إبراهيم يزدي لـ«الشرق الأوسط»: الشعب الإيراني هو الخاسر الأكبر

أول وزير خارجية بعد الثورة يروي قصة لقاءه مع سيروس فانس وكيف لم يعارض الخميني لقاء الأميركيين

TT

لا يكف إبراهيم يزدي أول وزير خارجية إيراني بعد الثورة الإيرانية 1979 عن مراجعة نفسه، ومراجعة كل ما حدث في إيران خلال السنوات الثلاثين الماضية. وعلى الرغم من أنه تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أن الشعب الإيراني «يعد الخاسر» الأكبر بعد ثلاثين عاما من الثورة، وأن طبقة جديدة تحكم إيران من الحرس الثوري ورجال أعمال فاحشي الثراء، فإنه يفصل بين «الثورة» بوصفها «ثورة كلاسيكية» وبين «النظام الإيراني» حاليا، موضحا في الوقت ذاته أنه متفائل بمستقبل إيران «فهي تتجه صوب الديمقراطية، بغض النظر عن مدى المسافة التي ربما تفصل بينها وبين تحقيق هذا الهدف». وهنا نص الحوار

* كيف ترى إيران بعد 30 عام من قيام الثورة؟ ما الإنجازات وما الإخفاقات من وجهة نظرك؟

ـ أنا أفصل بين الثورة وبين سلوك سلطات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأعتبر الثورة ثورة كلاسيكية شعبية أصيلة، غيرت من الصراع التاريخي بين التقاليد والحداثة لصالح الحداثة في إيران. كانت طموحات ثورتنا تنحصر في ثلاثة أشياء: الحرية والاستقلال والجمهورية الإسلامية. وكنا نعني بالاستقلال إنهاء هيمنة القوى الأجنبية على بلادنا. ونحن مستقلون اليوم، فلا تُملي قوة خارجية على السلطات في إيران ماذا يجب أن تفعل، كما كان يحدث في فترة حكم الشاه.

وكنا نقصد بالحرية أن نتحرر من القمع والظلم، وأن تكون لنا حقوق طبيعية أساسية، مثل حرية التعبير والتجمع وممارسة الأنشطة السياسية، وهذا لم يحدث. أما الهدف الثالث فكان: الجمهورية الإسلامية (أى دستورية جمهورية في إطار إسلامي). ولكن يُنتهك الدستور باستمرار.

* في إطار إعادة التفكير فيما حدث وكيف حدث.. هل أحيانا تحمل التيار الليبرالي جزءا من مسؤولية ما حدث من صدام مع التيار الديني في بداية دولة الثورة؟

ـ نعم. لم يستوعب المثقفون، سواء المثقفون المتدينون أو العلمانيون، أهمية مواقفهم التاريخية، والتشكيل السياسي للتيارات المشاركة في الثورة، ومكانة ودور وتأثير كل تيار. فقد قللوا من قدر التأثير الذي يتمتع به رجال الدين على عامة الشعب. وفي الوقت ذاته، بالغوا في تقدير نفوذهم. وعلاوة على ذلك، وقفوا إلى جانب رجال الدين ضد حكومة مهدي بازركان وزملائه عند أول صدام.

* كيف بدأت هذه التوترات بين القوى المختلفة في الثورة الإيرانية؟ ـ أثناء الثورة، كانت جميع الأحزاب والفصائل السياسية، اليمينية أو اليسارية أو الدينية أو غير الدينية متفقة على ما لا تريده، وهو: أن الشاه يجب أن يغادر، وأنه تجب الإطاحة بنظام حكم الشاه الاستبدادي، وإنهاء هيمنة القوى الأجنبية على شؤوننا الداخلية. لكن لم يكن هناك مثل هذا الإجماع بين كل هذه القوى على البديل الذي سيحل مكان نظام الشاه. ولهذا، بدأ الخلاف على الفور بعد الثورة. أما السبب الثاني للنزاع فكان حقيقة التكوين الاجتماعي لمجتمعنا، حيث تخضع غالبية الشعب لتأثير قوي من قبل رجال الدين. وقد شارك ملايين من الناس في الثورة. وهكذا أصبح المثقفون، المتدينون وغير المتدينون، أقلية أمام رجال الدين، وبالتالي وجد رجال الدين قاعدة قوية بين عامة الشعب الإيراني، ولم يكن رجال الدين ليرضوا بأي شيء خلاف السلطة المطلقة، وبالتالي حل محل شعار الثورة: «جميعا معا» شعار آخر هو «الجميع معي، وإن لن تكن معي فأنت ضدي».

* من واقع تجربتك، كيف تم تهميش الجناح الليبرالي في الفترة الأولى بعد الثورة؟

ـ كان رئيس الوزراء مهدي بازركان وزملاؤه في مجلس الوزراء يعتقدون أن المرحلة المدمرة (السلبية) في الثورة انتهت، وأننا يجب أن نبدأ في مرحلة بناء الدولة (أو المرحلة الإيجابية). ولكن في المرحلة الثانية من الثورة، أى مرحلة بناء الدولة، فكانت الأهداف أصعب كثيرا فيما يتعلق بتحقيقها، وكانت تحتاج إلى الكثير من التخطيط، ولم يمكن تحقيقها بسرعة، وكان تنفيذها يحتاج إلى نظام. (فيما هناك تيارات أخرى ثورية لا تريد بناء الدولة، بل مواصلة الثورة). في كل الحالات كان المناخ السياسي فيما بعد الثورة مشتعلا بشدة، وكان صوت العقل والمنطق غائبا.. وقد تحدثت مع الخميني حول المخاطر التي ستواجهنا إذا استمر الصراع بين التيارات التي قادت الثورة، لكن لم يتحقق شيء.

* من كانوا اللاعبين الأساسيين وسط التيار الديني الذين قادوا عملية إبعاد الجناح الليبرالي من مؤسسات الحكم بعد الثورة؟

ـ في الواقع كان هناك الكثير من رجال الدين الذين لم يشاركوا الخميني الآراء الدينية والسياسية ذاتها. لكن رجال الدين كان لهم أثر كبير على الجماهير، وكان على الخميني أن يضع آراءهم في الاعتبار أيضا. أعتقد أن الذي حدث أشبه بشد وجذب بين الخميني ورجال دين أكثر راديكالية منه، كانت لهم أراء مخالفة. وبالتدريج سادت وجهة نظرهم.

* هل صحيح أن آية الله الخميني لم يكن يعرف مسبقا بأمر اجتماعك مع زبيجنيو بريجنسكي في الجزائر، وأنه عندما علم بالأمر في وقت لاحق شعر بتهديد من الجناح الليبرالي، وأنهم يسعون إلى السيطرة على الحكومة والسياسات، وكان هذا أحد أسباب سوء التفاهم بين الليبراليين ورجال الدين؟

ـ لقد وافق الخميني على مخطط السياسة الخارجية للحكومة المؤقتة بقيادة بازركان. ووافق تماما على سياساتنا تجاه حكومة الولايات المتحدة. ولم يكن سلوكا معتادا أن يُطلب رأيه في تفاصيل كل تصرف دبلوماسي نفعله، أو أفعله كوزير خارجية. ولم يكن هذا أول اجتماع لنا مع مسؤول أميركي رفيع المستوى. ووفقا لهذه السياسات، عندما طلب وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس عقد اجتماع معي أثناء زيارتي إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة رقم 34 في الأمم المتحدة، قبلنا الدعوة وعقد الاجتماع ولم يعارض أي شخص، ولا الخميني. ولم تكن معارضته لاجتماعنا مع بريجنسكي في الجزائر بسبب شعوره بالتهديد من قبل بازركان وزملائه في الحكومة المؤقتة. لقد كانت هذه الحكومة كيانا انتقاليا، مسؤولة عن إتمام الدستور الجديد وإجراء انتخابات من أجل مؤسسات الدولة الدائمة. لذا لا يوجد أساس لمثل هذا الشعور. ولا أعتقد أنه شعر بالتهديد.

* بعد مرور 30 عاما على الثورة، من هم الفائزون ومن هم الخاسرون في إيران؟ ـ الخاسرون الحقيقيون هم أبناء الشعب. لقد دفعت بلادنا ثمنا غاليا للصراع والنزاع القائم بين فصائل الثورة المختلفة. وخسر رجال الدين نفوذهم التاريخي على العامة، وارتكبوا خطأ استراتيجيا بتولي مناصب الحكم في الدولة. والواقع أن التوترات والصراعات بين القوى الإصلاحية والمحافظة في إيران اليوم تذكرني في شيء منها بالتوترات بين القوى الدينية والليبرالية واليسارية والقومية بعد قيام الثورة.

* يتردد أن التوترات في إيران بين التيارات المختلفة تعود في جانب منها إلى ظهور قوى جديدة تنافس على الحكم في إيران. فمن هى هذه القوى، وما هو دور الحرس الثوري؟ ـ الأنشطة السياسية التي يمارسها الحرس الثوري في إيران اليوم مخالفة للقانون، ودخولهم في الأنشطة الاقتصادية يتناقض تماما مع تأثيرهم على المدى الطويل. والواقع أن الذي يحكم إيران اليوم هو مزيج من قادة الحرس الثوري وخامنئي وطبقة جديدة فاحشة الثراء، وبعض آيات الله ذوي النفوذ.

* هل أنت متفائل أم متشائم بشأن مستقبل إيران؟

ـ أنا متفائل بشأن مستقبل بلادي، فهي تتجه صوب الديمقراطية بغض النظر عن مدى المسافة التي ربما تفصل بينها وبين تحقيق هذا الهدف.