اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة التاسعة) سباق الحكومة والمعارضة: الاستحواذ على العيون والآذان

الخصوم السياسيون يخططون للتوسع في البث المرئي والإذاعي والوصول إلى المناطق الملتهبة ودخول البيوت

د. محمد قيزان، المدير التنفيذي لـ«سهيل» («الشرق الأوسط»)
TT

يخطط الخصوم السياسيون في اليمن للتوسع في البث المرئي والإذاعي والوصول إلى المناطق الملتهبة ودخول البيوت من خلال التلفزيون والراديو.. إنه سباق الحكومة والمعارضة للاستحواذ على العيون والآذان، بعد أن انتهت الحرب السادسة ضد المتمردين في صعدة شمال غربي اليمن الشهر الماضي. هذه الأيام تستعد الدولة لجولات أخرى لحسم مشاكل عالقة في جنوب البلاد من حركات لانفصاليين، وإرهاب لتنظيم القاعدة، في الجنوب، في الوقت نفسه الذي يشمّر فيه سياسيون ورجال أعمال وشيوخ قبائل سواعدهم لخوض انتخابات البرلمان مطلع العام المقبل.

وعلى هذه الخلفية أصبحت القنوات الفضائية الخاصة التي تبث من خارج البلاد، بعد أن ظهرت أخيرا، تثير جدلا بين اليمنيين، وتخلق حالة من الاستنفار عمن سيطلق قناة جديدة قريبا، وعمن يمكن أن يكون له السبق في الحصول على حق البث الإذاعي، لأول مرة في البلاد.. ويعتبر بعضهم أن قناتي «السعيدة» و«سُهيل» لسان المعارضة، في مقابل «العقيق» و«سبأ» المحسوبتين على الدولة.. وفي خضم هذا التنافس الأهلي على القنوات، بدأت أربع قنوات رسمية تعد لإنتاج برامج تستقطب المشاهدين، على أساس أن الحكومة لا بد في نهاية المطاف أن تقبل بوجود قنوات وإذاعات أهلية في البلاد، بضوابط معينة، تساعد على تنفيس الغضب، والتوعية أيضا، إلى جانب الدور الذي تلعبه الصحافة الورقية والإلكترونية في البلاد، سواء كانت حكومية أو معارضة.

وتخطط الدولة للتوسع في قنوات التلفزة، وبدأت بالفعل مشروعا لتقوية موجات البث الإذاعي في الشمال والجنوب، وتتعاون عربيا ودوليا لتحسين الأداء والمنافسة القادمة. ويقول رئيس الإذاعة والتلفزيون اليمني عبد الله الزلب لـ«الشرق الأوسط» إن بث قنوات التلفزة الخاصة من الخارج خسارة لليمن، ولدينا طلبات لإنشاء محطات إذاعية أهلية.. ونحتاج لقانون ينظم العمل ويحمينا من الفوضى الإعلامية. ويوضح حسن سلطان المدير التنفيذي لمكتب قناة «السعيدة» بالقاهرة، بقوله: نحن لا ننافس القنوات العربية الأخرى، لأن اهتمامنا موجه لليمنيين في الداخل والخارج، وبرامجنا تهدف لكسب ثقة المشاهد، أما الدكتور محمد قيزان، مدير قناة «سهيل» بصنعاء، فيشير إلى اعتماد القناة على رجال الأعمال وأنها، على خلاف ما يقال.. «بعيدة عن التطرف، ولسنا محسوبين على المعارضة، ومع ذلك فإن الحكومة تحاصرنا».

وتأسست القنوات الأهلية اليمنية في لندن ودبي والقاهرة، وتعمل في داخل البلاد بدون لافتات، وتستعين بشركات إعلامية باليمن للحصول على خدمات مصورة من مناطق الأحداث..

وتدق الهواتف النقالة في أيدي سياسيين وإعلاميين، ليلا ونهارا، لتعكس نشاطا استثماريا محموما يديره القطاعان الحكومي والأهلي، في مجال الإعلام المرئي والمسموع. وتقول السلطات المختصة، في اليمن التي تعاني من الفقر والبطالة وبعض الاضطرابات السياسية، إنها لا تخشى من تزايد عدد قنوات التلفزة الأهلية، ولا من تأسيس القطاع الخاص محطات إذاعية مستقبلا، وأن السبب في عدم السماح للقطاع الخاص بالبث التلفزيوني والإذاعي من داخل البلاد، يرجع لنقص في التشريعات المنظمة لهذا العمل الجديد في الدولة، حيث يقول رئيس المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، الدكتور عبد الله علي الزلب، إن البلاد في حاجة إلى قانون ينظم البث الفضائي والإذاعي، أولا حتى لا تحدث فوضى.

القنوات الخاصة الجديدة التي بدأت البث بالفعل، هي: «السعيدة» و«سُهيل» و«العقيق»، الأولى، «السعيدة»، أطلقها من القاهرة مجموعة من رجال الأعمال، وتقول إنها أثبتت نفسها في الأوساط اليمنية داخل البلاد وخارجها، وتبدو أكثر رصانة مما قد يعتقده البعض عن قناة عربية في دولة ذات توجهات سياسية تعمل بالكلام والسلاح أحيانا. أما قناة سُهيل فيعتبرها كثير من اليمنيين لسان حال المعارضة، وبالذات حزب الإصلاح اليمني ذو التوجه الإخواني، فيما ينظرون للثالثة، «العقيق»، التي ما زالت في طور التجريب، على أنها محسوبة على رجال يميلون إلى توجهات الدولة.

وسوف يطلق رجال أعمال يمنيون قنوات فضائية أخرى إحداها ستكون أيضا من العاصمة المصرية التي تحتفظ بعلاقات طيبة مع اليمن. ومن قبل، أي في العام الماضي، حاول معارضون إطلاق قناة باسم «سبأ»، لكن الحكومة استبقتهم، وأطلقت قناة بنفس الاسم، مما دفع بعضهم لتأسيس قناة أخرى، هي التي أصبحت تحمل اسم «سُهيل».

ومن جانبها توجد أربع قنوات تلفزة يمنية تابعة للدولة. ويمكن أن يزيد عدد القنوات الخاصة للضعف قبل نهاية هذا العام، لأن الدولة، وهي تنفق كل مليم بحساب في ظروفها الاقتصادية الحالية، لن تتمكن من مجاراة الملايين التي يخصصها رجال الأعمال على قنواتهم وتوجهاتهم السياسية والقبلية والعقائدية. وتبلغ رسوم الإيجار السنوي لقناة فضائية على القمر الصناعي المصري، مثلا، نحو ربع مليون دولار في المتوسط.

وعلى الرغم من أن قناة «العقيق» ما زالت في طور التجريب ولم تبدأ بعد في تقديم البرامج الحية، فإن العديد من اليمنيين، وهم يجلسون في «مقايل التخزين»، أي غرف الضيافة الملحقة بالبيوت حيث يمضغ غالبيتهم نبات «القات» الذي يدفع للاسترخاء.. يجلسون متكئين ويتنقلون بالريموت كنترول بين قناة وأخرى من هذه القنوات الخاصة، في إطار حب استطلاع واستشراف لما يمكن أن يكون عليه المستقبل، وما إذا كانت هذه القنوات مجرد أبواق سياسية أم أنها قنوات يمكن الاعتماد عليها والتفاخر بها بين قنوات الأمم، من حيث الحياد والتغطية السريعة والحية للأحداث التي تمر بها البلاد، ومن حيث الإنتاج الدرامي من البيئة اليمنية الغنية بالقصص والحكايات والموسيقى والجدل على كافة المستويات.

بالنسبة لقناة «السعيدة»، التي يمكن التقاطها من القمر الصناعي المصري نايل سات على تردد 10758، يقول حسن سلطان المدير التنفيذي بمكتبها في العاصمة المصرية، عبر الهاتف: «نحن نعتبر أول قناة أهلية يمنية. وينصب اهتمام القناة على التركيز على اليمنيين داخل اليمن وخارجه.. نحن لا ننافس القنوات العربية الأخرى (الإخبارية الكبيرة)، لأن هدفنا أن يشعر اليمني في أي مكان أننا قناته التي تعبر عنه». ويضيف موضحا أن القناة تنتج أيضا أعمالا درامية وغير درامية، منها مسلسل يمني يدعى «كيني ميني» (أي السمن والعسل)».. ويأمل الدكتور حامد الشميري، وهو المدير التنفيذي (الرئيسي)، أن تتمكن القناة، من الاستمرار في كسب ثقة المشاهد اليمني من خلال برامج قوية تعبر عن كافة المجالات والاهتمامات، واختار لهذا طاقم مذيعين من العرب على مستوى عال من المهنية، إلى جانب تدريب كوادر يمنية لهذا المجال.

ويعتقد كثير من اليمنيين أن قناة «سُهيل» تتبع تيار جماعة الإخوان المسلمين في اليمن أو حزب التجمع اليمني للإصلاح. ولم تتمكن هذه القناة من البث عبر قمر النايل سات أو عرب سات، وهي تبث حاليا من القمر أتلاتنك بيرد (نفس مدار النايل سات) بتردد 11555. وعما يقال عن أنها محسوبة على المعارضة، يعلق الدكتور محمد قيزان، الذي يشغل موقع مدير عام القناة بصنعاء قائلا: «القناة ليست تابعة للمعارضة، وليست تابعة لـ(أحزاب اللقاء) المشترك (المعارض). وليست تابعة لحزب بعينه. لكن الآخر، أي الحكومة، يريد أن يحصرنا في زاوية أننا معارضة، لأن قناتنا تعبر عن هموم المواطن. فأنا عندما أتحدث عن الغلاء وعن الفساد المالي والإداري وعن الخدمات في الصحة والكهرباء والمياه، بلسان المواطن اليمني، فإن هذا يعتبره البعض يصب في الاتجاه الآخر، لأن الناس اعتادوا على وجود أربع قنوات فضائية رسمية يمنية لا ترى إلا بعين واحدة، ولا تسمع إلا ما تريد. ولا تمثل إلا لونا واحدا، وهو السلطة والحزب الحاكم».

وعن فكرة إنشاء هذه القناة، قال قيزان: «كانت فكرة تراود اليمنيين، بالذات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة رجال الأعمال، وتم تشكيل فريق لوضع التصورات والدراسة، وبدأ بالخطوات النظرية. ثم وضعنا خطة للانطلاق. تحركنا للبحث عن أقمار صناعية؛ النايل سات والعرب سات. وجدنا أن هناك مشكلة في هذا الأمر، لأننا لم نجد حيَّزا بالنسبة للنايل سات. كما أن عرب سات من خلال الدراسة الجغرافية والمشاهدة اليمنية، وجدنا أنه أقل من نايل سات». وأخيرا بدأت سُهيل البث الرسمي، بداية من يناير (كانون الثاني) هذا العام، عن طريق القمر الصناعي أتلانتك بيرد تو، الذي يسير على نفس مدار النايل سات، حتى يمكن لليمنيين أن يلتقطوا القناة من خلاله داخل اليمن.

وعن توجهات رجال الأعمال الداعمين للقناة قال الدكتور قيزان إن هذه التوجهات عبارة عن خليط.. «هناك أناس من الحزب الحاكم وهناك من المعارضة، وآخرون مستقلون، وكذلك هناك أناس يقتصر دورهم على رأس المال، أي «بزنس». القناة تتبع أساسا شركة (سبأ ميديا)، ومقرها في بريطانيا، وهي شركة مرخص لها بالإنتاج التلفزيوني، تابعة لمجموعة من المستثمرين اليمنيين داخل الوطن وخارجه. ويرأس مجلس إدارتها الشيخ همدان بن عبد الله بن حسين الأحمر».

وتعمل القنوات الخاصة الجديدة داخل اليمن بدون لافتة خاصة بها، وتعتمد على عقود اتفاق مع عدد من الشركات اليمنية العاملة في المجال الإعلامي والتلفزيوني. وهذه الشركات هي التي تنفذ أعمال القنوات الخاصة سواء في صنعاء أو في بعض المحافظات الأخرى. ويقول قيزان إن مكتب القناة في صنعاء مكتب إقليمي،..«وتقدمنا بطلب لوزارة الإعلام للترخيص بحيث نعمل بشكل رسمي، لكن للأسف ما زلنا ننتظر الرد».

ومثلما تسعى القنوات الخاصة والحكومية اليمنية للمنافسة بقوة في الفضاء التلفزيوني اليمني، عن طريق جلب الخبرات الإعلامية المحلية والعربية، اتخذت قناة «سهيل» خطوات مبدئية لتعزيز كوادرها البشيرة بأطقم ذات خبرة.. «نحن الآن نعتمد اعتمادا كليا على الكادر اليمني، لكن نفكر في الاستعانة ببعض الكوادر العربية، خاصة في المجالات الفنية.. نحاول الآن التعاقد مع البعض».

لكن بعض العاملين في القنوات الأهلية الجديدة لديهم هاجس آخر، فإلى جانب الجري وراء الحصول على الموافقات الرسمية للعمل في البلاد، يبدو القلق من التوجه الذي تقوده أميركا بحظر القنوات التي تدعو للإرهاب والتطرف. لكن الدكتور قيزان يقول إن قناته بعيدة كل البعد عن زمرة القنوات الناطقة بالعربية، والمتهمة بالتطرف.. «لسنا في هذه الخانة.. البعض يحاول أن يصنفنا ببعض البرامج الدينية التي تظهر على قناتنا، لكن نحن نراعي طبيعة الشعب اليمني. نحن لدينا خارطة برامج متنوعة أيضا، سياسية واقتصادية واجتماعية وبرامج عن المرأة».

فيما يتعلق بقناة «العقيق» التي يرعاها مسؤول سابق في الحكومة وشخصيات سياسية أخرى، بحسب مصادر يمنية مطلعة، فإنها تتخذ من دبي مقرا لها، وتحاول جاهدة الحصول على ترخيص لنقل مكتبها الرئيسي إلى اليمن، مستقبلا. وتبث هذه القناة برامجها التجريبية منذ نحو شهر على القمر الصناعي نايل سات، على تردد 11595، ويخطط القائمون عليها لكي تكون قناة منوعات عامة، تنافس كلا من «السعيدة» وسهيل، وباقي القنوات الحكومية.

وكان يمكن أن تكون قناة «سبأ» قناة خاصة يديرها السياسيون المعارضون، لكن، على كل حال، لا بد هنا من ذكر واقعة طريفة تتعلق بالطريقة التي جعلتها قناة حكومية خفيفة يلتقطها اليمنيون بسهولة على النايل سات بتردد 10895.. ففي العام الماضي فاجأ القيادي في حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي حميد الأحمر وزارة الإعلام اليمنية معلنا عزمه إطلاق قناة خاصة بهذا الاسم، مقرها بريطانيا، وحاول أن يبدأ البث بالفعل على قمر النايل سات أو العرب سات، أو نور سات 2 (المعروف أيضا بنايل سات 103)، إلا أن ما وصل لليمنيين في نهاية المطاف كان قناة بالاسم نفسه، لكن تهيمن عليها الحكومة، بعد أن تمكنت من الانطلاق، والظهور على التلفزة اليمنية كقناة منافسة ذات برامج منوعة أكثر جرأة من برامج القنوات ذات الطابع الرسمي الرصين والجاف.

وتبث قنوات اليمن الفضائية الرسمية على عدة أقمار عربية وأجنبية، منذ عام 1995، منها عرب سات ونايل سات وفي 2008 أصبحت اليمن تمتلك باقة قمرية كاملة بتردد 12181 على عربسات بدر 4، وتخطط الحكومة للتوسع في إطلاق القنوات الفضائية لتصل مستقبلا إلى 12 قناة.. وعرفت اليمن البث التلفزيوني لأول مرة عام 1964 عندما أنشأ الاحتلال البريطاني في عدن محطة للبث التلفزيوني المحدود، وتعرف باسم «القناة الثانية» أو «يمانية»، بينما عرف الجزء الشمالي من اليمن أول محطة بث تلفزيوني في صنعاء عام 1975، وأخذت اسم «القناة الأولى» أو قناة «اليمن». وبينما تأخذ هاتان القناتان الطابع الرسمي، يمكن أن تجد في قناة سبأ التي تم افتتاحها عام 2008 طابعا ذا توجه شبابي سياحي وتعليمي أيضا، وتعتبر قناة «الإيمان»، وهي الرابعة في عدد قنوات التلفزة اليمنية الرسمية، ذات توجه ديني معتدل ومستنير.

قضية القنوات الأهلية وقانونية عملها في اليمن، وقضية طلب القطاع الخاص السماح له بإنشاء محطات بث إذاعية على موجات الراديو، انتقلت من مجرد أمنيات في مجالس القات، إلى حلقات نقاشية علمية يشارك فيها مختصون وإعلاميون ونواب بالبرلمان، على أساس أن اليمن الجديد أصبح في حاجة إلى منافسة بين الإعلام الحكومي والأهلي، والإعلام الأهلي وبعضه بعضا، وأن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بسن قانون ينظم عملية البث المرئي والمسموع.. «مطالبين بعدة خطوات جريئة، منها إلغاء وزارة الإعلام نفسها، طالما أنها تقيد حركة وسائل الإعلام هذه»، بحسب النائب اليمني محمد صالح.. فيما يرى النائب عيدروس النقيب أن قانونا عصريا لتنظيم البث الإعلامي أصبح من الأمور الضرورية التي ستدفع بالبلاد إلى مزيد من التقدم، وترسيخ التعددية والديمقراطية من خلال النقاش بين الرأي والرأي الآخر. ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني في مجلس الشورى اليمني، محمد الطيب، إن أي قانون جديد أو تعديل لقانون قائم يخص الإعلام والصحافة، لا بد أن يكون عصريا ومواكبا لحركة المجتمع والتوجه الديمقراطي للدولة.

ولا ترى الأجهزة الحكومية المعنية غضاضة في أن تدخل وسائلها الإعلامية المرئية والمسموعة في منافسة مع القطاع الأهلي، لكن بشرط أن يكون هناك قانون منظم لهذه العملية، وهذا بالفعل ما يقوله رئيس المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، الدكتور عبد الله علي الزلب، لـ«الشرق الأوسط»: «البلاد في حاجة إلى قانون ينظم البث الفضائي والإذاعي»، مشيرا إلى أن قيام القنوات الأهلية الجديدة بالبث من خارج البلاد يمثل خسارة لليمن.. «القنوات الأهلية الخاصة رافد جديد للإعلام، ومن الممكن أن يسهم في تطوير العمل الإعلامي المرئي والمسموع، لكن ظهور هذه القنوات الخاصة، ربما استبق وجود تشريع أو قانون ينظم العمل فيها داخل البلاد.. غياب مثل هذا القانون قد يؤدي إلى خلق الفوضى وخلق العمل غير المهني، في الوسط الإعلامي الجديد، لكننا على أية حال نشجع أي قناة يمنية جديدة، ونعتبرها إضافة ونتمنى أن تكون حافزا للقنوات الرسمية لمزيد من التطوير والإبداع»، إذ إن المنافسة أدت لارتفاع عدد الأعمال الدرامية في التلفزة الفضائية اليمنية خلال العام الماضي إلى 15 عملا محليا.

ويوضح الدكتور الزلب أنه في الوقت الراهن «كل القنوات الأهلية تبث من خارج البلاد، وتعمل داخل اليمن من خلال مكاتب لها، مثلها في ذلك مثل القنوات العربية العاملة في اليمن.. هذا وضع غير سوي، ولا بد أن يكون هناك تشريع ينظم عملها بالداخل، وأن تكون هناك ضوابط ومعايير يحترمها الجميع»، خاصة أن قنوات أخرى أهلية قادمة في الطريق.

وعن رغبة العديد من الشخصيات اليمنية في إنشاء وبث إذاعات أهلية، خاصةً مع صعوبة البث الإذاعي التقليدي من خارج البلاد، قال الدكتور الزلب: «نعم توجد طلبات كثيرة لإنشاء قنوات إذاعية، لكن كل هذا يتطلب وجود قانون منظم لعمل الإذاعة الأهلية»، مضيفا بقوله إن قانون المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، يعطي المؤسسة الحق في البث الإذاعي الحصري، وأنه في الوقت الراهن يجري النقاش حول وضع قانون جديد ينظم هذه العملية».

ويوضح أن الإذاعات الرسمية التي تبثها المؤسسة عبارة عن إذاعتين رئيسيتين و10 إذاعات محلية تغطي 10 محافظات من محافظات الجمهورية.. «وتقوم هذه الإذاعات المحلية بدور متميز في العمل التنموي الاجتماعي، أكثر من الدور السياسي». وأعطى فوز إذاعة عدن (البرنامج الثاني)، الشهر الماضي، بالجائزة الذهبية لمهرجان الخليج الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون بالبحرين عن برنامج أسبوعي اسمه «نحن والبيئة»، حافزا للإذاعات المحلية في التنافس والتجديد والتنوع. وتعول الحكومة كثيرا على أن يلعب الإعلام المرئي والمسموع دورا في دفع البلاد إلى الأمام، وإقالتها من العثرات التي تعترضها، خاصة في شمال غربي البلاد، وفي جنوبها.. واتخذت بالفعل عدة إجراءات لتوصيل صوتها للمواطنين عبر الإذاعة والتلفزة.

ويمتد تاريخ الإذاعة في اليمن، جنوبا وشمالا، إلى النصف الأول من القرن الماضي. وبدأ الاحتلال البريطاني في جنوب البلاد البث الإذاعي من عدن لأول مرة عام 1940، ثم تحول إلى إذاعة «راديو عدن» في 1954، وكانت تبث لعدة ساعات يوميا.. أما في الشمال، وحين جاءته بعثة عسكرية أميركية سنة 1946، كان معها «محطة لاسلكية» هدية للجيش اليمني، حيث بدأ البث منها في العام التالي بنطاق صنعاء، ولم تتطور وتصبح مؤسسة إلا بعد الثورة اليمنية هناك عام 1962، وبعد الوحدة عام 1990 تم دمج مؤسستي الإذاعة، شمالا وجنوبا في هيئة واحدة.

ويجري، منذ نحو شهرين، نصب هوائيات تقوية البث في مناطق بالشمال والجنوب، خاصة ذمار، ومأرب، وتعز، والضالع، وعمران وصعدة، وهي مناطق يشهد بعضها، بين حين وآخر، قلاقل أمنية مع متمردين وانفصاليين وإرهابيين، تكبد الدولة مليارات الدولارات. وأعطى وزير الإعلام اليمني، حسن اللوزي، إشارة بدء العمل في 10 محطات للإرسال الإذاعي بنظام FM ضمن مشروع كبير لتقوية وتوسيع مساحة التغطية الإذاعية العمومية للبرنامجين العام والثاني وإذاعة الشباب والإذاعات المحلية، بكلفة تبلغ نحو 2.2 مليون يورو، لرفع مستوى وعي المواطن دينيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، مشيرا إلى أن الأشهر المقبلة ستشهد تقوية إرسال العديد من محطات الإذاعة المحلية في محافظات صعدة، ومأرب، وشبوة وأبين وحتى أرخبيل سقطرى.

ومنذ مطلع العام بدأ تعاون يمني مع دول شقيقة وصديقة في هذا المجال، آخرها تعاون مع السعودية يستمر حتى 2012 يشمل التنسيق الإعلامي بما يخدم القضايا المشتركة والمصلحة العليا اليمنية السعودية، والاستفادة من الخبرات المهنية في المملكة العربية السعودية للمساهمة في تنفيذ الدورات التدريبية بالمعهد الإعلامي في صنعاء وعدن.