«هارودز».. من محل لبيع الشاي إلى متجر للمشاهير والنخبة

بعد أن باع المتجر بـ1.5 مليار جنيه إسترليني.. هل تنفذ وصية الفايد بدفنه على سطح المتجر الشهير؟

TT

في تقليد سنوي اعتاده سكان العاصمة البريطانية، تصطف طوابير طويلة من النساء والرجال أمام متجر «هارودز» منذ الصباح الباكر، وأحيانا منذ الليلة السابقة.. السبب هو التخفيضات السنوية التي يقيمها المتجر ويعرض فيها تخفيضات ضخمة على كل معروضاته الفخمة. لم يستطع أي متجر في لندن مجاراة «هارودز» في هذا التقليد، ولم تستطع المتاجر الأخرى مجاراته في تقاليد أخرى كثيرة ظلت حصرا على المتجر الضخم المتلألئ بالأضواء دائما.

لمتجر «هارودز» زبائنه الدائمون والمخلصون، لكنه معلم سياحي يزوره كل من يقصد العاصمة البريطانية حتى لو لم يشتر من هناك شيئا، فالمتجر بديكوره الداخلي الفخم المصنوع من الرخام وصالته الفرعونية ومطاعمه الفاخرة وأيضا صالة الطعام الشهيرة يمكن اعتباره متنزها مغلقا للسياح دائما. وللمتجر جاذبية خاصة للقادمين من الشرق الأوسط والخليج العربي، فهو يخاطب الذوق العربي على أكثر من مستوى، فبالإضافة إلى البضائع المترفة التي يقدمها في صالاته المختلفة، فهو أيضا يحمل في داخله الروح الشرقية التي تجذب الزوار، وربما يعود جزأ من الجاذبية إلى كون مالك المتجر رجل أعمال عربيا.

مع شرائه متجر «هارودز» في عام 1985، قام محمد الفايد بإضفاء لمساته الشخصية على المتجر، فقام بإضافة ثمانية مطاعم إليه، وأضاف إلى مساحة البيع طابقين، كما أقام الصالة المصرية التي تصطف على جانبيها التماثيل الفرعونية التي يحمل أحدها ملامح محمد الفايد شخصيا. وبعد الحادث الذي قتل فيه ابنه عماد (دودي) مع الأميرة ديانا أميرة ويلز أقام الفايد نصبا تذكاريا لهما وضع داخله كأسا زجاجية تحمل آثار أحمر شفاه الأميرة الراحلة وخاتما ماسيا يقال إن ابنه كان ينوي تقديمه لديانا بمناسبة خطبتهما. ولا ينسى الفايد أن يضع الزهور في كل عام أمام النصب ويقوم في الذكرى السنوية لرحيل ابنه وديانا بتحويل إحدى فاترينات المحل إلى محراب يحمل صورهما. وأخير أضاف الفايد تمثالا على شكل طائر لتخليد ذكرى الراحلين. ويبدو أن العائلة لها دور أيضا في قرار البيع، حيث صرح محمد الفايد بعد الإعلان عن الصفقة بأنه قرر التقاعد وقضاء الوقت مع أبنائه الأربعة وأحفاده.

السؤال الذي يطرح حاليا مع بيع المتجر إلى شركة «قطر القابضة» أول من أمس بمبلغ 1.5 مليار جنيه إسترليني هو: ما الذي سيتبقى من آثار الفايد في «هارودز»؟ وهل ستنفذ وصيته بأن يدفن على سطح المتجر كما أعلن قبل ذلك؟

نقلت الصحف البريطانية عن كين كوستا، رئيس البنك الاستثماري «لازارد» الذي توسط في عملية البيع، أن الفايد اختار الشركة القطرية لثقته في أنها ستحافظ على «تقاليد وإرث (هارودز)». وتقاليد «هارودز» تعود إلى 160 عاما مضت، عندما قام تشارلز هنري هارود بإنشاء متجر صغير يشغل مساحة غرفة واحدة لبيع الشاي والأغذية في عام 1849، بعد ذلك قام ابن هارود بالتوسع وتحويله إلى متجر كبير باع فيه مختلف البضائع من الأدوية إلى العطور والملابس والطعام أيضا. وعندما دمر حريق ضخم المحل قام المالك بإعادة بنائه في شكله الحالي الذي صممه المعماري تشارلز ويليام ستيفنز.

وعندما قام محمد الفايد وشقيقه علي بشراء المتجر في عام 1985 قام بعملية تجديد شاملة بلغت تكلفتها 300 مليون جنيه إسترليني. وقام في عام 200 بإزالة شعار الملكة والأمير تشارلز، معللا ذلك بأن الملكة وولي عهدها لا يشتريان أي شيء من «هارودز»، وأن الاستمرار في عرض الشعار الملكي يعد «نفاقا مضللا». ولا شك أن القطيعة بين «هارودز» والعائلة المالكة استمرت لفترة طويلة، بل وزادت بعد وفاة الأميرة ديانا مع عماد الفايد في حادث سير في باريس واتهامات الفايد للأمير فيليب زوج الملكة بتدبير الحادث، حيث توقف جميع أعضاء الأسرة الملكة عن ارتياد المتجر.

وينظر المجتمع البريطاني إلى الفايد على أنه «شخصية مركبة ومثيرة للجدل»، وبالتأكيد فإن محمد الفايد كان يقف خارج أسوار المجتمع البريطاني لأعوام طويلة، ولم يسمح له بالدخول رغم محاولاته المتعددة للحصول على الجنسية البريطانية التي باءت بالفشل.

لكن الفايد استعاض عن العائلة المالكة بالمشاهير من نجوم العالم، فاعتمد تقليدا سنويا أن تقوم إحدى نجمات الفن الشهيرات بافتتاح موسم تخفيضات شهر يناير (كانون الثاني) في كل عام، ولم تتخل النجمات عن تلك الفرصة للظهور بصحبة محمد الفايد أو الركوب في العربة الخضراء التقليدية التي تحمل شعار المتجر وتجرها الأحصنة تمهيدا لقص الشريط إيذانا ببدء التخفيضات. فشهد شارع نايتسبريدج الشهير حيث يستقر المتجر نجمات عالميات أمثال صوفيا لورين ووميشا بارتون وإيفا لونغوريا وفيكتوريا بيكام قمن بفتح الأبواب للمتبضعين.

وعبر تاريخه اتخذ المتجر شعارا له «كل الأشياء لكل الناس في كل مكان»، وأنه يبيع أي بضاعة تخطر على البال «من الإبرة إلى الفيل»، وبالفعل قام ببيع فيل صغير أطلق عليه اسم «غيرتي» إلى الرئيس الأميركي رونالد ريغان عندما كان حاكما لولاية كاليفورنيا وحصل الكاتب نويل كاوارد على تمساح كهدية بمناسبة الكريسماس، وهي بعض من الحيوانات التي يبيعها المتجر في محل الحيوانات الخاص به، لكن المتجر أيضا يقوم بصناعة اليخوت بحسب الطلب، وفي كتالوغ هدايا الكريسماس الذي يصدره كل عام أعلن في إحدى المرات عن بيع طائرات خاصة أيضا، وفي العام الماضي بدأ في بيع سبائك الذهب الخالصة.

وفي عام 1989 قرر المتجر اتباع سياسة محددة تجاه الزي لزوار المتجر، حيث يمنع دخول المشترين الذين يرتدون الشورت والنعال (فليب فلوب) ورداء البحر والملابس الرثة أو القذرة. كما يتبع المحل سياسة صارمة تجاه دخول المجموعات، حيث يمنع دخول مجموعات الطلاب لأكثر من أربعة أشخاص معا، ويعتبر طاقم الحراسة لدى «هارودز» من أكثر الحراس جدية وحسما في التعامل مع الجمهور.

وعلى الرغم من أن محمد الفايد أثار الكثير من الجدل في بريطانيا، فإن بيع المتجر الضخم تحول إلى خبر رئيسي في محطات التلفزيون البريطانية والصحف اليومية التي تساءلت جميعها عن مصير المتجر الشهير بعد رحيل الفايد عنه.

حقائق عن «هارودز»:

* يعمل في المتجر 4000 موظف.

* «قطر القابظة» هي المالك الخامس للمتجر.

* الفايد قام بدفع مبلغ 615 مليون جنيه إسترليني لشراء المتجر في عام 1985.

* 90 ألف متر مربع مساحة المتجر ويضم 300 قسم.

* يزور المتجر كل عام 15 مليون شخص.