اختار موقع «وثائق دمشق»، التابع لمركز مسارات, في الذكرى الثالثة لانطلاق انتفاضة الشعب السوري ضد نظام الرئيس بشار الأسد، نشر وثائق ومراسلات سرية استطاع تسريبها من دوائر النظام الرسمية، حول ملفات حساسة ودقيقة، أحاط النظام السوري معظمها بسرية مطلقة تحول دون كشف تورطه في جرائم ترقى، إلى حد وصفه، لجرائم ضد الإنسانية.
من بين هذه الملفات المسربة، والتي يبدأ مركز «وثائق دمشق» بإشراف مركز مسارات الإعلامي، بنشرها غدا (الاثنين)، وتنفرد «الشرق الأوسط» بنشر وثائق حصرية منها في عدد اليوم (الأحد)، ملف كامل عن المعتقلين اللبنانيين والمفقودين والمخفيين قسرا في سجون النظام السوري. وهو ملف لطالما رفضت السلطات السورية الاعتراف بوجوده، إذ اقتصر اعترافها على وجود نحو 150 معتقلا في السجون السورية بتهم سياسية، في حين أنكرت بالمقابل وجود أسماء نحو 600 مفقود آخرين يصر أهاليهم واللجان المعنية في لبنان على وجودهم في سوريا.
ويقول مدير مركز مسارات الإعلامي، لؤي المقداد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الملف المتعلق بالمعتقلين اللبنانيين ملف متكامل ويضم نحو ألف وثيقة رسمية ومحاضر اجتماعات اللجنة اللبنانية - السورية التي تتابع ملفهم في الفترة الممتدة بين عام 2005 حتى عام 2012». ويشير إلى أن الملف المسرب «يكشف أسماء جميع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وأسباب اعتقالهم والتهم الموجهة إليهم وأسماء المحققين واماكن توزعهم في السجون والفروع الأمنية»، مؤكدا أن ما سينشر من وثائق خلال اليومين المقبلين سيظهر «الآليات التي احتال النظام السوري بموجبها من خلال عمل اللجنة الأمنية المشتركة وتشويش الرأي العام اللبناني تحديدا».
ويتضمن ملف المعتقلين اللبنانيين، وفق المقداد، «مئات المراسلات داخل الفروع الأمنية ومكتب الأمن القومي السوري والرئيس السوري (بشار الأسد) والتي تفضح كيفية تعاطي الأمنيين والمسؤولين السوريين مع هذا الملف انطلاقا من خلفية أمنية بعيدا عن أي معايير وأسس أخلاقية وإنسانية»، فضلا عن أنه يثبت وجود معتقلين في سجون الأسد لم تعترف دمشق باعتقالهم لديها ولم ترد أسماؤهم على اللوائح اللبنانية - السورية المشتركة.
أكثر من ذلك، يكشف المقداد عن أن «الوثائق المسربة في إطار هذا الملف تتضمن جداول تظهر تواريخ وأماكن وأساليب قتل عدد من المعتقلين اللبنانيين تحت التعذيب، في حين تكتفي المستندات الرسمية بالقول إنهم توفوا نتيجة أسباب صحية على غرار القصور الكلوي الحاد»، وهو ما يرادف، بحسب المقداد، «موتهم تحت التعذيب».
وفي مقابل الوثائق التي تبين وفاة عدد من المعتقلين تحت التعذيب، تشير وثائق أخرى إلى مكان وجود عشرات المعتقلين اللبنانيين الذين لا يزالون على قيد الحياة. ويقول المقداد في هذا السياق: «سننشر المعلومات الكاملة عنهم وعن مكان وجودهم، بحيث لا يستطيع النظام السوري قتلهم أو إنكار وجودهم»، عادا أن المعلومات التي ستنشر تباعا «هي بمثابة ضمانة على أنهم أحياء ومن شأن التعرض لهم أو قتلهم تحت التعذيب أن يشكل جريمة كبرى». ويدعو المقداد عائلات المفقودين اللبنانيين إلى «أخذ هذه الوثائق كأدلة والتحرك سريعا لدى المحاكم الدولية من أجل المطالبة بإطلاق سراح أبنائهم ومحاكمة نظام الأسد على جرائمه السابقة والمستمرة»، لافتا إلى أن «بين اللبنانيين المعتقلين مَن اعتقل قبل 30 سنة لانتمائه إلى محور كان معاديا لنظام الأسد وبات اليوم حليفا له، من دون أن يشفع لهم ذلك بالإفراج عنهم».
ويسهب المقداد في الحديث عن «حقائق كبرى ستنكشف أمام الشعب اللبناني، وتظهر تورط مرجعيات لبنانية وقيادات سياسية بارزة في قضية المفقودين، وكيفية استغلالها هذا الملف لغايات لا أخلاقية ولا إنسانية، متناسية معاناة المعتقلين وعائلاتهم، في حين تظهر نفسها من أكثر الحريصين على متابعته ووصوله إلى خواتيمه».
وتتضمن الوثائق، التي عمل فريق من 70 ناشطا على جمعها خلال فترة زمنية طويلة، وفق المقداد، من مصادر عدة، أبرزها ضباط منشقون عن الجيش النظامي وموظفون في دوائر رسمية لا يزالون يمارسون مهامهم الوظيفية، 13 جدولا بأسماء معتقلين من جنسيات عربية وأجنبية، بعضهم أفرج عنهم وجرى التحقق من بعض دولهم والبعض الآخر لا يزال معتقلا. ويقول المقداد إن «الجداول بأسماء جميع المعتقلين في سجون الأسد، تتضمن معلومات تفصيلية عن كل منهم، مع الاسم الثلاثي وتاريخ الميلاد ومكان الاعتقال والتهمة الموجهة إليه»، مشددا على أن «الوثائق صريحة ودقيقة ورسمية وهي غير قابلة للتشكيك في مصداقيتها أو دقتها». ويوضح المقداد، وهو مدير مركز «مسارات» الذي أشرف على جمع الوثائق والمستندات الرسمية السورية، أنه «بعد حصولنا على قسم من هذه الوثائق أمّنّا خروج عدد من الضباط وعائلاتهم إلى خارج سوريا، في حين أنه لا يزال لدينا مصادر تعمل في إدارات النظام وأجهزته»، لافتا إلى «أننا لن نقدم على نشر ما قد يضر بسلامتهم في موازاة اتخاذ أعضاء المركز احتياطات أمنية لسلامتهم».
وإلى جانب الجداول والمستندات الخاصة بالمعتقلين في سجون الأسد، يكشف موقع «وثائق دمشق»، في الأيام القليلة المقبلة، تزامنا مع إحياء ذكرى الانتفاضة السورية الثالثة، عن محاضر رسمية لاجتماعات أركان النظام السوري مع مسؤولين في دول داعمة ولا سيما روسيا والعراق. ويشير المقداد في هذا السياق إلى أن «نشر محاضر اجتماعات ضمت كلا من وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيرهما السوري وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد، من شأنه أن يكشف الدور الذي يلعبه الروس في صنع القرار السوري وتنفيذه، في حين يتولى نظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المساعدة، بهدف تأمين الغطاء لنظام الأسد».
وفي الإطار ذاته، ينوي موقع «وثائق دمشق» نشر وثائق عن «عمل الأجهزة الأمنية وكيفية تعاطيها مع انعقاد مؤتمر (جنيف 2)، وكيفية عمل نظام الأسد على حياكة المؤامرات والخطط من أجل الاحتيال على المجتمع الدولي بتوجيه من حلفائه، إضافة إلى وثائق تكشف من حرك وأرسل المجموعة التي هتفت أمام مقر (جنيف 2) للرئيس السوري ورفعت صوره»، وفق ما يقوله المقداد الذي يشدد على أنه «ما من سوري ينتمي إلى سوريا يقبل بوجود الأسد في سوريا».
وينوي القائمون على المركز نشر المزيد من الوثائق أسبوعيا، وستنشر «الشرق الأوسط» مقتطفات منها قبل بثها على الموقع الإلكتروني للمركز (damascusleaks.com) في اليوم التالي، بالتزامن مع نشرها كاملة على الموقع الإلكتروني لـ«الشرق الأوسط».