جدل واسع في الخليج حول إصلاح مناهج التعليم بعد أحداث سبتمبر

TT

يتلقى الطلاب حاليا في دولة قطر قدرا قليلا من الدراسات الاسلامية ويخصصون وقتا اطول لدراسة اللغة الانجليزية. وتم اقناع جامعات أميركية ذات مكانة مرموقة، مثل جامعة كورنيل بمدرستها الطبية وجامعة كارنجي بمدرستها لادارة الاعمال بفتح كليات لها في الدوحة. واعلن الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الاسبوع الماضي عن اصلاحات اوسع مدى في مجال التعليم العام في اطار مشروع صممته «راند كوربوريشن».

وقالت فاطمة عمادي، الباحثة التي تلقت تعليمها في الولايات المتحدة والمشاركة في برنامج قطر لتعليم اللغة الانجليزية: «اننا ننفذ ثورة في مجال التعليم».

وقال درويش عمادي الذي تخلى الاسبوع الماضي عن عمادة جامعة قطر ليتولى الاشراف على اصلاح التعليم العام: «عملية الاصلاح التعليمي التي تجري في هذه البلاد لا يمكن ان ترى نظيرا لها في كل الشرق الأوسط. انها زلزال كامل».

وعملية الاصلاح التعليمي الجارية في قطر هي واحدة من اوجه التحديث التي ادخلها الشيخ حمد بن خليفة. ولكن عمادي يأمل ان تنجح الاصلاحات في قطر في تحويلها الى نموذج يحتذى بالنسبة لكل اقطار الخليج. وهذه لمحة من التغييرات التي يقول المسؤولون في الادارة الاميركية انها ستحدث في حالة سقوط نظام الرئيس صدام حسين في العراق.

وتشكل هذه النظرة كابوساً بالنسبة لكثير من المحافظين في المنطقة. وقد شرع هؤلاء منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، يحذرون من حملة واشنطن لاعادة كتابة الكتب المدرسية وتغيير المناهج التقليدية في التعليم وتخفيض حجم المادة الاسلامية في هذه المقررات. وثارت نقاشات حادة حول صلة الاسلام السياسي بالنموذج الذي يقوده أسامة بن لادن، ونوع التعليم الذي يتلقاه اطفال الخليج.

وفي السعودية والكويت تركز النقاش على ما اذا كانت المقررات الدينية تشجع على اشاعة التطرف وانعدام التسامح.

وفي مناطق اخرى من الشرق الأوسط، غطى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في احداث تغييرات شبيهة، في بعض الاحيان، على الجدل الدائر حول الاصلاح التعليمي. وعلق أحد الكتاب الاردنيين الاسبوع الماضي على مشروع تقوم به وزارة الخارجية الأميركية لاجراء اصلاحات في مجال التعليم وغيره من المجالات واصفا اياه بأنه «احتلال اميركي».

ووصف عبد الرزاق الشايجي، أحد الاسلاميين في الكويت، المحاولات الأميركية لاصلاح التعليم في بلاده بأنها «تدخل أميركي». وقال: «المقرر المدرسي ينبغي ان يبرز شخصيتنا، ويبرز تاريخنا ويدعو الى ديننا».

وفي السعودية، قامت السلطات السعودية بمراجعة كل الكتب الدراسية بحثا عن أية مظاهر للتطرف ووجدت ان 5 في المائة من المواد المقررة يجب حذفها. واتهم كثير من السعوديين العناصر الاجنبية بتشويه نظامهم التعليمي القائم على الاسلام.

وذكر وزير التعليم السعودي محمد الرشيد في تصريح ادلى به اخيرا: «يقول الناس ان النظام التعليمي هو السبب في المواقف العنيفة ضد البلدان والاديان الاخرى، ولكن هذا ليس صحيحا. ولو كان صحيحا فان كل السعوديين الذين تلقوا تعليمهم تحت هذه المناهج كانوا سيشاركون في هذه الاعمال».

ومع ذلك فان كثيرا من المفكرين والمسؤولين الحكوميين في الشرق الاوسط، صاروا ينظرون الى تداعيات احداث 11 سبتمبر كفرصة سانحة لدفع الاصلاح التعليمي، والتغييرات الكبرى التي لن تنحصر في اشاعة التسامح الديني، بل ترسخ مفاهيم مثل مشاركة المواطنين في ادارة شؤونهم وتوسيع الخيارات امامهم وترقية مهاراتهم في مجال الاعمال الخاصة. وبدا ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز وكأنه يشجع هذا الاصلاح الواسع، عندما اصدر ميثاقا يدعو فيه الى شرق اوسط اكثر تقدمية يكون مواطنوه اكثر مقدرة على المنافسة في الاقتصاد العصري.

وقال الشيخ محمد سالم الصباح، وزير الدولة الكويتي في وزارة الخارجية «بلورت 11 سبتمبر افكارنا. ونحن سائرون بمقتضى جدول اعمال املته علينا الضرورة».

واضاف ان معدلات البطالة المتزايدة في بلد ظل يعتمد على عائدات النفط، ومناهج التدريس التقليدية وفشل المدارس في التأقلم على عصر الانترنت، تمثل جميعا عقبات تحول دون التقدم في العالم العربي. وواصل يقول: «اجرينا نحن في دول الخليج حوارا بيننا حول العقبات التي تعرقل مسارنا الى الامام، وتوصلنا الى اهمية اصلاح نظامنا، بدءاً بالتعليم. ولا نفعل ذلك لان الولايات المتحدة طلبته منا، بل لأننا لا نزود الناس حاليا بالمهارات التي تلبي متطلبات ومستويات السوق».

ولكن تجربة الكويت توضح ان هذه المسألة ليست سهلة باية حال من الاحوال. وفي الخريف الماضي، وبعد قيام بعض المسلحين الاصوليين المتزمتين باطلاق النار على اثنين من جنود المارينز الأميركيين، مما ادى الى قتل احدهما، شنت الكويت حملة ضد «العنف والتعصب»، ووجهت باجراء تغييرات في المقررات المدرسية الدينية التي خشي المسؤولون من انها تشجع على التطرف. ووجه المسؤولون الكويتيون أنظارهم الى تلك الكتب المدرسية التي تصف الجهاد بأنه فرض اجباري لمحاربة غير المسلمين ومحاربة اسرائيل باعتبارها العدو الديني لكل المسلمين. وقالوا ان المقررات المدرسية يجب ان تدعو الى «الاخوة والمساواة والحب والعطف والرحمة والتعايش السلمي». وجاء ذلك في بيان صدر عن الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ولا تزال الدراسة جارية ولم تغير كلمة واحدة. ولكن آلاف الكلمات بدلت في مساجلات شملت كل شيء من الخوف من الولايات المتحدة. وظلت قضية المقررات المدرسية تحتل العناوين العريضة لعدة اسابيع في الكويت. وانبرى الاسلاميون يسيرون المظاهرات ويلقون الخطب البرلمانية المعادية لأي تغيير. وقال النائب الكويتي مبارك الدويلة الذي قاد الحملة ضد تغيير الكتب المدرسية: «ما هو مهم ليس تغيير النصوص المدرسية، اذ لم تُكتب في كتبنا أن الأميركيين هم أعداؤنا. عليك ان تغير العقلية لا الكتب». فمن وجهة نظره فان الجهاد والاسرائيليين قد تم شرحهما بشكل صحيح. وأضاف الدويلة: «علينا ألا نغير ما نقوله حول الجهاد. انه ضد الكافر. كذلك تقول الكتب المدرسية ان الاسرائيليين أعداء لنا لأنهم يريدون أن يستولوا على كل أراضي فلسطين. هذا صحيح أيضا».

بالنسبة للدويلة ولسياسيين إسلاميين آخرين في الكويت يجب ألا يكون النقاش حول ما يجب أن يتعلمه الأطفال بل حول تأثير الولايات المتحدة على هذا الجزء من العالم. وفي هذا الخصوص قال الدويلة: «المسلمون لا يقبلون بأن يأتي شخص من الخارج ويقوم بتغيير المفاهيم. حينما يقول نظام أي بلد مسلم إنه سيقوم بتغيير مفهوم الجهاد سيفهم كل الناس ان ذلك بسبب ضغط الأميركيين».

لكن أولئك الذين يفضلون الاصلاحات يقولون ان الاصوليين استغلوا موضوع الكتب المدرسية كقضية سياسية مؤملين أنفسهم بأن ذلك سيؤدي الى تحويل انتباه الناس عن علاقاتهم بالمنظمات الأصولية المتطرفة. وقال عبد الله النيباري أحد الوجوه القيادية الإصلاحية في البرلمان الكويتي: «هذه هي واحدة من اللُعَب التي يلعبونها. انهم يحاولون ان يرفعوا راية الاسلام لخلق قضية من لا شيء.. ما هو مطروح هو اصلاح الطريقة التي يتم فيها التدريس لا التخلي عن مبادئ الإسلام. علينا أن نتأكد تماما من ان الاسلام لا يتم تفسيره بطريقة تدفع نحو التطرف».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»