عودة مثيرة إلى موضوع: سرقات نصوص الأعمال الدرامية السورية

ثلاثة كتّاب يدعون ملكية نص مسلسل (هجرة القلوب إلى القلوب) * «عوسج» نجدت أنزور ملطوش بالكامل من رواية تركية * ليس هناك من يحاسب في غياب قانون حماية الملكية الأدبية

TT

لم يعد موضوع سرقات نصوص الاعمال الدرامية، السورية وغير السورية، على الرغم من انه يتفاقم يوماً بعد آخر حتى يكاد يكون القاعدة والتأليف الاستثناء، يثير اهتمام المشاهدين والقراء والمستمعين والنقاد والمخرجين والمسؤولين والمؤسسات الاعلامية والثقافية، وادارة الفضائيات، بل اصبح وكأنه نوع من «تحصيل الحاصل» أو «عمل الشاطر»، خاصة في غياب قانون حماية الملكية الأدبية الذي اعلن عنه منذ سنوات، واصبح اصداره ضرورياً ليكون المرجعية التي يمكن ان يستند إليها صاحب الحق في مقاضاة من يسرق فكره، وجهده، وتعبه، خاصة ان ثمن نص المسلسل الواحد وصل في سورية الآن إلى مليون ليرة سورية اي ما يعادل عشرين ألف دولار، في حين لا يتقاضى الكاتب من اتحاد الكتاب العرب مثلاً عن مجموعة قصصية لا تقل عن عشر قصص اكثر من مائة دولار.

عودة للموضوع في الصحافة السورية اثير موضوع سرقات نصوص الاعمال الدرامية مجدداً في الصحافة السورية بعد ان نشرت صحيفة «تشرين» في عددها الصادر بتاريخ 2000/8/19 ـ العدد 7781 أول المواضيع تحت عنوان كبير يقول: «مسلسل العوسج.. سرقة في ذمة غسان النزال»..

وكتب الكاتب والصحافي عبد الاله الرحيل في الصحيفة نفسها ـ العدد 7791 تاريخ 2000/8/30 مقالاً بعنوان «كشف الحسابات في اروقة الادعاء» حول مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب» الذي اخرجه هيثم حقي قبل سنوات عن نص للكاتب الروائي عبد النبي حجازي.

العوسج التركي اخرج نجدت انزور مسلسلاً من ثمان وعشرين حلقة باسم (العوسج) عن نص للكاتب الاردني غسان النزال من بطولة اسعد فضة، ومها الصالح، وعبد الرحمن ابو القاسم، ووائل رمضان ودارينا الجندي وغيرهم.. وقدمت على عدد من الفضائيات والارضيات العربية كان آخرها الفضائية السورية.

وقد كشف ابراهيم ابراهيم في صحيفة «تشرين» بالوثائق التي لا تقبل التكذيب ان المسلسل مأخوذ برمته وبكل جزئياته من رواية «ميمد الناصل» للكاتب التركي يشار كمال التي ترجمها الاستاذ احسان سركيس إلى العربية عام 1981 وصدرت في بيروت عن دار الفارابي، من دون اي اشارة إلى هذه الرواية في عناوين المسلسل. ويورد الكاتب تفاصيل هذه السرقة من هو كاتب النص أما الكاتب والصحافي عبد الإله الرحيل فقد كشف ما اسماه «حسابات اروقة الادعاء» بعد ان اثاره حوار اجرته صحيفة «الكفاح العربي» اللبنانية بتاريخ 2000/5/12، اكتشفه متأخراً، مع عادل جبور الذي قدمته الصحيفة على انه «اعلامي» حيث اعلن في اللقاء ان مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب» الذي كتبه عبد النبي حجازي واخرجه هيثم حقي هو عبارة عن نص درامي كتبه هو ـ اي عادل جبور ـ في خمس عشرة حلقة باسم «الفزاع» استقاها من رواية «اعادة رتيبة لسيرة معاصرة» الصادرة عن وزارة الثقافة في سورية عام 1987. وقبل ان يعلق الكاتب الرحيل على هذا الادعاء ـ كما اسماه ـ يقدم لموضوع السرقات او الاقتباس، او النقل، الذي استشرى في هذا المجال بقوله: «نتابع المسلسلات التلفزيونية، فنرفع جباهنا فخراً لهذا الكم «المحترم» لكتابنا الدراميين، ولكننا نمسح جباهنا، وهي تنز عرقا، وقد سيطر علينا الخجل عندما نجد ان النص هو لكاتب اجنبي، وكل ما فعله كاتب الدراما العربي، بكل زهو، انه اعطى نصه عنواناً عربياً و«ابدع» الاسماء لتغدو اسماء عربية. نخجل عن ذلك الكاتب، لانه لم يلتزم بأبسط اخلاقيات الكلمة التي تقول ان يعطي لكل ذي حق حقه».

اما عن نص «هجرة القلوب إلى القلوب» فيقول:

«لقد كتبت مسلسلاً بعنوان «الفزاع» من خمس عشرة حلقة، وقد اعتمدت على روايتي «اعادة رتيبة لسيرة معاصرة».. وكان السيد جبور على علم بذلك، عندما كانت تربطني به وشائج المعرفة، وقدمت العمل كاملاً للمخرج الاردني سالم الكردي، وكان يحضر لقاءاتنا الممثل وفيق الزعيم. ثم كان ان ذهب سالم الكردي إلى عمان وقدم المسلسل بدوره إلى شركة اردنية للانتاج الفني بادارة غسان عبيدات، وقد اعيد إليّ النص مع الموافقة، شريطة ان اجري بعض التعديلات على النص (الوثائق شاهدة)، ثم فوجئنا بعرض مسلسل (هجرة القلوب إلى القلوب) على الشاشة وعقدت الدهشة السنة اصحاب الشركة الاردنية، فكيف سيشترون نصاً درامياً ما زال على الورق، وشبيهه أو النسخة الـ (فوتوكوبي) عنه تعرض على الشاشة؟».

ويقول عبد الإله الرحيل ـ ولا ندري لماذا سكت على هذا الموضوع طيلة هذه السنين ـ «استغرب ان ينسب السيد جبور ذلك الى نفسه من دون احساس بالمسؤولية او الخجل».

سرقات بالجملة لقد سبق ان اثرنا على صفحات «الشرق الأوسط» هذا الموضوع واثرنا جملة من الشواهد على السرقات الموصوفة، فلم يجد اصحابها إلا «التطنيش» عن الرد، او الرد بالتهجم الشخصي من دون ان يكون لديهم ما يدفع عنهم التهم الدامغة..

والواقع ان حال الدراما التلفزيونية اصبح نوعاً من «الشوربة»، فمع ازدياد عدد الاعمال المنتجة، وازدياد متطلبات الفضائيات ووجود عشرات من شركات الانتاج في القطاع العام السوري، وارتفاع اجور كتابة النصوص إلى ما يصل احياناً إلى ستمائة دولار للحلقة الواحدة، اصبحت هناك اغراءات لكثيرين ـ لم يسبق لأحدهم ان كتب مقطوعة ادبية في حياته ـ لكي يصبحوا من كتاب الدراما، ومن هؤلاء ممثلون ومخرجون امكاناتهم الثقافية متواضعة، وليست لديهم اي مواهب للابداع والكتابة، بدأوا يتنطعون لكتابة الدراما، بمساعدة خفية مأجورة من بعض الكتاب الفقراء. وكما في التلفزيون، كذلك في السينما، اذ ان جميع المخرجين يقومون بتأليف افلامهم، في حين ان في اتحاد الكتاب العرب اكثر من مائة وخمسين روائيا وكاتباً لا يجد اي منهم فرصة للوصول إلى الشاشة.

ولما كان الذين يكتبون غير مبدعين وغير مؤهلين، فإنهم اصبحوا يعمدون إلى السرقة واللطش والاقتباس عن روايات ومسلسلات وافلام اجنبية، اجتماعية وبوليسية وكوميدية، وحتى عن اجاثا كريستي من دون ذكر المصدر.. ويعرف الجميع ان مؤلفات الكاتب التركي عزيز نيسن لطشت كاملة لتصبح مسلسلات سورية ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل دريد لحام «الدغري». ويذكر قراء الصحف السورية الاتهامات الدامغة التي نشرت حول سرقة بعض المسلسلات وكلها مدعوم بالوثائق وبأسماء المراجع المسروق عنها، وبعضها كتب مطبوعة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مسلسل «القصاص»، لكن اكثر اصحاب تلك المسلسلات تجاهلوا هذه الاتهامات، بل ان بعضهم اصر على متابعة مثل هذه الاعمال وبطريقة السرقة الناضجة..

وحده، الفنان ياسر العظمة، الذي حمل عليه البعض لأنه كان يبرر اقتباساته لمواضيع «مرايا» من انها من قراءاته ومشاهداته، فكلف عدداً من الكتاب المحليين لكتابة الحلقات الجديدة من «مرايا».

ويبقى اصدار قانون حماية الملكية الحل الجذري لمثل هذه الظاهرة المؤسفة بحيث يحال امثال هؤلاء إلى القضاء حتى ينالوا جزاءهم، خاصة ان سرقة الافكار اخطر من سرقة الاموال.