اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الرابعة) : وقود الحرب.. صبية تقل أعمارهم عن 18 عاما

الحزب الحاكم يدعو الحوثيين إلى الانخراط في الحوار الوطني والاندماج في الدولة والمشاركة في الإصلاح السياسي والدستوري

د. محمد القباطي: ندعو الحوثيين إلى المشاركة في الحوار الوطني إذا كانوا جادين في وقف الحرب
TT

تواصل الدولة اليمنية فرض سيطرتها على المناطق الشمالية الغربية لتأمين الحدود مع السعودية، وسط تصميم حكومي على العودة إلى كامل المنشآت الرسمية في صعدة. وبينما يوجد اعتراف حوثي بالاعتماد على إيران في حرب التمرد باليمن، فإن معلومات تقول إن 50% من ميليشيات المتحاربين (الحوثيين ومتطوعي القبائل الموالين للحكومة) كانوا من دون سن 18 سنة. وفي مسح مبدئي لآثار الحرب هنا، فإن غالبية القبائل وقفت ضد حركة التمرد حين اكتشفت أنها تتسبب لهم في خسائر مادية واقتصادية. وفي حال ما أثبت الحوثيون جديتهم في الجنوح إلى السلم وتنفيذ شروط الحكومة اليمنية الستة لوقف الحرب، فإن الحزب الحاكم اليمني يدعو الحوثيين إلى الانخراط في الحوار الوطني والاندماج في الدولة والمشاركة في الإصلاح السياسي والدستوري.. هذا فيما يظهر في الأفق في صعدة هاجس جديد وهو المخاوف من المطلوبين الجنائيين، الذين كانوا يحاربون مع المتمردين، وما زالوا مختبئين في الجبال ويقومون بين وقت وآخر بقطع الطريق، وتقول القوات الحكومية إنها تحاول اصطيادهم حتى لا يعكروا تثبيت السلام.

ويرفع صبية، على أكتافهم سترات بالية، حواجز من على الطريق الواصلة بين صنعاء وعمران وصعدة. ومن خلف تبة تبدو مواسير دبابات معطوبة، وعلى التراب طلقات رصاص فارغة ومبعثرة، وحولها آثار لإطارات سيارات، وبقايا تبغ وأوراق نباتات من تلك التي يمضغها بعض اليمنيين طلبا لراحة الأعصاب. هنا كان محاربون من القبائل يشتبكون مع محاربين آخرين من جماعة الحوثي المتمردة التي وافقت أخيرا على شروط الحكومة اليمنية الستة، بوقف الحرب. ويقول القيادي في الحزب الحاكم باليمن الدكتور محمد القباطي: نحن متفائلون، وبهذا يمكن للحوثيين أن يدخلوا ضمن الحوار الوطني، الذي يعد له الحزب في الوقت الراهن. لكن إلى أي حد يمكن لهذا التفاؤل أن يستمر، وأن يجد له أرضية حقيقية على الواقع، بعد تجارب من الحروب بين المتمردين والسلطة المركزية.. لقد بدأت هذه الحروب منذ عام 2004، وانتهت اتفاقات وقف إطلاق النار عقب كل حرب بالفشل، لتشتعل النار في البيوت ومخيمات اللاجئين هناك من جديد، ويراهن مسؤولو الحكومة والجيش على أن هذه الحرب هي الأخيرة.

عندما تتأمل أولئك الصبية، الذين تقل أعمار بعضهم عن 18 عاما، ويعتمرون السترات البالية، تدرك أي لعبة خطرة كانت تدور هنا.. كانوا، كأبناء للقبائل المناوئة للمتمردين الحوثيين، يتواجهون مع أقران لهم من المتمردين، ويلعبون سويا لعبة خطرة يسقطون فيها قتلى الواحد تلو الآخر عبر هذه الجبال السوداء. وتمكنت منظمة سياج الأهلية من رصد 402 من الأطفال جرى تجنيدهم في الحرب من جانب الحوثيين، مقابل 282 من جانب أبناء القبائل أو ما تعرِّفه المنظمة باسم «الجيش الشعبي» الموالي للحكومة المركزية.

ومنذ يوم 12 فبراير (شباط) الماضي، انطلق صوت الرصاص مجددا لكنه كان، هذه المرة، ابتهاجا ببداية أول يوم لوقف إطلاق النار في شمال غرب البلاد، بين الحكومة وعناصر التمرد، حيث كان الحوثيون يحاولون بسط سلطانهم على آلاف الكيلومترات لتأسيس دولة مستقبلا تخضع لنظام حكم الإمامة على أن يكون الحكام من آل البيت. وهذه الفكرة التي لا يعلن عنها الحوثيون صراحة، تعتبر أهم إشكالية يمكن أن تفجر تمردا آخر مستقبلا، بحسب ناصر يحيى مدير المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، الذي يجري مسوحا منذ الآن لدراسة الحرب السادسة التي انتهت أخيرا، معربا في الوقت نفسه عن تفاؤله، مثل كثير من اليمنيين، بوقف الحرب هذه المرة، باعتبارها مختلفة عن المرات السابقة، لسبب بسيط، يقوله ويلاحظه الجميع هنا في شمال غرب البلاد، وهو أن الحوثيين أُنهِكوا في هذه الحرب كما لم يُنهَكوا في أي حرب سابقة من حروبهم الخمسة مع الدولة.

وفي جانب آخر من الطريق المؤدية إلى صعدة يرفع جنود يمنيون أسلحتهم ليعكسوا للمارة فرحتهم ليس بوقف إطلاق النار، بل بالنصر.. «أجبرناهم على الخروج من كهوفهم.. هزمناهم، وإلى الأبد». ويقول ضابط يدعى يحيى من قوات الشرطة العسكرية، وهو يرافق وفدا من وفود لجان إحلال السلام في تلك المنطقة التي تبدو على شوارعها وجدرانها ومزارعها وحظائر بهائمها، مظاهر الدمار، إن القوات مصممة على الوصول إلى المؤسسات الحكومية التي «احتلها الحوثيون، ومنها مؤسسات احتلوها في الحروب السابقة، لكن لا بد أن يبتعدوا عن كل مباني الحكومة، حتى يعود الموظفون وتباشر عملها». هذا على الرغم من أن المتمردين لم ينتهوا، بشكل كامل، بعد من تنفيذ البند الأول من النقاط الست، الخاص بإنهاء حالة تمترس المتمردين في الجبال.. أو أن «هناك تباطؤا»، بحسب العميد محمد الحاوري رئيس اللجنة المعنية بالشريط الحدودي.

وما زال بعض الهاربين من القانون (محكوم عليهم جنائيا) ممن استغلوا الحرب للاختباء، يطلقون الرصاص وهم يتخفون في الجبال. وهؤلاء يمثلون مشكلة للجان وقف الحرب هنا؛ لأنهم يرفضون تسليم أنفسهم للسلطات. لكن كم عدد هؤلاء: إنهم بضع مئات، جاءوا من مناطق مختلفة من اليمن، من الجنوب والوسط، هاربين من ملاحقات الشرطة لارتكابهم جرائم مختلفة، وبعضهم صدر ضده أحكام غيابية من القضاء.

ومع دخول قوات حكومية إلى مناطق القتال المحيطة بصعدة ومناطق كانت معقلا للمتمردين حاول عدد من هؤلاء الهاربين الجنائيين، على طريق صنعاء - صعدة، توقيف قافلة مواد غذائية كانت متجهة إلى سفيان، لكن قوات من الجيش تمكنت من ملاحقتهم، وتبادلوا معهم إطلاق النار، وألقت القبض على اثنين منهم، وتبين أنه محكوم عليهما في قضايا في العاصمة صنعاء. كما تم مصادرة الأسلحة التي كانت معهما، أحدها من نوع كيه 47. وأقرا أنهما كانا، مع زملائهم الهاربين الجنائيين الآخرين، يحاربون في صفوف الحوثيين، وأن المتمردين تخلوا عنهم بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة.

وتضع لجان إحلال السلام مثل هذه الإفرازات الصغيرة التي تفرزها حروب كهذه، في الحسبان، على الرغم من تذمر البعض من هذه اللجان نفسها من تجاوزات حوثية، بعد إطلاق نار متقطع على الموالين للدولة منها حادثة في جبل الوزان، وعلى الرغم من اتهام الحوثيين، فإنهم ينفون أن يكونوا قد خرقوا الاتفاق، ويظهرون عزيمة وهم يمدون أيديهم لإزالة المتاريس التي أقاموها طيلة أيام الحرب السادسة التي استمرت لنحو ستة أشهر.

وفي محور سفيان يعمل جنود في الجيش، ومتطوعون من رجال القبائل على إزالة الألغام المضادة للمركبات، لكن بالنسبة للألغام المضادة للأفراد فإنها ستتطلب مزيدا من الوقت والجهد والتكلفة المالية لإزالتها من الدروب الواقعة بين الجبال، التي كان يتمركز فيها الحوثيون، ودروب أخرى كان المتطوعون والمحاربون في صفوف الدولة، يقيمون مواقعهم خلفها.

من أين جاء الإصرار على إضعاف التمرد الحوثي وإجباره على الموافقة على شروط الحكومة.. ولماذا يمكن أن تكون هذه الحرب هي الحرب الأخيرة، وما مستقبل هؤلاء الحوثيين.. هل سيواصلون التقوقع حول أنفسهم، والاستمرار في التعامل مع الدولة كندّ لهم، رافضين الدخول تحت عباءتها، أم ماذا؟ إن الأمر يتعدى الحوثيين، ويدخل في حساسات إقليمية خاصة ببعض الأطراف، ولا سيما أن أصابع الاتهام تتجه عادة، في مثل هذا الأمر، إلى إيران.. ومنذ اندلاع الحرب السادسة في أغسطس (آب) من العام الماضي، أظهر الحوثيون قوة أدهشت الحكومة، وجعلتها تستشعر الخطر من هذا التمرد.. لكن الأمور حالما تفاقمتن حين تجاوز العدوان الحوثي الأراضي اليمنية ووصل إلى الأراضي السعودية، مما اضطر الأخيرة إلى الرد على هذا التجاوز غير المسموح به على سيادتها. إلا إن المتمردين تمكنوا مع ذلك من خوض أطول حرب لهم مع السلطة المركزية في صنعاء، بل كانت من أكثر حروبهم خسائر وتخريبا وتدميرا وإثارة للفزع، وسقوطا لآلاف القتلى من الجانبين، وتشريدا لأكثر من مائتي ألف من سكان شمال غرب البلاد.

«الجولة السادسة من المعارك في الشمال، في صعدة، أخذت أبعادا جديدة.. أولا كانت المعركة كبيرة.. وأقحمت شريكا إقليميا بجانبنا، هم الإخوة السعوديون، بعد أن أدركوا وجود خطر إقليمي عليهم.. أيضا لم يكن شركاء اليمن الدوليون يصدقون لفترة بعيدة أن هذه الحرب كانت بهذا الحجم». يقول الدكتور محمد القباطي رئيس دائرة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم).

لقد كانت منطقة صعدة وما حولها منطقة رخوة.. ولهذا دخلتها أصابع إقليمية لتشعل فيها نارا.. يوضح القباطي قائلا: «أنا كسياسي ودبلوماسي، وكسفير سابق لبلادي، أدرك أنه لو كان هناك منطقة رخوة في أي بلد، على صعيد القانون الدولي وعلى صعيد الدبلوماسية والأجندات الدولية والاستراتيجية الدولية، من حق أي قوى دولية أو قوى إقليمية أن تستغل هذه المنطقة الرخوة، أو الفجوة أو الاختلال الموجود من أجل تحقيق أجنداتها، وبالتأكيد كانت هناك أجندة إقليمية ارتبطت بالحرب في صعدة.. ما في شك في ذلك».

والمقصود بهذه الجهة الإقليمية هي إيران. وفي لقاء بين سياسيين يمنيين من الحزب الحاكم والمعارضة جرى في ألمانيا أخيرا، حيث يقيم يحيى الحوثي، شقيق زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي، اعترفت أطراف حوثية صراحة بأن إيران تساند التمرد في شمال غرب اليمن، وحتى أمس لم يرد يحيى الحوثي على هاتفه للتعليق حول هذه الواقعة.

وكان القباطي حاضرا ذلك اللقاء، حيث أوضح قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كنت قبل شهر في ألمانيا، وقابلت الأخ يحيى الحوثي.. كان ذلك حين كانت القوات اليمنية قد أنجزت ضربة لـ(القاعدة) في منطقة صعدة، في الأجاشر.. وقلت له: يا أخ يحيى، كيف لـ(القاعدة) أن تظهر في داخل صعدة، وتنفذ عمليات من داخلها ضد الدولة، وأنه كان من عناصر التنظيم قيادات كبيرة مثل الريمي، القائد العسكري لـ(القاعدة) هناك، فقال يحيى الحوثي لي: يا دكتور، أنتم تعرفون أن هؤلاء الناس كانوا موجودين هناك. فقلت له: نحن نعرف أنهم موجودون هناك، لكن كونهم يوجدون في منطقة تكاد تكون تحت سيطرتكم، كيف غاب (هذا) عن بالكم، أم أن هناك نوعا من التعاون بينكم وبين ال-(القاعدة).. هل كنتم أنتم توصلون إليهم سلاحا، أم هم يوصلون إليكم سلاحا من إيران، وما القصة؟» ويروي الدكتور القباطي ما دار في لقائه مع يحيى الحوثي، وهو نائب ومحكوم عليه من القضاء اليمني، وهارب في الخارج، ويقيم في ألمانيا. ويضيف القباطي: «قال لي (الحوثي) بشكل مباشر: نحن تساعدنا إيران وأنتم تساعدكم أميركا وبريطانيا. وكان موجودا إخوة من أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) اليمنية. قلت له: يا أخي، هناك فرق بين النموذجين.. نحن دولة ولدينا تفويض شعبي وإذا تعاملنا مع أميركا أو مع بريطانيا فيوجد برلمان أجاز لنا مثل هذا.. لكن أنتم أناس متمردون على الدولة وتتعاملون مع قوى إقليمية لها أجندتها على الصعيد الإقليمي وتربك المنطقة كلها، ونحن ندفع أثمان تنفيذ أجندات إقليمية».

ويقول القباطي إن الحوثي كان يعني ما يقول، وإن اليمن، بالتوازي مع ذلك، كان يدرك أن الأمر في صعدة وفي قضية التمرد يأخذ تطورا جديدا.. «وبالتالي الجولة السادسة دخلت في أبعاد جديدة.. يحيى الحوثي كان جادا في هذا الكلام.. أنا شعرت لحظتها أن هذا بعد جديد في الأمر؛ لأنه ليس هناك شك في أن هناك دعما كبيرا جدا لهؤلاء المتمردين، كونهم يقفون لمدة ستة أشهر يواجهون جيشين نظاميين.. هناك أموال ضخمة تُضخ وتعطي للمتمردين إمكانية شراء السلاح أو تجنيد الناس والمحاربين في صفوفهم».

حسنا.. إذا كانت نوايا الحوثيين جادة في تنفيذ الشروط الستة التي وضعتها الدولة من أجل إيقاف هذه المعارك ووقفها نهائيا، فماذا سيكون مستقبلهم، وهل يقبلهم الحزب الحاكم في إطار الحوار الوطني، الذي يعد له.. يعلق القباطي قائلا: «إذا تم تنفيذ هذه الشروط بشكل حقيقي، وبأن هذه الحرب هي الجولة الأخيرة، فهذا يجعلنا متفائلين؛ لأننا مقبلون على حوار وطني شامل جامع، سيناقش قضايا الاختلالات الموجودة في اليمن بشكل كامل، وبالتالي إذا توقفت الحرب في صعدة وأقدمنا على حوار وإصلاحات سياسية وتعديلات دستورية وحكم محلي كامل الصلاحيات، فإن هذا سيهيئ لمعالجة بعض جوانب الارتخاء والاختلالات، التي كانت موجودة في الكثير من المحافظات ومن ضمنها صعدة».

وأضاف موضحا: «المهم هو ما يتم على الصعيد الميداني على الأرض، وما تقوم به هذه اللجان في صعدة، فالمؤشرات تظل إيجابية ومبشرة حتى الآن، مع اعترافنا أن هناك مصاعب كثيرة جدا لتنفيذ الشروط الستة؛ لأن هذه ليست هدنة.. الناس يجب أن تنزل من الجبال وأن تتخلى عن مواقعها وتسلم الأسلحة، وإلى آخر ذلك.. ستواجه العملية الكثير من المصاعب، لكن المنحنى في صعود، وهذا مؤشر إيجابي، وأيضا في هذا الجانب نشعر أن الإقليم والعالم يعرف أن المشكلة الآن ذات أبعاد خطيرة، ولا بد أن يقف الناس أمامها بالعقلانية والرشد؛ لأن ترك مسببات المشكلة من دون علاج إقحام للمنطقة في مشكلات كبيرة جدا».

والتفاؤل اليمني بإنهاء الحرب يقترن به التخوف من تكرارها. وهذا التكرار يمكن أن يحدث إذا تم تجاوز الحد الفاصل بين «المذهب الديني والسلاح». ففكرة الحرب مبنية، أساسا، على محاولات من جانب قادة التمرد لإقامة دولة دينية؛ لأن المذهب الهدوي (فرع للمذهب الزيدي) الذي يعتنقه الحوثيون، يقوم على قضية الإمامة. أو كما يقول ناصر يحيى، مدير المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، الذي يرى أن الدولة في اليمن معتادة مثل هذه القضايا.. «الدولة استوعبت من هم أخطر من الحوثيين، الملكيون في الستينات، وكانوا نسخة من الحوثيين.. ومع ذلك استوعبتهم الدولة، وما زالوا إلى الآن موجودين في الحزب الحاكم وفي أجهزة الدولة.. هناك كثير من الناس في اليمن يحملون الفكرة نفسها، لكن من دون الأسلوب نفسه من تمرد وقتال وغيره»، وخاصة أن غالبية القبائل ترفض هذا وترى أنه يهدد استقرارها، ولهذا شاركت في محاربة الحوثيين.

ويضيف ناصر يحيى أن «الفكرة نفسها التي يقوم عليها المذهب الشيعي الهدوي، وهي قضية الإمامة، وأن الإمامة حق لآل البيت، بأساليب أو بأحاديث أو بأسانيد مختلفة، أما باقي المذهب فهو مسائل عادية موجودة في المذاهب السنية كلها». ويواصل قائلا إن طبيعة المواجهة العسكرية التي واجهها الحوثيون جعلت سقف طموحاتهم بسيطا جدا.. «من الصعب أن تستمر الحركة الحوثية كحركة مسلحة مسيطرة على منطقة شاسعة مساحتها نحو 35 ألف كيلومتر.. تعمل وتنشط في هذه الاتجاهات كلها.. هذه المرة، بعد أن تم وقف إطلاق النار، أعتقد أن من الصعب جدا أن يعود الحوثيون إلى الحرب.. أصبح لدى الحوثيين، اليوم وأمس، شعور بأنه من الصعب أن يستمروا في طريق التمرد، بدليل أنهم نزلوا فعلا وقاموا بتطهير بعض الطرقات من الألغام».

ويتحدث مدير المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية بينما يقوم بجمع معلومات عن الحرب السادسة، حيث لاحظ أنها أكثر الحروب التي شاركت فيها القبائل ضد الحوثيين: «لاحظنا خلال جمع المعلومات أن هذه الحرب هي أكثر حرب شاركت فيها القبائل ضد الحوثيين.. ما كانوا يرضون في وقف النار في حروبهم السابقة مع الدولة، بإخلاء المواقع وتطهير الطرقات وفتحها.. موافقتهم على هذه الأمور وعلى هذه الشروط، من دون أن يكون لهم أي مطالب، دليل على أنهم أيقنوا أنه لم يعد باستطاعتهم الاستمرار في هذه الطريق أو أن يفرضوا وجودهم بالقوة المسلحة، أو أن يستمروا كندّ للدولة».

حسنا.. وماذا عن الفكر الذي يعتنقونه، والذي يتسبب في إشعال الحرب مرة تلو المرة.. يقول ناصر يحيى، عما إذا كان حاملو مذهب حكم الإمامة سيشكلون أي تقاطع مع دستور الدولة وتوجهاتها العامة مستقبلا، خاصة الحوثيين، إن الإيمان بأن حكم الإمامة وأنه حق لآل البيت، لا شك أنه سيشكل تقاطعا مع دستور الدولة، إن لم يكن الآن ففي المستقبل. ويضيف: «قبل ظهور الحركة الحوثية، لم تكن هذه القضية موجودة.. كان الناس الذين يؤمنون بها، يؤمنون بها في لقاءاتهم الخاصة كقناعات شخصية، وكدروس عن الإمامة وماهيتها، لكن لم تكن تجد تعبيرا أو حاملا سياسيا أو عسكريا.. وحين وجدت الحامل العسكري والحامل السياسي، تحولت إلى خطر.. وهذا من الممكن أن يتكرر في أي مرحلة تاريخية».

لكن ناصر يحيى يشير، أيضا، إلى أن توجهات الحوثيين المذهبية المسلحة، تتقاطع كذلك مع بعض التوجهات القبلية في اليمن.. «إذا كانت التكتلات القبلية لها توجهات سياسية وفكرية مستقلة عن فكرة الإمامة، فإن هذه التقاطعات ستحدث. وهذا موجود بالطبع في الوقت الراهن؛ لأن المناطق القبلية ليست تحت سيطرة الفكر الإمامي»، مشيرا إلى أنه بعد قيام الثورة، حدثت تغيرات كبيرة جدا، وجذرية، من انتشار للتعلم وانتشار النظريات السياسية ودخول الأحزاب بأفكارها، سواء كانت إسلامية أو قومية أو اشتراكية أو ماركسية.. كل هذه الأحزاب دخلت القبائل وأوجدت لها مرتكزات وأوجدت لها أنصارا.. طبعا تختلف النسب من حزب إلى آخر.. هؤلاء بلا شك سوف يحدث تقاطع بينهم وبين الفكر المذهبي وإن كان هذا الفكر الإمامي لا يعبر عن نفسه صراحة، ولا يقول للناس إننا - نحن - أصحاب الحق».

ويتابع، مشيرا بقوله، إن الحوثيين كانوا حريصين على عدم التحدث، بشكل مباشر، عن ما يعتقدون أنه حقهم في الحكم، ويوضح: الحوثيون لا يقولون مثل هذا الكلام مباشرة، لكن منتهى كلامهم، ومنتهى حركتهم هو هذا الأمر؛ حكم الإمامة.. لكن لجوءهم إلى حمل السلاح ومحاربة الدولة جعل القبائل، التي تمثل غالبية السكان في اليمن، بما في ذلك المناطق الشمالية الغربية، استشعرت خطرهم، وأنهم خطر على مناطقهم، وأنهم أيضا تسببوا لهم في مشكلات مع الدولة. ومن الناحية الفكرية اتضحت قضية الفكر الحوثي للقبائل من أنه مجرد فكر مذهبي يتقاطع مع إيمان كثير من رجال القبائل والمنتمين إليها. كما أن هذه القبائل تضررت من الحرب الحوثية اقتصاديا وماديا، من بيوت ومزارع.. الآن صعدة شبه مهدمة.. آلاف الأسر خرجت من صعدة ومن قراها..

محطات حروب صعدة:

خاضت الحكومة اليمنية ستة حروب في صعدة منذ بدء التمرد الحوثي قبل نحو ست سنوات:

الحرب الأولى: بدأت 20 يونيو (حزيران) 2004، وانتهت 10 سبتمبر (أيلول) في العام نفسه. وقُتل فيها الزعيم الأول للمتمردين حسين بدر الدين الحوثي.

الحرب الثانية: بدأت 19 مارس (آذار) 2005، وانتهت في 12 أبريل (نيسان) من العام نفسه.

الحرب الثالثة: بدأت 12 يوليو (تموز) 2005، وانتهت في 28 فبراير (شباط) 2006.

الحرب الرابعة: بدأت 27 يناير (كانون الثاني) 2007، وانتهت مطلع 2008.

الحرب الخامسة: بدأت مايو (أيار) 2008، وانتهت في 17 يوليو (تموز) من العام نفسه.

الحرب السادسة: بدأت 11 أغسطس (آب) 2009، وانتهت 12 فبراير (شباط) الماضي.

النقاط الست لوقف الحرب:

1 - وقف إطلاق النار، وفتح الطرق، وإزالة الألغام، والنزول من المرتفعات، وإنهاء التمترس في المواقع وجوانب الطرق.

2 - الانسحاب من المديريات، وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية.

3 - إعادة المنهوبات من المعدات المدنية والعسكرية اليمنية والسعودية.

4 - إطلاق المحتجَزين المدنيين والعسكريين اليمنيين والسعوديين.

5 - التزام الدستور والنظام والقانون.

6 - التزام عدم الاعتداء على أراضي المملكة السعودية.

* غدا : الجولة السادسة آخر الحروب