البنك الأهلي السعودي: سيطرة كاملة في تنفيذ الأعمال المصرفية الإسلامية

مساعد المدير العام: واجهنا تحديات الالتزام الكامل بمتطلبات الشريعة الإسلامية وبقوانين مؤسسة النقد

TT

يستحوذ البنك الاهلي التجاري، أكبر البنوك التقليدية في المملكة العربية السعودية، على ثاني أكبر حصة سوقية في أسواق التجزئة الاسلامية (تمتلك المؤسسة الاسلامية المالية الكاملة والوحيدة في البلاد المركز الأول) ويستحوذ على نسبة 50% من اجمالي سوق المحافظ الاستثمارية (75% من محافظه اسلامية). وقد حول البنك أربع مناطق في المملكة الى عمليات اسلامية كاملة (حتى على حساب خسارة العملاء الذين يسعون الى خدمات تقليدية)، ويتوقع أن يكون التمويل الاسلامي جزءا رئيسيا من أعماله المستقبلية.

وفي هذه المقابلة التي اجرتها كلير وودكرافت، مديرة محتويات في «زاوية دوت كوم» www.zawya.com يشرح رئيس قسم الأعمال المصرفية الاسلامية في البنك ومساعد المدير العام، عبد الرزاق الخريجي، كيف تمكن عملاق المصرف التقليدي من التغلغل بنجاح وفي بعض المناطق، السيطرة الكاملة، في تقديم خدمات مالية اسلامية مبتكرة.

ويقول الخريجي عن بداية القصة: «بدأنا أولا بامساك خيوط النقاش الفلسفي في بداية التسعينات، عندما بدا واضحا أن زيادة الطلب ونمو أهمية هذا النوع من الأعمال المصرفية تفرض على البنك باعتباره «أكبر بنك في الشرق الأوسط أن يكون على مستوى توقعات عملائه ويقدم أعمالا مصرفية اسلامية». ولكن كبنك تقليدي مع قلة السوابق التي يمكن اتباعها، كان السؤال كيف؟ ويضيف الخريجي موضحا التحديات الرئيسية الثلاثة: «كان هناك عوامل يجب علينا الأخذ بها، يجب علينا الالتزام الكامل بمتطلبات الشريعة الاسلامية وتطبيق العملية تدريجيا دون تبني أهداف طموحة وفي جميع الوقت الالتزام الكامل بقوانين مؤسسة النقد (البنك المركزي)».

ومن أجل ضمان مصداقية الخدمة الجديدة وطرح المنتجات، كان على البنك الاهلي التأكد بأن ثقة المستهلك في قبول المبدأ الديني للمنتجات موجودة وبأن المنتجات والخدمات الاسلامية يتم التفريق بوضوح بينها وبين مثيلاتها التقليدية. وبمعنى آخر، كان على البنك خلق حاجز يفصل المجالات الحسابية والمالية للأعمال المصرفية الاسلامية عن بقية أعماله التقليدية.

وبالنسبة للبنك الأهلي التجاري كان الحل واضحا. «لقد قررنا ببساطة تخصيص فروع اسلامية بالكامل وتحويل الفروع التقليدية الموجودة الى الأعمال المصرفية الاسلامية بعمليات تتطابق بالكامل مع الشريعة. وقد بدأنا بفرع واحد والآن لدينا 72 فرعا اسلاميا منشرة في المملكة». (يتم بيع المحافظ الاسلامية من خلال الفروع التقليدية لأن ذلك يعتبر وظيفة مبيعات ولكن حتى ذلك يتم عبر موظفين يتعاملون بالكامل مع معايير مجلس الشريعة). وقام البنك الاهلي أيضا بتأسيس خزينة اسلامية منفصلة لعمليات الأعمال المصرفية الاسلامية للتأكد من عدم خلط المحافظ الاسلامية مع التقليدية.

والخطوة التالية، كما يقول الخريجي، كانت تأسيس مجلس استشاري للشريعة للتأكد من المطابقة الاسلامية. وكان البنك الاهلي حريصا أن يشكل لجنة مراقبة خارجية تضم صفوة علماء الشريعة للبلاد. واليوم يتم رئاسة مجلس الشريعة للبنك الاهلي التجاري من قبل الشيخ عبد الله المنيعي ومساعدة الشيخ عبد الله المصلح والدكتور محمد الغاري.

وبالمثل، كان على البنك الاهلي التجاري انشاء قدرات للموارد البشرية تتمتع بالكفاءة العالية - وهي عملية تدريجية ومكلفة ولكن تستحق ذلك. ويشرح الخريجي: «لقد كان تحديا ايجاد خبرات في مجال الأعمال المصرفية الاسلامية ـ فجميعنا يأتي من خلفيات لبنوك تقليدية وبحاجة لفهم التعقيدات الكاملة لطبيعة الأعمال المصرفية الاسلامية».

«في النهاية قررنا التوجه لموظفينا وكتابة التعليمات والمراجع المصرفية من جديد، وتطوير تدريبات داخلية حتى لو كانت عملية طويلة ـ لقد بنينا كل شيء من الصفر».

وفي ما يتعلق بالجانب التشريعي، فبينما يقول الخريجي إن «البحرين تقوم بدور ممتاز في ما يتعلق بمنظمة المحاسبة والتدقيق للمؤسسات المالية الاسلامية ـ تزويد معايير للمحاسبة الاسلامية وأمور الشريعة المتعلقة الأخرى»، فهو يبدي رأيه أنه ما زال يجب عمل المزيد. ونتيجة للطبيعة الخاصة للتمويل الاسلامي، واجه البنك الاهلي تحدي تطوير سياسات مناسبة تسمح لها أن تتماشى مع متطلبات العمل. «مازال يوجد هناك تحدي معايير مختلفة للشريعة» يقول الخريجي مشيرا الا أنه توجد هناك مدرستان للتفكير بهذا الشأن. «واحدة تدعو لمرونة أكثر لكي تستطيع ترويج تطوير المنتجات والخدمات المختلفة للتمويل الاسلامي والأخرى تدعو الى مقياس واحد للشريعة». ويؤمن الخريجي أن التعاون بين هاتين المدرستين يجب أن يتحقق لتسهيل نمو هذه الصناعة.

ولكن هل يستطيع بنك تقليدي أن يكون اسلاميا حقا؟ وللمشككين الذين يجادلون أن التزام البنوك التقليدية للأعمال المصرفية الاسلامية يتعلق بالربحية أكثر من الالتزام بالشريعة، يجاوب الخريجي بالاشارة الى أن عمليات تطوير البنك الداخلية لمنتجات جديدة دليل كاف على أن البنك الاهلي التجاري يتطلع للمدى البعيد وليس للعائد السريع. «نحن نستثمر بشكل كبير في تطوير خدمات ومنتجات اسلامية جديدة ايمانا منا بكوننا مبدعين سوف نؤكد لعملائنا أننا ملتزمون بالتمويل الاسلامي وليس فقط بالسوق لجمع ايداعات قليلة التكلفة فان اسم اللعبة هو رضى العملاء».

ويعتبر البنك الاهلي أول بنك سعودي يقدم بطاقات سداد تتطابق مع الشريعة، والرائد في تطوير محافظ الحصص الاسلامية (الآن تم تقليدها في أجزاء مختلفة من العالم وفقا للخريجي) وتقديم محافظ ضمان رأس المال (محافظ المأمون). وقد طرح البنك الاهلي منتج «تيسير الأهلي» الذي يستطيع من خلاله العملاء الحصول على النقد وفقا لترتيبات تمويل اسلامية.

والأكثر من ذلك، يقول الخريجي إن الوقت والجهد المخصصين لتطوير قدرات التمويل الاسلامي للبنك هما أصدق شهادة على التزام البنك. «لو لم نكن ملتزمين بالكامل ـ ليس فقط على المستوى التجاري ولكن على مستوى رضى العملاء ـ فلم نكن لنتبنى مبدأ الفروع المتخصصة بالكامل. لقد حول البنك الاهلي الآن أربع مناطق كاملة في المملكة - مكة، المدينة، القصيم وحايل ـ الى عمليات اسلامية بالكامل. ويقول الخريجي أن البنوك التقليدية الأخرى تقوم الآن بتقليد هذه السياسة في مناطق بعيدة كماليزيا ويشير اليها بـ«نموذج البنك الاهلي التجاري». ويجيب الخريجي على الاتهامات التي تدعي أن الأعمال المصرفية الاسلامية تركز بشكل كبير على ادارة جانب المطلوبات من الميزانيات (ممثلة في منتجات مضافة هامش الربح فيها والمخاطرة كالمرابحة) بدلا من استثمارات أصلية منتجة للربح التشاركي (كالمضاربة أو المشاركة) بالقول ان المشكلة ليست في عدم رغبة البنك ولكن بسبب نقص المعلومات الكافية وعدم وجود دلائل الالتزام (خصوصا على المستوى الفردي) في غضون غياب بيئة تشريعية اسلامية معقدة. ويقول الخريجي: «ان مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) تقوم فعلا بتزويد بعض المعلومات القيمة وتضطلع بدور كبير في هذا الشأن (وأضف على ذلك أن مهمة تحويل الرواتب لحسابات البنك قد ساهمت بنمو كبير في ائتمان العملاء) ولكن الحاجة لبيئة تشريعية أكثر تشددا مهمة لتسهيل نمو العمليات الأكثر مخاطرة. «ونحن نلجأ لعقود المضاربة والمشاركة حين تكون العمليات شفافة ولدينا تحكماً كافياً ووصولاً وتدفقاً للمعلومات، ولقد فعلنا ذلك مع العديد من الشركات المرموقة وعملاء متفهمين».

ويضيف بأن البنك الاهلي هو بالفعل حريص على «تطوير منتجات تمويلية للعملاء وحتى التمويل العقاري» وهو ينمي عملياته للمضاربة والمشاركة. «نحن فخورون بأننا بسجلنا الحالي نمتلك جميع أنواع التمويل الاسلامي ـ المرابحة، المضاربة، المشاركة والاستثناء، ونحن نركز على أكثر من تمويل قصير المدة ـ يبلغ معدل التمويل الاسلامي لعملاء البنك 3 ـ 5 سنوات ـ ولقد طورنا حتى المشاركة كبديل لتسهيلات السحب على المكشوف».

ويدحض الخريجي الجدل بشأن «الانسياق وراء العوائد فقط» بالاشارة الى أن قسم الأعمال المصرفية الاسلامية يقوم بعزم بالبحث عن منتجات وخدمات جديدة تأتي للسوق ويرفض أي منتج لا يوافي أعلى مستويات التطابق مع الشريعة بغض النظر عن تأثيرها المحتمل على البنك» «لقد رفضنا تقديم منتجات عديدة رآها مجلسنا للشريعة غير مقبولة حتى وان كان منافسونا يأتون بها للأسواق». وقد أخذ قسم الأعمال المصرفية الاسلامية المخاطرة بخسارة هؤلاء العملاء الذين يودون الحصول على خدمات تقليدية. «نحن لم نعد نقدم خدمات تقليدية في الأربع مناطق التي خصصت بشكل حصري للمنتجات والخدمات الاسلامية ـ لقد خسرنا كعملاء هؤلاء الذين لا يفضلون هذه المقاييس».

ويقول الخريجي: هذا ليس معناه بأن البنك يقوم بشكل أعمى بتمرير المحافظ لقسم الأعمال المصرفية الاسلامية بغض النظر عن التكاليف ـ بل على العكس تماما. «ان تكاليف اتمام عملية اسلامية أعلى من اتمام عملية أخرى تقليدية، مما أرغمنا على التركيز على الانتاجية وتحسينها. لقد أرغمتنا على توحيد اجراءاتنا وعملياتنا من أجل تخفيض التكاليف والمحافظة على الهوامش. هذا مهم جدا للتقدم وسوف يكون الحد الفاصل بيننا وبين منافسينا. فعندما تطرح منتجا جديدا يمكنك أن تضمن بأنه سوف يتم تقليده في السوق ـ عندها تصبح الانتاجية والكفاءة هما العاملان الرئيسيان». ويوضح الخريجي أن المنافسة، محلية وعالمية، وأن جميع البنوك المحلية تقوم حاليا بتطوير قدراتها للتمويل الاسلامي وأن النمو في السوق الاسلامي يأخذ حجما أكثر من التقليدي، ولكن اللاعبين العالميين الكبار سيدخلون اللعبة قريبا أيضا. «أعتقد بأن ما سيميزنا هو الرضى والادراك الحقيقي لعملائنا. تقوم البنوك العالمية بشكل متزايد بتنمية عملياتها الاسلامية ـ لا أدري كيف سيقنعون عملائهم بأنهم اسلاميون، ولكن على أي حال فنحن هنا في البنك الاهلي نرحب بالمنافسة».