منذ عمله السينمائي الأول قبل تسعة عشر عاما أطلت ملامح موهبته الأصيلة، وخلال مدة قصيرة نسبيا استطاع المخرج باسل الخطيب ان يفرض ذاته كواحد من أهم المخرجين في الساحة السورية والعربية فهو الى جانب عمله في الإخراج كاتب روائي موهوب.. وبعد النجاح الذي حققته أعماله التلفزيونية قيل الكثير بهوية تجربته وخصوصيتها لكن الثابت ان الخطيب الواثق من مستقبل تجربته، قد حقق مكانة لها ما يميزها بين كبار المخرجين.
هذا الحوار نطل فيه عما يجول في خلده:
* هل نستطيع القول ان ملامح مشروعك الخاص قد تحققت من خلال رؤيتك وطبيعتك؟
ـ اذا اردنا ان نحكي عن ملامح هذا المشروع فقد بدأت ملامحه تتضح لي مع أول فيلم سينمائي قصير اخرجته عام 1982 وقد أحسست أنني أسير في الخط الفني الذي أريد بعد ان عملت فيلم «اللعنة» عام 1987 والآن بعد مضي 9 سنوات على عملي الفعلي في الدراما التلفزيونية اعتقد انني حققت شيئا مميزا وخلال وقت قصير ليس بشهادتي وحدي بل بشهادة الكثيرين ودعني أقول لك ان كل شيء قدمته حتى هذه اللحظة هو مجرد خطوة أولى في مشروعي الفني.
* ما الذي يميز باسل الخطيب عن غيره من المخرجين في الدراما السورية؟
ـ هذا السؤال يوجه الى الناس والنقاد بشكل خاص لكن يمكن ان معيار الصدق الموجود في أعمالي والذي هو غائب الى حد كبير في 90% من الأعمال الاخرى، هو ما يجعل اعمالي مقنعة وقريبة من القلب واقصد الصدق في التعامل مع القصة وفي أداء الممثل وفي أدق التفاصيل، فالمشاهد مل اللقطات المبهرة والاستعراضية وهو بحاجة لأن يرى دراما حقيقية مبتكرة لأن أي مخرج دعايات أو كليب قادر على أن يعمل لقطات حلوة وكاميرا مبتكرة لكن ليس أي مخرج قادراً على تقديم الدراما الحقيقية المؤثرة والصادقة وهذا شيء يحتاج الى اجتهاد ومتابعة وموقف اخلاقي في المهنة واعتقد ان اكثر شيء نفتقده في هذه المهنة هو الموقف الأخلاقي.
* كأنك تلمح الى المخرج نجدت انزور كمخرج دعاية؟
ـ لا لم المح بشكل خاص فما قلته يلاحظ على الأعمال الأخيرة لقسم كبير من المخرجين الذين اشتغلوا تحديدا باللون التاريخي وأساءوا اليه وما شاهدته من اعمال خلال شهر رمضان ليس فقط خطوة الى الوراء بل عشر خطوات الى الوراء باستثناء عمل أو عملين وان كانا لا يخلوان ايضا من مشاكل ونقاط ضعف.
* وما هما هذان العملان؟
ـ أحسست ان في مسلسل «الخوالي» اجتهادا واضحا جدا من المخرج لكن اعتقد انه كان يمكن ان يظهر بشكل أهم. و«الزير سالم» أيضا اعتقد انه كان بالإمكان ان يظهر احسن من الصورة التي شاهدناها.
* وما هي مآخذك عليه؟
ـ مع احترامي للجهد الانتاجي اعتقد انه كان يحتاج الى حلول مختلفة على مستوى النص، فالزير سالم لم يكن كذلك فالمخرج كان امينا للنص بشكل حرفي ومهما كان الكاتب عبقريا فإن النص بحاجة الى تدخل من المخرج لمعالجة بعض القضايا فيه وقد عانى المسلسل من مطب رئيسي في الحوار الحشو وهذا اثر بإجماع الكل على الحلقات الأخيرة من المسلسل.
* لكنه حسب المقياس الجماهيري كان من انجح المسلسلات متابعة؟
ـ لا أنكر انه حقق متابعة لكن حتى الناس لهم ملاحظات عليه وبالنسبة لي فأنا احب التاريخ العربي وانحاز الى اللحظات المشرفة فيه. لقد عرض علي المسلسل «حرب البسوس» من قبل شركة الشام قبل 3 سنوات واعتذرت عن عدم اخراجه لأنني وجدت نفسي أمام تساؤل: ما جدوى ان نقوم الآن بتقديم مسلسل عن حرب البسوس وهي أسوأ قصة ثأر في التاريخ العربي؟ وفعلا استبعد هذا المشروع نهائيا. فهل المطلوب ان نقدم اللحظات القاتمة في التاريخ لنقول للمشاهد كم نحن سيئون ويجب ان لا نكون هكذا؟ وأنا اجد انه من اللازم ان نعكس المعادلة وان نستلهم اللحظات المضيئة في هذا التاريخ ومأخذي على المسلسل فكري اكثر منه فنيا.
* هل شعرت لو لحظة بالغيرة من حجم المتابعة الجماهيرية لهذا المسلسل؟
ـ هذا موضوع لا يخطر في بالي مطلقا لأنني اساسا امضي بمشروعي وطموحاتي وبحكم علاقتي مع الجمهور بمنطق مختلف عن المنطق السائد.. أنا احترم رأي الجمهور لكنني اعرف تماما ان الجمهور تابع «جميل وهناء» اكثر من أي مسلسل آخر وتابع «عيلة سبع نجوم» و«ثماني نجوم» أكثر من متابعة «أيام الغضب» و «اخوة التراب» وحتى «الزير سالم».
* ماذا قصدت بهذه المقارنة؟
ـ أنا لي ملاحظة على هذه الأعمال حتى إنني قلت لأيمن زيدان باعتباره بطل «جميل وهناء» أنا لم احبك في هذا المسلسل، فهو لم يضف شيئا له خصوصا انه رجل يبحث دائما عن اضافات متميزة وهو مرتبط بأدوار أهم وبمشاريع فنية اكبر.
* معظم المسلسلات الكوميدية هذه اخرجها هشام شربتجي واخيراً قرأت في احدى المجلات رأيا له يقول: ان باسل فشل في الكوميديا والدليل مسلسل «هوى بحري»؟
ـ اولا، من يقول ان مسلسل «هوى بحري» عمل كوميدي فإنه لا يفهم الكوميديا لأن المسلسل تراجيديا بيضاء مثلما توجد كوميديا سوداء، ولم يكن طموحي ان اعمل بالكوميديا، و«هوى بحري» فيه مسحة من الحزن والمأساة تكمن وراء كل هذه الصورة الابداعية المشرقة ووراء هذه الأحداث الساخرة.
* مع بداية عملك في شركة الشام المتزامن مع انسحاب نجدت انزور تردد انك ضيعت مشروعك الفني المميز الذي ظهر واضحا في مسلسلك «الخريف» واصبح همك تقليد الملامح الاخراجية لأنزور.. فهل هي طريقة اخراجية فرضت عليك ام انها رؤيتك؟
ـ أولا، ارفض هذا المنطق لانه لا توجد رؤية تفرض علي ومنذ أول عمل تلفزيوني اخرجته، كانت شروطي واضحة واشتغلت بكامل شروطي، لقد اشتغلت «أيام الغضب» وكان نجدت لا يزال في شركة الشام الدولية، واشتغل «تل الرماد» واقول لك: تعال وشاهد الأفلام السينمائية التي اشتغلتها في عامي 1982 و1987 قبل ان يسمع احد بنجدت انزور في سورية وسترى ان الشيء الذي قدمته في مسلسلاتي هو الشيء نفسه الذي كنت قد بدأت به. طبعا الأمور اصبحت اوضح والأدوات صار فيها تمكن اكثر. ان دخولي الى شركة الشام فتح لي آفاقا جديدة وكان هناك تقاطع بين مشروعي كمخرج ومشروع ايمن زيدان كممثل ومدير شركة. انا اقنعت الشركة وايمن بعمل «جواد الليل» كمحاكاة شرقية لـ«أحدب نوتردام» وكذلك قدمت رواية «الطويبي» للشركة وبالتالي لا يوجد شيء فرض علي. وخارج شركة الشام عملت للتلفزيون السوري مسلسل «نداء المتوسط» الذي توقف وسيكتمل العمل به ان شاء الله وكانت لي شروطي في ما يتعلق باختيار الفنانين والفنيين وقد اصررت على بناء ديكورات «مدينة» على شاطئ البحر في اللاذقية وهذا القرار يعني حوالي عشرين مليون ليرة. اعتقد أنني قد وصلت الى مرحلة واضحة بالنسبة لي وتجربتي المتواضعة صارت تعطيني امكانية لحرية الرأي والاختيار ولا اسمح لأي انسان ان يناقشني بها.
* لو منحت لك الفرص الانتاجية التي قدمت لنجدت انزور والتي صنعت حالة من التنافس والاجتهاد في الساحة الفنية بعد «نهاية رجل شجاع» هل كنت ستحقق الحالة نفسها؟
ـ اعتقد انه كانت لدي فرصة انتاجية ممتازة. وبصراحة اكثر توجد مجموعة ظروف لم تخدمني، فكل اعمالي خلال السنوات الماضية كانت تعرض على القنوات المشفرة وهذه ضريبة دفعت ثمنها غاليا وأنا واثق لو ان مسلسلي «الطويبي» و«جواد الليل» عرضا في توقيتهما لكانا حديث الوسط الفني ليس في سورية بل في الوطن العربي كله، ايضا مسلسل «نداء المتوسط» الذي أوقف بسبب وشاية رخيصة، كان سيشكل بالتأكيد اضافة مهمة جدا للدراما السورية والعربية.
* يقال انه خلال عملك في شركة الشام حصلت بينك وبين بعض الفنانين خلافات بسبب خلافاتهم مع الشركة؟
ـ لا بالعكس كثير من الناس كان لهم موقف من شركة الشام واشتغلوا معي في المسلسلات التي عملتها للشركة وكنت اشعر ان من واجبي الغاء الخلافات بين الشركة والآخرين ولا يعني هذا ان هناك اناسا لا يحبون ان يعملوا عداوات وأنا رجل بعيد تماما عن هذه الخلافات والعداوات والمنافسة الوحيدة في حياتي هي بيني وبين نفسي.
=