المشفى الفرنسي بدمشق يحتفي بمرور مائة عام على تأسيسه

فرمان التأسيس صدر عن السلطان عبد الحميد في استانبول * تعمل به راهبات متطوعات وفرنسا لا تموله الآن

TT

مرت مائة عام على تأسيس المشفى الفرنسي بدمشق، حيث أنشئ عام 1902. ولم يكن المشفى الأقدم بين المشافي الأجنبية بالعاصمة السورية، حيث سبقه في الوجود «الدنماركي» و«الانجليزي»، إلا أنه أحد مشفيين أجنبيين ما زالا يعملان (الآخر هو «الإيطالي»)، بينما الدنماركي توقف سنة 1914، والإنجليزي سنة 1946. وفي هذا التحقيق، يحيط هشام عدرة بحاضر وتاريخ وأوضاع المشفى الفرنسي ويعطي صورة لحالته الراهنة.

تأسس المشفى الفرنسي بدمشق عام 1902، حيث يحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لافتتاحه، وإذا كان المشفى الفرنسي ليس الأقدم في مجال المشافي الأجنبية التي تأسست في دمشق، حيث سبقه في ذلك مشفيان وهما الانجليزي والدنماركي، إلا أنهما أغلقا في ما بعد، وتحديدا مع نهاية الحرب العالمية الثانية واستقلال سورية عن فرنسا، لكن تميز المشفى الفرنسي بأنه واحد من مشفيين أجنبيين ظلاّ حتى الآن يعملان في دمشق ويقدمان خدماتهما للمرضى، حيث تعمل بهما راهبات متطوعات. والمشفى الثاني هو الإيطالي أو «الطلياني» كما يسميه العامة في دمشق. وهذان المشفيان ما زالا يستقطبان العديد من المرضى وذلك بسبب تكاليف الاستشفاء الرخيصة نسبياً وذلك لاعتمادهما مبدأ المهاجع وليس الغرف المستقلة. وبسبب الرعاية الطبية والإنسانية الجيدة فيهما والخبرة العلمية الراقية أيضاً.

* المشفى الفرنسي

* في حي القصاع بدمشق، وبشارع باب توما، يوجد المشفى الفرنسي على مساحة تتجاوز العشرة آلاف متر مربع، حيث تطوقه الأشجار والحدائق مشكلا مشفى مثالياً. على الرغم من وجوده في موقع تجاري رئيسي بدمشق، يعج بالمتسوقين والزوار والسياح. في المشفى التقينا الدكتور جوزيف نصر الله، مدير المشفى، الذي تحدث قائلا: شيد هذا المشفى سنة 1902، ونحن حاليا نستعد للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على تأسيسه. وقد تأسس المشفى بهدف معالجة الفقراء، فهو تابع لجمعيات راهبات المحبة التي أسسها القديس منصور، وكان من عائلة فرنسية ثرية. ولو عدنا لفرمان تأسيس المشفى الصادر عن السلطان عبد الحميد في استانبول والمرسل لوالي دمشق، حيث يقول فيه «يطلب منكم التسهيل للجمعية لإقامة مشفى لخدمة الفقراء وأن لا يتقاضى أي بارة من قبل المؤسسين»، ويعود تاريخ الفرمان لعام 1899. وعندما تأسس المشفى، كان موجهاً لمرضى الجذام، حيث من المعروف تاريخياً أنه لم يكن أحد يتصل بمرضى الجذام لاعتقادهم بأن المرض معد، حتى جاء القديس منصور وراهبات الجمعية فأقاموا علاقات مع هؤلاء المرضى وصارت الاتصالات معهم. وبعد ذلك تحول المشفى إلى مشفى شامل يضم جميع الاختصاصات الجراحية باستثناء الجراحة القلبية، حيث نسعى حالياً لافتتاح قسم للقسطرة القلبية والعمليات في مجال أمراض القلب. والمشفى ليس للاستثمار ولم نفكر مطلقاً بتحويله إلى مشفى استثماري، حيث غايتنا خدمة الناس محدودي الدخل ومتوسطي الحال. ولذلك نتقاضى أجوراً بسيطة ومن خلال عنابر ومهاجع وليس غرفا مستقلة للمرضى، وهذا أفضل، كما أننا ـ ورغم اقتراح البعض ـ لم نفكر مطلقاً بتحويل حدائق المشفى إلى محلات تجارية، رغم أنه يمكننا بناء ما يزيد على 50 محلاً تقدم لنا أكثر من 500 مليون ليرة سورية، لكن لا نهدف إلى ذلك، إنما لإبقاء المشفى بشكله الحالي النموذجي مع تطوير أقسامه وغرف عملياته باستمرار، حيث انفقنا في العام الماضي حوالي 30 مليون ليرة لترميم المشفى وتطويره.

ويعمل في المشفى حاليا حوالي 13 راهبة بشكل تطوعي لا يأخذن رواتب وهن يقدمن خدمات كثيرة للمرضى، كذلك هناك حوالي 70 طبيباً ما بين متعاقد وزائر. أما التمويل، فعلى الرغم من تسمية المشفى، فإنه لا يتلقى تمويلاً من الحكومة الفرنسية، وتمويله ذاتي، يأتي من أجور العمليات والخدمات الطبية، كما أن الاعفاءات الجمركية والضريبية التي يحصل عليها من الدولة ـ كما هو حال المشافي الخاصة ـ تساعده على التوفير والتمويل.

* المشفى الإيطالي

* انتقلنا بعد ذلك إلى المشفى الإيطالي أو (الطلياني)، حيث يوجد في حي الجسر الابيض، وبشارع أخذ اسمه من المشفى، أي شارع أو جادة الطلياني، هناك تحدثنا إلى مدير المشفى الدكتور جوزيف فارس، وإلى الراهبة المسؤولة عن المشفى، فأعطيا نبذة عن تاريخ المشفى والمراحل التي قطعها واستمراريته حتى الآن.

تأسس المشفى الإيطالي بدمشق سنة 1913 من قبل جمعية خيرية إيطالية، وظل يعمل حتى سنة 1940، حيث بدأت الحرب العالمية الثانية. فاضطر القائمون على المشفى لإغلاقه بسبب الحرب بين إيطاليا وفرنسا وانجلترا. والفرنسيون كانوا في دمشق فطلبوا من العاملين فيه البقاء، لكن من دون أي نشاط، وذهبت الراهبات إلى بيت لحم بفلسطين. وفي عام 1946 عادوا، ليعاود المشفى نشاطاته، وظل حتى الآن مع إجراء توسع فيه سنة 1990، والمشفى حاليا يعتمد على التمويل الذاتي باستثناء تقديم معونة مالية له قبل 4 سنوات من قبل الحكومة الإيطالية، حيث تم من خلالها تطوير المشفى وتعديل المهاجع. والمشفى يضم حالياً مراكز متخصصة كمركز العيون والكثافة العظمية والديناميكية البولية والهضمية، وغيرها، كما يضم غرف عمليات وعناية مركزة. وفي المشفى حوالي 19 راهبة يعملن متطوعات، كما يضم مائة طبيب ما بين مقيم وزائر. ويخدم الطبقة الوسطى من المجتمع، ويتلقى حالياً دعماً من الحكومتين السورية والإيطالية، لكن ليس دعماً مالياً، إنما عن طريق إرسال أدوات طبية مساعدة لغرف العمليات وللانعاش وللأسرة وغير ذلك.

* المشفى الإنجليزي (الزهراوي حاليا)

* في مكان لا يبعد أكثر من 500 متر عن المشفى الفرنسي في حي القصاع، وعلى امتداد الشارع باتجاه ساحة العباسيين بدمشق، كان هناك المشفى الانجليزي الذي أغلق أبوابه قبل 55 سنة مع جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية، ليتحول بعدها إلى مشفى وطني عام، وحالياً إلى مشفى متخصص بالتوليد وأمراض النساء، يتبع وزارة الصحة السورية ويسمى «مشفى الزهراوي». وفي هذا المشفى التقينا الدكتور معتز اللحام، الذي يقوم على إدارته، والذي أوضح بأن المشفى بني سنة 1885، أي قبل الفرنسي، وبناه الدنماركيون وليس الانجليز، حيث بنته بعثة دنماركية مع مشفى النبك في ريف دمشق. وظلت تعمل به حتى بداية الحرب العالمية الأولى، حيث تركته واستلمته بعثة انجليزية، وأصبح يعرف منذ ذلك الحين بالمشفى الانجليزي. ومع استقلال سورية سنة 1946، تحول لمشفى وطني حكومي، حيث افتتح كمشفى متخصص بالعيون وكان الوحيد من نوعه في سورية، لكن بعد ذلك تحول إلى مشفى عام يقدم خدمات الجراحة العامة، وظل الأمر هكذا حتى عام 1967، حين ارتأت وزارة الصحة تحويله إلى مشفى متخصص بالتوليد وأمراض النساء.

وعلى الرغم من مساحته الصغيرة نسبياً، فهو لا يتجاوز الألف متر مربع، إلاّ أنه يقدم خدمات كثيرة، وفيه تتم أكثر من 13 ألف ولادة سنويا، كما أنه يتميز بنظام المهاجع الانجليزي، حيث لا يوجد غرف للمرضى، إنما يقيمون في مهاجع وهذا يجعلهم يساعدون بعضهم بعضا. وهو مشفى تعليمي، حيث يخرج العشرات من أطباء التوليد سنويا المقيمين فيه بغرض التخصص. وهناك خطة حالياً لدى وزارة الصحة لبناء مشفى كبير للتوليد بدمشق، ومن المتوقع أن يحول هذا المشفى إلى مشفى متخصص بمعالجة الحروق فقط.

=