مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الثالثة) : الدكتور فضل يقدم كشف حساب مختصرا لإجرام بن لادن والظواهري وغدرهما

مؤلف دستور «القاعدة» وأستاذ «الظواهري» في كتاب جديد تنشر «الشرق الأوسط» حلقات منه

TT

يقدم الدكتور فضل في حلقتي اليوم وغد، كشف حساب مختصرا لإجرام بن لادن والظواهري وغدرهما، وهو أيضا كشف حساب لإنجازات جبهتهما المشؤومة التي أعلناها عام 1998 زورا تحت اسم «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» وذلك بحسب تعبيره في فصله الثالث من كتاب «مستقبل الصراع في أفغانستان»، ويقسم المؤلف كشف حسابه إلى مستويات متعددة فيبدأ بالمستوى الأميركي قائلا: «ضرب بن لادن أميركا في نيروبي ودار السلام عام 1998 فردّت بعدة صواريخ على أفغانستان لم تصبهم بضرر يُذكر، بل استفادوا من بيع الصواريخ التي سقطت ولم تنفجر. ثم ضربها بن لادن في مدمرتها (كول) عام 2000 فلم ترد أميركا بشيء، حتى كاد مسؤول مكافحة الإرهاب فيها (ريتشارد كلارك) يشد شعر رأسه من لا مبالاة وتخبط الأجهزة الأمنية الأميركية وقال لهم: (هل تنتظرون سقوط آلاف القتلى من الأميركيين كي تتحركوا؟) (تقرير لجنة 11/9). ولمّا لم ترد أميركا على ضرب (كول) تجرأ بن لادن على تنفيذ تفجيرات 11/9، وبالفعل لم تتحرك أميركا للرد إلا بعد سقوط آلاف القتلى من شعبها داخل أرضها.

بعد خسائرها البشرية والمادية والمعنوية في 11/9/2001، استفادت أميركا من تلك الأحداث على النحو التالي:

1- المجاهرة بما لم تجرؤ عليه من قبل، فأعلنت مبدأ الحرب الاستباقية (الوقائية)، ونفّذته بضرب أفغانستان في 7/10/2001 ثم ضرب العراق في 20/3/2003. وكان من الثمار الخبيثة لجبهتهم المشؤومة التي أعلنوها لجهاد الصليبيين أن احتل الصليبيون بلدين من بلاد المسلمين (أفغانستان والعراق).

2- المجاهرة بالحرب الصليبية التي أعلنها الرئيس الأميركي بوش الابن عقب 11/9، وفي مقابلها كان رد الفعل في العالم الإسلامي ضعيفا.

3- المجاهرة بمبدأ عدم احترام سيادة الدول، والدخول إلى أراضيها دون إذنها لتصفيه المخالفين أو خطفهم، ونفذت أميركا ذلك في عشرين دولة (صحيفة الأهرام) 11/11/2008. وفي هذا انهيار للنظام الدولي المعاصر القائم على مبدأ احترام سيادة الدول وحدودها، والذي أرسته معاهدة (وستفاليا) عام 1648م بعد حرب الثلاثين عاما في أوروبا.

4- إحياء الحلف الإنجيلي اليهودي، والمجاهرة به بالقول والفعل.

5- تولي المحافظين المتعصبين للسلطة كمنقذ لأميركا من الإرهاب.

6- أدمجت أميركا الدين في السياسة، على الرغم من أن دستورها ينص صراحة على علمانية الدولة (أي فصل الدين عن السياسة)، واعتبرت كل من يخالفها شيطانا.

7- تدخُّل أميركي غير مسبوق في شؤون الدول الأخرى وإجبارها على فتح ملفاتها الأمنية باسم التعاون المخابراتي وتبادل المعلومات، فبعد 9 أيام فقط من 11/9 ألقى الرئيس الأميركي خطابا أمام الكونغرس في 20/9/2001 قال فيه: (كل دولة في كل منطقة عليها الآن أن تتخذ قرارا، إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين). وقد انحنت معظم الدول أمام هذه العاصفة (معنا أو ضدنا) فقدمت نوعا من التعاون أو التسهيلات لأميركا.

8- وتَكوّن التحالف الدولي (الحرب العالمية) ضد الإرهاب، فتكونت قوة ما يُسمَّى بحفظ الأمن في أفغانستان من تحالف 40 دولة تقودهم أميركا لاحتلال أفغانستان، وقدمت نحو 100 دولة تسهيلات أرضية أو جوية لأميركا لضرب أفغانستان.

9- العودة إلى النموذج القديم (التقليدي) للاستعمار، بالاحتلال المباشر لأفغانستان والعراق.

10- ظهور مبدأ الفوضى الخلاقة، وتطبيقه في العراق من أجل تقسيمه إلى دويلات.

11- اكتسبت القوات الأميركية خبرات عسكرية ميدانية لم تحصل عليها منذ نهاية حرب فيتنام عام 1975، فالأجيال الجديدة من صغار العسكريين الأميركيين لم تخض حروبا حقيقية طويلة، فجاءتها هذه الفرصة في أفغانستان والعراق، فجربت فيها حروب العصابات والمدن والجبال والصحراء، وكانت الضحية شعوب هذه البلاد.

12- جربت أميركا أسلحتها وقنابلها الحديثة في شعبين مسلمين في أفغانستان والعراق.

13- قررت أميركا على لسان قادتها مشروعية ضرب المدنيين في الحرب، عندما قتلت تسعين أفغانيا مدنيا في أسبوع واحد. وهذا رد على ما أباحه بن لادن لتنظيمه من قتل المدنيين في الحرب. وقد ذكرت من قبل ما قاله مسؤول مكافحة الإرهاب في أميركا عن ترددها في اتخاذ إجراء ضد بن لادن، وكان سبب ترددهم هو خوفهم من سقوط قتلى مدنيين في أفغانستان في حال توجيه ضربة لابن لادن و(القاعدة) فيها، بحسب ما ورد في (تقرير لجنة 11/9)، وكان ذلك قبل 11/9. فلما ضربهم بن لادن وأسقط منهم آلاف القتلى (3000) في أميركا من المدنيين والنساء والأطفال، لم تجد أميركا حرجا بعد ذلك في قتل المدنيين في بلاد المسلمين فقد منحهم بن لادن شرعية ذلك من باب (المعاملة بالمثل)، وما زال الأفغان تأتيهم هدايا بن لادن بعد سبع سنين من الاحتلال.

14- اعتقلت أميركا وحدها نحو 25 ألف مسلم عقب 11/9، منهم 21 ألفا في سجونها في العراق، ونحو ألف في غوانتانامو في كوبا، ونحوهم في سجن باغرام وغيره في أفغانستان، ومثلهم في سجون باكستان، هذا بخلاف السجون السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأميركية في بلدان أخرى. مع حرمان هؤلاء المعتقلين من أبسط الحقوق المقررة في مواثيقهم الدولية والإنسانية، فضلا عن تعذيبهم بوسائل شتى دفعت الكثيرين للانتحار. فهل كانت هذه السجون موجودة قبل عملية 11/9 المشؤومة؟ وهل سعى بن لادن والظواهري في تحرير هؤلاء الأسرى، أم أنهما هربا بنفسيهما حتى عن إخوانهم وأهل بيوتهم؟

15- عقب 11/9 حدث تمييز عنصري غير مسبوق ضد المسلمين والعرب في أميركا ثم أوروبا، وصل إلى حد قتل بعضهم في الشوارع كرد فعل على تفجيرات 11/9، مع انتهاك حرياتهم وحقوقهم.

16- اضطُرّت إيران وليبيا والسودان واليمن إلى مواقف مهادنة أو متعاونة مع أميركا:

أما إيران: فقد أعلن رئيسها محمود أحمدي نجاد أن (إيران ساعدت أميركا في حربها في أفغانستان والعراق) ([الشرق الأوسط] 27/9/2008 ص13).

وأما ليبيا: فكشفت عن برنامجها النووي وتخلت عنه، وأعلنت مسؤوليتها عن إسقاط الطائرات الغربية (حادثة لوكيربي وغيرها) ودفعت التعويضات.

وأما السودان: فقدم تنازلات لحل مشكلة الجنوب (اتفاقية ماساكوش في 8/2002) ستؤدي إلى انفصال الجنوب، بل السودان كله آيل إلى التقسيم، كما عرض السودان المساعدة في استدراج بن لادن واعتقاله، وقدم لأميركا تعاونا مخابراتيا غير مسبوق.

وأما اليمن وعلاقته بتنظيم (القاعدة) وطريقته الفريدة في التعامل مع أميركا فقد أكتب فيها كتابا مستقلا إن شاء الله، لأن دهاليزه كثيرة وقد عشت معظمها».

وينتقل المؤلف إلى المستوى الأفغاني في كشف حسابه قائلا: «أعلن بن لادن تأسيس جبهتهم المشؤومة لجهاد اليهود والصليبيين من أرض أفغانستان في 2/1998، فلم تمض إلا ثلاث سنين وجاءه الصليبيون في تحالف من أربعين دولة تقودهم أميركا واحتلوا أفغانستان في 7/10/2001، فهل قاتلهم بن لادن وأصحابه؟ لا، فقد هربوا من أمام الصليبيين، حتى كان منهم من هرب متخفيا في ثياب النساء. وبرر أيمن الظواهري انضمامه إلى هذه الجبهة بأن قتال العدو البعيد (أميركا) هو الأَولى (بما يعني أن دفعه بإخوانه للعمليات ثم المشانق والسجون في مصر كان خطأ)، فجاءه الأميركان إلى باب بيته في أفغانستان، فهل جاهدهم الظواهري؟ لا، بل هرب من أمامهم وترك لهم زوجته وأولاده فقتلوهم. وسقطت دولة (إمارة) طالبان الإسلامية، التي وفرت الملاذ الآمن لابن لادن وأصحابه، وبقدر ما دافع عنهم أميرهم الملا محمد عمر بدافع من ديانته وشهامته، كان بن لادن يخدعه حتى دمّر دولتهم وقتل شعبهم بدافع من قلة ديانته وعدم مروءته.

عمّ الدمار والخراب أفغانستان، وأصيبت محاولات إعادة الإعمار بالشلل، وازدهرت زراعة المخدرات وتجارتها وبلغت ذروتها خلال سنوات الاحتلال بعدما توقفت تماما عام 2000 خلال حكم طالبان.

مع بدء الاحتلال الأميركي لأفغانستان قُتل آلاف من العرب والمسلمين من جنسيات مختلفة غير الأفغان من الذين هاجروا بدينهم إلى إمارة طالبان الإسلامية، فسقطوا بين قتيل وأسير وطريد في حين أرسل بن لادن زوجاته وأولاده إلى الملاذ الآمن مع بدء الخطر، وترك الآخرين يدفعون ثمن خيانته لأميره وغدره بعدوه وتركهم للهلاك المحتوم. وستأتي إشارة إلى هؤلاء المهاجرين لأفغانستان في (خامسا) إن شاء الله».

أما على مستوى العراق فيقول الدكتور فضل: « كعادتهم في الجهاد عبر الميكروفون والإنترنت حرضوا الشباب على الجهاد في العراق وأرسلوا بعض أفراد (القاعدة) من وزيرستان (باكستان) لقيادة هؤلاء، فما كان منهم إلا أن قتلوا الشعب العراقي بالآلاف وبمختلف وسائل القتل وفي كل مكان، وأقاموا السجون ومارسوا أبشع أنواع التعذيب، وطبقوا على الناس مبدأ أميركا (من ليس معنا فهو ضدنا)، ونهبوا أموال الناس وخطفوهم مقابل دفع الفدية، وفرضوا الإتاوات عليهم، وتزوجوا بنات العراق بالإكراه، ومن رفضن منهن قتلوهن، وأجبروا النساء والأطفال على القتال، وفجّروا الأطفال والمتخلفين عقليا، حتى جثث الموتى لم يقيموا لها حُرمة ففجّروها في الجنازات، وأشعلوا فتيل الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، وفجروا المساجد وقتلوا المصلّين، ثم استداروا على من خالفهم من طائفة السنّة فكفروهم وقتلوهم، ونقلوا الأموال التي نهبوها من العراق إلى قادة (القاعدة) في وزيرستان بباكستان، وكانوا كلما تعقبهم الجيش الأميركي في منطقة بالعراق هربوا من أمامه. فكان أمرهم كما ذكرت من قبل أنهم تخصصوا في قتل الضعفاء والهروب من الأقوياء، وهؤلاء هم الذين وصفهم الظواهري بأنهم (الطليعة المجاهدة للأمة) ص 74 بكتابه (التبرئة) فكان جهادهم قتل المسلمين والضعفاء بالجملة والسلب والنهب بالإكراه.

ولا تعجب إذا برّر أيمن الظواهري كل هذا الإجرام في كتابه (التبرئة) لأن أموال النهب بالعراق كانت تتدفق إليهم في وزيرستان ولْيذهب شعب العراق إلى الجحيم. ولم يتوانَ أسامة بن لادن هو الآخر عن تبرير إجرام أتباعه في العراق والدفاع عنهم، فوصف كل هذا الإجرام البشع بأنه مجرد سقطات لا يتكلم عنها إلا من في قلبه مرض ([الشرق الأوسط] 23/10/2007 ص 3). وكأن النبي (صلى الله عليه وسلّم) كان في قلبه مرض عندما أنكر على أسامة بن زيد (رضي الله عنه) قتل رجل واحد، وقال له: (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟). وعندما أنكر على خالد بن الوليد (رضي الله عنه) وقال (صلى الله عليه وسلم): (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد). هذا هو علم بن لادن بالدين، يعتبر قتل الآلاف مجرد سقطات، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يستنكر قتل رجل واحد، بل وقد أنزل الله سبحانه في هذه الحادثة قرأنا يُتلى إلى آخر الزمان يأمر فيه بالتبيّن حال الجهاد والقتال، وكرر وجوب التبين، وهذا بخلاف مذهب بن لادن في القتل والتفجير بالجملة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء 94).

فلا تعجب بعد هذا الإجرام أن يستنجد أهل العراق بالعدو الأميركي لينقذهم من بطش (القاعدة) بهم، حتى انقلب عليهم الذين تعاونوا معهم من قبل وهم طائفة السنة بالعراق، ونقلتُ من قبلُ قولَ أحد العراقيين (عمر ناصف - 32 سنة) عن سبب تحوله من إطلاق النار على الأميركيين إلى العمل معهم ضد (القاعدة) فقال: (رأيت أحد عناصر القاعدة يقطع رأس طفلة تبلغ الثامنة من العمر بأم عيني. نريد الدعم الأميركي لأننا نقاتل التنظيم الأكثر شرا في العالم هنا).

فلم تكتفِ (القاعدة) بما جلبته على أفغانستان وشعبها من الأوجاع، فأتت إلى العراق لتذيقه من ويلاتها. كان بن لادن قبل 11/9 يبرر عداءه لأميركا بأنها أماتت أطفال العراق بسبب الحصار، فجاء أتباعه فقتلوا أطفال العراق بالرصاص. ولقد أضرت أفعال (القاعدة) بكل جماعات المقاومة العراقية وشوهت صورتها، وقدمتهم أميركا للعالم على أنهم شيء واحد. ولقد رأيت بعض المعجبين (بالقاعدة) في السجون المصرية إذا سمعوا بمقتل جندي أميركي في أفغانستان أو العراق فرحوا وهللوا وتبادلوا التهاني، وفي نفس اليوم تنقل الأخبار مقتل العشرات من الأفغان أو العراقيين فيخرسون ولا ينطقون بكلمة، وكأن الأفغان والعراقيين شعوب من الحشرات، في حين قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): (مسلمٌ واحد أحب إليّ من فتح مدينة من مدائن المشركين)».

أما على مستوى قضية فلسطين فيقول فضل: «وصف بن لادن قضية فلسطين بأنها (أم القضايا الإسلامية)، ولما لم تكن له مساهمة واضحة لخدمة هذه القضية - لأسباب ذكرت بعضها في مذكرة (التعرية) - فقد اعتذر له أصحابه بأن بن لادن (يخدم قضية فلسطين بتصديه للمصالح الأميركية، لأن إسرائيل تعتبر إحدى ولاياتها في البلاد الإسلامية، ولا فرق بين أميركا وآل صهيون) ص 218 و223 من (دليل الحركات الإسلامية) ط الأهرام 2006، فكيف خدم بن لادن فلسطين؟ وكيف أثرت تفجيرات 11/9 على قضيتها؟

1- تم تصنيف المنظمات الفلسطينية (حماس والجهاد وغيرهما) وكذلك حزب الله في لبنان على أنها منظمات إرهابية، ويسري هذا على التعامل مع أفرادها وأموالها.

2- اعتبار جمع التبرعات وتقديمها للشعب الفلسطيني وأسر الشهداء تشجيعا للإرهاب. وهذا وما قبله يجرّم المقاومة ويخنقها، ويجعل مقاومة الاحتلال غير شرعية.

3- عرضت الدول العربية القبول بحدود 1967 والتطبيع مع إسرائيل مقابل قيام الدولة الفلسطينية (المبادرة العربية في 2002) ورفضت إسرائيل.

4- إطلاق المجتمع الدولي يد إسرائيل في فلسطين دون إدانة باعتبارها تحارب منظمات إرهابية، وذلك تمهيدا للاستيلاء على كامل أرض فلسطين.

5- إعلان يهودية الدولة العبرية (إسرائيل) بما يعني إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، بل وطرد عرب 1948 بعد ذلك، ثم طرد كل الفلسطينيين.

6- زيادة الاستيطان الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية زيادة فاحشة، خصوصا في الضفة الغربية، بما يجعل إقامة دولة فلسطينية غير ممكن عمليا.

7- زيادة الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى بما يهدده بالانهيار.

8- بناء إسرائيل للجدار العازل - بدعوى حماية شعبها - فاقتطع المزيد من أراضي الفلسطينيين وحوّل الضفة الغربية إلى سجن كبير.

9- حصار ياسر عرفات (أبو القضية الفلسطينية) حتى موته أو قتله، وكذلك قتل الشيخ أحمد ياسين (أبو حماس). فإذا فعلت إسرائيل هذا مع الآباء فكيف مع الأبناء؟

10- فرض الحصار الدولي على المناطق الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات، وشاركت الدول العربية والجامعة العربية في هذا الحصار المؤدي إلى تجويع الشعب الفلسطيني وحرمانه من العمل والعلاج بما ينتهي بالموت البطيء.

11- كل ما سبق أصاب كبار المسؤولين الفلسطينيين باليأس من إقامة دولة فلسطينية وطالبوا - على لسان كبير المفاوضين الفلسطينيين أحمد قريع (أبو علاء) - بالانضمام إلى إسرائيل كدولة ديمقراطية ثنائية القومية (للعرب واليهود) مع تساويهم في الحقوق والواجبات، وحتى هذا العرض رفضته إسرائيل ([الشرق الأوسط] عدد 12/8/2008 ص7، وعدد 2/9/2008 ص13). وصرّح رئيس الدبلوماسية العربية الأمين العام لجماعة الدول العربية (عمرو موسى) بأن إقامة دولة فلسطين مجرد وهم وسراب ([الشرق الأوسط] 17/10/2008 ص10).

12- تمارس إسرائيل القتل اليومي للفلسطينيين، فضلا عن الجرحى والأسرى، ويوجد في سجون إسرائيل 11 ألف أسير فلسطيني.

أما على مستوى العالم الإسلامي:

1- تَسبّب غدر بن لادن في 11/9 في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين ككل، إذ نسبوا غدره إلى الدين نفسه، حتى وصلت الإساءة إلى إهانة النبي (صلى الله عليه وسلم). وظهرت في العالم الغربي مصطلحات: الإسلاموية والفاشية الإسلامية والإسلامو فوبيا. وهذه ردود فعل للغدر ونقض العهد حذّرنا الله سبحانه منها في قوله تعالى: «وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (النحل 94)، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (ثم حذّر عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكرا - إلى قوله - لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبقَ له وثوق بالدين فانصدّ لسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: «وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ») (تفسير ابن كثير 2/585). وهذا ما حدث بعد 11/9، تطاول الناس في أوروبا وأميركا على الإسلام والنبي (صلى الله عليه وسلم) وعلى المسلمين، وعلى الرغم من ذلك فإن بن لادن وأصحابه لا يستحيون ويزعمون أنهم ينصرون الإسلام والمسلمين.

2- بخلاف 25 ألف مسلم من مختلف الجنسيات اعتقلتهم أميركا بنفسها بعد 11/9 كما أسلفْت، فقد جرى اعتقال آلاف أخرى في مختلف بلدان العالم تحت شعار التعاون الدولي ضد الإرهاب، مع حرمانهم من أبسط حقوق الإنسان، ولقد رأيت بنفسي من انتحر من هؤلاء في سجون اليمن من 2001 إلى 2003، فضلا عمن انتحر في سجن غوانتانامو وغيره. فماذا قدم لهم بن لادن؟ جلب لهم السجن والتنكيل.

3- جرى تسليم مسلمين مهاجرين بدينهم من مختلف أنحاء العالم إلى بلدانهم، ليواجه بعضهم التعذيب والهلاك بما لم يحدث مثله في أبشع عصور الظلم والظلمات. فقد قصّ الله علينا كيف أن موسى (عليه السلام) بمجرد أن عبر حدود مصر الشرقية وخرج من سيناء إلى أرض مدين في جنوب فلسطين فرارا من بطش فرعون، قال له الرجل الصالح بمدين «لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (القصص 25). أما في هذا الزمان فلا نجاة ولو ذهبت إلى أقصى أطراف الأرض، فقد جرى تسليم مسلمين من ماليزيا وتايلاند شرقا، ومن البرازيل وإكوادور في أميركا الجنوبية غربا، ومن السويد في شمال أوروبا ومن جنوب أفريقيا فما بين ذلك من مختلف الدول إلى مصر، وذلك بعد إعلان بن لادن جبهته المشؤومة في 1998 وبعد 11/9.

4- فقد آلاف المسلمين الذين هاجروا إلى أفغانستان وقت حكم طالبان دار الهجرة الآمنة التي وفرتها لهم طالبان، وهؤلاء لم يكونوا أعضاء في (القاعدة)، ومنهم مجموعات كانت في مرحلة إعداد جهادي، وقد خرّب عليهم بن لادن كل شيء. فسقط مئات منهم قتلى مع بدء القصف الأميركي لأفغانستان في 7/10/2001، ومئات أسرى، ومئات سُلموا أو عادوا إلى بلادهم ليُسجنوا فيها، وتشتت الآلاف بنسائهم وأطفالهم، وبقى بعضهم يقاتل مع طالبان ضد أميركا في معركة فرضها بن لادن على الجميع دون مشورتهم وهرب. وكان هؤلاء قادمين من كل الدول العربية تقريبا، ثم من الدول غير العربية: من باكستان وكشمير، ومن أوزبكستان وطاجيكستان وتركستان (غرب الصين) وداغستان وتركيا وبنغلاديش ومن ماليزيا وإندونيسيا ومن مسلمي أوروبا ومن غيرها من بلاد الأرض.

5- من 11/9/2001 وحتى 2008 أُغلقت 40 مؤسسة خيرية إسلامية في عدة دول، بدعوى دعمها للإرهاب، وتم وقف أنشطتها وتجميد أموالها بما أدى إلى الإضرار بآلاف الأرامل واليتامى والجياع والفقراء الذين كانت ترعاهم هذه المؤسسات.

6- اضطُرّ ملايين المسلمين إلى الهجرة من أراضيهم بسبب ضراوة القتال في أفغانستان والعراق ووزيرستان.

7- ضغطت أميركا لتغيير مناهج تدريس الدين الإسلامي في بعض بلدان المسلمين باسم تجفيف منابع الإرهاب.

8- دعمت أميركا أنظمة حكم مستبدة في بعض بلدان المسلمين، كانت تطالب بتغييرها من قبلُ، بدعوى أن هذه الأنظمة أقدر على مواجهة التطرف والإرهاب، بل واستعانت ببعضها في إنشاء السجون السرية التي أشرت إليها من قبل.

9- تصفية قضية الشيشان: فقد أطلقت أميركا يد روسيا وغضت الطرف عما تفعله في الشيشان مقابل تعاون روسيا معها في ضرب أفغانستان بعد 11/9، فقامت روسيا بحرب إبادة في هذا الإقليم - الواقع في جنوبها - أدت إلى نقص عدد سكانه من مليوني مسلم وقت حكم الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف (1994م) إلى أن أصبح عددهم الآن ثمانمائة ألف، كما نصبت روسيا حكومة موالية لها في هذا الإقليم. وقد سبق أن نقلت كلام الظواهري من كتابه (فرسان) ص189 الذي كتبه قبل 11/9، وقال فيه إن أفغانستان والشيشان هما رأسمال الإسلام في هذا الزمان ويجب الدفاع عنهما مع السعي لنقل المعركة إلى قلب العالم الإسلامي دون تعريضهما للضرب. وقد انتهت جبهتهم المشؤومة ومغامراتهم الاستعراضية في 11/9 بالإطاحة بطالبان والشيشان وهربوا وتركوا غيرهم يدفع الثمن.

* الحلقة الرابعة : تكملة كشف الحساب