محكمة الحريري (الحلقة 3): من يملأ الفراغ السوري ؟

نائب سوري سابق: المحكمة سياسية.. واحتمال استغلالها سياسيا قائم * صلوخ: لنا كامل الثقة بمحكمة الحريري

جنود سوريون يغادرون لبنان عن طريق حمانا متوجهين الى الحدود اللبنانية ـ السورية في أبريل (نيسان) 2005 (أ.ف.ب)
TT

عندما اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، راحت أصابع الاتهام في لبنان تشير إلى سورية، وبدأت الأصوات المطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان، تعلو. وانضم تيار المستقبل الذي أسسه الحريري، والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، علانية إلى القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والتيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون، بالدعوة إلى الانسحاب السوري، في سابقة لم يشهدها لبنان من قبل.

وبعد ثلاثين عاما من دخول «قوات الردع» السورية إلى لبنان في مهمة كان هدفها تهدئة الحرب الأهلية، وهي مهمة لم تنته رغم انتهاء الحرب الأهلية، بدأت القوات السورية بالانسحاب بعد أسابيع قليلة من اغتيال الحريري. وفي 26 أبريل (نيسان)، أنهت القوات السورية انسحابها ممتثلة بذلك للقرار رقم 1559 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في سبتمبر (أيلول) عام 2004. بدأ الضغط على سورية فعليا لتنفيذه بعد اغتيال الحريري، أو كما يقول النائب السابق في مجلس الشعب السوري وعضو اللجنة المركزية لحزب البعث فيصل كلثوم لـ«الشرق الأوسط»، إن الانسحاب السوري من لبنان لم يأت فقط بسبب قرار دولي ولكن أيضا «رغبة منا بالانسحاب»، لأن سورية «لا تبحث عن سطوة على القرارات في لبنان لا الآن ولا قبل».

بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، بدأت خريطة سياسية جديدة بالارتسام على الساحة اللبنانية. فعاد ميشال عون من منفاه في باريس حيث قضى 15 عاما، وخرج سمير جعجع من سجنه، وتشكلت تحالفات جديدة أفرزت جبهتين سياسيتين في البلد: 14 آذار التي تضم تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، و8 آذار التي تضم بشكل أساسي حزب الله ومعها حركة أمل والتيار الوطني الحر وأحزاب أخرى صغيرة حليفة لسورية. ومنذ صيف عام 2005، يحكم فريق 14 آذار بعد فوزه بالانتخابات النيابية، ولكن ليس حكما مطلقا، بل حكما بالتوافق... لا غالب فيه ولا مغلوب.

«كعك كعك.. كعك كعك»! صراخ البائع المتجول وهو يجرّ عربته في شوارع بيروت، كان يتردد في الأحياء السكنية الضيقة للعاصمة ليوقظ السكان من قيلولة بعد الظهر، ويدفعهم إلى شرفاتهم بحثا عن «كعكة العصرونية». اعتاد البيروتيون صراخ باعة الكعك كل يوم، واعتادوا شكل هؤلاء الباعة النمطي الذي أصبح مرتبطا بأكل الكعك بالنسبة إليهم. حتى طلاب الجامعات كانوا يجدون بائع الكعك متربصا أمام مدخل الجامعة طوال اليوم، على أمل أن يغري الطلاب بكعكة يملأها بالزعتر والسماق أو الجبن. باعة الكعك في لبنان كانوا يتميزون بسحنة سمراء اكتسبوها من التجوال في الشمس طوال النهار. وكان معظمهم يربي شاربين، ويرتدي صندالا بني اللون يكشف أصابع أقدامه المتسخة بغبار الطرقات. كل حي في بيروت كان لديه بائع الكعك الخاص به. وكل جامعة تقريبا، في بيروت وضواحيها، كان لديها بائع الكعك الخاص بها. أصبح بائع الكعك جزءا من الروتين اليومي لسكان بيروت. أحيانا تجده يتجول بين الشوارع ويدخل الأزقة الضيقة، وأحيانا أخرى تجده مستلقيا في ظل شجرة، يجلس بهدوء يراقب المارة. رويدا رويدا لم يعد بائع الكعك المتجول في بيروت أكثر من صورة في الذاكرة الجماعية لسكان المدينة. بدأ صوته يخفت بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وخفّ تردده على الأحياء السكنية والجامعات... إلى أن اختفى بشكل شبه كلي. غادر باعة الكعك عائدين إلى بلدهم، سورية، ومعهم غادر عمال البناء السوريين، والعاملون منهم في محطات البنزين وأماكن غسل السيارات... كلهم عادوا إلى سورية تدريجيا حتى بدا وكأنهم انسحبوا مع انسحاب الجيش السوري ومخابراته من لبنان. لا أحد يمكنه أن يقدر بشكل دقيق عدد العمال السوريين الذين كانوا يعيشون ويعملون في لبنان، ولكن بعض الخبراء الاقتصاديين يقولون إن عددهم كان يبلغ نحو نصف المليون قبل عام 2005. واثر اغتيال الحريري، غادر حوالي 70 بالمائة منهم عائدين إلى موطنهم، بعد أن بدأت موجة من الاعتداءات على العمال السوريين نفذها غاضبون من مؤيدي الحريري الذين اتهموا سورية بقتل رئيس الوزراء السابق.

هذه الاعتداءات على السوريين في لبنان، كانت نذير بداية عهد جديد للعلاقات اللبنانية – السورية.

... وعلى وقع التظاهرات اليومية بعد اغتيال الحريري والمطالبة المستمرة بخروجهم، والضغط الدولي، خرج الجيش السوري من لبنان بعد ثلاثين عاما على دخوله، جنوده ترفع علامات النصر وهم يغادرون على متن آلاتهم الحربية من نقطة المصنع الحدودية. ومع خروجهم، بدأت صورة سياسية جديدة تتشكل في لبنان.. وبرزت معها مشكلة الحكم. ففي كل البلاد الديمقراطية، تحكم الأغلبية التي تفوز في الانتخابات وتعارض الأحزاب الخاسرة.. إلا في لبنان. «خلال فترة الوجود السوري في لبنان، كان هناك مرجع واحد في البلد: سورية. الباقون كانوا لاعبين تحت هذا السقف. أما الآن فلا مرجعية واحدة تحكم الصراع السياسي القائم، إذ لم يعد هناك من سقف واحد»، يقول الكاتب اللبناني والمحلل السياسي علي الأمين. ويضيف متحدثا لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك جهة، قادرة على تنفيذ ما تريد لوحدها. فلا حزب الله بالمعنى المؤسساتي يمكنه تمرير قرار من دون موافقة الأكثرية، ولا الأكثرية يمكنها أن ترفض قرارات استراتيجية كبيرة». السلطة المطلقة التي كانت تتمتع بها سورية على القرارات اللبنانية الداخلية والخارجية، والتي كانت تختصر بـ«وحدة المسار والمصير»، أصبحت مفتتة بعد خروج قواتها من لبنان، وتوزعت سلطاتها على الأحزاب الأقوى التي برزت على الساحة اللبنانية، ولكن ثمة أحزابا استفادت من الخروج السوري أكثر من أخرى. وعلى الرغم من أن النفوذ السوري في لبنان لم ينته كليا رغم انسحاب القوات السورية، إذ لا يزال مؤثرا عبر حلفائها في لبنان، ولكنه تراجع كثيرا. يعطي الأمين مثالا على ذلك العلاقة بين سورية وحزب الله، ويقول «إن سورية قبل انسحابها من لبنان كان بإمكانها أن تتحكم بالكثير من قرارات حزب الله، سواء الخارجية (المواجهة مع إسرائيل)، أو الداخلية». ولكنه يشير إلى أنه بعد انسحاب سورية من لبنان، بقي التحالف بينهما، ولكن أصبح بإمكان حزب الله أن يقول لا أحيانا للسوريين». ومكان الفراغ الذي نتج عن تراجع النفوذ السوري، برز النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله، ونفوذ يتوزع على جهاز الدولة الذي تسلمته 14 آذار. إلا أن أكثر من استفاد من انسحاب سورية، بحسب الأمين، واستطاع أن يستثمر الانسحاب السوري أكثر من غيره، كان حزب الله. يقول الأمين إن «مساحة الحركة التي بات يتمتع بها حزب الله في لبنان بعد انسحاب سورية أصبحت كبيرة لدرجة لم تكن مسبوقة في تاريخ حزب الله».

وأصبح بإمكان حزب الله ميدانيا أن يفرض وجوده في أي مكان من لبنان من دون أن يتمكن أحد من ردعه، لا القوى الأمنية ولا الجيش اللبناني، ولا باقي الأحزاب الأخرى كونه يتفوق عسكريا عليها وعلى مؤسسات الدولة العسكرية. وقد ثبت ذلك من خلال الاشتباكات التي وقعت في 7 مايو (أيار) بين حزب الله وحركة أمل من جهة وأنصار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة أخرى. ويقول الأمين إن تلك الاشتباكات «أكدت إلى أي مدى بات حزب الله بإمكانه الإمساك بالمفاصل الأمنية في البلاد، من دون أن تتمكن السلطة الأمنية للدولة والجيش أن تمنع سيطرته هذه».

وقد تحولت السلطة الأمنية التي كانت تتمتع بها سورية من خلال وجودها في لبنان، إلى حزب الله أيضا. وحتى أن البعض في لبنان يصف وفيق صفا، المسؤول الأمني في حزب الله، بأنه غازي كنعان أو رستم غزالي (رئيسا الاستخبارات السورية سابقا في لبنان)، كونه على اتصال دائم بالجيش والأجهزة الأمنية المختلفة لتنسيق الوضع الأمني. يعلق الأمين على ذلك ويقول إن سلطة حزب الله الأمنية ليست «سلطة بالمعنى الرسمي لها، ولكنها موجودة على الأرض، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك». وبالإضافة إلى سلطته الأمنية التي يفرضها، فإن حزب الله غالبا ما يعتمد على مخابراته لاعتقال عملاء لإسرائيل، ويعمد إلى اعتقال أشخاص والتحقيق معهم سرا لأيام، ثم يسلمهم إلى الجيش اللبناني الذي يقدمهم للقضاء على أنهم عملاء لإسرائيل.

ولكن وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ المقرب من حركة أمل (حليفة حزب الله)، يشدد على أن حزب الله هو حزب «سياسي وحركة تحريرية». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله قام بواجباته التحريرية وما زال هناك أراض محتلة، وهو انطلاقا من هنا على تنسيق دائم مع الجيش اللبناني».

وفي حين يقول النائب محمد قباني، الذي ينتمي إلى كتلة المستقبل النيابية، إن حزب الله «لم يتأثر سلبا بانسحاب سورية بل على العكس»، يشير إلى أن تيار المستقبل كان من المستفيدين من خروج القوات السورية، ولكن حتى تيار المستقبل الذي فاز بأكبر كتلة نيابية في البرلمان في انتخابات عام 2005، يبدو غير قادر على الحكم بشكل مطلق. يصف قباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» الحكم في لبنان اليوم بأنه «معقد»، ويقول إن هناك «أكثرية نيابية ولكن لا تستطيع أن تحكم بحرية مع وجود معارضة تتمتع بالثلث المعطل داخل مجلس الوزراء وتستطيع تعطيل القرارات».

وبعد أربع سنوات تقريبا على خروج الجيش السوري من لبنان، وفي ظل تجاذب هذه القوى «الفتية» على الساحة السياسية في لبنان، لا تزال العلاقات السورية – اللبنانية غير مستقرة وهي مهددة بالاشتعال من جديد في أي لحظة. وقد يكون تبادل السفارات الذي كان أحد المطالب الأساسية لفريق 14 آذار، والذي جرى تنفيذه، قد هدأ من التوترات بين البلدين آنيا، إلا أنه ثمة قضايا أساسية لا تزال عالقة بين سورية ولبنان، مثل ترسيم الحدود في مزارع شبعا، وقضية المفقودين اللبنانيين في سورية، إضافة إلى محكمة الحريري الدولية التي قد تشعل التوترات بين البلدين من جديد.

يصف فيصل كلثوم، النائب السوري السابق الذي شغل مقعدا في مجلس الشعب منذ عام 2003 حتى عام 2007، العلاقات السورية اللبنانية اليوم بأنها «فوق الممتازة»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن علاقة سورية بلبنان كانت «دائما جيدة». يرفض كلثوم الذي كان يرأس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، الحديث عن مفقودين لبنانيين في سورية، ويقول إن هذا «الحديث هو من باب الدعاية لأن سورية واضحة ويعلمون أنه ليس هناك من أشخاص (مفقودين في سورية) باستثناء الموقوفين جنائيا بشكل واضح». وفي المقابل، يتحدث عن مفقودين سوريين في لبنان «يبلغ عددهم 1300 شخص»، يقول إن منهم من فقد منذ زمن ومنهم لا يتجاوز فقدانه السنتين. ويذكر كلثوم باعتداء اللبنانيين على العمال السوريين بعد اغتيال الحريري، ولكنه يقول إن «السوريين معتادون دائما على خطأ الأخ الأصغر.. نحن نتسامح دائما من أجل الأمة ومن أجل تاريخنا». إلا أن قباني ينفي أن يكون هناك سوريون فقدوا في لبنان في السنتين الماضيتين، ويقول إن المفقودين السوريين الذين تتحدث عنهم سورية وتقول إنهم اختفوا في الماضي البعيد، عليها أن تراجع في هذا الأمر، إذا صح، الأجهزة الأمنية السورية والأجهزة اللبنانية التي «كانت حليفة لها في ذلك الحين، لأن الأمن العام وقى الأمن الداخلي والحرس الجمهوري ومخابرات الجيش، كلها كانت على علاقة وثيقة جدا، أشبه بوحدة حال، مع سورية». ويضيف: «لا اعتقد أنه فقد سوريون في لبنان في العامين الأخيرين، وإلا لكنا سمعنا أسماء المفقودين وتكون هناك مطالبات بصوت عال. ما حصل هو اعتداء بالضرب على بعض العمال السوريين، وهذا أمر مرفوض ومستنكر». أما عن مشكلة ترسيم الحدود، فيقول كلثوم إنه «لا يمكن الترسيم في ظل احتلال أرضنا». ويريد لبنان ترسيم الحدود مع سورية لكي يحصل على اعتراف خطي من سورية بلبنانية مزارع شبعا التي تحتلها القوات الإسرائيلية، لأنه بحسب خرائط الأمم المتحدة، فإن هذه المزارع سورية. ويتم التعامل دوليا مع مزارع شبعا على أنها جزء من الأراضي السورية، ولذلك فإن القرار 425 الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من لبنان، يعتبر منفذا بنظر المجتمع الدولي. وعلى الرغم من أن سورية تقول شفهيا إن المزارع لبنانية إلا أنها ترفض الترسيم والاعتراف بذلك خطيا. وتبقى قضية محكمة الحريري التي تفتتح يوم الأحد المقبل والتي قد تنعكس توترا على العلاقات اللبنانية – السورية، بحسب لوائح الاتهام التي من المفترض أن يتقدم بها المدعي العام الكندي دانيال بلمار خلال الشهرين المقبلين. إلا أن كلثوم، النائب السوري السابق، يبدو واثقا من أن العلاقات اللبنانية – السورية لن تشهد أي توترات على خلفية المحكمة «لأنه يستحيل أن يكون لسورية أي دور في هذه المشكلة». ويردد كلثوم كلام «السيد الرئيس بشار الأسد» الذي قال «انه إذا تبين أن مواطنا سوريا مساهما في هذا الموضوع، قد يصل جرمه إلى حد الخيانة الوطنية». وعلى الرغم من أنه يكرر أن «سورية غير معنية في هذا الموضوع»، ويؤكد أن «سورية غير مهتمة بالأسباب» التي دفعت إلى تدويل قضية اغتيال الحريري، فهو يضيف أن الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي للضغط على دمشق، هي «سياسية.. سورية واضحة وهي رائدة دول الممانعة العربية التي يقف وراءها كل مواطن عربي ممانع». ويقول كلثوم إن «احتمال استغلال المحكمة سياسيا قائم، مثلما احتمال النزاهة قائم».

ويشدد كلثوم على أن التعاون الذي تقدمه سورية للمحكمة، هو شبيه بالتعاون الذي تقدمه دول كثيرة أخرى، ويقول: «سورية تتعاون دائما مع قرارات الأمم المتحدة عندما تكون في منطقها السليم وتتماشى مع القانون الدولي». ولكنه يعود ويكرر أن «المحكمة كلها شأن لبنان ولا اهتمام لأي مسؤول أو مواطن سوري عادي فيها». أما وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ، فيؤكد أيضا أن المحكمة لن تتسبب بتوتر في العلاقات الثنائية بين الدولتين الجارتين. وصلوخ الذي كان من بين وزراء حزب الله وأمل الذين انسحبوا من الحكومة في عام 2006 بعد يوم من تسلم الحكومة مسودة قرار إنشاء المحكمة الدولية وكان من المتوقع أن توافق الحكومة في جلسة استثنائية عليها، يشدد على أن «لا أحد ضد المحكمة.. هي محكمة دولية مستقلة تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة ولنا ملء الثقة بها.. وهمنا الأول اكتشاف المجرمين وظهور الحقيقة». وبانتظار إصدار المدعي العام لمحكمة الحريري لوائحه الاتهامية، ينشغل اللبنانيون والسوريون بإتمام خطوات التبادل الدبلوماسي بينهما، وهو أول تبادل دبلوماسي في تاريخ البلدين. وعلى الرغم من عدم تسمية سورية لسفير لها في لبنان بعد، وعدم إرسال لبنان لسفيره الذي وافقت عليه سورية إلى دمشق بعد، فإن الطرفين يؤكدان أن الأهم قد تم، وهو فتح السفارتين. يقول كلثوم إن «تعيين السفير ليس أمرا مهما، المهم وجود السفارة»، بينما يؤكد صلوخ أن لبنان سيرسل قريبا دبلوماسيين وموظفين إداريين للمكتب في دمشق. يقول صلوخ إن «كل شيء يمشي بهدوء»، ويشير إلى أن القائم بالأعمال السوري بدأ يتعرف على السفارات والبعثات في لبنان، وتتم دعوته إلى المناسبات الرسمية. إلا أن فتح سفارة سورية في بيروت، قد فتح باب المخاوف من جديد من إمكانية عودة سورية إلى لبنان عبر سفيرها. ولكن النائب قباني يقول «إن الأهم وجود القرار السياسي بإقامة علاقات صحية تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة»، ويضيف: «إذا كان هذا القرار، فإن السفارات تسهل هذا الموضوع». ويستبعد مصدر لبناني مطلع أن تعيين سورية سفيرا يذكر بالحقبة الأمنية السورية في لبنان، ويقول إنه من المرجح أن يتم تعيين شخصية مدنية، ويشير إلى أنه طرحت أسماء كثيرة لشغل المنصب مرتبطة بمراكز بحثية ودراسات، ومن بين هذه الأسماء كوليت خوري، وهي أديبة من أصول لبنانية. ولكن المصدر يضيف أن السفير سيكون الواجهة الدبلوماسية فقط، وان الصورة التي ستقدم لن تخلق صدى سلبيا لدى اللبنانيين وتذكر بسنوات الوجود السوري، ولكن من يمسك زمام الأمور سيكون عناصر من الأمن والأجهزة. قد يكون باعة الكعك المتجولون اختفوا من شوارع بيروت، وقد تكون الجيوش السورية انسحبت من لبنان، إلا أن النفوذ السوري، وإن تراجع، لا يزال نافذا على الساحة السياسية، وقد يكون يتحين الفرصة المناسبة للعودة.

* غدا: عون المتحول