السعودية: مواسم الحج والعمرة تغير قوالب الاستثمار العقاري في مكة المكرمة

تسببت بعد تخصيصها لزوار الموسم في أزمة المساكن الدائمة

تشهد مكة إعادة تطوير من خلال توزيع المنفعة العقارية على اكبر قدر ممكن من المساحة حول الحرم المكي الشريف («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد مكة المكرمة عمليات انشاء واسعة ضمن منظومة تطويرية ذات أبعاد دينية واقتصادية واجتماعية تعمل الحكومة السعودية على تحقيقها. ومن الملاحظ أن المشاريع العقارية في الخطة التطويرية تشكل نقلة نوعية في العقارات المحيطة بالحرم المكي الشريف تهدف الى توزيع الفائدة على المنطقة كلها وليس فقط المنطقة المركزية الواقعة ضمن منطقة المسجد الحرام. وشهدت الأعوام الماضية اهتمام مجموعة كبيرة من المستثمرين في مكة المكرمة باستثمار المواسم فقط، وبشكلٍ خاص موسم الحج والعمرة في شهر رمضان، وهو ما تمخض عنه ضعف المعروض في السكن الدائم في العاصمة المقدسة. ونتيجة ذلك كانت خلق معوقات للباحثين عن مساكن، خاصةً من العرسان حديثي الزواج. ورأى بعض المستثمرين أن خريطة مكة التوسعية لم تتغير منذ 10 سنوات في وقتٍ تشهد فيه العاصمة المقدسة نمواً سكانياً هو الأعلى من نوعه في البلاد. ويعمل الكثير من ملاك العقارات إلى تأجير الوحدات السكنية في المباني المحيطة بالمسجد الحرام على شكل شهري أو سنوي، وهذا يكون مشروطا ويفرض على المستأجر خروجه في مواسم الحج والعمرة في شهر رمضان الكريم، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام المستأجرين الذين يزداد أعدادهم باستمرار.

من جهته أوضح مشعل الزايدي صاحب مجموعة الزايدي العقارية، أن كثيراً من الأحياء خارج المنطقة المركزية في مكة المكرمة أصبحت أكثر رغبة في سكنها لجودتها وتوفرها، بالإضافة إلى ان السكن في المنطقة المركزية مرتفع التكاليف والسكن خارج المنطقة منخفض السعر ولا يكلف الحاج سوى المواصلات من وإلى الحرم.

ولفت الزايدي الى أنه لابد من التفكير في ارتفاع قيمة الأراضي في مكة المكرمة، وذلك من خلال تعويض ارتفاع السعر في الارتفاعات للمباني، وبالتالي الاستفادة أكثر من الوحدات السكنية، مبيناً أنه من الأفضل معالجة الارتفاعات في المخططات الحديثة، والتغير الذي اعترى سوق العقارات والأراضي في مكة أخيرا، والمتمثل في التدفق النقدي، والذي يقدر بنحو 28 مليار ريال (7 مليارات دولار) نتج عنه ارتفاع وحراك اقتصادي كان من شأنه حسب الزايدي لفت نظر المستثمرين نحو مكة المكرمة.

وأضاف الخبير العقاري أن النمو في المدينة يحتاج إلى إعادة تفكير، خصوصا تنفيذ الطرق الدائرية التي ينبغي التعجيل بها لاحتواء مشاكل الاختناقات المرورية، والتي تعرقل أعمال النمو والحركة العمرانية. من جهته أشار بندر الحميدة المستثمر العقاري في مكة المكرمة أن تفاقم مشكلة الإسكان في مكة يعود إلى نقص الوعي لدى المستثمرين، وذلك كون الكثير منهم يوجهون اغلب استثماراتهم إلى سكن الحجاج، مما خلق أزمة عمرانية وسكنية، حيث انصب تفكير الجميع على شراء العقارات التي تؤجر للحجاج، مبيناً أن الفجوة بدأت من هذا الفكر بالتحديد، مما أدى إلى ضعف المعروض من الإسكان الدائم، وهذا ادى إلى زيادة أعداد الأسر والمتزوجين وانعكس سلبيا على النمو السكاني الذي تشهده السعودية عموماً ومكة بشكلٍ خاص، التي تملك أعلى نسبة نمو سكاني.

وأشار الحميدة أن المشكلة هي في غياب التنوع الاستثماري الذي يحتاج الى بناء مساكن للمواطنين بالإيجار الدائم، والمشكلة الثانية تتمثل في غياب المخططات الجديدة التي تلبي احتياجات المواطن وقلة المخططات السكنية، بالإضافة إلى زيادة عدد السكان خلال 15 عاما المنصرمة، والتي زادت بمعدل يتراوح من 30 إلى 40 في المائة، بالرغم من ان المخططات السكنية في العاصمة المقدسة لم تتخط نسبة 50 في المائة خلال العشر سنوات الماضية.

ولفت المستثمر العقاري أن المشكلة الثالثة تكمن في أن المخططات السكنية الموجودة تفتقر لنظام الارتفاعات المطلوب، حيث ان النظام الحالي، لا يلبي الحاجة الإسكانية للمواطن، والحل السريع يتطلب تدخلاً مباشراً لإنهاء مشكلة الأدوار الصغيرة كمخطط في أحياء داخلية كحي بطحاء قريش وحي العوالي وحي الشرائع، مشيراً أن المشكلة الإسكانية في مكة يجب حلها دون الانتظار لسنوات مقبلة، لأن النسبة الأكبر في عدد سكان السعودية يتمثل في فئة الشباب، والذين يشكلون نحو 60 في المائة، بالإضافة إلى عدم تملك أكثر من 60 في المائة منازل.

إلى ذلك تحدث محمد علي المتخصص في الشأن العقاري بالعاصمة المقدسة أن عمليات البناء في مكة ليست كغيرها من المدن السكنية في الاستثمار والتطوير العقاري، وذلك لمكانتها الإسلامية وطبيعة جغرافيتها الجبلية الوعرة، الأمر الذي يؤثر على الاستثمار العقاري فيها، وذلك من خلال زيادة التكلفة للمشاريع وارتفاع سعر المتر المربع أو الاستثمار بالانتفاع وانحصار ذلك في مساحات مقننة سواء للعبادة أو الخدمات أو الطرق والمواصلات. وأضاف الباحث العقاري أن من أهم هذه المشاكل التضخم غير الحقيقي للأسعار، حيث يعمل المستثمرون على استهداف الشرائح السوقية بالمنطقة المركزية للحرم المكي الشريف ذات القدرة الشرائية المرتفعة، وتنافس كبرى الشركات لإيجاد مناطق تطويرية، وبالتالي فان مناخ الاستثمار العقاري في مكة المكرمة غير واضح المعالم وعالي المخاطر.

واعتبر محمد علي أن الاستثمار في العقارات استثمار طويل الأمد، حيث تتميز دورة العقارات بعمر طويل تتراوح ما بين 13 سنة إلى 17 سنة، مما يعني أنها تبدأ في نقطة وتعود إلى نفس النقطة، مشيراً أنه يجب تحديد شكل الاستثمار، سواء كان بشكل انتفاع أو تطوير أم شراء ملك وحيازة، وبالتالي فإن العائد على رأس المال سيكون استثمارا طويل الأجل لارتفاع سعر المتر وكثرة المنافسة بالمنطقة المركزية للحرم.