«لعبة البلوت».. القاسم المشترك للتسلية بين فقراء وأغنياء السعودية

دخلت البلاد قبل عقود وسخرت التقنية لأجلها شغفا بها.. ونفسيون يشخصون حالات للإدمان بسببها

لقطة لمجموعة شباب يمارسون لعبة «البلوت» («الشرق الأوسط»)
TT

«البلوت».. لعبة ورق تصنف كأحد أهم وأشهر ألعاب التسلية في السعودية لجاذبيتها الخاصة، وهي القاسم المشترك بين جميع الطبقات، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، ولا تقتصر على جنس بعينه أو عمر، وتعد أهم وسائل التسلية، خاصة في المجتمعات المحافظة.

وقد تغلغلت «البلوت» في المجتمعات المحلية وأصبحت اللعبة الأولى منذ دخولها السعودية، وحافظت على مركزها، على الرغم من دخول وسائل ترفيه مختلفة بدءا من جهاز التلفاز، ووصولا للألعاب الحديثة, وبقيت ثابتة وأساسية وقت التسلية ليتحلق المتنافسون عليها بجلساتهم في الاستراحات والمقاهي أو الديوانية ويصاحبها رهانات أغلبها لا يتجاوز إعداد عشاء أو قيمته أو الامتثال لعقوبة يحددها الطرف الفائز.

ومع ذلك يقضي البعض أوقاتا طويلة في لعب «البلوت» وبشكل مستمر، دون مراعاة لأوقات العمل والأسرة ويقوم البعض منهم بحمل ورقة اللعب في جيبه لتكون قريبة منه، وهي حالات تصنف من قبل الأطباء النفسيين المعالجين بأنها حالة إدمان لـ«البلوت» تستوجب العلاج.

وللشغف الكبير بلعبة «البلوت» تم تسخير التقنية لها لتكون قريبة من لاعبيها لمجابهة زحف ألعاب التسلية الحديثة والمتنوعة.

وقد قام عدد من الشركات المشغلة للهاتف الجوال وأخرى متخصصة في برامج الألعاب بتوظيف التقنية لصالح «البلوت» فأصبحت ممارسة اللعبة تتم بواسطة الهاتف الجوال والكومبيوتر، بعد الاشتراك بهذه مع مشتركين آخرين وتجد رواجا كبيرا.

ويدور جدل في الأوساط المحلية، عن مصدر اللعبة، وهناك انقسام بين ترجيحات دولتي الهند وفرنسا كمصدرين أساسيين لها، كما يمتد الجدل ليصل إلى توقيت دخولها للبلاد.

ولكل هذا، حظيت هذه اللعبة بدارسات بحثية، وألفت كتب عدة لدراسة وتحليل هذه اللعبة وتوضيح قوانينها ونشأتها، ومنها كتاب «البلوت» الذي ألفه الأكاديمي السعودي فؤاد عنقاوي، وذكر فيه أن «البلوت» دخلت السعودية قبل 100 عام، مع رصد انتشارها بين مختلف طبقات الشعب السعودي على مستوى الأفراد والجماعات.

وبين الكتاب أن تاريخ «البلوت» يرجع للهند، على الرغم من ذكر المؤلف أن هناك كتابا باللغة الفرنسية، نشر عام 1971 عنوانه «LA BELOTTE»، كتبه مؤلفان يدعيان أن «البلوت» لعبة فرنسية.

ويصنف متعب محمد الحميدي، موظف حكومي بحائل، شمال السعودية، وفي العقد الرابع من عمره، ويلعب «البلوت» لأكثر من 20 سنة، لعبة «البلوت» على أنها حماسية غير جامدة، وهذا سر جاذبيتها، خاصة ما يرافقها من استفزاز وتهديد للخصم، ويعد أن رفع الصوت من ضروريات اللعبة.

ويضيف الحميدي: «يحسب لـ(البلوت) أن قوانينها وطقوسها ثابتة عكس الألعاب الأخرى على الرغم من اختلاف اللهجات والحدود ولا يمكن تغييرها بدءا من عدد المشاركين في اللعب، حيث لا يمكن لعبها سوى بأربعة لاعبين، اثنان ضد اثنين، ويبلغ عدد أوراق اللعب 32 وتبدأ تسلسليا للأعلى من الرقم 7، وتنتهي بما يعرف بـ(الأكه)، ويختار اللاعبون موزع الأوراق قرعة، ويوزع في البداية لكل لاعب 5 أوراق فقط ويكشف ورقة في المنتصف ومعها يختار الفريقان طريقة اللعب إما صن أو حكم، ولا بد أن يحصل الفريق الفائز على 152 نقطة، وتحسب النقاط وفق طريقة اللعب وشكل ورقم الورقة».

وعن كيفية تعلم اللعبة يذكر متعب أن إتقان قوانين اللعبة واحتساب نقاطها شرط أساسي ويأتي ذلك بمتابعة اللعب وسؤال ممارسيها وتفاوت مدة الإتقان بحسب الرغبة في التعلم، وشدد متعب على أنه لا يمكن أن يلعب المتدرب حتى يتقن اللعبة وتدريجيا حتى يحظى بثقة جلسائه بقدرته على اللعب وجرأته في تقديم النقد والاستفزاز للخصم.

وذكر الحميدي أن هناك من يعرفهم يمارسون هذه اللعبة بشكل مستمر يوميا، بل هناك من يقطعون مسافة للبحث عن استراحة يمارسون لعبة «البلوت» فيها وبأعمار متفاوتة، بل إن كثيرين من كبار السن يحملون ورقة اللعب في جيوبهم.

ويؤكد سعود عبد الكريم الملق اختصاصي نفسي أن هناك لاعبي «بلوت» يطلق عليهم «مدمنون»، خاصة من يستقطعون أوقاتا من عملهم وأسرهم للعب وبشكل مستمر ومنذ وقت طويل.

وأبان الملق أن من يلعب «البلوت» ويقضي أوقاتا طويلة في اللعب يترتب عليه مشكلات أسرية بسبب إهماله لواجباته الأسرية، مما يؤدي إلى اضطراب حياته الأسرية. ولعلاج هذه الحالات، أوضح الملق أنهم ينصحون مدمني ألعاب التسلية بإدارة الوقت وتحديد وقت التسلية واللعب وتنظيمها بحيث لا تتعارض مع وقت الأسرة والعمل والدراسة للطلاب.