مصر: مقتل العشرات في انهيار صخري من جبل المقطم على منطقة الدويقة

غضب شعبي من بطء عمليات الإنقاذ.. وخبير جيولوجي قال إن الكارثة بسبب التآكل وعوامل التعرية والبناء فوق سطح الهضبة

مصريون يحاولون رفع الانقاض للبحث عن ضحايا بعد حادث الانهيار أمس (أ.ب)
TT

استيقظ سكان منطقة «الدويقة» الشعبية (شرق القاهرة) أمس على كارثة مروعة عندما سقطت ثماني كتل صخرية فوق 50 منزلا في التاسعة صباحا، كان أغلب سكانها مازالوا نياما، ليلقى 22 شخصا مصرعهم حسب حصيلة غير نهائية، وأصيب 35 آخرون، بينما لا يزال عدد غير معروف من السكان تحت الأنقاض.

وقال شهود عيان أن ثماني كتل صخرية سقطت من الجبل بارتفاع 40 مترا، تبلغ مساحة الكتلة الواحدة 15 مترا طولا و9 أمتار عرضا ويبلغ وزن الكتلة الواحدة من 100 إلى 500 طن. وأفاد مصدر أمني بأن أحد المقاولين كان يقوم بأعمال تطوير وتجميل بأعلى جبل منشية ناصر بتعليمات من رئاسة الحي في إطار خطة التطوير والتجميل وأن هذه الأعمال بدأت قبل أربعة أيام، مرجحا أن تكون هذه الأعمال وراء الحادث. وقال حسن ابراهيم حسن، 80 عاما، الذي نجا منزله من الانهيار «كان الامر مروعا. انقطعت الكهرباء وسمعنا دويا هائلا كما لو كان زلزالا واعتقدت أن هذا المنزل انهار. خرجت ورأيت أن الجبل بأكمله انهار». وأرسل عشرات من رجال الشرطة وعمال الانقاذ الى المكان اضافة الى عربات المطافئ والاسعاف والكلاب البوليسية ولكن السكان يشعرون بالغضب مما اعتبروه تعاملا غير مناسب مع الحادث. ووصف شهود العيان مئات من أفراد العائلات وهم يصرخون ويبكون كما تجمع الجيران حول مكان الدمار وهم ينتقدون السلطات المحلية وقالوا ان لهم أقارب وأصدقاء تحت الانقاض. وصرخ رجل في رجال الشرطة الذين يقفون في المكان «أنتم لا تفعلون شيئا... لو أنه مجلس الشورى لكان الجيش تدخل».

ورغم أن الرئيس المصري حسني مبارك تابع تطورات الحادث «لحظة بلحظة» بحسب تصريح رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف، إلا أن غضبا شعبيا ساد في موقع الانهيار نظرا لتأخر وبطء عمليات إنقاذ الضحايا، وهو ما فسره مصدر مسؤول بإدارة المطافئ والإنقاذ بالقاهرة بقوله «المنطقة شعبية وشوارعها ضيقة، والكتل الصخرية ضخمة وتحتاج إلى بلدوزرات كبيرة لرفعها، وهو ما يحتاج بعض الوقت للتجهيز له». ومع تصاعد الغضب الشعبي من بطء عمليات الإنقاذ دفعت القوات المسلحة بعدد من وحدات الإنقاذ التابعة لها للمساعدة في إخراج الضحايا والناجين، وبذلت هذه الوحدات جهودا كبيرا لفتح طريق يسمح بدخول معداتها الثقيلة إلى موقف الحادث الذي يتسم بوعورة شديدة. وعقد رئيس الوزراء المصري اجتماعا وزاريا أمس لبحث تداعيات الحادث المروع حضره وزراء الإسكان والصحة والتضامن الاجتماعي ومحافظ القاهرة، طالب خلاله بتقديم الدعم اللازم للمتضررين والعمل على سرعة توفير أماكن إيواء للذين انهارت منازلهم في هذا الحادث.

وأشار نظيف إلى أن الحكومة ستعمل على تعجيل خطة معالجة العشوائيات للعمل على الانتهاء منها والتي وصفها بأنها تنقسم إلى نوعين الأولى مبان سليمة أقيمت على أسس هندسية ولكن غير منظمة والنوع الثاني عشوائي ويجب إزالته. من جانبه، أعلن الدكتور عبد العظيم وزير محافظ القاهرة أن المحافظة ستخصص شقة بديلة لكل أسرة، كما ستصرف تعويضات لأسر المتوفين، والمصابين. وأشار إلى أنه شكل غرفة عمليات مركزية تعمل على مدار 24 ساعة برئاسة نائب المحافظ للمنطقة الشرقية لمتابعة تطورات الحادث، فيما اصدر أوامره إخلاء المنطقة وخاصة المساكن المقامة على حافة الجبل، خوفا من حدوث مزيد من الانهيارات.

وتعرف منطقة الدويقة بأنها منطقة عشوائية يقطنها مئات الأسر الفقيرة التي يعمل اصحابها في مهن متواضعة، وتعيش بعض هذه الأسر في غرفة واحدة في ظروف صعبة، وبعض منازل هذه المنطقة مبنية بالطوب اللبن، بينما المنازل المشيدة بالطوب الأحمر مقامة على منحدرات صخرية.

من جهته، أكد الدكتور يحيى الجزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان أن هذا الانهيار الصخري لم ينجم عن أي زلازل أو هزات أرضية، مشيرا إلى أن طبيعة تكوين جبل المقطم هي السبب في مثل هذه الانهيارات. وقال الجزاز لـ«الشرق الأوسط» «هذه الانهيارات ليست جديدة وتكررت عدة مرات على مدى السنوات العشر الأخيرة ولكن بأحجام مختلفة»، مشيرا إلى دراسة أجراها قارن فيها الصور الجوية التي التقطت للمقطم في الخمسينات بصور الأقمار الصناعية الملتقطة حديثا، موضحا أن الدراسة أثبتت أن معدل التآكل السنوي للمقطم يبلغ 1.7 من مساحته.

وأضاف «تآكل صخور المقطم يرجع إلى طبيعة تكوينها، حيث أنها مكونة من الصخور الجيرية والطفلة، وهذه الخور قابلة للتشقق والتآكل بفعل عوامل التعرية، كما أن البناء فوق سطح المقطم، ومد خطوط الصرف الصحي ومياه الشرب والتسريبات التي تحدث من هذه الخطوط تجعل المياه تتسرب عبر الشقوق الصخرية إلى الطفلة، التي تنتفش بفعل المياه وتؤدي إلى تساقط الصخور».

واعتبر الخبير الجيولوجي أنه كان من الخطأ البناء في بعض الأماكن في المقطم، وقال «في مصر لا يهتم المهندسون المعماريون كثيرا بآراء الجيولوجيين قبل اختيار مواقع البناء، رغم أهمية الدراسات الجيولوجية، وهو ما ينتج عنه مثل هذه الكوارث»، ودعا الحكومة إلى مراجعة مواقع البناء فوق سطح المقطم لتجنب مثل هذه الكوارث مستقبلا.

من جانبها، حملت الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب (أكبر كتلة معارضة داخل البرلمان المصري وتمتلك 86 مقعدا) الحكومة المصرية المسؤولية عن وقوع هذا الانهيار، قائلة على لسان رئيسها الدكتور محمد سعد الكتاتني «نواب الإخوان والمعارضة قد سبق أن حذروا منه، وذلك بعد وقوع انهيار مماثل في منطقة منشأة ناصر المجاورة للدويقة منذ سنوات». وطالب الكتاتنى الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لتوفير مساكن بديلة للمضارين ووضع خطط عاجلة لعدم تكرار مثل هذا الحادث، سواء في المنطقة، أو في مناطق أخرى.