بداية مبكرة للإنتاج الدرامي السوري لعام 2002

هل تتحول الدراما العربية إلى لعبة مضاربات بأيدي المقاولين؟

TT

اشرنا في «الشرق الأوسط» اكثر من مرة الى ظاهرة بدأت تتفاقم في الاعوام القليلة الماضية، تبدو للبعض ظاهرة صحية، وللبعض الآخر عكس ذلك، وهي تزايد عدد الاعمال الدرامية المنتجة، وبصورة خاصة في القطاع الخاص، ومحاولات المنتجين ادراجها في موسم البث الذي يبلغ ذروته في شهر رمضان المبارك.

هذا في سورية، فاذا اضفنا اليها الاعداد الاخرى المتزايدة من الاعمال الدرامية المنتجة في بقية الاقطار العربية وبصورة خاصة في مصر والخليج والكويت ولبنان، ادركنا ان هناك تخمة حقيقية من حيث الكم، وازمة حقيقية في الاختيار وفي تنظيم مواعيد البث بحيث تبقى بقية اشهر السنة فقيرة بالاعمال الدرامية المهمة، ومقتصرة على ما يمكن ان نسميها مسلسلات الدرجة الثانية او المسلسلات التي يعاد بثها اكثر من مرة.

* بداية مبكرة

* هذا العام فاجأتنا شركات انتاج القطاع الخاص في سورية ببداية مبكرة، بحيث اصبح هناك قيد الاعداد او التصوير اكثر من عشرة مسلسلات في الشهر الاول من العام الجديد، اي شهر يناير (كانون الثاني)، وهي بداية (مبشرة) بعشرات الاعمال الاخرى التي (على الطريق).

* القائمة تطول

* اذا كنا قد اشرنا في العنوان الى عشرة مسلسلات في البداية المبكرة لموسم الانتاج الدرامي، فان العدد يمكن ان يصل الى ضعف هذا الرقم او ثلاثة اضعافه اذا ادركنا الاعمال التي انتجها القطاع العام المتمثل بالتلفزيون العربي السوري ولم يتم بثها حتى الآن، بالاضافة الى الاعمال التي تنفذ الآن او انها قيد التنفيذ، ونورد في ما يلي بداية القائمة التي سترفدها قريبا قائمة اخرى:

1 ـ الفصول الأربعة ـ الجزء الثاني، تأليف ريم حنا ودلع الرحبي ـ اخراج حاتم علي.

2 ـ خريف العمر ـ تأليف خيري الذهبي واخراج يوسف رزق ـ بطولة منى واصف.

3 ـ صهر المدير ـ تأليف عمار مصارع واخراج محمد شيخ نجيب، وبطولة ايمن زيدان.

4 ـ اقبية الموت ـ تأليف عبدالرحمن الضحاك واخراج هيثم حقي.

5 ـ البيوت اسرار ـ عن رواية «ثم ازهر الحزن» لفاضل السباعي ـ اعداد رنا بيطار، واخراج علاء الدين توكش.

6 ـ مسيرة جيل (مسلسل سعودي، سوري مشترك) تأليف عبد الرحمن بن سويداء، واخراج غسان جبري.

7 ـ قبل الغروب ـ تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نضير ـ اخراج فهد ميري.

8 ـ جذور حضارية ـ تأليف مروان المصري واخراج محمود توتونجي.

9 ـ امواج ـ تأليف الياس الحاج واخراج عصام موسى.

10 ـ الظل والنور ـ تأليف خالد حمدي واخراج طلحت حمدي.

وكان القطاع العام ايضا قد انتهى من عدة اعمال درامية منها:

* البصير: تأليف عبد العزيز هلال واخراج انيسة عساف.

* المصائر: تأليف فرحان بلبل واخراج سليم صبري.

* الموعودة: تأليف مروة عبيد واخراج غسان باخوس.

* البحث عن المستحيل: اخراج هند ميداني وتأليف امل حنا.

* اللوحة السوداء: تأليف يوسف قندلفت واخراج محمد فردوس اتاسي.

* جزء جديد من مسلسل (حمام القيشاني) تأليف دياب عيد واخراج هاني الروماني.

* ومن الأعمال القادمة:

* نجوم وغيوم: تأليف محمد صالح واخراج غسان سلمان.

* حكايات ساخنة: تأليف نور الدين الهاشمي واخراج غزوان بريجان.

* محتال بالصدفة: تأليف واعداد واخراج ثائر موسى.

* عندما يموت الحب: تأليف معتز عويتي واخراج علاء الدين توكش.

* البطرني: تأليف الياس الحاج واخراج عصام موسى.

* من التنويع .. إلى التسويق

* يلاحظ من هذا الاستعراض المكثف للاعمال الدرامية التي انجزت او هي قيد الانجاز في سورية، في القطاعين العام والخاص، انها تشتمل على كثير من التنويع في المواضيع المختارة بين التاريخي والاجتماعي والكوميدي وحتى البدوي والفانتازيا، ولكن الهدف الاساسي من الانتاج بهذه الكثرة هو الهدف التجاري البحت، والتعامل في التسويق مع معادلة العرض والطلب. وهذا ما يبرع فيه القطاع الخاص عادة اكثر من القطاع العام الذي لا يضع موضوع الربح المادي او العائد التجاري في مقدمة اهدافه الانتاجية، ومن هنا يبدو في الموسم الرمضاني مثلا، وكأن هناك غيابا لانتاج القطاع العام ـ كما حدث في الموسم الماضي ـ في حين تقدمت اعمال القطاع الخاص، خاصة ما يسمى منها بـ «الانتاج الضخم» ذي التكاليف المادية العالية التي اصبحت ارقامها مدعاة للمباهاة وبلغة الدولار، فهذا يعلن ان تكاليف انتاج عمله وصلت الى مليوني دولار، فيرد الآخر بأن تكاليف انتاج عمله قفزت الى الثلاثة ملايين، وقد يفاجئنا ثالث بالرقم وقد وصل الى خمسة ملايين دولار.

وما دام باب الانتاج مفتوحا، بلا حسابات ولا ضوابط، وبلغة اهل السوق، فان ظاهرة التفاقم في عدد الاعمال المنتجة، التي تتزايد عاما بعد آخر، قد تؤدي الى التخمة، ثم الى التراجع، خاصة ان (سباق الماراثون) هذا اصبح يتجه الى مفهوم (الضخامة) الظاهرية الاستعراضية التي قد تمكن شركات الانتاج الكبيرة من (ابتلاع) الشركات الصغيرة التي تتجه الى رصد الحكايات الانسانية او الاجتماعية البسيطة التي تتوقع ان يقبل عليها المشاهد ليرى فيها نفسه وحياته وآماله وآلامه ومعاناته وطموحه.

وفي هذا الزحام العجيب، قد يظهر من يلعب لعبة الابهار الذكية فيسرق الاضواء كلها، كما فعل نجدت انزور سابقا عندما طلع على المشاهدين بما اطلق عليه (الفانتازيا التاريخية)، او كما فعل ايمن زيدان من خلال تركيبة كوميدية اسماها (جميل وهناء)، او كما فعل الحاج متولي، وزوجاته حيث (كسّر الدنيا) كما يقال في مصر، وشغل المشاهدين عن عدد كبير من المسلسلات المهمة، ومنها مسلسلان عن بطل حطين صلاح الدين الايوبي.

واذا كان هناك من يرى في ظاهرة التفاقم العددي في الانتاج الدرامي العربي ظاهرة صحية، تتيح للفضائيات فرص انتقاء الافضل، وللمشاهد فرص التنقل بين عشرات الاعمال، فان هناك من يحذر من هذه الظاهرة، التي تؤدي الى التزاحم على ابواب الشهر الكريم، ويرى ان يعيد المسؤولون عن الدراما العربية، في القطاعين العام والخاص، النظر في مجمل عملية الانتاج التي تبتعد شيئا فشيئا عن الاهداف النبيلة والسامية للفن، وتحوله الى لعبة مضاربات في سوق المقاولين.