مستقبل الصراع في أفغانستان (الحلقة الرابعة) : الدكتور فضل: حماقة بن لادن والظواهري أطاحت بطالبان شرقا وصدام حسين غربا

مؤلف دستور «القاعدة» وأستاذ الظواهري في كتاب جديد تنشر «الشرق الأوسط» حلقات منه

أصبحت «القاعدة» مجرد بندقية للإيجار وألعوبة في يد بن لادن (رويترز)
TT

قال الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «مَن عَبَد اللهَ بجهل، كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح». وتلك كانت هي محصلة أعمال «القاعدة» على مدى عشرين سنة (1988 - 2008) وثمرة جبهتهم المشؤومة على مدى عشر سنين (1998 - 2008): إفساد وحصاد مُر بلا إصلاح ولا صلاح.

نستكمل اليوم مع الدكتور فضل كشف حسابه مع تنظيم القاعدة، وينتقل إلى إيران قائلا: «إيران هي الدولة الشيعية التي تكفرها (القاعدة) كما نص على ذلك صاحبهم مؤلف كتاب (إدارة التوحش) في ص 100. وكتاب (إدارة التوحش) هو دستور الإجرام العملي الخاص بـ(القاعدة)، والذي نفذت تعاليمه الوحشية الإجرامية في العراق والسعودية ولبنان والجزائر وباكستان، وحاولوا تنفيذه في سيناء بمصر وفي غيرها. ولقد قدّم بن لادن بحماقاته لإيران من الهدايا الثمينة ما لم يقدمه لها إنسان في تاريخها من قبل.

في عام 1988 قرأت كتابا للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عنوانه (1999م نصر بلا حرب)، توقع فيه أن تنتصر أميركا (زعيمة المعسكر الغربي الرأسمالي) على الاتحاد السوفياتي (زعيم المعسكر الشرقي الشيوعي) في عام 1999م دون حرب، إلا أن الاتحاد السوفياتي انهار وتفكك قبل ذلك بعشر سنين، وذلك في عام 1990 بعد 45 عاما (1945 - 1990) من الحرب الباردة التي بدأت بينهما عقب الحرب العالمية الثانية، وبعدما أنفقت أميركا تريليونات الدولارات لتهزمه دون حرب. وإذا كانت أميركا قد حققت نصرا بلا حرب بعد تكاليف باهظة خلال العقد الأخير من القرن العشرين الميلادي، فإن إيران هي صاحبة أعظم نصر بلا حرب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذي أهدى إليها هذا النصر هو بن لادن، فقد هزمت إيران كل أعدائها بلا حرب، بل وبلا نفقات، وسقط النصر في حجرها سهلا رخيصا وثمينا بسبب حماقة بن لادن في 11/9، وتحقق لها:

1 - تمت الإطاحة بأعداء إيران: طالبان من شرقها، وصدام حسين من غربها.

2 - سقط في يد إيران مائة عضو بـ(القاعدة) يشكلون معظم الجهاز العسكري والإداري والقوة الضاربة لـ(القاعدة)، فعقب 11/9 ومع بدء القصف الأميركي لأفغانستان في 7/10/2001 ذهب رئيس اللجنة الشرعية بـ(القاعدة)، وهو أبو حفص الموريتاني، إلى مدينة زاهدان الإيرانية (عند التقاء حدود أفغانستان وباكستان مع إيران) وعقد اتفاقية مع المخابرات الإيرانية تسمح لهم باللجوء إليها، وقد فعلوا.

3 - قامت في جنوب العراق شبه دولة شيعية موالية لإيران على الحدود الشمالية للكويت والسعودية، بعدما ظلت بعض الدول العربية تدعم العراق 8 سنين (1980 - 1988) في حربه ضد إيران لكبح جماحها ومنعها من تصدير ثورتها، فجاءت أميركا وأدخلت إيران إلى العراق من عام 2003، فالأحزاب الشيعية التي تولت السلطة عقب سقوط صدام حسين (مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الدعوة) كلها خرجت من إيران.

4 - وإن كانت أميركا مطوقة لإيران بوجودها في أفغانستان والعراق والخليج، إلا أن هذا أيضا قد جعل القوات الأميركية في مرمى النيران والصواريخ الإيرانية.

5 - تقوم إيران بحرب استنزاف وإنهاك وإشغال ضد أميركا بتوريطها في المستنقعين الأفغاني والعراقي، بأقل مجهود إلا تقديم بعض الدعم للمقاومة في هذين البلدين وغض الطرف عن المتسللين، خصوصا أن إيران لا تضع أختامها على جوازات سفر الأجانب الداخلين إليها إذا طلبوا ذلك.

6 - أصبحت في يد إيران أوراق سياسية إقليمية ودولية كثيرة جعلت أعداءها عاجزين عن اتخاذ إجراءات رادعة ضدها، ومن هذه الأوراق:

* الأحزاب الموالية لها في الحكومتين العراقية والأفغانية.

* حزب الله في لبنان (كفزاعة لإسرائيل).

* في فلسطين لها صلات بحماس والجهاد الإسلامي وصغار فتح.

* وفي اليمن لها الحوثيون في شمالها.

* وسورية حليفتها.

* وفي يدها مائة من قيادات (القاعدة).

* وتدعم عدوها اللدود (طالبان) لإنهاك أميركا في أفغانستان، وليكون لها دور في حل مشكلات أفغانستان كما في العراق مقابل الثمن المناسب.

7 - أسرعت إيران في تطوير برنامجها النووي وهي آمنة من حرب مع أميركا المنهكة عسكريا وماليا، وتستغل في ذلك أوراقها السياسية وقدراتها العسكرية، التي تعتبر مصدر إزعاج لأميركا. ومن ذلك (اعتبر نائب الرئيس الإيراني رضا أغا زاده أن بدء مفاوضات مع المجتمع الدولي بشأن الملف النووي الإيراني قد تؤدي إلى حل الكثير من المشكلات، مثل العراق ولبنان وأفغانستان أو أسعار النفط. وأوضح أغا زاده أنه إذا انطلقت المفاوضات سيتم إيجاد حلول لكثير من المشكلات مثل العراق ولبنان أو أسعار النفط) ([الشرق الأوسط] 25/7/2008 ص 3). ولهذا فإن إيران تسعى لإطالة أمد النزاع وخلق المشكلات في العراق وأفغانستان ولبنان حتى لا تفقد هذه الأوراق.

أما سورية فيقول عنها الكاتب: أن لها مشكلاتها الكثيرة مع أميركا والغرب، منها: مشكلتها مع إسرائيل والجولان المحتل، ووضعها في لبنان والمحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري وغيره، ومشكلة وجودها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومشكلة تطبيع العلاقات مع الغرب. ولهذا فإن سورية - كإيران - تحاول الإمساك بعدة أوراق سياسية لحل مشكلاتها، منها: حزب الله، والجهاد الإسلامي، وحماس، وعلاقتها مع إيران، إلا أن أهم ورقة سقطت في حجرها كانت المقاومة ضد الاحتلال الأميركي في العراق، والتي تشارك فيها (القاعدة). وعلى الرغم من أن سورية من أعتى الدول في محاربة الحركات الإسلامية فإنها غضت الطرف عن مرور المتطوعين عبر أراضيها لإنهاك أميركا في العراق، بل وقدمت لهم التسهيلات. ومن أين لسورية أو غيرها أن تأتي بالانتحاريين (طلاب الموت) لإزعاج أميركا؟

ومن المعلوم لأهل الخبرة أن حرب العصابات لا تستمر في بلد إلا بدعم من دولة أو دول مجاورة لها مصلحة في ذلك. ولهذا فإنه عندما تعاونت سورية في وقف تدفق المقاتلين إلى العراق (هبط العنف في العراق ثمانين في المائة) ([الشرق الأوسط] 4/10/2008 ص 15). ولكن ماذا كان ثمن هذا التعاون السوري؟.

ويلخص فضل نتائج جرائم بن لادن والظواهري قائلا: «إن (القاعدة) قد صارت بوعي أو دون وعي مجرد بندقية للإيجار وألعوبة في يد أنظمة هي تكفّرها، وصارت تخوض حروبا مجانية بالوكالة لخدمة إيران وسورية وغيرهما. وصارت تتاجر بأرواح الشباب الذين استجابوا لتحريضها (خصوصا السعوديين) لتدفع بهم في عمليات انتحارية لخدمة إيران وسورية، وكل هذا بغير فائدة تعود على الإسلام والمسلمين، ولهذا فقد قدمت هاتان الدولتان تسهيلات غير مسبوقة للمقاتلين في العراق».

أما على مستوى تنظيم «القاعدة» ذاته فيقول الدكتور فضل في ختام كشف حسابه: «لم تقتصر أضرار تفجيرات 11/9 على مستوى (القاعدة) على الأضرار المادية، ولكن هناك مصيبة أعظم: وهي مصيبة (القاعدة) في دينها وجنايتها على دين الإسلام نفسه، بما أدخله قادتها عليه من تحريفات لتبرير إجرامهم، وهذه هي المصيبة الحقيقية التي يبقى خطرها في الدنيا والآخرة. أما الخسائر المادية فمن الممكن تعويضها لأن معظمها من الموارد المتجددة: فما زالت النساء يلدن الشباب، وما زال الأغنياء يدفعون الزكاة والتبرعات. وأي تنظيم إنما هو زعيم وفكرة ومال ورجال.

وسوف أذكر أولا جناية (القاعدة) على دين الإسلام ثم خسائرها المادية:

أ) جناية (القاعدة) على دين الإسلام:

قال قيادي (القاعدة) محمد خليل الحكايمة: (وإننا في هذا الصدد لنؤكد أن منظرو «القاعدة» ومفكروها الأساسيين هما الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ولا أحدا سواهما، وأن ما يصدر منهما من إصدارات وتوجيهات يمثل فكر «القاعدة» ومنهجها) من ([مركز الفجر للإعلام] في 10/6/2007) وذكرت كلامه بما فيه من أخطاء نحوية. وقد أصدر الحكايمة هذا البيان ليقطع الطريق على من ينتقد (القاعدة) من الذين كانوا يحتجون بكلامهم ويدرسون كتبهم من قبل. وهو بكلامه هذا قد أثبت أن (القاعدة) تنظيم فاقد الشرعية الدينية لأن بن لادن والظواهري كلاهما جاهل بالدين، وهما من ناحية الشريعة عوام يجب عليهم استفتاء أهل العلم، لا أن يفتوا غيرهم ويوجهوهم. وقد أدت بهم مخالفاتهم للشريعة إلى تأسيس (مذهب الجهل والإجرام في الجهاد) لتبرير قتل المسلمين وغيرهم بالجملة. وقد ذكرت أركان هذا المذهب وكشفت فسادها في مذكرة (التعرية لكتاب التبرئة) كما في (وثيقة ترشيد العمل الجهادي)، وهذه بعض ضلالات بن لادن والظواهري:

1 - فالله سبحانه يقول: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» (الشورى 30)، وبن لادن يقول: وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا.

2 - والله تعالى يقول:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (التوبة 123)، وبن لادن والظواهري يقولان بل يجب قتال العدو البعيد (أميركا) أولا.

3 - والله سبحانه يقول: «وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة 190)، وهم يقتلون الذين لا يقاتلونهم من المدنيين الضعفاء ويهربون من الجنود الذين يقاتلون.

4 - والله سبحانه يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ» (النساء 94)، وهم لا يتبينون، بل ويأمرون أتباعهم بعدم التفريق بين مدني وعسكري في القتل معاندة للآية.

5 - والله سبحانه يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ» (النساء 59)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني)، الحديث متفق عليه. وبن لادن لا يعترف بهذا واخترع لهم بدعة (محلية الإمارة) ليبرر عصيانه لأميره الملا محمد عمر الذي بايعه والذي نهاه عن الصدام بأميركا، فخانه ونكث بيعته حتى دمّر دولتهم أفغانستان وقتل شعبهم.

6 - والله سبحانه يقول: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (النحل 43)، وبن لادن وأتباعه يقولون: اسألوا شيوخ الجهاد والجبال والثغور ولا أحد غيرهم.

7 - والله سبحانه يقول: «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (الأنعام 164)، والظواهري قال: بل ملايين الناس - كشخصية اعتبارية - يجوز قتلهم كأنهم رجل واحد.

8 - والله سبحانه يقول: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا» (الفتح 9)، فأمر سبحانه بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم. والظواهري نسب إليه الغدر كما في (التعرية).

9 - وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - التسرع في قتل رجل واحد، وبن لادن يعتبر ما ارتكبوه من القتل بالجملة مجرد سقطات لا ينكرها إلا مَن في قلبه مرض.

10 - والله سبحانه يقول: «وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا» (الأنفال 61)، والظواهري يقول لا خيار مع الأعداء إلا القتال على الرغم من عرضهم الهدنة على أميركا.

11 - والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صنع إليكم معروفا فكافئوه)، حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود، أما بن لادن والظواهري فكان مذهبهم مع طالبان التي أحسنت إليهم هو: من صنع إليكم معروفا فدمّروه.

12 - ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الضيف عند مضيفه حتى يوقعه في الحرج، فقال: (ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)، الحديث رواه البخاري. أما بن لادن والظواهري فكان مذهبهم مع مضيفهم (طالبان) هو: بل يثوي عنده حتى يدمّره.

13 - وقال أبو هريرة: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة)، الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح، أما أتباع (القاعدة) فمنهم من هرب متخفيا في ثياب النساء من أمام الأميركان لما نزلوا أفغانستان عقب 11/9. على الرغم من فتواهم بأن قتال العدو البعيد (أميركا) فرض عين على كل مسلم.

14 - واخترعوا بدعة التكفير والقتل بالجنسية، وبه أجازوا قتل أي أميركي مدني أو عسكري في أي مكان في العالم، كما أفتوا به مع إعلان جبهتهم المشؤومة.

15 - واخترعوا بدعة القتل بدفع الضرائب، وبه استحلوا قتل من منعت الشريعة قتلهم.

16 - وأطلقوا قتل الترس الكافر، وبه استحلوا قتل أي مدني من غير المسلمين.

17 - وأطلقوا قتل الترس المسلم، وبه استحلوا قتل المسلمين المخالطين للكفار في أي مكان.

18 - وأطلقوا مبدأ المعاملة بالمثل مع الكفار دون أي محظورات.

19 - وقرروا أن تأشيرة دخول المسلم بلاد الكفار ليست أمانا يجب الوفاء به.

20 - وقرروا أنه لو كانت تلك التأشيرة أمانا فيجوز نقضه والغدر بهم كخدعة، ونسبوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

21 - وقرروا أن تأشيرة دخول السياح ونحوهم بلاد المسلمين ليست أمانا لهم من القتل والخطف والنهب.

22 - ومارسوا التكفير والقتل على المذهب ضد الشيعة في العراق.

23 - ومارسوا الحرب اللا أخلاقية، من القتل بالجملة، إلى القتل العشوائي بلا تمييز بين مدني وعسكري ولا رجل أو امرأة وطفل، وقاموا بتفجير النساء والأطفال والمتخلفين عقليا في عمليات انتحارية.

وفي الجملة، فلم يتركوا شيئا يبرر لهم سفك الدماء بالجملة إلا ابتدعوه، وبهذا سالت الدماء ولا تزال في بلدان كثيرة بسببهم.

والحكايمة بحصره مرجعية (القاعدة) في بن لادن والظواهري، جعل (القاعدة) بلا غطاء شرعي وهدم شرعيتها من جذورها، فكلاهما من العوام وليسا من العلماء. فلا تعجب بعد ذلك إذا اخترعوا كل القبائح السابقة التي استحلوا بها سفك الدماء والتخريب بالجملة.

ب) خسائر (القاعدة) المادية بسبب تفجيراتها في 11/9:

كما حّطم بن لادن قواعد الدين بأفكاره التي كان يطرد كل من يخالفها، فكذلك حّطم تنظيمه وحّطم معهم الكثيرين بتصرفاته الحمقاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شرّ الرعاء الحطمة)، الحديث رواه مسلم، وهو الراعي الذي يحطم رعيته.

كان عدد أفراد (القاعدة) في أفغانستان غداة 11/9 عدة مئات، معظمهم سعوديون ويمنيون وباكستانيون من التابعين لابن لادن مباشرة وقيادات (القاعدة). المدربون والإداريون معظمهم مصريون. لم يتصورا أن تحتل أميركا أفغانستان، وبالتالي لم تكن لديهم أي خطط دفاعية ولا خطط انسحاب منظم، فانسحبوا عشوائيا، وأولهم بن لادن والظواهري اللذان لم يهتما إلا بسلامتهما الشخصية.

1 - سقط عدة عشرات قتلى مع القصف الجوي الأميركي لأفغانستان من 7/10/2001، هؤلاء قتلى (القاعدة)، أما من العرب من غير (القاعدة) فقتل نحو خمسمائة، ومن الأوزبك قتل عدة آلاف.

2 - سقط في أسْر أميركا من أفراد (القاعدة) من داخل أفغانستان أو ممن اعتقلوا في باكستان بعد هروبهم إليها أقل من مائة، وبقية من كانوا في معتقل غوانتانامو لم يكونوا من (القاعدة).

3 - لجأ مائة فرد من (القاعدة) إلى إيران كما ذكرت من قبل فسقطوا في يدها.

4 - عاد معظم الباكستانيين إلى بلدهم، وعاد نحو مائتي سعودي ويمني إلى بلادهم بالتهريب بالقوارب عبر بحر العرب، وقابلتهم في سجون اليمن.

5 - بقي بضع عشرات من أفراد (القاعدة) في منطقة القبائل الحدودية بين باكستان وأفغانستان (وزيرستان)، وأمرهم شيوخ القبائل أن لا يخرجوا من أماكنهم إلا ليلا.

6 - فقدت (القاعدة) الملاذ الآمن في أفغانستان، وملاذها البديل في وزيرستان أصبح مهددا.

7 - بإقدامها على تكرار الحماقات في السعودية بدءا من تفجيراتها في الرياض في 12 مايو (أيار) 2003، ضربت (القاعدة) أهم مصدر بشري ومالي لها في العالم وهي السعودية.

8 - تحولت (القاعدة) إلى ورقة وألعوبة في يد أنظمة هي تكفرها، وأصبحت تخوض حربا بالوكالة عن إيران وسورية وغيرهما ضد أميركا، وأصبحت تقود الشباب بالبيانات الإعلامية إلى المهالك بلا هدف ولا نتيجة صالحة.

9 - قتلت (القاعدة) من المسلمين أضعاف أضعاف من قتلهم من غير المسلمين في نيروبي ودار السلام واليمن والسعودية وباكستان وأفغانستان والعراق وتركيا والجزائر وغيرها، وتسببت في تهجير ملايين المسلمين وتشريدهم من ديارهم في أفغانستان والعراق ووزيرستان.

10 - تخصصت (القاعدة) في أعمال الغدر، فتفجيرات 11/9 كانت غدرا، وكذلك ضرب المدمرة (كول) في عدن باليمن 12/10/2000 كان غدرا، لأن الذين ضربوها كانوا معتقلين في سجون اليمن وأفرجوا عنهم بعد تعهدهم وتعهد بن لادن شخصيا بعدم تنفيذ أي عمليات في اليمن.

11 - تخصصت (القاعدة) في قتل الضعفاء والهروب من أمام الأقوياء، من أجل الاستعراض وتضخيم الذات وتحصيل البطولات الرخيصة لتعويض النقص لديها في العدد والعدة. فتخصصوا في قتل المدنيين والنساء والأطفال من المسلمين وغيرهم في العمارات والفنادق والأسواق والشوارع والحافلات والمستشفيات والمساجد والقطارات، وفي كل تجمع بشري ممكن، وهربوا من أمام الأقوياء فهربوا من أمام الجيش الأميركي في أفغانستان وفي العراق على الرغم من فتواهم بأن قتال الأميركان فرض عين على كل مسلم. ولكنهم هربوا لأنهم لا يريدون الجهاد في الحقيقة وإنما يريدون الاستعراض كما صرح بذلك صاحبهم مؤلف كتاب (إدارة التوحش) في ص 29، لما ذكر أنهم يركزون على العمليات المضمونة (بغرض الاستعراض وإرهاب العدو، عندما يتحدث الناس والصحف عما حدث، ويظن الناس والعدو أن العمليات القادمة سيتم لها حشد وتفوق عددي مناسب مما يعلي من أسهم المجاهدين إعلاميا ويرجف القلوب من مواجهتهم). وكذلك قال أيمن الظواهري في رسالته لأبي مُصعب الزرقاوي في العراق: (إننا في معركة، وما يزيد على نصف هذه المعركة يدور في الإعلام... في سباق على قلوب وعقول أمتنا) (من [الشرق الأوسط] عدد 12/4/2008 ص 4، وعدد 17/9/2008 ص 13).

فالمطلوب هو الاستعراض والإعلام لإرهاب أميركا وأنظمة المنطقة حتى لا يقف أحد في وجه مخططهم للسيطرة على قلب العالم الإسلامي كما نقلته عن الظواهري من كتابه (فرسان) ص189. ولكن على حساب مَن كان استعراض (القاعدة)؟.. لقد كان على حساب الضعفاء والمسلمين، أما قيادات (القاعدة) فقد هربوا من أرض الواقع إلى فضاء الإنترنت.

يلخص الدكتور فضل فصله الثالث من الكتاب قائلا: «إنهم لا أقاموا الدين ولا أصلحوا الدنيا. إنهم لا أقاموا دولة ولا حافظوا على الدولة التي آوتهم (طالبان) واعتبروها رأسمال الإسلام في هذا الزمان فلم يرحموها رغم كرمها معهم، بل دمروها. إنهم لا نصروا الإسلام والمسلمين ولا تركوهم على حالهم، بل مارسوا ضدهم القتل العشوائي بالجملة، ودفعوهم إلى القبور والسجون بالآلاف. إنهم لم ينشروا علما دينيا نافعا ولا تركوا عملا صالحا، بل أسسوا لفقه منحرف (مدرسة الجهل والإجرام في الجهاد)، وفي الوقت الذي تسعى فيه كثير من الجماعات الإسلامية إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، تقوم (القاعدة) بتحطيم قواعد الشريعة، وذكرت شيئا من جنايتهم على الدين في (ثامنا) من هذا الفصل».

ويضيف: «بمراجعة ما ذكرته في هذا الفصل تجد أن أكبر المتضررين من أعمال (القاعدة) هم المسلمون، وأن أكبر المستفيدين من (القاعدة) هم: أميركا الصليبية، وإسرائيل اليهودية، وإيران الشيعية، وسورية البعثية. ومن هذا تعلم بطلان ما وصف به الظواهري تنظيمهم من أنهم (أفشلوا المخطط الأميركي - الطليعة المجاهدة للأمة - رمز المقاومة الشعبية للحملة الصليبية الصهيونية على الأمة المسلمة) ص 4 و74 و199 من كتابه (التبرئة)، فالواقع بخلاف كل كلامه.

وإذا كانوا قد ارتكبوا كل هذا الإجرام وجلبوا الكوارث على المسلمين وعاندوا أحكام الشريعة وكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهم ضعفاء هاربون، فكيف سيفعلون إذا تمكنوا من حكم دولة؟

ويتحمل كل أوزار ما سبق أسامة بن لادن شخصيا وكل من عاونه ورضي بفعله وبرّره له، فابن لادن قد انفرد باتخاذ القرار وبالأمر بتنفيذ تفجيرات 11/9 وغيرها، وهو أول من بررها، ثم هرب وترك غيره يدفع الثمن. هؤلاء يجب أن تعقد لهم محاكمة شرعية على كل جرائمهم.

ولا تظنوا أنه قد يأتي خير للإسلام والمسلمين من وراء هؤلاء المفسدين، فقد قال تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» (يونس 81). ولا تظنوا خيرا بمن يتجرأ على تحريف أحكام الشريعة ويخالفها متعمدا، وقد قال الله تعالى: «وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ» (الأنفال 23). وقد رأيتم كيف عاندوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل الانتصار لأفكارهم وتحقيق أهدافهم فارتدت عليهم بالخذلان والخسارة.

قال الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه: (أيها الناس: عملٌ صالحٌ قبل الغزو، فإنما تقاتلون بأعمالكم)، روى البخاري بعضه معلقا في كتاب الجهاد من صحيحه. وقال الله تعالى: «وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» (آل عمران 126)، وقال سبحانه: «إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ» (آل عمران 160)، فالنصر من عند الله وينزله على المسلمين بقدر صلاح أعمالهم، وهذا معنى قول أبي الدرداء: (إنما تقاتلون بأعمالكم). وقد تبيّن من هذا الفصل أن بن لادن وأصحابه ما تركوا شيئا يُسخط الرب سبحانه ويغضبه إلا فعلوه - من الخيانة إلى الغدر إلى تحريف الدين إلى الإضرار بالمسلمين وجلب الكوارث عليهم إلى سفك الدماء وإتلاف الأموال المعصومة بالجملة - فمن أين يأتي النصر؟

* الحلقة الخامسة أميركا في أفغانستان تحارب الجغرافيا.. ومن يحارب الجغرافيا فهو مهزوم