حاكم مصرف سورية المركزي: تأثير العقوبات الأميركية على القطاع المصرفي السوري محدود

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» ان مساهمة الشريك الأجنبي في رأسمال المصارف السورية يمكن أن تصل إلى 75%

د. أديب ميالة (أ.ب)
TT

تمكن مصرف سورية المركزي، الذي أنجز خمس سنوات من الإصلاح النقدي، من التحول من مديرية في وزارة الاقتصاد والتجارة إلى مصرف مركزي يتمتع بالاستقلالية والقدرة على قيادة الإصلاح النقدي، وتأمين الاستقرار المالي، والدفاع عن استقرار وقوة الليرة، وتأمين المناخ المالي والنقدي الملائم لجذب الاستثمارات، وزيادة النمو الاقتصادي في البلاد.

لقد نهج حاكم مصرف سورية المركزي، الدكتور أديب ميالة، سياسة إصلاحية مدعومة من الحكومة، تمكن عبرها من تحقيق طيف واسع من الإصلاحات التي حققت الاستقرار النقدي، وأمنت أدوات السياسة النقدية القادرة على تأمين سياسة مرنة لأسعار الفوائد وإدارة السيولة النقدية، وإنجاز التحرير المالي بهدوء، وتأمين طيف واسع من التشريعات والرقابة المصرفية وغسيل الأموال، وما إلى ذلك من الأمور التي تحدث عنها الدكتور أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي في حوار خاص مع «الشرق الأوسط».. هذا نصه:

* بعد خمس سنوات من توليكم إدارة مصرف سورية المركزي.. ما التغيرات التي تم إنجازها، وهل يمكن القول إنه تم تحقيق نقلة نوعية في موقع ومكانة المركزي؟

- لقد انصب عملنا خلال الأعوام الماضية على تعزيز مكانة مصرف سورية المركزي كلاعب أساسي في الاقتصاد السوري، وذلك بما ينسجم مع توجه سورية نحو اقتصاد السوق الاجتماعي كنظام لإدارة الاقتصاد الوطني. ومن هذا المنطلق فقد تركزت الإصلاحات على تعزيز دور المصرف في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي لتأمين المناخ الملائم لجذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي.

* شهدت الليرة في «السنوات الأخيرة» استقرارا لافتا، ما أسباب ذلك، وكيف تم تجنب تقلبات الأسعار؟

- لقد حقق مصرف سورية المركزي خلال الأعوام الماضية انجازات مهمة، لا سيما في ما يتعلق بسوق الصرف الأجنبي, واستقرار سعر صرف الليرة السورية تجاه العملات الرئيسية, الأمر الذي انعكس على استقرار بيئة الاقتصاد الكلي، وأسهم في تعزيز مصداقية مصرف سورية المركزي في إدارة سعر الصرف، خاصة في ظل الأهمية الكبيرة لسعر الصرف كهدف وسيط للسياسة النقدية. والنقطة الأكثر أهمية في هذا الخصوص هي الثقة التي تولدت لدى الأفراد والمستثمرين في مدى قوة ومتانة الليرة السورية, وقدرة مصرف سورية المركزي على حماية سعر الصرف من التقلبات، والحفاظ على استقراره.

لقد أسهمت الإجراءات التي اتخذها مصرف سورية المركزي في تعزيز استقرار سعر صرف الليرة السورية وتدعيمه، وذلك نتيجة للقرارات التي تم اتخاذها في المجالات الآتية:

- توحيد سعر صرف الليرة السورية، وفك ربطها بالدولار الأميركي، وربطها بسلة عملات، وذلك في إطار إعطاء مرونة أكبر لسعر الصرف.

- تصحيح دورة القطع الأجنبي في سورية، من خلال تطبيق مراكز القطع الأجنبي لدى المصارف، بهدف حماية المصارف من مخاطر تقلبات أسعار الصرف، والحد من المضاربة على الليرة السورية.

تعديل أنظمة الرقابة على النقد، فقد تمت إزالة جميع القيود على حركة الحساب الحالي في ميزان المدفوعات بشكل تدريجي ومدروس، وصولا إلى التحرير الكامل للحساب. وتم السماح للمصارف بالقيام بتمويل معظم العمليات التجارية وغير التجارية بالقطع الأجنبي، وتمويل جميع مستوردات القطاعين الخاص والمشترك.

* تفاخرون بقدرة النظام النقدي السوري على تجنب تداعيات الأزمة المالية العالمية، كيف تمكنتم من ذلك، وما هي أهم مؤشراته؟

- إن القرارات التي اتخذها مجلس النقد والتسليف، سواء التي سبقت الأزمة المالية في إطار الخطة الإستراتيجية لمصرف سورية المركزي، أو تلك القرارات التي تزامنت معها، كان لها الدور الفعال في الحد من آثار الأزمة المالية العالمية على القطاع المالي والقطاع الحقيقي على حد سواء، حيث إن جميع هذه القرارات والإجراءات جاءت ضمن سياق منسجم، وليست عبارة عن ردود أفعال للأزمة المالية العالمية التي أتت لتسرع نوعا ما من اتخاذ بعض القرارات والإجراءات.

أما بعد الأزمة، فقد عمل مصرف سورية المركزي على تحفيز الاقتصاد الحقيقي، وذلك من خلال تشجيع المصارف على التوسع في منح التمويل للأغراض الاستثمارية والتنموية, حيث تم اتخاذ مجموعة من القرارات.

* أعلنت الجهات المختصة أن سورية باتت جاهزة تماما لإصدار سندات الخزينة، ألم يحن الوقت لاستخدامها، أم أن هناك ترشيدا وسياسة معينة لم تأت ظروفها بعد؟

- يعتبر إنشاء سوق الأوراق المالية الحكومية إحدى الخطوات الأساسية والأولية لتطوير القطاع المالي في سورية، وقد أدركت الحكومة حاجتها لتطوير إدارة الدين العام، وذلك من خلال إصدار أوراق مالية حكومية، بعد الارتفاع المتواصل لنسبة العجز في الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى رغبة الحكومة في إيجاد مصدر رئيسي للاحتياجات التمويلية للدولة قائم على أسس حقيقية غير تضخمية. وعليه، فقد تم إصدار المرسوم التشريعي رقم 60 للعام 2007 الخاص بتنظيم وإصدار الأوراق المالية الحكومية، بهدف تمكين وزارة المالية من تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية وتنفيذ الخطة الاستثمارية للدولة.

ومن المتوقع البدء في الإصدارات الفعلية لأذونات الخزينة قريبا، على أن يتم الانتقال تدريجيا لإصدار سندات الخزينة، وذلك بهدف تأمين التمويل المطلوب للموازنة العامة للدولة للعام 2010.

* سمحتم بزيادة حصة الشركاء الأجانب في رأسمال المصارف.. ما هي تصوراتكم للمصارف القائمة، ولما يمكن أن يأتي من المصارف الجديدة؟

- سعى مصرف سورية المركزي خلال السنوات القليلة الماضية، ضمن استراتيجية واضحة تهدف إلى تهيئة البنية التشريعية والتنظيمية وتطويرها، لخلق بيئة مصرفية تنسجم مع متطلبات الانفتاح الاقتصادي. فقد أصدر مجلس النقد والتسليف سلسلة من القرارات في إطار تشجيع الاستثمار، وجذب المصارف العالمية للعمل في سورية، حيث تم في هذا الصدد رفع حصة المساهمة الأجنبية في المصارف المحلية إلى 60 في المائة، وهذه النسبة تسهم في إتاحة المجال للأجانب، خصوصا المصارف العالمية الكبيرة، لتملك حصص كبيرة في رؤوس أموال المصارف، إلى جانب رفع رأسمال المصارف الخاصة إلى 220 مليون دولار أميركي بالنسبة للمصارف التقليدية، و330 مليون دولار أميركي بالنسبة للمصارف الإسلامية.

* هل تعتقد أن المصارف الخاصة تمكنت فعلا من استقطاب الودائع من الخارج بالشكل الذي كنتم تأملونه.. وهل أسهمت في إقناع السوريين بتوجيه مدخراتهم إليها أيضا بالشكل الذي كنتم تأملونه؟

- لقد أسهم دخول المصارف الخاصة إلى السوق السورية في تنويع الخدمات المصرفية وحسن من شروط المنافسة. فقد نجحت المصارف الخاصة في اجتذاب مودعين جدد وودائع كبيرة كانت مكتنزة خارج القطاع المصرفي، بالإضافة إلى إدخال منتجات مصرفية جديدة لم تكن معروفة من قبل، مما ساعدها على اجتذاب العملاء الذين كانوا يتعاملون في الأصل مع مصارف خارجية، نتيجة لعدم قدرة القطاع المصرفي على تلبية الخدمات التي يطلبها العملاء.

وانعكس ذلك بشكل رئيسي على زيادة حجم الودائع المصرفية لدى المصارف العاملة التي حققت نموا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث بلغ إجمالي الودائع لدى المصارف نحو 1200 مليار ليرة سورية في نهاية عام 2009، بالمقارنة مع 669 مليار ليرة سورية في نهاية عام 2004.

* هل لديكم نية للسماح للمصارف الأجنبية افتتاح فروع لها في سورية؟

- كما أشرت سابقا؛ فإن القانون قد سمح برفع نسبة مساهمة الشخصيات الاعتبارية الأجنبية في رأسمال المصارف من 49 في المائة إلى 60 في المائة، ويمكن تجاوز هذه النسبة لتصل إلى 75 في المائة، شريطة أن تكون هذه الزيادة مخصصة لصالح مساهمة القطاع العام المصرفي والمالي.

* يقال إن الفترة القادمة ستكون مرحلة دخول المصارف الخليجية.. هل يمكن أن نتحدث عن أسماء المصارف التي تخطط لدخول السوق السورية؟

- لقد تمكنت السوق السورية من استقطاب مصارف لها باع طويل وذات سمعة جيدة في السوق المصرفية على مستوى المنطقة، سواء من الدول المجاورة كلبنان والأردن، أو من دول الخليج. والمرحلة المقبلة ستشهد دخول مزيد من هذه المصارف، بما فيها المصارف العالمية، وهناك اليوم عدة طلبات مقدمة من مصارف تركية وعربية هي اليوم قيد الترخيص، وسيعلن عن أسمائها قريبا.

* كيف تقيمون الفرص الكامنة في سورية بالنسبة للخدمات المصرفية الإسلامية؟

- يعتبر القطاع المصرفي الإسلامي حديث العهد في سورية، وقد جاءت المصارف الإسلامية لتلبي احتياجات شريحة واسعة من المجتمع السوري تعزف عن التعامل مع المصارف التقليدية. وهذا يفسر بشكل رئيسي إقبال المصارف الإسلامية على العمل في سورية، نتيجة وجود سوق واعدة للعمل المصرفي الإسلامي في سورية، خاصة مع إقبال شريحة واسعة من الزبائن على التعامل مع هذا النوع من المصارف. هذا إلى جانب اعتبار أن السوق المصرفية السورية، وعلى الرغم من الحداثة النسبية لانفتاحها على العالم الخارجي، هي سوق قوية ومشجعة على دخول مصارف جديدة، ويدعم ذلك وجود تشريعات حديثة ومحفزة للاستثمار في هذا القطاع.

وقد وصلت الودائع بالليرات السورية والقطع الأجنبي لدى المصارف الإسلامية في نهاية عام 2009 إلى أكثر من 58 مليار ليرة سورية. كما وصلت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل المصارف الإسلامية إلى 21 مليار ليرة سورية في نهاية عام 2009.

* إلى أي درجة وصل مصرف سورية المركزي على صعيد الاستقلالية، وهل كان هناك أي تطورات حديثة في هذا الخصوص؟

- تعتبر استقلالية مصرف سورية المركزي من الأمور المهمة التي دار حولها جدل واسع في الصحافة والأوساط الاقتصادية على حد سواء خلال الفترة الماضية. ومن الناحية العملية يعد موضوع الاستقلالية أمرا ضروريا لنجاح مصرف سورية المركزي في تحقيق الأهداف النهائية للسياسة النقدية، والقيام بالوظائف والمهام الملقاة على عاتقه.

* هل ثمة قرارات وقوانين تعدون لإصدارها وتساعد في تطوير وتحسين الحياة المصرفية السورية؟

- تحتل عملية الإصلاح التشريعي مكانة مهمة لدى مصرف سورية المركزي، بهدف خلق بيئة تشريعية مناسبة لعمل القطاع المصرفي تستجيب للتغيرات والتطورات المستجدة محليا وعالميا، وذلك من خلال العمل وباستمرار، على استصدار التشريعات المطلوبة في هذا الإطار، وفي هذا السياق يجري العمل حاليا على مجموعة من التشريعات المهمة التي نأمل صدورها خلال العام 2010، أهمها:

الانتهاء من تعديل قانون مصرف سورية المركزي وقانون النقد الأساسي.

الانتهاء من تعديلات القانون 28 المتعلق بإحداث المصارف الخاصة في سورية.

استكمال الإطار التشريعي الخاص بإحداث جمعية المصارف.

الانتهاء من وضع الإطار التشريعي لمؤسسة ضمان مخاطر القروض في سورية.

الانتهاء من وضع الإطار التشريعي لمؤسسة ضمان الودائع.

الانتهاء من تعديلات مرسوم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

الانتهاء من إعداد التعليمات الناظمة لعمل شركات ومكاتب الصرافة.

* ما تقييمكم لأداء المصارف الخاصة في عام 2009.. هل أنتم راضون عن نتائجه؟

- على الرغم من الحداثة النسبية للمصارف الخاصة التي بدأت نشاطها في السوق السورية في نهاية عام 2004، فإنها تمكنت وبسرعة من الحصول على حصة جيدة من السوق المصرفية نتيجة المرونة التي تتمتع بها تلك المصارف في جذب المدخرات وتوظيفها، إضافة إلى شمولية الخدمات التي تقدمها. كما كان لدخول المصارف الخاصة أثر إيجابي على أداء المصارف العامة.

* قمتم بزيارة إلى باريس أخيرا.. وقيل إن فك الحصار المصرفي الذي تفرضه الولايات المتحدة كان في صلب محادثاتكم.. هل هذا صحيح، وكيف تتعاملون مع الضغوط الأميركية، وهل تعتقدون أنها أصبحت أقل وطأة من السابق؟

- لقد هدفت زيارة فرنسا بشكل رئيسي إلى إجراء محادثات مع البنك المركزي الفرنسي في إطار تطوير العلاقات المصرفية والمالية، وإيجاد أطر للتعاون المصرفي بين المصارف السورية ونظيرتها الفرنسية، كالتعاون في مجال غسل الأموال وغيرها من القضايا المهمة.

أما في ما يتعلق بالتعامل مع الضغوط الأميركية، فيمكن القول إن العلاقة المالية الخارجية لمؤسساتنا المالية، وخاصة مع المصارف والمؤسسات المالية الأميركية، هي علاقة محدودة، وبالتالي يعتبر تأثير العقوبات الأميركية على القطاع المصرفي في سورية محدودا بوجه عام. كما أنه، ولتفادي أي آثار سلبية محتملة على عمل مصرف سورية المركزي، قد تم العمل في السنوات القليلة الماضية على تنويع سلة الاحتياطات الرسمية، وقصر تعاملات القطاع العام على اليورو، إلى جانب فك ربط الليرة السورية بالدولار الأميركي، وربطها بوحدة حقوق السحب الخاصة، وفي هذا السياق أيضا يقوم مصرف سورية المركزي بتوظيف احتياطياته في مصارف أوروبية وعربية، ومؤسسات مصرفية دولية تتمتع بتصنيف ائتماني عال وفقا لأهم وكالات التصنيف الدولية.