود تاريخها الى نحو ألف سنة ألف فيها الباحث التاريخي حسن بن إبراهيم الفقيه كتاباً بعنوان «مدينة السرين الأثرية» ضمن سلسلة كتبه التي أعدها وألفها عن الآثار في تهامة. وورد اسم السرين في كتب الأدب الجغرافي عند العرب التي تعود إلى القرن الثالث الهجري ومما يدل على شهرة السرين في ذلك القرن وما بعده تبوؤها مكانة كبيرة في خارطة الأمكنة المشهورة في ديار العرب. وصور المقدسي في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري فقال: والسرين بلد صغير له حصن وهو فرضة السراوات، والسراوات معدن الحبوب والتمور البرية والعسل الكثير.

وقال العذري 393 - 478هـ: ان مدينة السرين عظيمة بسوق وجامع على البحر الأحمر، تم بناؤها بالخشب والحشيش، وجامعها مبني بالمدر، وسورها في البحر ولها مرعى، وزرعهم الذرة والسمسم، يسقى بماء السيل، قليلة البرد، وغلالهم قليلة، وتجلب لها الميرة من الحبشة وغيرها، ولباسهم الرداء والازار ومعاملتهم الدراهم.

وتأسف المؤلف الفقيه في كتابه الذي ألفه عن السرين على أنه بالرغم من وفرة النقوش بالسرين البارز منها والمحفور لا تجد أي خطاط أو ناقش سجل اسمه على عمله الغني وذلك في حدود ما صادفه من نقوش كما توجد المباني ومخلفاتها والأواني الفخارية والزجاجية.

من جانبها كشفت هيئة السياحة والآثار في تقرير حديث صدر أخيرا عن الليث وبعد زيارة لجنة مشكلة من 8 جهات حكومية لتصميم منظومة سياحية من الجزر الى الساحل والعمق الاستشفائي والثقافي عن وجود عدة مكونات أساسية لانطلاقة سياحية قوية لتكوين وتنمية هوية الليث الاقتصادية حسب ميزة وقدرة المحافظة التنافسية المتفردة ومنها جزيرة جبل الليث التي يوجد فيها 8 إلى 10 جزر مرجانية وصخريــة حول الجبــل وتتمتع بخصوصية فريدة. وتوقع التقرير أن تقترح المنظومة السياحية الاستراتيجية، استيعاب 5000 وحدة فندقية كدفعة قوية للتنمية الاقتصادية للمحافظة والمحافظات المجاورة ككل. وطالب التقرير إدارة تطوير المواقع السياحية بتصنيف المواقع لإبراز علاقة كل موقع ومنتجع بنوعية الجمهور المستهدف إضافة الى تنفيذ حماية فورية للبيئة وتنفيذ تصاميم عالية الحساسية البيئية لكامل المنظومة الاستثمارية من منتجعات بيئية ووسائل إيواء من عدة فئات ومستويات على الساحل والجزر وعلى المياه الكبريتية. وطالب التقرير إدارة الاستثمار بتصميم المرجعية للحقبة الاستثمارية للوجهة السياحية الجديدة وللمواقع المتاحة ودراسة استيعاب جبل الليث في التصاميم المبدئية لمدرج صغير للطائرات الخفيفة والهليكوبتر، أما المرحلة الثالثة، فتضم أربعة مكونات أساسية قوية لتكوين هوية الليث الاقتصادية وتتطرق الى قمم جبال الرازن جنوب مركز سعيا على الخط العام، وتتميز بالصخور التي تستخدم لرياضة تسلق الجبال والمرتفعات ووجود مناطق سفاري لرياضة التزحلق الرملي والتطعيس وتمتد مناطق رمال التزحلق في المنطقة من شرق الوسقة حتى مناطق بني هلال وما حولها شمالا ويمكن الاستفــادة منهــا فــي سباقات الدراجات النارية والسيارات. وتقع محافظة الليث جنوب غربي السعودية على ساحل البحر الأحمر على دائرة عرض 20 وخط طول40، وتبعد عن منطقة مكة المكرمة بنحو 180 كلم جنوباً وعن محافظة جدة بـ220 كلم، ويبلغ عدد سكانها حوالي 500 ألف نسمة تقريباً. وتعتبر الليث من أهم المحافظات الساحلية، كونها من أقدم الموانئ في المملكة، وحلقة الوصل الرابطة بين المناطق الجنوبية ومنطقة مكة المكرمة من حيث تبعية ميقات الحجاج والمعتمرين لهذه المحافظة، أما بالنسبة إلى الأهالي، فيعمل معظم سكان المحافظة في مهن مختلفة، تركزت في التجارة والزراعة وصيد الأسماك في منطقة الساحل والمنطقة الوسطى، بينما تغلب مهنة رعي الأغنام في المناطق الجبلية التابعة للمحافظة. وأسهم انتشار التعليم في خروج مجموعة كبيرة من أبناء المحافظة للعمل في القطاع الحكومي، وشهدت الليث قفزات خلال السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً من ناحية جذب الاستثمارات، إذ تحتضن اكبر مشروع لاستزراع الروبيان، إضافة إلى عدد من المشاريع السياحية البحرية.

وتُعدّ محافظة الليث ميناء تاريخياً ومركزاً إقليمياً للقرى والهجر المجاورة، وتمتاز بوقوعها على ضفاف ساحل البحر الأحمر، وتكمن أهميتها في إشرافها على الشريط الساحلي بطول 200 كلم، وقربها من ميقات أهـل اليمن الساحـلي (يلملم)، وكان سكان المحافظة يأملون في أن تطور الخطط الحكومية ميناءها حتى يصبح منفذاً جنوبياً لمكة المكرمة، ويستقبل الحجاج والمعتمرين المقبلين من دول جنوب وشرق آسيا ودول أفريقيا الجنوبية.