ديزي خان صوت الإسلام المعتدل في أميركا

قالت: نحن المسلمين سئمنا من أن نعرف بتصرفات المتطرفين

ديزي خان.. مسلمة معاصرة تقدم الوجه الحقيقي للاسلام (نيويورك تايمز)
TT

لم ترَ ديزي خان هذا العدد الكبير من اليهود من قبل. كان هذا عام 1974، عندما كانت فتاة مرتبكة ومحبة للفن في السادسة عشرة من عمرها، وقد وصلت لتوها من الهند إلى ضواحي لونغ آيلاند بمنطقة جيريكو، بمدينة نيويورك في أول يوم لها في مدرسة أميركية. لكن هذا اليوم لم يسر على ما يرام، فقد سخر زملاؤها من هذه الوافدة الجديدة ببشرتها الداكنة ولهجتها الغريبة ودينها غير المألوف. وكان من الواضح أن هذه المدرسة، مدرسة جيريكو الثانوية، لم يسبق أن درس بها من الطلاب المسلمين سوى عدد ضئيل للغاية. كما كان من الملاحظ أن معظم طلابها من اليهود. وعندما طلب المدرس من خان أن تقف وتقدم نفسها إلى زملائها فإن الأسئلة التي وجهت إليها بسرعة كانت: هل تركب الإبل أم الفيلة؟

وقد ذكرت خان (52 عاما)، هذا الموقف مؤخرا أثناء مقابلة معها في مقر منظمتها غير الربحية، التي تسمى الجمعية الأميركية لتقدم المسلمين «لقد كان أمرا غريبا وصعبا للغاية أن يكون عمرك 16 عاما ويطلب منك تقديم دينك للصف بأكمله. لكن هذا كان أول نشاط أقوم به، وقد أدركت حينها أنني في الواقع كنت متحدثة باسم الإسلام».

وهو الدور الذي تقوم به الآن على نطاق أوسع بكثير، حيث برزت خان، وهي معمارية سابقة، كوجه عام بليغ لا يعرف الملل خلال النقاش العام حول إقامة بارك 51، وهو مركز ومسجد مقترح للجالية المسلمة تحاول خان وزوجها الإمام فيصل عبد الرؤوف تشييده على بعد بنايتين فقط من «غراوند زيرو»، أو موقع مركز التجارة العالمي السابق.

وهذه المسلمة المعاصرة التي تفضل أحدث الأزياء على ارتداء الحجاب، أصبحت المتصدي لغضب المدونين والمعلقين اليمينيين الذين يعتبرون أن بناء هذا المركز الإسلامي يمثل إهانة لضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

وعلى الرغم من أن رسالتها التجميعية تقبل الآخر، اتهمت خان بأنها متطرفة تختفي وراء عباءة الاعتدال وتخفي أجندة إسلامية محافظة وراء وجهها العصري والودود. وقال آل برنت بوزيل الثالث، مؤسس مركز الأبحاث الإعلامي المحافظ، لشبكة «فوكس نيوز» الشهر الماضي: «تستطيع ديزي خان أن تقول ما تريد. هذا ما تتوقعه من شخصية راديكالية مثلها».

وقد انتقد بعض المسلمين أيضا خان وزوجها قائلين إنهما يمثلان مجموعة صغيرة من نخبة الجالية المسلمة في الولايات المتحدة وقد كانا غير ناضجين لعدم إدراكهما لحجم الجدل والغضب الذي ستثيره خططهم الخاصة ببناء المركز الإسلامي في هذا المكان.

ولكن بعدما أصبح مشروع المركز الإسلام مادة يومية للأخبار والبرامج الحوارية وقضية بارزة في انتخابات التجديد النصفي، فإن خان التي لم تكن معروفة حتى بين المنظمات غير الربحية تحولت إلى متحدثة شرسة ومدافعة قوية عن المشروع لتجد نفسها وعلى غير المتوقع ينظر إليها كصوت للإسلام المعتدل.

فقد ظهرت خان على الشبكات الإخبارية وهي تتحدث بطلاقة وحماس وتتفادى مناورات مقدمي البرامج الحوارية مثل كريستيان أمانبور، في برنامج «هذا الأسبوع» الذي يبث على شبكة «إيه بي سي نيوز»، وطلب منها التدخل عندما هدد قس بحرق نسخ من القرآن الكريم في ولاية فلوريدا في 11 سبتمبر الماضي.

وقالت خان لمقدمة برامج شبكة «فوكس نيوز» لورا أنغراهام، في أول ظهور لها في برنامج حواري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي: «نحن - المسلمين - قد سئمنا من أن نعرف بتصرفات المتطرفين. نحن مواطنون ملتزمون بالقانون ومخلصون لبلدنا وأميركيون صالحون جدا، ونحن نريد أن نقدم رسالة مختلفة عن الإسلام، رسالة مبنية على التسامح والمحبة والقواسم المشتركة بيننا وبين الجماعات الدينية المختلفة».

وأن تكون زعيمة روحية فإن هذا لا يبدو تطورا مفضلا للسيدة خان، التي تخلت عن دينها في مطلع حياتها بسبب اشمئزازها من صور العنف التي كان ينسبها الكثير من الأميركيين إلى الإسلام. ودور الزعيمة الروحية لم يكن بالتأكيد هو الدور الذي تخطط له.

وقد تلقت خان، التي ولدت لعائلة ثرية في كشمير، تدريبات منذ البداية للقيام بعمل مهني احترافي. واستمعت خان إلى حكايات عن الولايات المتحدة من جدها غلام حسن خان، الذي درس الهندسة المدنية في جامعة هارفارد خلال عشرينات القرن الماضي. وكان والدها، نذير خان، لاعب كرة القدم السابق، يدفعها لممارسة الرياضة والتدريب بهدف المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية.

وعندما كان عمرها 16 عاما، هاجرت خان إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها في الفن والتصميم، وهي مجالات كانت بعيدة المنال بالنسبة لأقرانها من النساء والفتيات في كشمير. وقد وصلت خان إلى لونغ آيلاند حيث أقامت مع عمتها وعمها، أرفة وفاروق، وهما طبيبان ساهما في وقت لاحق في تأسيس المركز الإسلامي في لونغ آيلاند، وهو أحد أبرز المساجد في المنطقة.

وتقول خان إن جيريكو، مقرها الجديد «كان يهوديا بحيث لم يكن هناك شجرة عيد ميلاد واحدة». وعاش بيتر ميدوف، شقيق برنارد ميدوف، على مقربة من خان، التي ذهبت ذات مرة إلى مانهاتن في طائرته المائية. وتقول خان إنها تعلمت ثقافة البوب أثناء مجالسة أطفال الجيران: «تعرفت على أميركا من خلال عدسات قصص ما قبل النوم، ما يشاهده الأطفال على شاشات التلفزيون».

وفي محاولة للاندماج في مدرستها، تخلت عن اسمها، فرحات، واختارت اسم ديزي بديلا عنه. ولمهارتها في لعب الهوكي استطاعت أن تكسب المزيد من الأصدقاء ولأنها كانت في سبعينات القرن الماضي تعلمت العزف على الغيتار. وتعليقا على ذلك تقول خان: «لو كنت أعيش في الولايات المتحدة قبل ذلك ربما أصبحت من المشاركات في مهرجان وودستوك للموسيقى والغناء».

بعد إنهاء الدراسة الثانوية، تقدمت خان لدراسة العلوم الإنسانية في جامعة لونغ آيلاند وحصلت على درجة من كلية نيويورك للتصميم. ثم عندما كان في بداية العشرينات من عمرها، انتقلت للعيش بمانهاتن وعكفت على حياتها المهنية، وكانت تعمل 80 ساعة في الأسبوع كمهندسة معمارية. وفي هذه الأثناء كانت تعيش في منطقة أبر ويست سايد، حيث كان تلتقي شبابا من المهنيين المسلمين الآخرين ليقضوا مع بعضهم وقتا في مطعم زابارس أو بارني غرينغراس.

وحينئذ بدت الهند بعيدة تماما.

وحياتها المليئة بالعمل لم تترك أي مجال أو وقت للدين، على الرغم من أنها كانت في بعض الأحيان تضطر إلى الحديث عنه، ففي اجتماعات العمل التي كانت تعقد في ولاية تكساس وكولورادو كان الكثير من الحضور يطرحون عليها بعض الأسئلة عن دينها.

وكانت خان في صراع مع الإسلام من دون علم الأصدقاء، وهو صراع نشأ جزئيا بعد إقامة حكم ديني في إيران يقمع المرأة.

وبعد رحلة بحث عن الذات، قررت خان أن تترك الإسلام لأنها، كما تقول: «كان من المؤلم جدا أن أكون دائما في موقف المدافع عن تصرفات أناس لا أحب الارتباط بهم». ولكن هذا الخيار تركها هائمة على وجهها. وحين بلغت منتصف الثلاثينات من عمرها كانت تصعد بانتظام السلم الاجتماعي في مانهاتن وتعمل في التصميم بأجر مرتفع، غير أنها شعرت بعدم الرضا.

وفي عام 1987، بدأت خان العمل كمديرة مشروع في ليمان براذرز شيرسون في الطابق العلوي من مركز التجارة العالمي. في استراحة الغداء كانت تسير بجانب مسجد الفرح في برودواي في تريبيكا الغربية، وذات يوم توقفت ودخلت المسجد حيث التقت بالسيد عبد الرؤوف إمام المسجد وهو واعظ ليبرالي، يركز على التأمل وقبول الآخر. وبدأت تتسلل من العمل لأداء صلاة الجمعة.

هنا كان المكان الذي اعتقدت فيه خان أن بإمكانها التوفيق بين هويتها الأميركية ودينها، فلم يطلب منها الإمام أن ترتدي الحجاب أو تتخلى عن هويتها الأميركية. وشجعها على أن تتحدث عن دور المرأة الفعال في الإسلام. وأصبح الاثنان وثيقي الصلة وتبع ذلك خطوبة ثم تزوجا عام 1996.

* ساهم في إعداد هذا التقرير آن برنارد خدمة «نيويورك تايمز»