اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الأولى): ارتياح لصمت المدافع في صعدة.. وترقب بالشارع اليمني لمعركة الاستقرار

موقف الدولة: يد على الزناد والتزام إلى أقصى حد بمحاولات حل المشكلات دون الدخول في حرب جديدة

مدينة تريم التاريخية جنوب شرقي اليمن التي اختيرت لتكون عاصمة الثقافة الاسلامية في 2010 (رويترز)
TT

ماذا بعدما صمتت المدافع تقريبا على جبهة صعدة مع التمرد الحوثي؟ هل يصمد الهدوء بعد إعلان وقف الحرب؟ وما الرؤية في صنعاء والشارع اليمني، ودوائر صنع القرار حول الأزمات والتحديات الكثيرة التي تصاعدت في فترة واحدة ووضعت اليمن في بؤرة الاهتمام العالمي وبينها تهديدات «القاعدة» والوضع في الجنوب، والمشكلات الأخرى التقليدية المتمثلة في التنمية والفقر؟ هذا ما سعت «الشرق الأوسط» لرصده من خلال سلسلة من الحلقات الميدانية عن اليمن تبدأ نشرها يوميا اعتبارا من اليوم.

الشعور العام الذي يمكن رصده بين اليمنيين هو الارتياح للهدوء الذي خيّم على ميدان القتال أخيرا في شمال غرب البلاد بعد معارك ضارية مع المتمردين، لكن هذا الإحساس يقابله استعداد من نوع آخر لمعركة طالما طال انتظارها، من أجل الوصول إلى بلد مستقر وآمن وغني، ورغم التحديات الكبيرة لتحقيق هذا الهدف، فإن غالبية اليمنيين أصبحوا يدركون أن دعاوى الانفصال في عدة محافظات جنوبية لم تعد مقبولة، وأنه لا بد من حسمها، كما أن استمرار قيادات من تنظيم القاعدة في البلاد خصوصا في المناطق الجنوبية الشرقية، لم يعد أمرا يتوافق مع رغبة الدولة القوية في فرض هيبتها وبسط سلطان سيادتها على كامل أراضيها.

ويقول مسؤولون حكوميون وعدد من الباحثين والخبراء والمثقفين والفنانين اليمنيين إن الدولة ستفرض القانون على الجميع مهما كانت العراقيل القبلية أو المناطقية أو المذهبية، للإسراع في إنجاز المشروع الطارئ الذي أعلنه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، من أجل فتح الباب أمام الكثير من المشروعات الإصلاحية العملاقة، سواء في الجهاز الإداري للدولة، أو في ما يخص ملكية الأراضي، وتمكين شركات النفط العالمية من التنقيب عن النفط والغاز، أو ما يتعلق بإعادة النظر في نظام الدعم، وتقديم الخدمات، وتشجيع المستثمرين على العمل، وكذا على استكمال مشروعاتهم المتأخرة منذ نحو أربع سنوات بسبب القلاقل التي تشهدها البلاد، بين حين وآخر، خصوصا أن قيمة تلك الاستثمارات تقدر بنحو 10 مليارات دولار.

وتبدو آمال اليمنيين معلقة على مجلس التعاون الخليجي أكثر من أي وقت مضى، وهم يريدون معاملة العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون بالمثل، قائلين إنهم أولى من العمالة الآسيوية، و«ببساطة، لأننا في أزمة، ولأننا إخوة، ونحن أولى». وكما يتساءل المواطن العادي في الشارع اليمني عن مصير المليارات التي خصصتها عدة دول مانحة لليمن منذ عام 2006، أصبح في اليمن مسؤولون يقرون بوجود تقصير في إنفاق هذه الأموال، وأن السبب ليس فقط القلاقل التي تمر بها البلاد، سواء في الجنوب حيث الحراك و«القاعدة»، أو الشمال حيث حرب صعدة التي توقفت أخيرا، بل السبب وجود خلل إداري، جانب منه محلي، وجانب آخر يتعلق ببعض المانحين، حال دون وصول هذه الأموال إلى المشروعات التي كانت تستهدفها، وبالتالي أدى هذا التأخير إلى الإسهام في مزيد من الغضب في الشارع اليمني.

ورغم وقف القتال في صعدة، فإن الدولة ما زالت تضع يدها على زناد البندقية، وتبدو مصرّة هذه المرة، أكثر من أي وقت مضى، على الاستمرار في الوقوف على أهبة الاستعداد لوأد أي محاولة للتمرد أو الانفصال أو إثارة الخوف والإرهاب في البلاد. وهذا يعني بصريح العبارة، وفقا لمسؤولين في الحكومة والجيش وسياسيين في الحزب الحاكم، أن ميادين المعارك الجنوبية مع «القاعدة» ومع الانفصاليين، والتي تبدو في بعض الأحيان هادئة، لا تعني أن الدولة تتغاضى، بل هي، وهي تصوب نحو الهدف، تمد يدها ملوحة بالسلام وبخطط التنمية والتشغيل والبناء لعل أبناءها «الخارجين عن جادة الصواب» يعودون إلى رشدهم، ويلتزمون بدستور البلاد وقانونها، ويقنعون بالحياة معا تحت راية الجمهورية اليمنية الواحدة.

على هذه الخلفية التي يمكن أن تسمع فيها وتشم منها آخر الرصاصات المتطايرة في مناطق التمرد شمالا، وكذا الاستعداد ضد أي خروج عن الشرعية في الجنوب، تتجه الدولة اليمنية بالتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة لإصلاح ما أفسدته الأيام الماضية، وأولها إعمار صعدة، وهي عملية تقدر قيمتها بنحو 4 مليارات دولار، وكذا تنفيذ برنامج طارئ مدته ثلاث سنوات على الأكثر لإنعاش البلاد اقتصاديا، بغرض تخفيف الغضب في الكثير من المناطق. ويتضمن هذا مشروعات عملاقة في عموم محافظات البلاد، حيث من المقرر أن تتحول عدن إلى منطقة اقتصادية خاصة، يتبعها عدد آخر من المحافظات الجنوبية، منها حضرموت.. وكذا إصلاح المواني البحرية والجوية، وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات ومد خدمات المياه والمجاري وغيرها.

وحتى لو وقعت بعض الخروقات لوقف الحرب في صعدة أو وقعت بعض أحداث العنف من المسلحين في الجنوب، فإن الرؤية في صنعاء هي أن الدولة، وهي تضع يدها على الزناد، ستلتزم إلى أقصى حد بمحاولات حل المشكلات هناك دون الدخول في حرب جديدة، محافظة بذلك على هدوء الميادين التي قد يحاول البعض جرها إليها، والتركيز في خوض المعركة الجديدة المستمرة ابتداء من الآن، وهي معركة التنمية والإصلاح الشامل، مستعينة في ذلك بالمجالس الشعبية المحلية أو ما تسمّيه بالحكم المحلي، حيث أصبح من شروط دخول الخدمات إلى المناطق السكانية المحرومة، عدم التستر على المجرمين والمطلوبين للعدالة، سواء من «القاعدة» أو الانفصاليين.

ويرى البعض أن من الصعب تحقيق ما تصبو إليه الأجهزة الحكومية، والأجهزة التابعة لرئيس الدولة. وبينما يرجح البعض أن تعود المشكلات في صعدة إلى الواجهة مرة أخرى في وقت ما من هذا العام أو بداية العام المقبل، يشيرون بأصابع الشك والريبة نحو القدرة الحكومية على حل المعضلات المتشابكة في الجنوب، قائلين إن التحدي الأكبر هناك ليس في الانفصاليين الذين يمكن قمع حركتهم كما حدث عام 1994 حين كانوا أكثر قوة، بل الخطر الأكبر في تنامي عدد عناصر تنظيم القاعدة، حيث وصلت التقديرات، وفقا لشخصيات التقت قيادات «القاعدة» في اليمن أو «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، وتحدثت إليها «الشرق الأوسط»، حيث أشارت إلى انتشار عناصر «القاعدة» بشكل كبير في أوساط السكان في محافظات مثل شبوة وأبين وغيرهما ومبايعة عدد من القبائل اليمنية في الجنوب والشرق لأمير تنظيم القاعدة هناك، وأن الدولة غير قادرة على اصطياد عناصر التنظيم على البر، ومحاولات ضرب هذه العناصر بالطائرات تثير حنق القبائل التي تعتبر هذا القصف عدوانا عليها وعلى أراضيها وضيوفها المتشددين. لكن مسؤولا في الحكومة اليمنية يرد بقوله إن «فلول (القاعدة) مبعثرون. لدينا معلومات تشير إلى أن أمير التنظيم ناصر الوحيشي قد لقي حتفه في ضربات بالطيران اليمني جرت في أواخر العام الماضي»، وأن نائبه السعودي سعيد الشهري هو من يتولي إدارة أمور التنظيم.