أنور أبو دراغ لـ«الشرق الأوسط»: مهمتي نقل الموسيقى الشرقية إلى العالمية

موسيقي يؤدي المقام العراقي ويعزف بآلاته التراثية مع فرق غربية

الموسيقي والمطرب العراقي أنور أبو دراغ في احدى حفلاته («الشرق الأوسط»)
TT

يذهب الموسيقي والمطرب العراقي أنور أبو دراغ بالموسيقى، والمقام العراقي بعيدا عن منطقته التقليدية لينقله إلى آفاق عالمية عبر إقامته حفلات وورش عمل لتدريس الموسيقى العراقية التقليدية والمقام للطلبة الأوروبيين عبر مدرسة (مقامات للموسيقى العربية والمقام العراقي) التي يديرها بنفسه في بروكسل، بل لم تقف المسافات في طريقه من أجل المضي بمهمته الفنية الثقافية، لإقامة أمسيات وورش عمل موسيقية في مدينة برزبن بأستراليا.

أبو دراغ، الذي درس العزف على آلة الجوزة، التي يعود تاريخها إلى العهد البابلي، في معهد الدراسات النغمية ومن ثم نظريات الموسيقى في كلية الفنون الجميلة ببغداد، له تجارب جريئة في العزف والغناء مع فرقة الفلامنكو الإسبانية، وكذلك مع فرق موسيقية أسترالية، وهو يصف تجربته الأخيرة قائلا: «كانت تجربة العزف مع موسيقيين أستراليين، وقبلها مع إسبانيين، ناجحة ورائعة بالوقت نفسه، فأنت تسمع وترى فنانين من بلد بعيد مثل أستراليا وهم يغنون ويعزفون تراث بلدك، هذا اللون الغنائي العراقي العربي الأصيل يمتد بعمقه إلى العصر العباسي؛ حيث كانت فرحتهم أكبر وهم يغنون ويعزفون ويكتشفون لأول مرة أسرار هذه المقامات والأوزان المختلفة التي ترافق الأغاني بعد المقام، والتي تسمى البستات».

«الشرق الأوسط» التقت أبو دراغ في العاصمة العمانية مسقط؛ حيث شارك بفعالية في إحياء حفل موسيقي مهم لأوركسترا الشرق بقيادة الموسيقار العراقي نصير شمة، ولعب على آلة الجوزة، كما قدم مقامات عراقية امتزجت مع أصوات وموسيقى هندية وباكستانية وإيرانية وتركية، إضافة إلى العراقية، ووصف هذه التجربة بـ«المهمة وغير المسبوقة بتاريخ الموسيقى الشرقية؛ حيث كنا قد قدمنا حفلا سابقا بمدينة أبو ظبي، وسنقدم التجربة ذاتها في مدينتي السليمانية وبرلين».

تحدث أبو دراغ في الوقت ذاته عن تجربته مع العازفين الغربيين في أستراليا، قائلا: «كانت الفكرة التي تهدف إلى نشر المقام العراقي في العالم، قد بدأت منذ أكثر من 4 سنوات؛ حيث كنت أشارك صيفيا في التجارب الموسيقية التي يرعاها المتحف الموسيقي في مدينة هودستي بجزيرة كريتا اليونانية وبإشراف الفنان العالمي روز دالي (Ross Daly)، وهو مؤلف موسيقي وعازف لآلة الليرة؛ إذ يحضر هذه التجارب طلاب من جميع بقاع العالم ليتعلموا ويمارسوا ما يرغبون به من ألوان موسيقية وغنائية، وقد طرحت على دالي مقترح تدريس المقام العراقي والموسيقى المرافقة له، وقد رحب كثيرا بالفكرة، فقمت بتدريس المقام سنتين متتاليتين وهذا العام لبيت دعوة من بلدية مدينة برزبن (Brisbane) الأسترالية لتقديم دروس عن المقام العراقي وإقامة أمسيات موسيقية شارك في إحيائها معظم الطلبة الذين كانوا ضمن هذه الدورات، بالإضافة إلى الفنان العراقي الشاب نورس الفريح الذي يعزف على آلة الجوزة».

ويعترف أبو دراغ، الذي أصدر 6 ألبومات موسيقية وغنائية وضعته في مقدمة الموسيقيين العراقيين، بأن «المقام العراقي هو من القوالب الغنائية الصعبة ويحتاج إلى وقت لتعلمه، وهنا كان يجب تقريبه للمتلقي الغربي عن طريق الشرح وتبسيطه اعتمادا على حماس الطلبة الغربيين المدهش في تقبل المعلومات، يضاف إلى ذلك أن غالبية الذين شاركوا في ورش عمل دراسة المقام هم في الغالب موسيقيون محترفون ولا توجد صعوبة في قراءة النوتة الموسيقية لديهم، بصراحة أنا لا أطلب منهم أن يكونوا قراء مقام أو عازفين محترفين للموسيقى التراثية العراقية ويكفي تشجيعهم على سماع الموسيقى العربية باستمرار ليكونوا على صلة بها».

ويرى هذا الموسيقي الذي يمزج بين النظرية والتطبيق وجوب «الاهتمام وتطوير الآلة الموسيقية التراثية الشرقية». ويقول: «إذا أردنا أن نعطي لهذه الآلات بعدا تعبيريا وجماليا آخر غير المألوف في مصاحبة الغناء يجب علينا الاهتمام أكثر بهذه الآلات بدءا بالصناعة (الجانب التقني والجمالي) إلى طرق تدريس هذه الآلات ومواكبة طرق التدريس العالمية الحديثة»، معبرا عن اعتقاده أن «هذه الآلات من الممكن أن تقوم بدور أكبر من مصاحبتها للمقام العراقي، وهذا يعتمد على إمكانات العازف وثقافته وذوقه، وأيضا المؤلفات التي توضع لهذه الآلات، ومن الأدلة التي تؤكد آرائي هذه هو الألبوم الموسيقي (صوفيات الهمايون) الذي أصدرته عام 2000، والذي فند هذه الاعتقادات التي تقول إن هذه الآلات لا يمكن أن تؤدي أي دور موسيقي مؤثر، بعيدا عن غناء المقام العراقي؛ فالآلات الموسيقية التراثية تتطور وتواكب العصر ويمكن لها أن تحاور أية آلة موسيقية غربية». ونبه إلى أن تجاربه في المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية تقع ضمن حوار موسيقي بحت «تجربة المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية تكاد تكون متداولة بشكل مكثف الآن، ونحن نحاول أن نذهب إلى أبعد من ذلك في هذا المجال؛ ففي عام 2002 قدمنا عدة أمسيات للمقام مع الفلامنكو الإسبانية وتوجت هذه التجارب بإصدار (سي دي) عام 2006 في بلجيكا، بالإضافة إلى تجاربنا مع الموسيقى اليونانية والتركية والإيرانية والهندية وفرق الجاز والموسيقى الكلاسيكية العالمية».

ويقف أبو دراغ ضد الآراء التي تدعي أن المقام العراقي يجب أن يبقى مثلما هو بلا تجديد «قبل أن أبدي رأيي في هذا الصدد أود أن أسأل هؤلاء: هل كان المقام العراقي يؤدى بالطريقة نفسها التي كان يؤديها مطرب العراق الأول محمد القبانجي؟ وهل كان يحظى بنفس هذا البريق والانتشار؟ وهل كان لأداء الفنان الرائع ناظم الغزالي وتجديده وتهذيبه للمقام أي تأثير سوى إعطائه هذا البعد الجمالي والذي بفضله انتشر المقام العراقي وأصبح مسموعا في جميع الدول العربية إلى يومنا هذا؟». كما يعارض الأصوات التي ارتفعت من قبل بعض قراء المقام العراقي التقليديين ضد أداء أصوات نسائية لهذا النوع من الغناء، قائلا: «أعتقد أن هذا الرأي فطري ونابع من آراء شخصية لا أكثر؛ فالمرأة قادرة على تقديم المقام العراقي بكل جدارة ما دامت لديها المساحة الصوتية والخبرة لأداء هذا اللون؛ حيث إن لكل مقام بداية ونهاية، فهو معروف مسبقا بما يحتويه من نغمات وطبقات صوتية وقطع وأوصال وميانات، فإذا كان هذا متوافرا لدى الصوت النسائي فما العائق؟ بل أنا مع غناء الأطفال للمقام العراقي إذا كانوا يتمتعون بهذه المقدرة الصوتية وحبهم لأداء هذا اللون، فهناك الكثير من المقامات التي لا تتجاوز الأوكتاف ونصف الأوكتاف من حيث المساحة الصوتية وهو بالتالي يصب في مصلحة المقام العراقي وديمومته وانتشاره».