«دار الكتب الوطنية» في حلب.. إحدى أعرق المكتبات العامة في المشرق العربي

تحتفل بمرور 85 سنة على تأسيسها بمشروع ترميم وإصلاح واسع

TT

يشبهها بعضهم بـ«المكتبة الظاهرية» بدمشق التي عرفت كأقدم مكتبة عامة في بلاد الشام. وأوجه الشبه بينهما متعددة، منها: أنها أقدم مكتبة عامة في مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، وأنها تتوضع في مبنى تاريخي جميل يعود لثلاثينات القرن الماضي، وأنها لا تزال تقوم بالوظيفة ذاتها التي تؤديها «أختها» المكتبة الظاهرية بالعاصمة السورية، سواء من حيث استقبالها الباحثين وطلبة الجامعات أو من حيث كونها تضم بعض أندر الكتب القديمة وأهمها.

أما العنصر المشترك الإضافي، وفي هذه الحالة الأهم، فهو أنها تتهيأ الآن لمشروع إصلاح وترميم... تماما كما حصل لـ«المكتبة الظاهرية».

إنها «المكتبة الوطنية» العريقة في مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية، وموقعها في وسط المدينة بمنطقة «باب الفرج» وأمام ساعتها الشهيرة. وهي منارة تخدم الواقع الثقافي في حلب منذ أكثر من85 سنة.

«الشرق الأوسط» قامت بجولة في المكتبة، حيث التقت أحمد أسعد، معاون مدير المكتبة، الذي شرح تفاصيل أعمال الترميم وأهمية المكتبة التاريخية والثقافية، فقال: «سينطلق المشروع الترميمي لبناء المكتبة في بداية العام المقبل 2011، إلا أنه لن يصار إلى إغلاقها بالكامل أثناء أعمال الترميم، بل سيجري المشروع على أقسام بحيث نرمم كل قسم وحده كي لا نغلق كل الأقسام. ولكن في المقابل، قد ينخفض عدد زوار المكتبة في فترة المشروع التي ستمتد لأشهر».

وتابع أسعد: «يتضمن المشروع إعادة تأهيل قاعات المطالعة ووصلها بشبكة الإنترنت، وكذلك مبنى المكتبة الذي سيخضع للإصلاح والترميم وإعادته إلى ما كان عليه عند اكتمال تشييده في أواسط عقد الثلاثينات. ويومذاك افتتحت المكتبة كمكتبة عامة في حلب لتقدم خدماتها للباحثين وطلاب العلم». وأردف: «تحتل المكتبة مساحة تبلغ نحو 600 متر مربع بطابقين، وتشمل قاعة مطالعة عامة وقاعة للدراسات والأبحاث أطلق عليهما اسما عمر أبو ريشة وخير الدين الأسدي في الطابق العلوي، ومعهما مخزن للكتب. أما في الطابق السفلي، فيقع مسرح المكتبة ويتسع لنحو 300 شخص، وتقام فيه المحاضرات والفعاليات الأدبية والثقافية. ولقد قمنا منذ فترة وجيزة بمشروع أرشفة إلكترونية للمجلات والصحف التي ترد إلى المكتبة، إذ بدأنا بذلك منذ العام الماضي، بينما أنجزت أرشفة مقتنيات المكتبة من الكتب على الكومبيوتر منذ فترة طويلة عن طريق جهازي تصوير ميكروفيلم. وفي الأسابيع المقبلة، سننشر على موقع مديرية ثقافة حلب، التي تتبعها المكتبة، برامج مكتبتنا، بحيث سيتاح لأي متصفح على شبكة الإنترنت معرفة أي كتاب موجود لدينا من خلال هذا الموقع. وتضم المكتبة حاليا ستين ألف كتاب باللغة العربية و30 ألف كتاب باللغات الأخرى، منها كتب قديمة ونادرة تعود إلى القرن التاسع عشر، مثل كتاب «صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي» للمؤرخ عمر طوسون.

وحول عدد زائري المكتبة اليوميين، قال أسعد: «يتباين العدد تبعا لفترات العام، ففي الموسم الدراسي بالجامعات والمعاهد يصل عدد مرتادي المكتبة إلى نحو 600 شخص يوميا، لكنه ينخفض خلال فصل الصيف، وعندها يقتصر تقريبا على الباحثين وطلبة الدراسات العليا. ومن الشيء المميز هنا، أن لدينا مثقفين وباحثين يداومون بشكل يومي في المكتبة لمطالعة وقراءة الكتب والمراجع داخل قاعاتها، خاصة أن لدى المكتبة نظام إعارة خارجية مجانية من خلال تنظيم بطاقات للمشتركين بحيث يمكنهم الاستعارة لخارج المكتبة ولمدة أسبوع. غير أننا بطبيعة الحال، لا نجيز إعادة المراجع المهمة وكتب حلقات البحث، وكذلك الكتب التي توجد في أجزاء مختلفة متسلسلة، وذلك خوفا من فقدان أحد أجزائها».

وتابع أسعد شرحه: «تفتح المكتبة أبوابها 12 ساعة في اليوم لتستقبل زوارها يوميا من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء باستثناء يوم عطلتها الأسبوعي وهو يوم الجمعة. ويعمل على تقديم الخدمات لزوار المكتبة عدد من موظفيها المتخصصين الذين يبلغ عددهم نحو 35 موظف، منهم من درس علم المكتبات بشكل أكاديمي».

ويذكر أحمد أسعد بأهمية المكتبة في التاريخ القريب المعاصر، مشيرا إلى أن معظم رواد الأدب العربي وأعمدته زاروا المكتبة الوطنية في حلب، حيث استضافتهم وأقاموا فيها أمسيات ثقافية ومحاضرات، بينهم الشاعر اللبناني الشهير بشارة الخوري «الأخطل الصغير» وكبار كتاب مصر من أمثال طه حسين وأحمد أمين وعائشة عبد الرحمن «بنت الشاطئ» وعباس محمود العقاد ومحمد حسين هيكل. كذلك استقبلت أيضا مؤرخين وشعراء وأدباء مشهورين منهم: نقولا زيادة وفؤاد صروف وجورج طعمة وميخائيل نعيمة وسامي الدروبي وغيرهم، كما أدارت المكتبة أسماء ثقافية وأدبية لامعة في حلب، في مقدمها الشاعر الكبير عمر أبو ريشة وسامي الكيالي وجلال زهدي الملاح وعلي الزيبق وغيرهم.

ويذكر المؤرخون أن المكتبة الوطنية في حلب، قبل انتقالها إلى مبناها الجديد الذي بوشر ببنائه في أواسط ثلاثينات القرن الماضي، كان لها مكان مؤقت في خان الجمرك بـ«المدينة القديمة» في مقر دائرة الأوقاف الإسلامية، حيث أسسها العلامة الحلبي الشيخ كامل الغزي كمكتبة عامة وأطلق عليها اسم «دار الكتب الوطنية»، وجعلها فرعا للمجمع العلمي العربي في حلب.

ويقول الباحث الحلبي محمد كامل قطان إنه في عام 1924 صدر قرار من حكومة دمشق بتأسيس مكتبة في مدينة حلب باسم «مكتبة فرع المجمع العلمي العربي» وكلف هذه المهمة كل من الشيخ كامل الغزي والقس مينش، وأرسلت إدارة المجمع حينذاك عددا من الكتب لتكون نواة للمكتبة، واختير لها المكان في دائرة الأوقاف الإسلامية التي كانت في «خان الجمرك» وخصصت لها غرفتان، والمجمع العلمي يشرف عليها ويزودها ببعض الكتب والنفقات الضرورية ورواتب الموظفين حتى عام 1937، حين وضع حجر أساس لبناء دار الكتب الوطنية للمكتبات، وأخذ بعين الاعتبار آنئذ عدد سكان مدينة حلب والدور الريادي الذي كانت تلعبه هذه المدينة. وفي نهاية عام 1939، اكتمل تشييد الدار لكن افتتاحها تأخر بسبب الحرب، ومن ثم دشن المبنى يوم الثلاثاء في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) عام 1945. وتمضي الرواية التاريخية لتقول إن الدار شيدت في ساحة باب الفرج بجهود من الأمير مصطفى الشهابي، محافظ حلب آنذاك الذي أصبح في ما بعد رئيسا للمجمع العلمي العربي. وعند انتقال الدار، كان عدد الكتب نحو ستة آلاف كتاب تقريبا، وقامت البلدية بتأثيث قاعة المحاضرات وقاعة المطالعة وابتاعت الخزائن الحديثة لقاعة ومخزن الكتب من فرنسا، وهي تتسع لمائة ألف كتاب. ودامت رعاية البلدية للدار حتى أواخر عام 1954، حين ألحقت بوزارة الثقافة ولا تزال.