لؤي الخطيب: إنتاج النفط العراقي لن يتجاوز الـ6 ملايين.. والحديث عن 12.5 مليون برميل مبالغات

مدير معهد العراق للطاقة انتقد في حديث لـ«الشرق الأوسط» شروط وزارة النفط للاستثمار في البترول

TT

شدد لؤي الخطيب مدير معهد العراق للطاقة على أهمية إصلاح الشأن السياسي والفكري والاجتماعي في بلاده، لتحقيق التكامل الاقتصادي كدولة لديها مخزون من النفط والغاز، لما من شأنه أن يعيدها لدورها الحيوي والفاعل في المنطقة، ولاعبا أساسيا على المستوى العالمي، بل ومنافسا للدول الكبرى المصدرة للبترول مثل السعودية. وطالب القائمين على الملف الاقتصادي بالتخلي عن الفوقية والتحلي بالتواضع والاستماع للمستثمرين، وذلك للاستفادة من التجارب الناجحة على المستوى الإقليمي أو الدولي، وكذلك تجاوز التجارب الفاشلة، كي يعود العراق إلى حضن وعمق الأمة العربية والإسلامية.

وقلل الخطيب من جدوى بعض الدراسات أو العطاءات التي قدمتها الشركات التي حصلت على عقود المشاريع العملاقة في النفط والغاز من الوصول إلى إنتاج 12.5 مليون برميل يوميا في غضون سبع سنوات، مشيرا إلى أن توقعاته على ضوء المعطيات الحالية أن العراق لن يتجاوز 6 ملايين برميل يوميا خلال السنوات السبع المقبلة. وعن إمكانية استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق، قال الخطيب: «ما يطمح له العراق الشروع في هذا البرنامج، شرط وجود المقومات الأساسية من تمويل ضخم وتأسيس مهني لمؤسسة تعتمد دراسات فنية حديثة واستقدام الكفاءات ووضع استراتيجية واقعية». وهنا نص الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» في العاصمة البحرينية المنامة، على هامش مشاركته في مؤتمر لدعم الاستثمار في العراق.

* شاركتم في قمة الأعمال والاستثمار بالعراق التي اختتمت مؤخرا في البحرين، فما النتائج التي خرجتم بها من هذا المؤتمر؟

- في الواقع، كان المؤتمر بمثابة استطلاع للتطورات الاستثمارية في العراق، وعرض بعض التقارير التي حللتها مجلة «إيكونوميست» من خلال رصدها لآراء مديرين تنفيذيين في قطاع الاستثمار، وكذلك عرض النتائج والمعلومات التي استمدتها من السوق العراقية والسوق العالمية وآراء الجهات المستثمرة والمهتمين بملف الاستثمار في العراق، وتركزت آراء ونقاشات المؤتمرين على المشكلات التي قد تواجه المستثمر، وكيفية النهوض بالمشاريع سواء كانت نفطية أم تتعلق بمشاريع البنية التحتية والمشاريع المساعدة التي تتسع إلى بناء الصناعة والتجارة العراقية، والنهوض بواقع القطاع الخاص بشكل عام.

* وكيف تنظر للاستثمار في الطاقة؟

- مما لا شك فيه، أن المخزون العراقي من النفط والغاز يمثل أرقاما لا يستهان بها، كما أن طموحات الشعب العراقي كبيرة، والدستور العراقي يساعد على النهوض بهذا القطاع بطريقة متحررة من أية قيود كانت موجودة في السابق، ودفع عملية تطوير هذا القطاع، سيدخل العراق مجددا لاعبا أساسيا على المستوى العالمي، وربما منافسا لدولة منتجة مثل السعودية، وطبعا هذا يخضع للمعطيات بشروطها، فهنالك مقومات البنية التحتية التي يجب أن تكون جاهزة، وكذلك الوضع الأمني، وتداعيات العرض والطلب في السوق العالمية، وتوافق رؤى الدولة العراقية مع باقي أعضاء منظمة «أوبك».. فكل هذه العوامل تحكم النهوض بهذا القطاع الأهم.

* وماذا عن الطموحات للوصول إلى الحد الأعلى من الإنتاج النفطي خلال فترة وجيزة؟

- كما هو معرف، فإن العراق ينتج الآن نحو 2.4 مليون برميل يوميا، وحسب دورات التراخيص الأولى والثانية قد يصل الإنتاج إلى 12.5 مليون برميل، وذلك في غضون 7 أو 8 سنوات حسب الدراسات القائمة، ولكن من الناحية العلمية، فإن كثيرا من الخبراء يشككون في الوصول إلى هذا الإنتاج خلال هذه المدة، والتشكيك هنا ليس في القابلية بقدر ما هو في المدة، لأن النهوض بقطاع النفط وزيادة الإنتاج يحتاج لوجود بنى تحتية، التي بدورها تحتاج لوقت أطول أيضا، ومن وجهة نظر ورؤية شخصية وعلى ضوء المعطيات الحالية، أتوقع أن يصل العراق إلى إنتاج ما بين 5 و6 ملايين برميل يوميا خلال السنوات السبع التي حددتها الدراسة. أما أن يصل العراق خلال 7 سنوات إلى إنتاج مواز لدولة مثل السعودية يتواصل عملها في هذا المجال منذ 70 عاما، فهذا أكبر من الطموح.

* وكيف تقيم الضمانات للاستثمار بالعراق في ظل الظروف القائمة؟

- بما أن الدستور العراقي يشجع ويدعم دور الاقتصاد واقتصاد السوق، فإنه في الوقت ذاته تلاشت ملكية الدولة بدرجة كبيرة، أو بمعنى آخر تتنافس شركات القطاع العام مع القطاع الخاص بالدرجة نفسها وبالفرص نفسها، وهذا مما سيفسح مجالا واسعا أمام الشركات العالمية والإقليمية، ويقيني أن الشركات العربية والإقليمية ستحظى بفرص أكبر لمعرفتها بالواقع الاجتماعي للعراق، مما يسهل من دورها لتشكل عوامل فاعلة، من خلال وجودها كشريك أساسي في المشاريع العملاقة أو كعامل مساعد مؤهل للشركات العالمية الكبرى، كي تنهض بالواقع الاقتصادي العراقي.

* لكن هنالك من يرى أن فرص الاستثمار في مشاريع الطاقة والغاز في العراق قد تستأثر الشركات العالمية بالنصيب الأوفر منها، على حساب الشركات العربية والمحلية؟

مع الأسف الشديد، فإن الآلية التي وضعتها وزارة النفط العراقية لتأهيل الشركات للاستثمار في المشاريع النفطية العملاقة لم تكن بمستوى الطموح، وأعتقد أن الوزارة لم تكن موفقة في تحديد آلية تأهيل الشركات، لأن القبول بتأهيل 40 شركة فقط لاستثمار مخزون هائل من النفط والغاز لدولة مثل العراق يعد ضئيلا، مقارنة بدولة مثل النرويج التي يقل مخزونها عن العراق ويعمل فيها نحو ألف شركة. وهذا ما وضع كثيرا من علامات الاستفهام، خاصة في ما يتعلق بتأهيل شركات ذات صبغة معينة لحقول عملاقة. وكان من الأجدر إفساح المجال أمام جميع الشركات لتتنافس على هذه المشاريع، وبالتالي جذب أكبر عدد منها للاستثمار في العراق، خاصة أن حجم الشركة؛ صغيرة أم كبيرة، لم يعد مقياسا اليوم في ظل عصر التكنولوجيا المتقدمة والتمويل والقدرات الفنية والإدارية، وهذه عوامل لم تعد حكرا على الشركات الكبيرة، فشركة «آرامكو السعودية» لديها اختراعات تجاوزت بها كثيرا من الشركات العالمية الكبرى، وهناك شركات محلية وإقليمية ليدها طاقات وكوادر، استقطبتهم من شركات كبرى مثل «بي بي» و«شل» و«شيفرون». ولهذا فإن حصر التأهيل في شركات معينة وبطريقة معينة، فيه إجحاف بحق الشركات الأخرى، وإجحاف بروح التنافس، الذي ربما حقق أفضل النتائج والفوائد للعراق.

* ولماذا تتحامل على الشركات التي تم تأهيلها؟

- لا.. لا، أنا لست متحاملا أو ضد هذه الشركات، ولكن ما أقصده هو منح فرص متساوية لجميع الشركات في سبيل جني أكبر فائدة للعراق، بغض النظر عن أسماء الشركات، ويهمنا في المقام الأول مسألة الوقت، ولكن خرج علينا رئيس شركة «بي بي» بعد أن وقع عقدا مع العراق وصرح في مؤتمر دافوس وقال إن الطموحات كبيرة ولكن العراق لن يصل إلى إنتاج 10 ملايين برميل يوميا قبل 2020. وأيد مثل هذه التصريحات رئيس شركة «توتال». وفي الواقع، فإن هذه الشركات لم تصل إلى مستوى الإنتاج الذي قدمته في العطاءات. ولتوضيح أكثر؛ فعلى سبيل المثال، لو كانت الدراسة تفضي إلى أن حقل «مجنون» ينتج ما بين 600 إلى 700 ألف برميل يوميا، في حين تأتي شركة وتقدم عطاء يتضمن إنتاج 1.7 مليون برميل يوميا، وتمت إضافة المليون لكسب العطاء من دون أي اعتبار للمعايير والعوامل الأخرى مثل سعر البرميل في السوق العالمية، وكذلك حجم العرض والطلب، وكذلك الإنتاج الذي هو محدد بمنظمة «أوبك» أي سقف الإنتاج، وكذلك السعر غير محدد أصلا.. وبالتالي، فإن قراءة المستقبل ووضع التحوط لكل الاحتمالات مهم في هذا الوقت.

* ما نراه الآن هو التركيز على الاستثمارات في قطاع الاستخراج، فأين هي المشاريع الأخرى؟

- صحيح، فقطاع البتروكيماويات والطاقة الكهربائية والتصفية مع الأسف الشديد لم يجذب انتباه المستثمرين، وسياسة الاستثمار يجب أن تكون تكاملية لبناء هذه المشاريع وإلا ستصبح سياسة «عرجاء»، لأنها تهمل التعامل مع قطاع التصفية والبتروكيماويات. فمن الطبيعي أن لا يقترب أحد من هذه الاستثمارات الأخيرة، لأن الربح ظاهر في قطاع الاستخراج، ولكن بالنسبة لنا كمن يبيع سلة الذهب قبل الفضة والبرونز، وبالتالي فإن المستثمرين لن يتجهوا إلا للاستثمارات التي تحقق ربحية أكبر وأسرع.

* هل ترى أن العراق فعلا مهيأ الآن لجذب الاستثمارات الخارجية؟

- هنالك منتديات واجتماعات متواصلة، والأهم هو أن لا ننتظر لعشر أو عشرين سنة مقبلة؛ بل علينا أن نبتدئ حتى من أسوأ المراحل، والعراق أرض واعدة للاستثمار ولو كان قانون الاستثمار يستخدم أو يطبق بطريقة عملية، فسيكون هو البلد الوحيد الذي يستوعب استثمارات هائلة في قطاع البناء والتشييد مقارنة بكل بلدان العالم، لأنه يحتاج اليوم أكثر من 5 آلاف وحدة سكنية، فكيف هي الحاجة بعد 10 سنوات، في حين أن بلدان عربية أخرى لديها بنايات يضربها (يسكنها) الهواء.

* وما الحلول من وجهة نظرك للوصول إلى استثمار أفضل في العراق؟

- الآن العراق متجه إلى اقتصاد السوق ونظام الدولة وإلى الاتحاد الفيدرالي وهناك تقاسم للسلطة بين الأقاليم والمحافظات والحكومة الاتحادية، ولذا يجب أن تطبق القوانين والأنظمة بطريقة علمية دون تجاوز سلطات اتحادية على سلطات محلية أو العكس، ولا بد من إصلاح اقتصادي وتحرير البنوك من القيود ومنحها الصلاحيات في الجوانب التمويلية وخلافها في تعاملاتها مع القطاع الخاص، ولن يكون ذلك حكرا على البنوك الحكومية، كي تكون عاملا داعما ومشجعا للمستثمرين. أما إذا لم نسارع إلى الإصلاحات الاقتصادية، فإن عجلة التنمية والتطور ستتأخر ولن أقول «ستتوقف».

* ألا ترى أن من المناسب للعراق أن يستفيد من دول أخرى مرت بظروف مماثلة، ثم نهضت اقتصاديا؟

- طبعا، ولذلك نحن نطالب بإصلاح اقتصادي ويسبقه إصلاح سياسي وفكري واجتماعي، وهذا يحتاج لجهود وعمل متواصل، و«على المرء أن يسعى بمقدار جهده.. وليس عليه أن يكون موفقا» والإصلاح السياسي عليه أن يكون مسؤولا من خلال الاطلاع على الأنظمة الناجحة وحتى الفاشلة، كي يبني على الأنظمة الناجحة ويتجاوز الأنظمة الفاشلة، ونشر الوعي السياسي والاقتصادي والفكري، وهذا طبعا يحتاج لمزيد من الوقت.

* ما تقييمك للشركات المستثمرة الآن في العراق؟

- تلك الشركات تعمل في مشاريع قطاع الاستخراج وكان من الأولى ربط تلك المشاريع بالصناعات التحويلية وكذلك الصناعات البتروكيماوية، لإنجاز مشروعات تكاملية، ويجب أن نركز على هذا الجانب الآن أكثر من أي وقت مضى. وفي الوقت نفسه يجب على المسؤولين عن الملف الاقتصادي في العراق أن يتخلوا عن الفوقية وأن يتحلوا بطابع التواضع، ليسمعوا الآخرين والمستثمرين، وكي يحققوا الاستفادة القصوى من الأمثلة الناجحة على مستوى المنطقة أو على المستوى العالمي. وأن يتجاوزوا كثيرا من المدد التي لا سمح الله قد تأخذهم إلى مطبات. وإدراك أن الفرص الاستثمارية في العراق كثيرة ومتعددة، فهناك قطاع السياحة التي أوقفها الإرهاب في فترة ماضية، والتركيز على السياحة الدينية التي تجلب الملايين للعراق، من الذين يفدون للعتبات المقدسة على مدار الأسبوع، إضافة إلى قطاع الآثار؛ فالعراق غني بإرث تاريخي عظيم، يعود تاريخه إلى أكثر من 10 آلاف سنة، سواء آثار بابل أو الأهواز أو سومر وغيرها من الأقاليم والمناطق الأثرية التي يقصدها الناس من مختلف قارات العالم. أيضا الاستثمارات في قطاع الزراعة كون العراق معروفا تاريخيا بـ«أرض السواد» لأنه يتمتع بأرض خصبة كبيرة تغطيها الخضرة، ومنتجاته ذات قيمة تنافسية. ورؤية الحكومة العراقية على مستوى النضوج عليها تهيئة الغاز للمستثمرين في قطاع الكهرباء، لأن الكهرباء ضرورية لكل المشاريع بما فيها المشاريع الزراعية.

* ما مدى إمكانية استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية في ظل الحاجة للكهرباء، أو إمكانية إعادة تشغيل مفاعل «تموز» الشهير؟

- لقد دمر مفاعل «تموز» كليا أثناء القصف الإسرائيلي عام 1981، ولم يعد له وجود تكنولوجي، كما أنه لا وجود لأي برنامج طاقة نووية للأغراض السلمية في العراق، بقدر ما يطمح له العراق بالشروع في برنامج كهذا شرط وجود المقومات الأساسية من تمويل ضخم وتأسيس مهني لمؤسسة تعتمد دراسات فنية حديثة واستقدام الكفاءات ووضع استراتيجية واقعية تأخذ بعين الاعتبار احتياجات العراق للطاقة النووية وأولويات الاستثمارات والتمويل في ظل برامج إعادة الأعمار، علما بأنه لا بد للعراق من النهوض ببرنامج نووي سلمي ليكون في مصاف القوى الإقليمية، خاصة أن جهود دول الخليج العربي منصبة على دخول السباق النووي السلمي من خلال توظيف مبالغ هائلة لبرامجها النووية كدولة الإمارات والسعودية.

* أرى أن نظرتك تشاؤمية؟

- بالعكس نظرتي تفاؤلية وواقعية، ولكن لا بد من وجوب تشخيص مواطن الخلل، وأن نبحث عن الحلول المناسبة، وإلا ما تقدمنا للأمام.