عبد الرحمن الخميسي.. من بائع في دكان إلى فنان متعدد المواهب

TT

أقام اتحاد الكتاب المصري حديثاً حفل تكريم للشاعر والكاتب الراحل عبد الرحمن الخميسي، تحدث فيه نخبة من الكتاب والمثقفين والنقاد حول دور الراحل في اثراء حركة الابداع المصري بشكل متنوع. عاش الخميسي حياة مليئة بالابداع والفن، فمنذ مولده في منية النصر محافظة الدقهلية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1920 حتى رحيله في أول ابريل (نيسان) 1987 بعيداً عن وطنه في الاتحاد السوفيتي المنحل، كان مقدوراً له ان يمر بمراحل مدهشة من عمره، بعضها مأساوي، والآخر مبهج وجميل.

كان الخميسي فناناً متعدد المواهب كتب الشعر والأغنية ولحن وألف الموسيقى والمسرحية والمسلسلات والأفلام السينمائية، كما كتب السيناريو واخرج بعضها ومثل فيها أيضاً، ولعل دوره في فيلم «الأرض» 1969 أكبر دليل على قدراته كممثل فقد قدم شخصية الشيخ يوسف المناضل القديم الذي شارك في ثورة 1919 وتدهورت حالته فافتتح دكاناً في القرية، وتحول بتاريخه النضالي الى مرشد لقوات الهجانة التي تضرب الفلاحين المتمردين. قام الخميسي بدءاً من عام 1965 باخراج أربعة أفلام كتب قصصها وحواراتها وشارك في اعداد سيناريوهاتها ووضع الموسيقى التصويرية لها وانتج ثلاثة منها، وهذه الافلام هي «الجزاء» 1965 بطولة حسين الشربيني وشمس البارودي و«عائلات محترمة» 1968 بطولة حسن يوسف وناهد شريف وعبدالمنعم ابراهيم وعدلي كاسب، ثم قدم في عام 1970 فيلم «الحب والثمن» لاحمد مظهر وزيزي البدراوي وصلاح السعدني، ثم فيلم «زهرة البنفسج» والذي قام ببطولته عادل امام وزبيدة ثروت، كما كتب فيلم «حسن ونعيمة» الذي اخرجه بركات وقدم فيه الخميسي محرم فؤاد وسعاد حسني لأول مرة كما قدم الى جوارهما في الافلام السابقة الكثير من الوجوه الجديدة الذين أصبحوا بعد ذلك نجوماً في السينما المصرية منهم صلاح السعدني وحسين الشربيني وشمس البارودي ومديحة كامل، وقد كان أقل أفلام الخميسي جودة «زهرة البنفسج» الذي لم يستمر في دور العرض أكثر من 3 أيام، أما أفضل أفلامه فكان «عائلات محترمة».

أما الكاتب محمد عودة فقد أشار الى ان الخميسي كان واحداً من أبرز ظرفاء عصره، وكان يشكل مع اصدقائه كامل الشناوي والشيخ عبد الحميد قطامش وحنفي محمود باشا قطب حزب الأحرار الدستوريين، والشاعر طاهر ابوفاشا حالة من الزخم الوجداني والاجتماعي في القاهرة قبل ثورة يوليو وبعدها، وذكر ان الخميسي كان يحب ايقاع أصدقائه في المقالب والمواقف الكوميدية، وكان يستخدم موهبته في ذلك للقصاص ممن يواجهونه أو يوقعونه في المشاكل كما كان له شخصية قيادية سهلت له كثيراً سنوات سجنه وجعلته يتحكم في أوقاته داخل السجون والمعتقلات التي قيدت حركته بسبب دوره في الحزب الشيوعي وآرائه ضد نظام السادات، وضد ممارسات بعض رجال عبد الناصر من قبله.

وأضاف عودة ان مواهبه لم تتوقف عند حدود السينما بل ساهم في انشاء فرقة مسرحية عرفت باسمه عام 1958 وبدأ موسمها بثلاث مسرحيات قصيرة من تأليفه واخراجه وتمثيله، هي «الحبة قبة» و«القسط الأخير» و«حياة وحياة» ثم قدم بعد ذلك مسرحية مترجمة عن الادب الفرنسي باسم «عقدة فيلمون» للكاتب جان برنار لول، كما اقتبس من المسرح الانجليزي مسرحية «الزواج السعيد» لجون كلمنتس ومصرها احمد حلمي، وقد شارك معه في التأليف المسرحي لفرقته الكاتب محمود السعدني، وقدم له مسرحية «عزبة بنايوتي» وجابت الفرقة مسارح القاهرة، وباقي محافظات الجمهورية، وشهدت كواليسها الكثير من المواقف الكوميدية، احداها يرويه السعدني على لسانه، وقد اشار الى ان المسرحية تم تقديمها في بورسعيد وان الاقبال عليها كان كبيراً، مما ادى الى تحقيقها ايرادات جيدة، وبعد عودتهما من هناك جلسا هو والخميسي ليتحاسبا ويحصل كل منهما على حقوقه المالية.

ويذكر السعدني ان اعجاب المحافظ بالمسرحية جعله يعطي لكل منهما قفصاً مليئاً بالدجاج والبط، ولان الخميسي يريد ان يأخذ الايراد كله، توقف اثناء الحساب وقال للسعدني اريد سيجارة، فقدم له سيجارة من علبته إلا انه رفض ونظر اليه بازدراء قائلا لا أحب تدخين هذه الحقيرة، سوف اذهب لشراء علبة روثمان لكنه لم يعد، ولم يقابل السعدني إلا بعد شهرين وكان أول سؤال وجهه له هو «هل أكلت قفص البط»؟

كما قدم بعد ذلك مسرحية «الارملة الطروب» واوبريت «حياة فنان» وتم عرضه في دار الاوبرا عام 1970 وهو من تأليف الانجليزي ايفون نوفيلل، وقد قام بتعريبه ليقوم ببطولته الفنان حسن كامي، كما قدم اوبريت «مهر العروسة» من تلحين بليغ حمدي.

وذكر ان موهبة الخميسي المسرحية تفجرت خلال عمله في فرقة الفنان احمد المسيري، وتدرج فيها حتى صار بطلا لها، وقد ساعدته قدراته التمثيلية ومواهبه في التلحين وكتابة الأشعار على احتلال مكانة كبيرة بها، مما أهله لاكتشاف الفنان محمود شكوكو وتحويله من نجار بالفرقة الى نجم كبير، وقد قدمه واختار له شكله الذي ظهر به كما جعل نحات من قرية «حجازة» في صعيد مصر يصنع له تمثالاً بزعبوطه الشهير كان يباع في كل مكان أمام المسارح التي يغني بها محمود شكوكو، ثم الشيء نفسه فعله مع الراقصة زوبة الكلوباتية في الاربعينيات فقد كان وراء ابتكار تمثال من الجبس لها انتشر في كل بيوت مصر، وكان يباع مقابل زجاجة فارغة.

أما الدكتور يحيى الجمل فقد تحدث عن غربة الخميسي ورحلاته خارج أرض الوطن، وتنقله في العديد من العواصم العربية الى ان استقر به الحال في موسكو التي حصل فيها على نجمة لينين، كما حصل خلال رحلته لبغداد على سيارة هدية من صدام حسين لكنه اضطر لبيعها من أجل أن يرسل الى ابنائه ما يحتاجون اليه من مصروفات في القاهرة، وفي موسكو وقبلها بغداد مارس الخميسي النقد للسادات مما جعله يحرمه من حقوقه المدنية. وذكر الجمل ان الخميسي كان صديقاً لعدد كبير من المبدعين والشعراء السوفيت والتقى بريجينيف وعالم الفضاء جاجارين الذي أفرد في مذكراته جزءاً كبيراً للحديث عن شخصيته وقدرته على اجتذاب الاصدقاء اليه.