السلاح النووي الإسرائيلي.. خيار شمشون

عام 1974 قال الرئيس الإسرائيلي كتسير: «توجد قدرات نووية لدينا».. فسأله أحدهم: «أليس ما تقوله مقلقا؟».. فأجاب: «ولماذا نقلق نحن؟ فليقلق العالم»

TT

أحد المواضيع البارزة في المسرح الإسرائيلي الساخر، يتعلق بموضوع التسلح النووي. الجملة الأكثر استخداما وشهرة فيها، التي تثير ضحكا جارفا لدى الجمهور، هي: «حسب المصادر الأجنبية». والقصد أن إسرائيل تعتبر دولة نووية، لكن لا يحق للإسرائيليين أن يقولوا ذلك، فيقولونه ولكن باقتباس عن «مصادر أجنبية». بيد أن الأمر ليس مضحكا أبدا، فالحديث يجري عن أحد أخطر أسلحة الدمار الشامل، الذي يسعى العالم للتخلص منه، لأنه ببساطة لم يعد مجديا. فإذا كانت الحرب بالسلاح التقليدي لا تنتهي بانتصار أي من الأطراف، حيث كل مشارك في الحرب يخرج خاسرا، فإن الحرب بالسلاح النووي تعتبر مدمرة لجميع الأطراف. ولذلك فليس صدفة أن الخطة التي تضعها إسرائيل، وفقا لمصادر أجنبية، لاستخدام السلاح النووي تسمى «خيار شمشون الجبار»، وشمشون هو ذلك البطل اليهودي الذي تذكره التوراة على أنه قتل الكثير من الفلسطينيين. وعندما اعتقلوه بالخداع، بمساعدة عشيقته الفلسطينية دليلة (قصّت شعره وهو نائم، علما بأن شعره كان مصدر قوّته)، استعاد قوّته (شعره الذي نما وهو معتقل)، وصاح: «علي وعلى أعدائي يا رب»، وهو يحطم أعمدة القصر الذي ربطوا يديه بها، فانهار فوق رأسه ورؤوس آلاف الفلسطينيين.

هنالك وعي إذن أن استخدام السلاح النووي سيكون شهادة انتحار لإسرائيل وليس فقط دمار أعدائها. وحسب منشورات متعددة، فإن السلاح النووي الإسرائيلي، إن وجد بالكميات التي يحكى عنها، يستطيع تدمير العالم العربي كله وروسيا وآسيا وأوروبا وأفريقيا، وقسما من أميركا الشمالية. ومع ذلك، فإنه - حسب مصادر أجنبية - موجود في إسرائيل ويقدرونه بنحو 400 قنبلة (هارولد هاو، في مقال عن القدرات النووية الإسرائيلية في مجلة «جينز»).

فما قصة التسلح النووي الإسرائيلي؟ ولماذا طفا هذا الموضوع على السطح في الشهر الماضي، حيث صدرت قرارات المؤتمر العالمي للدول الموقعة على معاهدة منع انتشار التسلح النووي (NPT) في نيويورك، مطالبة بتطهير الشرق الأوسط من السلاح النووي، وخصت إسرائيل بالاسم دون سواها من الدول النووية؟ وما سياسة إسرائيل النووية؟ ولماذا تعتمد الضبابية، فلا تعترف بوجوده ولا تنفي وجوده؟ وهل ستصمد في هذه «الضبابية» بعد التحرك الدولي الجديد لكشفها وإخضاعها للرقابة الدولية؟ ومن الإسرائيليون الذين يؤيدون اليوم وبحماس شديد الكشف عن أسرار التسلح النووي؟

* قصة هذا التسلح

* أبو الذرة في إسرائيل هو رئيس الدولة شيمعون بيريس. فهذا الرجل، الذي يحمل جائزة نوبل للسلام، كان أحد أبرز المبادرين لإقامة المفاعل النووي في ديمونة.

كان ذلك في أواسط الخمسينات، عندما كانت إسرائيل مرتبطة بتحالف قوي مع بريطانيا وعلاقاتها باردة مع الولايات المتحدة. فرنسا كانت تنافس بريطانيا في كل شيء. فاستغل شيمعون بيريس هذا الصراع وعرض على فرنسا التقرب منها مقابل مساعدة إسرائيل على إقامة مفاعل نووي سري. ويقول الباحث ايلي ايشد، الذي يجزم بأن إسرائيل هي «واحدة من الدول النووية النادرة في العالم»، إن النقاش حول النووي بدأ في إسرائيل في مطلع الخمسينات، بين ثلاثة من القادة الإسرائيليين، هم: ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الأول في إسرائيل، ونائبه في رئاسة الحكومة، يغئال ألون، ونائبه في وزارة الدفاع، شيمعون بيريس. وقد توصلوا إلى قناعة بأنه «يجب التزود بالسلاح النووي كخطوة رادعة للدول العربية حتى تكف عن التفكير في إبادة إسرائيل».

ويضيف ايشد أن بن غوريون كان أشدهم تحمسا، وقد طرح رأيه بشكل صريح على النحو التالي: «التسلح النووي يفيدنا لمرحلة قصيرة، تمنع فيها الحرب. ولكن الحرب مع العرب ضرورية لاحقا، لأنها السبيل لتوحيد مركبات المجتمع الإسرائيلي. لكن العرب قادرون على محاربة إسرائيل المرة تلو المرة، حيث إن تفوقهم العددي يسمح لهم بذلك، أما إسرائيل فلا تستطيع الحرب أكثر من مرة. ولذلك يجب التزود بالسلاح النووي لردعهم، ويجب أن تسبقهم إسرائيل في هذا بأي ثمن، لأنهم إذا سبقوها وامتلكوا السلاح النووي فإنهم سيبيدونها. وإذا رأوا أنها نووية فسيمتنعون عن محاربتها».

لكن نائبه يغئال ألون عارضه في هذه النظرية وقال إن العرب لن يبادروا إلى امتلاك السلاح النووي. لكن إذا امتلكته إسرائيل فإن الاتحاد السوفياتي سيمنحهم إياه. وقد حسم شيمعون بيريس النقاش عندما وقف إلى جانب بن غوريون في رأيه.

وقد أرسل بيريس إلى فرنسا ليبدأ العمل في الموضوع. وقدمت إسرائيل لفرنسا برهانا على التحالف بينهما، عندما شاركتها وبريطانيا العدوان الثلاثي على مصر (1956)، وخلال سنتين من تلك الحرب أقيم المفاعل النووي في النقب (ديمونة). وكلف البروفسور في الفيزياء، أرنست ديفيد بيرغمان، بتشكيل اللجنة الوطنية للبحوث النووية. وفي سنة 1960 أعلن بن غوريون عن إقامة المفاعل، مدعيا أنه للأغراض السلمية. وفي السنة نفسها أقيم مفاعل نووي آخر علني في منطقة شوريك جنوب غربي القدس (وجنوب شرقي تل أبيب)، وهو مفاعل للبحوث فعلا وتم إخضاعه لرقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية ولا يزال كذلك حتى اليوم.

ومن اللحظة الأولى لإقامة مفاعل ديمونة ارتفعت أصوات معارضة داخل المؤسسة الإسرائيلية، لكن اعتراضاتها بقيت سرية. وقد قاد هذه المعارضة في البداية البروفسور يشعياهو لايبوبتش، وهو فيلسوف إسرائيلي معروف، وقد اشتهر بشكل خاص عندما دعا إلى إعادة المناطق التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، قائلا إن الاحتلال سيدمر الأخلاق والقيم للمجتمع الإسرائيلي. وكان معه اليعيزر لفني، وهو رجل سياسي انتخب للكنيست مرتين ويعتبر النقيض عن لايبوبتش، حيث إنه أيد الاحتلال والاستيطان وجعل إسرائيل دولة على كل أرجاء فلسطين، ولكنه كان معاديا لفكرة التسلح النووي. وقال إن أمن إسرائيل لا يتحقق بالتسلح النووي، بل بضمان منع انتشار التسلح النووي في الشرق الأوسط.

الملفت للنظر أن قادة سياسيين كثيرين أيدوا لايبوبتش ولفني في مكافحتهما التسلح النووي، بينهم ليفي اشكول، ثالث رؤساء حكومات إسرائيل، ويسرائيل غليلي الذي يعتبر شخصية تاريخية في نهجه الحربي وقادة حزب المفدال (ديني صهيوني) والحزب الليبرالي اليميني بقيادة بنحاس روزين، ومبام اليساري الصهيوني بقيادة يعقوب حزان. وعندما تولى اشكول رئاسة الحكومة سنة 1963 فرض إبطاء وتيرة التسلح النووي تمهيدا للتخلص منه. ولكن في سنة 1967، عندما أدخل إلى الحكومة كل من موشيه ديان، القائد العسكري الأسطوري بالنسبة للإسرائيليين، ومناحم بيغن، زعيم تكتل اليمين، ضعف موقف اشكول ورضخ لإرادة المتطرفين والعسكريين، خصوصا بعد الانتصار الكبير في الحرب واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء المصرية والجولان السوري. وأعيد للمفاعل النووي نشاطه المتسارع. وهكذا أصبحت إسرائيل دولة نووية منذ سنة 1967، كما يؤكد المؤرخ والباحث د. أفنير كوهن.

* القدرات النووية الإسرائيلية

* كما أشرنا، فإن إسرائيل أبقت على موضوع التسلح النووي طي الكتمان. ولكن مصادر كثيرة في الخارج كشفت قدراتها النووية شيئا فشيئا. فالعامل الفني في ديمونة، مردخاي فعنونو، كشف هذه الأسرار لصحيفة «ساندي تايمز» البريطانية في نهاية الثمانينات، فاختطفه عملاء الموساد (المخابرات الإسرائيلية الخارجية) من إيطاليا وجلبوه إلى إسرائيل وحاكموه وأبقوه في السجن 18 عاما، ويعيش حاليا في القدس الشرقية وسط شروط قاسية، لا يستطيع مغادرة البلاد، ويحظر عليه الحديث إلى الصحافة. وعندما خرق الشروط أعيد اعتقاله مرة أخرى. وقد كشف في حينه أن إسرائيل كانت تمتلك 200 سلاح نووي مختلف في سنوات السبعين. لكن الباحث هارولد هاو، المذكور أعلاه، يقدر عددها بـ400 في التسعينات من القرن الماضي، ويقول إن معظمها قنابل هيدروجينية.

ويضيف فعنونو أن كل قنبلة نووية إسرائيلية تحتوي على 4 كيلوغرامات من البلوتونيوم، وقدرتها التدميرية تقدر بـ130 - 260 كيليتون، أي نحو 20 مرة أضخم من قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما بعد الحرب العالمية الثانية. وأنها طورت صاروخا خاصا («يريحو»، أي أريحا بالعبرية) بمقدوره أن يحمل رؤوسا نووية ويصل مداه حتى 7800 كيلومتر.

بالإضافة إلى أن ثلاث غواصات ألمانية من طراز «دولفين» اقتنتها إسرائيل، تحمل رؤوسا نووية وتستطيع إطلاق صواريخ مداها 1500 كيلومتر. وقد تم شراؤها بهدف الاستمرار في تدمير «العدو» من عرض البحر، في حالة إلقاء أسلحة دمار شامل على إسرائيل تؤخذ فيه أسوأ التقديرات. فإذا دمرت إسرائيل ستواصل هذه الغواصات المهمة من خارج حدودها الإقليمية.

وتقول منظمة «غرين بيس» (السلام الأخضر)، وهي منظمة كندية أصبحت عالمية تعمل في شؤون البيئة، إن في إسرائيل عدة مخازن للأسلحة النووية، في حيفا وفي منطقة عيلبون (قرية لفلسطينيي 48 في منطقة الجليل الشمالية) والنقب، ولها مصنع سري ضخم في الشمال لتركيب القنبلة النووية.

* السياسة الضبابية أميركية

* النقاش حول التسلح النووي في إسرائيل لم يبق طويلا في طي الكتمان، وكانت هناك مصلحة لإسرائيل أن تكشفها بشكل جزئي، حتى تردع العرب وتخيفهم. لكن الرئيس الأميركي جون كيندي طلب من إسرائيل في سنة 1961 أن تخبرهم بأمر الفرن القائم في ديمونة، فتهربت إسرائيل من الجواب. وفي سنة 1963 بدأت الولايات المتحدة تحقق في مصدر مادة اليورانيوم التي وصلت إلى إسرائيل، وإن كانت من فرنسا أو جنوب أفريقيا أو الأرجنتين. وقد قررت إسرائيل عندئذ مصارحة الرئيس كيندي بوجود السلاح النووي، ولكنها رفضت الرقابة الدولية ووافقت على رقابة أميركية محدودة في مفاعل ديمونة. ومقابل ذلك وافقت إدارة كيندي على سياسة الضبابية، «لا تسأل ولا تجيب»، أي لا تتكلم عن هذا التسلح، لا بالإيجاب ولا بالنفي. وهذا ما جعلها سياسة وسطية. كيندي من جهته أراد أن يمنع الضغوط عليه حتى يفرض على إسرائيل وقف تسلحها النووي. والواقع أنه كان مؤسس ما يعرف اليوم بـ«السياسة الضبابية» الإسرائيلية في الموضوع النووي.

ويقول الباحث أفنير كوهن، في كتابه «السلاح النووي - ضبابية وديمقراطية في إسرائيل»، إن الهدف من هذه السياسة الضبابية هو «أن تكون ردعا للعرب، بحيث يخافون من السلاح النووي، وفي الوقت نفسه لا تعترف إسرائيل بوجوده حتى لا يكون في ذلك مبرر للعرب أن يمتلكوا هم أيضا السلاح النووي».

وقد وضع أول رؤساء حكومات إسرائيل، ديفيد بن غوريون، الصيغة الرسمية الإسرائيلية تجاه هذا الملف بالقول في سنة 1960: «إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التي تدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط، ولكنها لن تكون الثانية أيضا». والقصد من هذا هو أن إسرائيل لن تبادر إلى إدخال السلاح النووي، ولكن إذا حاولت أي دولة عربية إدخاله فإن إسرائيل سوف تسبقها إلى ذلك.

في إطار هذه السياسة رصدت إسرائيل ميزانية هائلة، ليس فقط لتعزيز قدرتها النووية، بل أيضا لمنع أي طرف عربي من امتلاك خبرات نووية. فأقامت جيشا من العملاء في العالم العربي وأرسلت رجال الموساد والقوات الخاصة التابعة للجيش إلى الكثير من الدول العربية في مهمات مغامرة لزرع أجهزة تنصت، وتابعت بمثابرة أي نشاط نووي، وعندما اكتشفت المفاعل النووي في العراق أقدمت على تدميره سنة 1981. وحسب «مصادر أجنبية»، فعلت الأمر نفسه في دير الزور السورية قبل ثلاث سنوات. وتدير معركة دولية لمنع إيران من تطوير السلاح النووي، وتحث العالم على توجيه ضربة عسكرية لتدمير المفاعلات النووية فيها، المنتشرة في سائر أنحاء إيران.

وقد حرصت إسرائيل، خلال ذلك، على إبقاء ملفها النووي سريا، مع أن كثيرا من قادتها وقعوا فريسة لإغراء الحديث عن هذا التسلح. ففي سنة 1974 قال الرئيس الإسرائيلي أفرايم كتسير، خلال لقاء مع المراسلين الأجانب: «توجد قدرات نووية لإسرائيل»، فسأله أحدهم: «أليس ما تقوله مقلقا لكم؟»، فأجاب: «ولماذا نقلق نحن؟ فليقلق العالم».

وفي سنة 2006 قال رئيس الوزراء إيهود أولمرت إن «إيران تريد أن تصبح دولة نووية مثل أميركا وفرنسا وإسرائيل وروسيا». وفي 2008 قالت رئيسة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، خلال استقبالها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: «نحن نذكر بالأساس ونريد أن لا ننسى التعاون السياسي والأمني بين دولتينا. سنظل مدينين لكم إلى الأبد على منحكم إيانا مصدر الردع الأساسي الذي كان وما زال وسيبقى لنا».

* التغيير في السياسة الأميركية

* الولايات المتحدة، كما أشرنا آنفا، فوجئت بالمعلومات عن وجود مفاعل نووي في إسرائيل في مطلع الستينات، واغتاظت لذلك في حينه وطرحت مطلبها لتطهير منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، بسبب الخطر الدائم لنشوب حرب، والخطر في أن تتورط إحدى الدول في استخدامه. وفي 26 مارس (آذار) من سنة 1963 وضع مستشار الأمن القومي في إدارة كيندي، ماك جورج باندي، تقريرا سريا جدا يقول فيه إنه يجب بذل أقصى الجهود لمعرفة أسرار إسرائيل النووية، بما في ذلك إجراء مسح حول مفاعل ديمونة والعمل على عرقلة الجهود لتطوير السلاح النووي فيه.

وفي سنة 1974 وضعت المخابرات الأميركية أمام الرئيس ريتشارد نيكسون تقريرا سريا يقول إن إسرائيل أنتجت وتخزن عددا من أنواع السلاح النووي وتمتلك صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. وبعد سنة أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرا مشابها.

ولكن إسرائيل استطاعت إقناع الولايات المتحدة بالسكوت عليها، خصوصا بعد نتائج حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي شعرت فيها الولايات المتحدة بالخطر على وجود إسرائيل وشاركتها في الحرب ضد مصر (القطار الجوي الذي أرسل من القواعد العسكرية الأميركية في العالم إلى إسرائيل وفيه طائرات مقاتلة يقودها أميركيون دخلت سماء المعارك واضطرت الرئيس أنور السادات إلى وقف الحرب قائلا: «لا أريد أن أحارب أميركا». ومقابل السكوت الأميركي وافقت إسرائيل على الانسحاب من سيناء.

في سنة 2008 نشر «معهد المعلومات والأمن القومي» في واشنطن، برئاسة ديفيد أولبرايت، أحد كبار الخبراء الدوليين في التسلح النووي، تقريرا حذر فيه من خطورة استخدام السلاح النووي في الشرق الأوسط، ويوصي بأن تقنع واشنطن إسرائيل بالانضمام إلى الحوار الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وإنتاج المواد الستخدمة في السلاح النووي (اليوانيوم المخصب والبلوتونيوم). وقد طرح التقرير على طاولة الرئيس باراك أوباما، حال دخوله إلى البيت الأبيض. ولكن نتنياهو طلب تأجيل هذا الموضوع إلى حين يوقع اتفاق سلام بين إسرائيل وجميع دول المنطقة. فلم يعترض أوباما، على أمل أن تتحرك مسيرة السلام فعلا. ولكن عندما شعر أن نتنياهو يماطل في تحريك مفاوضات السلام أرخى أوباما الحبل للجهود الدولية من أجل تحقيق هذا الهدف. وأعد صيغة مشتركة مع مصر لقرارات مؤتمر منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها عقد مؤتمر إقليمي في سنة 2012 بعنوان «تطهير الشرق الأوسط من السلاح النووي»، ودعوة إسرائيل للانضمام إلى المعاهدة الدولية لمنع انتشار السلاح النووي.

وقد ترك أوباما الباب مفتوحا أما إسرائيل للاستمرار في سياستها الضبابية، ولكن ليس إلى الأبد، معطيا - عمليا - مهلة لها حتى سنة 2012 أن تحقق السلام مع جيرانها وتمهد الأجواء الإيجابية للتخلص من السلاح النووي. وعلى الرغم من هذه المرونة في التعاطي مع الموقف الإسرائيلي، فقد رأت حكومة نتنياهو أن هناك تغييرا جوهريا في السياسة الأميركية. وعبر أكثر من مسؤول عن قلقه من ذلك.

ولكن هناك الكثير من الإسرائيليين الذين يرون في الموقف الأميركي الجديد تطورا إيجابيا. ويقول د. أفنير كوهن مريلاند، مؤلف كتاب «إسرائيل والقنبلة»، أن سياسة إسرائيل الضبابية نجحت، فالعالم يعرف أن إسرائيل نووية ولكنه لم يمارس الضغوط عليها. ولكن هذه السياسة لم تعد مناسبة لعصرنا. فالدول النووية تعلن ذلك وتعترف، مثل الهند وباكستان وحتى إيران بشكل أو بآخر. فالاعتراف يؤدي إلى تنظيم العلاقة النووية لهذه الدول بشكل أنجع لمصالحها.

ويؤكد الموقف نفسه، البروفسور عوزي ايبن، فيقول إن السياسة الضبابية جعلت السادات يأتي إلى إسرائيل طالبا السلام. ولكن تلك الظروف اختلفت. وإسرائيل تحتاج إلى تعامل صريح مع العالم في هذا المجال، لكي تحصل على ما تحتاج إليه من مساعدات لتطوير قدراتها النووية للأغراض السلمية. فهي بحاجة إلى قطع غيار وإلى أجهزة مختلفة لتطوير الطاقة الكهربائية النووية وتطوير أجهزة طبية كثيرة تعمل بالطاقة النووية. ولا يمكن تحصيل هذه المواد بسرية ومن تحت الطاولة، بل بشكل علني ومنظم. ولذلك فإن مصلحة إسرائيل تقتضي الكشف عن قدراتها النووية وتنظيم علاقاتها النووية مع العالم المتطور بشكل صريح.