حققت ماكينة الدعاية الاسرائيلية مكسبا كبيرا في الصحافة الغربية من نشرها صورة الطفل الفلسطيني المزنّر بحزام متفجرات. ولم يفلح الفلسطينيون في ازالة اثر الدعاية الاسرائيلية هذه، خصوصا بعد ان اكتفوا بنفي وجود هذه الصورة والقول انها فبركة اسرائيلية تقليدية، دونما قدرة على اخفاء ارتباكهم ازاءها.
وكانت اسرائيل قد زعمت ان قواتها عثرت على هذه الصورة خلال عمليات التفتيش التي قامت بها في احدى المدن الفلسطينية. ولم تقل بالطبع كيف تم هذا التفتيش. ولم تذكر ان قواتها قامت باعادة احتلال جميع المدن وحبست مليون فلسطيني في منازلهم وحرمت الاطفال الفلسطينيين من مدارسهم وحرمت الكثيرين منهم من ذويهم ومن طعامهم وغذائهم وتحرم الاطفال الفلسطينيين من طفولتهم عبر الاحتلال المتواصل 35 سنة. وقدمت تلك الصورة، وكأنها المشكلة الوحيدة في الشرق الاوسط. وانها دليل على ان «العمليات الانتحارية الفلسطينية هي نهج تربوي في المجتمع الفلسطيني والعربي والاسلامي»، وليس رد فعل يائسا ناجما عن الاحتلال وجرائمه.
والمعروف ان العديد من الاوساط الاكاديمية والخبراء في الشؤون الاجتماعية الاسرائيلية يدرسون ظاهرة العمليات الانتحارية الفلسطينية. وفي مقابل الدعاية الاسرائيلية الرسمية بأن هذه العمليات هي منهج اجتماعي، يشير العديد من الخبراء الى مسؤولية اسرائيل وممارساتها البشعة في المناطق الفلسطينية عن هذه العمليات. ويؤكدون ان الممارسات الاسرائيلية انشأت في الفلسطينيين نوعا خطيرا من الكراهية لكل ما هو اسرائيلي ورغبة جامحة للانتقام منها وحشرتهم في زاوية خانقة ظلماء لا يرون من خلالها اي بصيص امل ولا يجدون اي سبيل سوى تفجير انفسهم. وفقط قبل اسبوعين، خرج اهم الادباء الاسرائيليين، أ.ب. يهوشواع، بالتساؤل: لماذا جعلنا الفلسطينيين يكرهوننا الى حد القيام بعمليات انتحارية لقتل اطفالنا ونسائنا؟ ودعا المجتمع الاسرائيلي الى التفكير في ما يجري، ودعا السياسيين الى اعادة النظر في سياستهم. فتعرض جراء ذلك لهجوم كاسح من قوى اليمين، بلغ تهديده بالقتل. والمثير للانتباه ان اسرائيل خرجت بهذه الدعاية فقط بعد اسبوعين من قيامها بمنح اوسمة شرف وتقدير للجنود والضباط الذين ارتكبوا جرائم الحرب في جنين وهدموا البيوت على سكانها الفلسطينيين في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في جنين وشردوا مئات اللاجئين منهم مرة اخرى عن المأوى.
وكانت هذه الصورة التي وزعها الجيش الاسرائيلي على الصحافة العالمية زاعما انه وجدها في منزل ناشط اسلامي فلسطيني في الخليل، قد اثارت جدلا شديدا بين المسؤولين الفلسطينيين الذين اعتبروها دعاية تحاول بها اسرائيل تبرير جرائمها ضد الفلسطينيين وبين المسؤولين الاسرائيليين الذين نفوا فبركة الصورة. ووصف ياسر عبد ربه وزير الاعلام الفلسطيني الصورة بانها دعاية اسرائيلية رخيصة. ولم تذكر اسرائيل اسم عائلة الفلسطيني الذي اخذت منه الصورة. وقالت صحيفة «التايمز» اللندنية امس ان الطفل عمره عام وان الصورة قديمة، ونقلت عن عائلة الطفل ان وضع ثياب انتحاري بهذا الشكل عليه كان مجرد دعابة.
hamas تابع ازاء النفي ـ ص 3 ـ30/06/2002 ـ ستافرو من جهتها نفت أمس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها تستغل الأطفال في تنفيذ عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي واستهجنت ترويج وسائل الاعلام الاوروبية والاميركية للصورة التي قالت انها ملفقة والتي وزعها مكتب الناطق بلسان جيش الاحتلال الاسرائيلي والتي ظهر فيها رضيع فلسطيني وهو يرتدي زي فدائي يستعد لتنفيذ عملية تفجير. وقال عبد العزيز الرنتيسي عضو الهيئة القيادية لحركة حماس في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط» انه كان الاجدر بوسائل الاعلام الاوروبية ان تتحرى قبل افتعال كل هذه الضجة حول هذه الصورة من ان تكون هذه القضية مختلقة من قبل الاحتلال، لكي يغطي الجيش الإسرائيلي على جرائمه ضد اطفال فلسطين، واضاف ان التكنولوجيا المتقدمة تجعل من دبلجة مثل هذه الصورة امرا يسير. واعتبر الرنتيسي تركيز وسائل الاعلام الاوروبية والاميركية على هذه الصورة تعبيرا عن «تحيزها لصالح الكيان الصهيوني ولتحريضها على حالة المقاومة المتجذرة في الشارع الفلسطيني». وشدد الرنتيسي على ان حركات المقاومة الفلسطينية لا تزج بالاطفال في العمليات الجهادية ضد الاحتلال. واضاف «نحن في حماس لم نشرك أي طفل في أي عملية ضد الاحتلال». وتساءل الرنتيسي قائلا «لو افترضنا ان هذه الصورة هي صورة فلسطينية حقيقية، فلماذا لا يسألون انفسهم عن السر وراء اندفاع ابناء الشعب الفلسطيني من مختلف الفئات العمرية خلف خيار المقاومة. انه بلا شك الاحتلال الذي هو ابشع صور الارهاب وافظع جرائم الحرب».