فاريا.. نجمة السياحة الشتوية في لبنان

وجهة العائلات ومحبي التزلج و«السكينة البيضاء»

توجد في فاريا شاليهات بمختلف القياسات تناسب العائلات («الشرق الأوسط»)
TT

لا يختلف اثنان على أن عنوان أحلى الإجازات الشتوية في لبنان. وكأن هناك إجماعا، على اعتبار منطقة فاريا ومحيطها هما العنوان. الأسباب كثيرة. أولها ما حباه الله من جمال طبيعة لهذا المكان. أما ثانيها فهو توافر العروض التي تراعي ما في جيوب غالبية الباحثين عن السكينة البيضاء. وفي حين يتوافر في لبنان العديد من منتجعات التزلج إلا أن منطقة فاريا تبقى نجمة السياحة الشتوية. وتكتظ دائما بآلاف الرواد والمتزلجين لتميزها بقربها من العاصمة بيروت (حوالي 50 كيلومترا) ولاحتوائها على 18 مركزا للتزلج مخصصة لمختلف المستويات، بالإضافة إلى منتجعات شتوية راقية.

تقع فاريا على الجهة الغربية لسلسة جبال لبنان الغربية وترتفع عن سطح البحر ما بين 1850 و2465 مترا وتتميز مرتفعاتها بدفء الشمس وسطوعها بالإضافة إلى نوعية الثلج وسماكته التي تصل أحيانا الى ثلاثة أمتار خلال موسم التزلج. ويضم منتجع فاريا - المزار اثنين وأربعين منحدرا وعددا من حلبات التزلج. وهو يقع على مسافة ساعة واحدة من العاصمة بيروت. وما يزيد في رصيد هذه المواقع السياحية الشتوية أن موسم التزلج يمتد في لبنان طوال أربعة أشهر تقع بين منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) وأوائل شهر أبريل (نيسان)، وتوازي هذه الفترة بامتدادها فترة موسم التزلّج في جبال الألب. أضف إلى ذلك، أن هذا المنتجع يشهد إقبالا على الحجوزات من المتزلّجين وراكبي ألواح التزلّج وهواة ركوب العربات الثلجية ومحبّي التزلّج العميق القادمين من مختلف أنحاء العالم. ومن أعالي هذه الحلبة ومن الموضع المعروف بالمزار، يمكن للناظر أن يمتع الطرف بمشهد رائع يمتد من سهل البقاع وجبل الشيخ إلى منطقة اللقلوق والأرز. وفي الأيام الصافية، يمكن مشاهدة منطقة الساحل بما فيها العاصمة بيروت في بعض الأحيان. أما الذين يرغبون في قسط من الراحة بعد التزلّج، فبإمكانهم أن يجدوا ضالتهم في كثير من النشاطات الخاصة والرحلات التي تنظّمها المؤسسات التي تختص بالتزلج في لبنان. لذا ما ان تشكلت طبقة الثلج الذي هطل متأخرا هذا العام، حتى شهدت منطقة فاريا عروس منتجعات التزلج في لبنان حركة نشيطة، الأمر الذي يبشر بموسم سياحي شتوي واعد مختلف عن السنوات الأخيرة.

والتزلج ليس هدف الزائرين الوحيد، فالتحلّق حول المدفأة مع العائلة والأصدقاء عندما يكون المنزل محاصرا بالثلوج يولد لديهم إحساسا لا مثيل له. ذلك أن كثافة الثلوج التي تغطي جميع المواقع المحيطة بهم ترسم لوحة طبيعية خلابة. وتدفع بالجالسين أحيانا إلى الاندفاع نحو الخارج لرؤية الثلوج تتساقط، فالثلج يشد الإنسان إليه أكثر من المطر. لكن الإحساس يبقى مختلفا ومتميزا لدى الذين لم يشاهدوا الثلوج وهي تتساقط. وهؤلاء يشكلون نسبة لا بأس بها بين رواد فاريا. ومعظمهم يأتي من دول الخليج، إلا أن البعض هم لبنانيون يعيشون في مدن الساحل، كما هي حال الشابة هالة التي تقول: «لم أكن أتوقع أن يكون مشهد تساقط الثلج بهذا الشكل. كنت أتوقع مشهدا شبيها بهطول المطر. أحببت الثلج فهو يأخذ من يتأمله إلى الجمال والهدوء. والشعور الأحلى هو عندما تدخل المنزل لدى شعورك بالبرد لتجد الحطب يستعر في المدفأة ويدفئك، هذا يجعلك تقدر الثلج أكثر» أما ريم التي تبلغ من العمر ست سنوات وكانت برفقة والديها، فتقول «أنا أحب أن آتي إلى فاريا. أحب أن ألعب بالثلج كما أحب أن أتدحرج فيه. أصنع رجل الثلج ثم أودعه لأدخل وأنام».

فاريا شكلت في العقود الأخيرة المركز الأنسب للأطفال. تقول ميريام وهي أم لطفلين: «تعودت أن أصطحب طفليّ إلى فاريا كلما سنحت الفرصة فأنتظر الطقس الصافي. وفور وصولنا يخرجان إلى الثلج ويلعبان. كما أن للمكان فوائد أخرى، فيه دواء للعيون. فالمناظر الرائعة التي تحيط بهم تمتع أعينهم كما أن المناخ الجبلي البعيد عن تلوث العاصمة يمدهم بالصحة». كذلك فإن فاريا تشكل بطريقة أو بأخرى المكان الأنسب لجميع الأذواق، فكثير من الأهل يرتادون المنطقة لممارسة رياضتهم المفضلة، وذلك لأن الموقع يضم منطقة مخصصة للأطفال يطلق عليها اسم «حديقة الثلوج»، وهي أشبه بحضانة أطفال وفيها كل التجهيزات اللازمة، حيث يمكنهم الاستفادة من وسائل التسلية الموجودة بكثرة. ويمكن للأهل الراغبين في تعليم أبنائهم رياضة التزلج تركهم في الحديقة دون خوف، وذلك لوجود متخصصين يهتمون بهم. كما أن هذه الرياضة يمكن تعلمها والتدرب عليها منذ سن الخامسة.

كما أن النشاطات متنوعة والأسعار مدروسة لتلبي جميع الطلبات فإلى جانب التزلج، هناك رياضة الـ«راكيت»، وهي عبارة عن تنظيم رحلات أسبوعية قصيرة أو طويلة سيرا على الأقدام لهواة رياضة المشي، فينتعلون أحذية خاصة مجهزة بأحزمة تربط بها القدم حتى لا يتعرض صاحبها لخطر الانزلاق على الثلج. ومحبو السرعة يمكنهم استئجار الـ«سكي – دو»، وهو النشاط الأسهل، لأنه لا يحتاج إلى لياقة بدنية أو جهد، إلا أنه في المقابل خطر نسبيا. فطبيعة الأرض ومسالكها المتشعبة ومنحدراتها الثلجية تشكل تحديا لممارسي هذه الرياضة. كما أن سلامة الآخرين من سلامتهم، لذا عليهم التقيد بكل كلمة يقولها الدليل وعدم الابتعاد عنه.

ومن يزور فاريا لا يمكنه إلا زيارة فقرا التي تبعد عنها حوالي عشر دقائق، وهي تعلو عن البحر حوالي 1975 مترا، وتبعد عن بيروت حوالي 45 كلم. تشتهر بآثارها الرومانية، إذ إن الرومان حطوا فيها منذ حوالي ألفي سنة وتركوا معبدا واحدا يعتبر من أكثر معابد الرومان ارتفاعا عن سطح البحر. وقد شكلت فقرا في العصور السالفة مجمعا دينيا بارزا يعتبر من أرحب المجمعات الدينية في جبل لبنان. وإلى جانبه معبد صغير تحول في العصر البيزنطي إلى كنيسة. ومن معالم فقرا أيضا جسر حجري طبيعي حفرته، عبر الأزمان، المياه الجارية. ويجري ما بين فقرا وبين فاريا نهران يتدفقان من نبع العسل ونبع اللبن. صحيح أن فقرا وفاريا هما من أبرز المنتجعات الشتوية اللبنانية إلا أنهما تستحقان الزيارة صيفا أيضا.

ويبقى أرقى المنتجعات الشتوية اللبنانية «كلوب فقرا» الذي يضم حوالي 350 شاليها بمساحات كبيرة. ويتمتع النادي بإطلالة على بيروت والشاطئ، كما يضم حلبات تزلج خاصة به، ويتراوح علو المنحدرات ما بين 1765 و1980 مترا، وهي مقسمة لتناسب مختلف مستويات المتزلجين. هذه المناطق تحمل المواصفات الكفيلة بتصنيفها وجهة محبي فصل الشتاء من لبنانيين وسيّاح. ويقصدها نحو 4000 زائر يوميا في نهاية الأسبوع، تستقبلهم المطاعم والشاليهات الفاخرة في المنطقة، حيث تؤمن آلاف الغرف والإقامة المريحة في جو دافئ يطيب فيه السهر حول المواقد، وتقدم أشهى المأكولات العالمية من السوشي إلى الفوندو، مرورا بالوجبات القروية اللبنانية.