النص الكامل لخطاب وزير الخارجية الأميركي كولن باول أمام مجلس الأمن

TT

قدم وزير الخارجية الأميركي كولن باول يوم الخامس من فبراير (شباط) الجاري امام مجلس الأمن الدولي خطاباً خصصه للازمة العراقية، وعرض فيه ما تعتبره الولايات المتحدة «أدلة» على امتلاك العراق اسلحة دمار شامل وايوائه لعناصر من تنظيم «القاعدة». وفيما يلي النص الكامل للخطاب:

شكرا لكم، حضرة رئيس (المجلس)، حضرة الأمين العام، ايها الزملاء الموقرون: أود أن أستهل خطابي بالتعبير عن شكري للجهود الخاصة التي قام به كل منكم هذا اليوم.

هذا يوم مهم لنا جميعا، اذ نستعرض فيه الوضع بشأن العراق والتزاماته ازاء نزع أسلحته بمقتضى قرار مجلس الأمن 1441.

في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصدر مجلس الأمن القرار 1441بالاجماع. والغرض من ذلك القرار كان نزع أسلحة الدمار الشامل للعراق. وقد تبين ان العراق كان قد خرق التزاماته خرقا ماديا، وهي التزامات تضمنها 16 قرارا سابقا ويعود عهدها الى 12 عاما.

والقرار1441 لم يكن يتعامل مع طرف بريء، بل مع نظام ادانه هذا المجلس مرارا على مدى سنوات. وهكذا، منح القرار 1441 العراق فرصة واحدة أخيرة للامتثال والا واجه عواقب وخيمة. ولم تكن لدى اي عضو في المجلس اقترع في ذلك اليوم أية مفاهيم ضمنية بشأن طبيعة ونية القرار او ما كانت ستعنيه العواقب الوخيمة اذا احجم العراق عن الامتثال له. وللمساعدة في نزع اسلحته، دعونا العراق للسماح بعودة المفتشين من كل من أنموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأرسينا معايير قاسية للعراق كي يلتزم بها من أجل السماح للمفتشين بالقيام بمهمتهم. ووضع هذا المجلس عبء الامتثال ونزع الاسلحة على العراق، لا على مفتشي الاسلحة كي يعثروا على ما ذهب العراق بعيدا لاخفائه لمدة طويلة. فالمفتشون هم مفتشون وليسوا رجال تحريات.

وقد طلبت انعقاد هذه الجلسة هذا اليوم لغرضين اثنين أولا لددعم التحليلات الأساسية التي قدمها الدكتور (هانذ) بليكس والدكتور محمد البرادعي. وكما أفاد الدكتور بليكس في هذا المجلس يوم 27 يناير (كانون الثاني)، وأنقل عنه كلامه في ما يلي: «العراق لم يقبل بعد قبولا حقيقيا، حتى هذا اليوم، (مبدأ) نزع اسلحته كما طلب منه».

ومن ناحيته، أفاد الدكتور البرادعي ان الإعلان العراقي بتاريخ 7 ديسمبر (كانون الاول) «لم يوفر أية معلومات جديدة متصلة بمواضيع معينة لا تزال عالقة منذ 1998».. وغرضي الثاني هذا اليوم هو تزويدكم ببيانات إضافية، واطلاعكم على ما تعرفه الولايات المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وعلاقة العراق بالارهاب، وهو موضوع يتناوله القرار 1441 وغيره من قرارات سابقة.

وأود ان اضيف في هذا الوقت اننا نوفر جميع البيانات ذات الصلة التي يمكننا تزويدها لفرق المفتشين كي يقوموا بمهمتهم.

ان المواد التي سأعرضها عليكم تأتي من مصادر مختلفة. بعضها مصادر أميركية وبعضها مصادر لدول أخرى، وبعض هذه المصادر مصادر فنية مثل أحاديث هاتفية جرى اعتراضها وصور التقطتها أقمار صناعية. ومن المصادر الأخرى أناس جازفوا بأرواحهم كي يعرّفوا العالم ما يدبر له صدام حسين.

ولا يمكنني أن ابلغكم كل شيء نعرفه بل فقط ما يمكنني أن أشاطره معكم، ومجموع ما علمناه نحن جميعا على مدى السنوات، هو مقلق جدا. وما سنشاهده هو تراكم لحقائق وانماط مزعجة من السلوك. وحقائق مسلك العراقيين تبين ان صدام حسين ونظام حكمه لم يبذلا أي مجهود لنزع الاسلحة كما اقتضاه المجتمع الدولي. وفي الواقع فان الحقائق ومسلك العراق تبين ان صدام حسين ونظامه انما يخفيان قيامهما لانتاج مزيد من اسلحة الدمار الشامل.

سأبدأ باسماعكم شريط تسجيل. ما انتم على وشك ان تسمعوه هو محادثة رصدتها حكومتي. وهي جرت في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أي قبل يوم من استئناف فرق الأمم المتحدة اعمال التفتيش في العراق. المحادثة جرت بين ضابطين كبيرين، عقيد وعميد، من وحدة نخبة عسكرية عراقية هي الحرس الجمهوري.

* (لعب الشريط)

* سأتوقف قليلا لأستعرض عناصر رئيسية من هذه المحادثة التي سمعتموها بين هذين الضابطين.

اولا، انهما يعترفان ان زميلنا، محمد البرادعي، قادم، هما يعلمان أنه قادم، ويعلمان الغرض من زيارته وهما يعلمان انه سيصل في اليوم التالي. وهو آت للبحث عن أمور محظورة. وهو يتوقع من هذين الضابطبن ان يتعاونا معه والا يخفيا أشياء. الا انهما قلقان:

«لدنيا تلك العربة المعدلة; ماذا سنقول لو اكتشفها أحدهم؟» فما هو مثار قلقهما؟ هما معنيان بأنها شيء يجب الا يكون في حوزتهما وشيء يجب الا يشاهد.

والعميد لا يستطيع تصديق ما سمعه (ويخاطب العقيد قائلا): «أنت لم تحصل على (عربة) معدلة، احدى هذه..؟» «لدي واحدة» «أي واحدة، ومن أين؟» «من الورشة، من شركة الكندي».

«ماذا؟».

«من الكندي».

«سآتي لأقابلكم في الصباح. اني قلق. هل تبقى لديك شيء؟» «لقد قمنا بنقل كل شيء، لم يبق شيء».

لاحظوا ما يقول: نقلنا كل شيء.

«ونحن لم ندمرها ولم نجهزها للتفتيش ولم نحولها الى المفتشين. نحن نقلناها للتأكد من انها لن تكون هناك حينما يحضر المفتشون».

«سأحضر غدا».

شركة الكندي هي شركة معروفة تماما بأنها تقوم بنشاطات أنظمة أسلحة محظورة. وسأسمعكم شريطا آخر. وكما تذكرون، فإن المفتشين عثروا على 12 رأسا حربيا كيميائيا فارغا في 16 يناير (كانون الثاني) وفي 20 منه أي بعد اربعة ايام، وعد العراق المفتشين بأنه سيبحث عن مزيد منها. والآن ستستمعون الى ضابط في المقر العام للحرس الجمهوري يصدر تعليمات الى ضابط في الميدان. ومحادثتهما هذه جرت في الاسبوع الماضي، في 30 يناير (كانون الثاني. تسجيل بالعربية باول: دعوني أتوقف قليلا لاستعرض عناصر هذه المحادثة. «انهم يفتشون الذخائر لديكم، اليس كذلك؟» «بلى».

«لاحتمال ان تكون هذه ذخائر محظورة».

«لاحتمال ان تكون هناك بالصدفة ذخائر محظورة».

«نعم».

«ونحن بعثنا رسالة أمس نطلب فيها تنظيف جميع المواقع، أماكن الخردة، والأماكن المهجورة. فتأكد من انه لا يوجد شيء هناك».

وتذكروا الرسالة الأولى وما ذكر فيها من «الاجلاء». هذا كله جزء من نظام لإخفاء الأشياء ونقلها، والتأكد من عدم ترك اي شيء.

واذا تمعنتم قليلا في هذه الرسالة وتبينتم التعليمات المحددة من المقر العام: «بعد ان تنفذوا ما جاء في هذه الرسالة، اتلفوا الرسالة لأني لا أريد أحدا ان يرى فحواها».

«حسنا، حسنا» لماذا؟

هذه الرسالة كانت ستثبت للمفتشين بأنهم كانوا (العراقيون) يحاولون نقل أشياء. كانوا يبحثون عن أشياء لكنهم لا يرغبون في أن يرى أحد الرسالة، لأنهم كانوا يحاولون ان ينظفوا المنطقة بحيث لا يتركوا أية أدلة خلفهم، أدلة على وجود اسلحة دمار شامل. كما سيمكنهم ان يدعوا بأن شيئا لم يترك هناك. وسيكون بمقدور المفتشين ان يبحثوا بقدر ما يريدون فلن يعثروا على شيء.

ان هذا المجهود لإخفاء اشياء عن اعين المفتشين لا يمثل حدثا معزولا واحدا او حدثين. بل على العكس. انه جزء لا يتجزأ من سياسة التحايل والخداع التي يعود عهدها الى 12 عاما، سياسة رسمت على اعلى مستويات النظام العراقي.

ونحن نعلم ان لدى صدام حسين ما يعرف بـ«اللجنة العليا لرصد فرق التفتيش». وهذه اللجنة يترأسها نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان. وتشمل في عضويتها ابن صدام حسين، قصي. فكروا بذلك. العراق لديه لجنة لمراقبة المفتشين الذين أرسلوا لمراقبة نزع الأسلحة العراقية. ليس للتعاون معهم، وليس لمساعدتهم، بل للتجسس عليهم ومنعهم من القيام بمهماتهم. وترفع اللجنة تقاريرها إلى صدام حسين مباشرة. وتضم هذه اللجنة أيضا اللواء عامر السعدي، وهو مستشار لصدام. وفي حال لم يكن ذلك الاسم مألوفا لديكم، أقول ان اللواء السعدي هو ضابط الاتصال الرئيسي مع الدكتور بليكس والدكتور البرادعي. هو الذي تعهد في الخريف الماضي علنا بأن العراق مستعد للتعاون بلا قيد ولا شرط مع المفتشين. وعلى نقيض ذلك، مهمة السعدي ليست التعاون، بل إنها الخداع; وليس نزع السلاح، بل تعطيل عمل المفتشين; وليس تقديم الدعم لهم، بل إحباطهم والتأكد من أنهم لا يعرفون شيئا. وقد علمنا الكثير عن عمل هذه اللجنة الخاصة. علمنا أنه قبل وقت قصير من عودة المفتشين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قرر النظام استئناف ما يسمى «لعبة القط والفأر القديمة».

مثلا، واسمحوا لي ان اركز الآن على بيان العراق المعروف الذي قدم إلى هذا المجلس في 7 ديسمبر (كانون الأول). إن العراق لم يكن ينوي قط الامتثال لمتطلبات هذا المجلس. بل وعوضا عن ذلك، كان يخطط لاستعمال القرار واغراقنا، واغراق المفتشين بمعلومات لا نفع منها عن أسلحة العراق المسموح بها كي لا يتوفر لدينا الوقت للبحث عن أسلحة العراق المحظورة. هدف العراق كان إعطاء أعضاء من هذا المجلس الانطباع الكاذب بأن عملية التفتيش تسير بنجاح.

وقد رأيتم النتيجة. فقد أعلن الدكتور بليكس أن التصريح المؤلف من صفحة، غني بالمادة، لكنه فقير في المعلومات وخال فعليا من أية أدلة جديدة.

هل يستطيع أي عضو في هذا المجلس حقا أن يقف مدافعا عن هذا البيان الكاذب؟

كل ما رأيناه وسمعناه يشير الى أن صدام حسين ونظامه، عوضا عن أن التعاون بنشاط مع المفتشين لتأمين انجاح مهمتهم، منهمكون في عمل كل ما في وسعهم لضمان أن المفتشين لن يعثروا على شيء إطلاقا.

زملائي، كل بيان أدلي به اليوم، مدعوم بمصادر، مصادر قوية. هذه ليست بيانات. ما نقدمها اليكم هي حقائق واستنتاجات تستند إلى أدلة استخباراتية. وسأستشهد ببعض الأمثلة، وهذه من مصادر استخباراتية بشرية.

صدرت أوامر إلى أجهزة الأمن العراقية، فضلا عن مكتب صدام حسين نفسه، بإخفاء كل المراسلات مع هيئة التصنيع العسكري. وهذه المنظمة هي التي تراقب نشاطات العراق في مجال أسلحة الدمار الشامل. «تأكدوا من عدم ترك وثائق تربطكم بهيئة التصنيع العسكري». ونحن نعلم أن ابن صدام حسين، قصي، أمر بازالة جميع الأسلحة المحظورة من قصور صدام المتعددة. ونحن نعلم أن مسؤولي الحكومة العراقية، وأعضاء حزب البعث الحاكم وعلماء عراقيين، قد أخفوا مواد محظورة في منازلهم. ووضعت ملفات رئيسية من مؤسسات عسكرية وعلمية في سيارات يقودها عملاء للاستخبارات العراقية ويطوفون بها في مختلف أرجاء البلاد لتفادي الاكتشاف. وقد عثر المفتشون مؤخرا، بفضل معلومات استخباراتية قدمت لهم، على اثبات دراماتيكي لهذه التقارير. فعندما فتشوا منزل عالم نووي عراقي، عثروا على صفحة من الوثائق. ويمكنكم أن تروها هنا (في الصورة) لدى إخراجها من المنزل ووضعها في أيدي الأمم المتحدة. وبعض المواد سرية ويتصل ببرنامج العراق النووي.

قولوا لي، أجيبوني، هل يفترض بالمفتشين أن يفتشوا منزل كل مسؤول حكومي، وكل عضو في حزب البعث وكل عالم في البلاد لكي يعثروا على الحقيقة، ويحصلوا على المعلومات التي يحتاجونها، لارضاء طلبات مجلسنا؟

تقول لنا مصادرنا ان أقراص التشغيل الرئيسية في أجهزة الكومبيوتر في مرافق الأسلحة العراقية كانت تستبدل في بعض الأحيان. فمن أخذ أقراص التشغيل الرئيسية، أين ذهبت؟ ما الذي يجري اخفاؤه؟ هناك جواب واحد لهذه التساؤلات هو: للخداع، والاخفاء، ومنع وصول المفتشين اليها. مصادر استخباراتية بشرية عديدة تقول لنا، إن العراقيين ينقلون، ليس وثائق وآلات تشغيل كومبيوتر فحسب، بل أسلحة دمار شامل لمنع عثور المفتشين عليها. نحن نعلم من مصادر بأننا بينما كنا في قاعة المجلس هذه نناقش القرار 1441 في الخريف الماضي، كان فيلق صواريخ خارج بغداد يقوم بتوزيع قاذفات صواريخ ورؤوس حربية تحتوي على عوامل حربية بيولوجية على مواقع مختلفة في غرب العراق. وقد أخفي معظم الصواريخ والرؤوس الحربية في حقول كبيرة من أشجار النخيل على أن يجري نقلها إلى مكان آخر بين فترة واخرى تتراوح ما بين أسبوع إلى أربعة أسابيع لتفادي اكتشافها.

ولدينا أيضا صور أقمار صناعية تشير إلى أن مواد محظورة جرى نقلها مؤخرا من عدد من مرافق أسلحة الدمار الشامل العراقية. واسمحوا لي أن أقول كلمة عن صور الأقمار الصناعية قبل أن أعرض بعضا منها. إن الصور التي سأريكم إياها يصعب أحيانا على الرجل العادي أن يفهمها، وهي أيضا صعبة بالنسبة إلي. والعمل الشاق المتمثل في تحليل الصور يجعل العلماء الذين لديهم سنين عديدة من الخبرة، يمضون ساعات طويلة منكبين فوق المصابيح الضوئية. لكنني سأحاول، وأنا أريكم هذه الصور أن أشرح ما تعنيه، وما تشير إليه بالنسبة إلى أخصائيي الصور لدينا. دعونا ننظر إلى واحدة منها. هذه الصورة تبين مرفق أسلحة، يضم ذخيرة في مكان يدعى التاجي. وهذا واحد من حوالي 65 مرفقا مماثلا في العراق. ونحن نعلم أن هذا المرفق كان يحتوي على أسلحة كيميائية. والحقيقة، أن هذا هو المكان الذي كشف فيه العراقيون مؤخرا عن أغلفة الأسلحة الكيميائية الأربعة الإضافية. وهنا ترون 15 مستودعا محصنا للذخيرة داخل دوائر باللونين الأصفر والأحمر. وتمثل المستودعات الأربعة التي داخل مربعات حمراء مستودعات ناشطة للأسلحة الكيميائية.

كيف أعرف ذلك؟ دعوني أعرضها عليكم من مسافة أقرب. أنظروا إلى الصورة التي إلى اليسار. في اليسار صورة مقربة لأحد مستودعات الأسلحة الكيميائية الأربعة. ويشير السهمان إلى وجود علامات أكيدة على أن المستودعات تختزن أسلحة كيميائية. والسهم الذي إلى أعلى ويحمل كلمة أمن يشير إلى مرفق هو المادة المميزة لهذا النوع من المستودعات. وداخل ذلك المرفق عدد من الحراس الخاصين والمعدات الخاصة لمراقبة أي تسرب يمكن أن يخرج من المستودع. والشاحنة التي ترونها هي آلة خاصة. إنها سيارة لإزالة التلوث في حال حدوث تسرب.

وهذا ما تتميز به تلك المستودعات الأربعة، مرفق الأمن الخاص وسيارة إزالة التلوث وجودة في المنطقة، إن لم تكن في أي واحد منها أو سواها فهي تتحرك حول هذه الأربعة وتتحرك حسبما تدعو الحاجة لتحركها، حيث أن الناس يعملون في المستودعات المختلفة.

الآن انظروا إلى الصورة التي إلى اليمين. إنكم تنظرون الآن إلى اثنين من تلك المستودعات المعقمة. إن السيارات المميزة قد ذهبت والخيم قد اختفت، لقد جرى تنظيفها، وقد حصل ذلك في الثاني والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما كان فريق مفتشي الأمم المتحدة يصل إلى العراق، ويمكنكم أن تروا سيارات التفتيش تصل في الجزء الأسفل من الصورة التي في الجهة اليمنى.

المستودعات كانت نظيفة عندما وصل إليها المفتشون. إنهم لم يعثروا على شيء. إن هذا التتابع للأحداث يثير الشك المقلق بأن العراق تلقى إخبارية عن التفتيشات المقبلة في منطقة التاجي. وكما فعل العراق طوال التسعينات، نحن نعلم بأنه يستخدم قدراته الهائلة في مجال الاستخبارات لإخفاء نشاطاته السرية. ونحن نعلم من مصادرنا، بأن المفتشين موضع مراقبة متواصلة من قبل جيش من عملاء الاستخبارات العراقية. ويحاول العراق بلا هوادة التنصت على جميع مخابراتهم، الصوتية والالكترونية. وألفت انتباه زملائي إلى الورقة الرائعة التي وزعتها المملكة المتحدة أمس، والتي تصف بتفصيل دقيق نشاطات العراق الخداعية. وفي هذا المثال التالي، سترون نوع النشاط الاخفائي الذي يقوم به العراق ردا على استئناف التفتيش. والحقيقة، أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، عندما كان المفتشون على وشك استئناف نشاطهم، تصاعد هذا النوع من النشاط. وهذه بعض الأمثلة:

في موقع الصواريخ البالستية هذا، رأينا في 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، شاحنة تتأهب لنقل أجزاء من صاروخ بالستي. وفي هذا المرفق المتصل بأسلحة بيولوجية، ظهرت في 25 من نوفمبر (تشرين الثاني)، أي قبل يومين تماما من استئناف التفتيش عن الأسلحة، هذه القافلة من الشاحنات، وهو أمر لم نره قط من قبل في هذا المرفق تقريبا، ونحن نراقبه بعناية وبانتظام.

وفي مرفق الصواريخ البالستية هذا، أيضا قبل يومين من بدء التفتيش، ظهرت خمس شاحنات كبيرة مع رافعة مثبتة على شاحنة لنقل الصواريخ. ورأينا هذا النوع من تنظيف المكان من مسافة تقرب 30 ميلا.

وبعد أيام قليلة من هذا النشاط، اختفت السيارات والمعدات التي وصفتها لكم وعاد المكان إلى نوع من النمط الطبيعي. ونحن لا نعلم بالضبط ما الذي كان العراق ينقله، لكن المفتشين كانوا يعرفون عن هذه المواقع، ولذلك علم العراق أنهم سيأتون.

علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا ينقل العراق معدات من هذا النوع فجأة قبل التفتيش إذا كان حريصا على إظهار ما يملكه أو ما لا يملكه؟

تذكروا المكالمة الأولى التي تم اعتراضها عندما كان عراقيان يتحدثان عن اخفاء سيارة معدلة عن أعين المفتشين. الى أين أخذ العراق كل هذه المعدات؟ ولماذا لم تقدم إلى المفتشين؟

ورفض العراق أيضا السماح بتحليقات استكشافية لطائرات يو ـ 2 التي بامكانها اعطاء المفتشين شعورا أفضل بما يجري نقله قبل التفتيش، وأثناءه، وبعده. إن هذا الرفض بالموافقة على هذا النوع من الاستكشاف يشكل خرقا مباشرا، ومحددا للفقرة السابعة من قرارنا المرقم 1441.

إن صدام حسين ونظامه لا يحاولان اخفاء أسلحة فحسب، بل يحاولان اخفاء أشخاص ايضا. وأنتم تعلمون الحقائق الأساسية. فالعراق لم يمتثل لالتزامه بالسماح بوصول عاجل، غير معرقل، وغير مقيد، وخاص لجميع المسؤولين والأشخاص الآخرين كما يتطلبه القرار 1441النظام يسمح فقط بمقابلات مع المفتشين بحضور العراقيين مسؤول عراقي، مراقب. وقد أعلنت المنظمة العراقية الرسمية المسؤولة عن تسهيل التفتيش، وبصورة منذرة بالسوء، أن «لا أحد مستعد لمغادرة العراق لكي تتم مقابلته».

واتهم نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان المفتشين بالقيام بنشاط تجسسي، وهو تهديد مبطن بأن أي شخص يتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة يرتكب الخيانة.

إن العراق لم يف بالتزاماته بموجب القرار 1441 لتوفير قائمة كاملة بأسماء العلماء العراقيين الذين يعملون في برنامجه الخاص بأسلحة الدمار الشامل. وكانت قائمة العراق المقدمة قديمة واحتوت على 500 اسم فقط، رغم أن انسكوم كانت قد جمعت قائمة بحوالي 3.500 اسم.

واسمحوا لي أن أروي لكم ما قالته لنا عدة مصادر استخباراتية بشرية.

لقد شارك صدام حسين مباشرة في الجهد المبذول لمنع المقابلات. ففي أوائل ديسمبر (كانون الاول)، وجه صدام حسين تحذيرا إلى جميع العلماء العراقيين بعواقب خطيرة سيتعرضون لها هم وعائلاتهم اذا كشفوا عن أية معلومات حساسة للمفتشين. وقد اجبروا على توقيع وثائق يعترفون فيها أن إفشاء معلومات يعاقب عليه بالموت. وقال صدام حسين أيضا انه يجب تبليغ العلماء ألا يوافقوا على مغادرة العراق; وأن أي شخص يوافق على أن تجرى مقابلته مقابلة معه خارج العراق سيعامل كجاسوس. وهذا مخالف للقرار 1441.

وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل وقت قصير من عودة المفتشين، أمر الخبراء العراقيون بالحضور إلى مقر رئاسة جهاز الأمن الخاص لتلقي تدريب على مكافحة الاستخبارات. وتركز التدريب على أساليب المراوغة، ومقاومة الاستجواب، وكيفية تضليل المفتشين.

أيها السيدات والسادة، هذه ليست تأكيدات. إنها حقائق أيدتها مصادر عديدة بعضها مصادر أجهزة استخباراتية لدول أخرى.

مثلا، في منتصف ديسمبر (كانون الاول)، جرى استبدال خبراء أسلحة في أحد المرافق بعملاء استخبارات عراقيين مهمتهم خداع المفتشين بشأن العمل الذي يجري هناك. وبأمر من صدام حسين، أصدر المسؤولون العراقيون شهادة وفاة كاذبة لأحد العلماء، وجرى إخفاؤه.

وفي منتصف يناير (كانون الثاني)، أمر خبراء في مرفق يتصل بأسلحة الدمار الشامل بالبقاء في منازلهم وعدم الذهاب إلى أعمالهم لتفادي المفتشين. وحل عمال من مرافق عسكرية عراقية أخرى غير متصلة بمشاريع أسلحة سرية محل العمال الذين أرسلوا إلى بيوتهم. ووضع حوالي 12 خبيرا تحت الاقامة الجبرية، لا في منازلهم، بل كمجموعة في أحد منازل الضيافة التابعة لصدام حسين. وهناك أمثلة أكثر فأكثر، واكثر. وكما تظهر الأمثلة التي قدمتها لتوي، فإن المعلومات والمواد الاستخبارية التي جمعناها تشير إلى جهد ناشط ومنتظم من جانب النظام العراقي لابقاء هذه المواد والأشخاص الرئيسيين بعيدة عن المفتشين في خرق مباشر للقرار 1441. وهذا ليس افتقارا للتعاون فحسب. ما نراه هو حملة متعمدة لمنع أي عمل تفتيشي ذي معنى.

زملائي، إن الفقرة الرابعة الرئيسية من قرار الأمم المتحدة 1441، التي تريثنا بشأنها فترة طويلة في الخريف الماضي، تعلن بوضوح أن البيانات الكاذبة والإغفالات في التصريحات والتخلف من جانب العراق في أي وقت عن الامتثال والتعاون كليا في تنفيذ هذا القرار ستشكل ـ والحقائق تتحدث عن نفسها- خرقا ماديا آخر لالتزاماته. وقد صغناها على ذلك النحو كي نعطي العراق اختبارا مبكرا. هل سيعطون تصريحا صادقا ويظهرون في وقت مبكر استعدادا للتعاون مع المفتشين؟ لقد صيغت بحيث تكون اختبارا مبكرا.

وقد فشلوا في هذا الاختبار. فوفق هذا المعيار، معيار هذه الفقرة النافذة، أعتقد أن العراق ارتكب مزيدا من الخرق المادي لالتزاماته. وأعتقد أن هذا الاستنتاج لا يمكن دحضه أو إنكاره. لقد عرّض العراق نفسه لخطر العواقب الخطيرة التي دعا اليها قرار الأمم المتحدة .1441 وهذه الهيئة تعرض نفسها لخطر ألا تكون ذات شأن إن هي سمحت للعراق أن يستمر في تحدي إرادتها دون أن ترد بفعالية وبسرعة.

إن القضية التي أمامنا ليست كم من الوقت ينبغي علينا أن نمنح المفتشين كي يتحقق لهم الفشل أمام العقبات العراقية. وإنما المسألة هي إلى متى نحن كمجلس ونحن كهيئة أمم متحدة على استعداد للانتظار والصبر على عدم التزام العراق وتطبيقه للقرارات قبل أن نتوصل إلى القول إنه قد كفى ما كفى. إن خطورة هذه اللحظة لا تعادلها إلا خطورة التهديد الذي تفرضه أسلحة الدمار العراقية على العالم. وهنا دعوني أتطرق إلى برامج تلك الأسلحة الفتاكة وأصف كيف أنها تشكل تهديدا وخطرا على المنطقة والعالم. أولا الأسلحة البيولوجية. لقد تحدثنا هنا مرارا عن الأسلحة البيولوجية. ومن قبيل العرض والتأريخ أعتقد أن هناك ثلاث نقاط أود طرحها بشكل عابر سريع.

أولا، أنتم تذكرون ان عمل لجنة الأمم المتحدة السابقة للتفتيش عن أسلحة العراق (أنسكوم) استغرق أربع سنوات طويلة محبطة لكي تنتزع وأكرر تنتزع اعترافا بأن لديه أسلحة بيولوجية.

ثانيا، أنه تبين بعدما اعترف العراق في عام 1995 بحيازته تلك الأسلحة أن لديه كميات كبيرة منها. وان أقل من ملء ملعقة صغيرة أي كمية بهذا الصغر من الأنثراكس (بكتيريا الجمرة الخبيثة) لما وضعت في مغلف تسببت في إغلاق مجلس الشيوخ بالكونغرس الأميركي في خريف عام 2001 وأجبرت مئات الأشخاص على تلقي العلاج الطبي الطارئ كما أدت إلى موت اثنين من موظفي البريد. لقد تسببت في كل هذا كمية بهذا القدر من الصغر في داخل مغلف. لقد أعلن العراق بأن لديه 8500 لتر من الأنثراكس. إلا أن لجنة التفتيش عن الأسلحة الدولية تقدّر أن نظام صدام حسين قادر على إنتاج 25000 لتر وأنه إذا تم تركيز هذه الكميات وتحويلها إلى مسحوق جاف فإنها ستملأ عشرات وعشرات الآلاف من الملاعق الصغيرة. ولم يقدم صدام حسين بيانا قابلا للتحقق في مصير ولو ملء ملعقة صغيرة واحدة من هذه المادة القاتلة.

أما النقطة الثالثة التي أسوقها فهي النقطة الأساسية وهي أن العراقيين لم يقدموا أبدا بيانا يكشف عن مصير كل الأسلحة الجرثومية التي اعترفوا أنها كانت بحوزتهم . كما انهم لم يقدموا أبدا كشفا بكل المواد العضوية التي استخدموها لصنع هذه الأسلحة ولم يبينوا مصير العديد من الأسلحة التي ملأوها بهذه المواد والتي يوجد منها أربعمائة قنبلة. هذا ثابت بالدليل وليس مجرد حدس أو تخمين. وهو حقيقة وكله مثبت وموثّق. لقد أبلغ الدكتور بليكس هذا المجلس بأن العراق لم يقدم شيئا من البرهان للتحقق من إنتاج الأنثراكس كما لم يقدم دليلا مقنعا على تدميره والتخلص منه. وليس هناك ما يدعو إلى العجب من أننا منذ ان أجبر صدام حسين المفتشين الدوليين على مغادرة العراق عام 1998 تمكنا من جمع الكثير من المعلومات التي تدل على ان العراق ما زال مستمرا في إنتاج هذه الأسلحة. لعل من أكثر الأمور مدعاة للقلق في الملف الحافل بالمعلومات التي لدينا عن أسلحة العراق البيولوجية هو وجود مختبرات متنقلة لإنتاج الأسلحة البيولوجية. ودعوني أفتح معكم هذا الملف من المعلومات الاستخباراتية وأشارككم ما نعرفه من معلومات شهود العيان. لدينا معلومات مباشرة ووصف من الموقع لمصانع الأسلحة البيولوجية المحمّلة على عجلات وعلى سكك حديدية.

يمكن تحريك السيارات النقالة وعربات السكك بسهولة وصممت بشكل يمكّن من التهرب من المفتشين الدوليين وتجنب الاكتشاف. وبإمكان هذه المصانع أن تنتج خلال شهور فقط كمية من السموم الجرثومية تعادل كل ما يدعي العراق أنه أنتجه خلال السنوات التي سبقت حرب الخليج. على الرغم من أن العراق بدأ إنتاجه من المختبرات الجوّالة في أواسط التسعينات لم يكن لدى المفتشين الدوليين في ذلك الوقت إلا فكرة غير واضحة عن وجود مثل هذا البرنامج الإنتاجي. فقد حدث التأكد من هذا بعد ذلك في عام 2000. أما المصدر فكان شاهد عيان. إنه مهندس كيماوي عراقي أشرف على أحد هذه المصانع وكان حاضرا بالفعل خلال تجارب إنتاج المواد الجرثومية. وكان أيضا حاضرا في الموقع عندما وقع حادث في عام 1998 وأسفر عن موت اثني عشر فنيا نتيجة تعرضهم للمواد الجرثومية.

قدّم المهندس العراقي هذه المعلومات أثناء وجود المفتشين الدوليين في العراق وقال إن إنتاج مواد الأسلحة الجرثومية كان دائما يبدأ يوم الخميس في منتصف الليل لأن العراق كان يعتقد أن المفتشين لا يقومون بعمليات تفتيش يوم الجمعة، وهو يوم العطلة الإسلامية. وأضاف أن هذا الاجراء كان مهما من حيث أنه لا يمكن وقف إنتاج الوحدات الجرثومية في منتصف العملية المخبرية ولذا كان لا بد من إتمام العملية مساء الجمعة قبل عودة المفتشين لمزاولة عملهم من جديد.

هذا العراقي المنشق وهو الآن مختبئ في بلد آخر وهو يدرك إدراكا أكيدا بأن صدام حسين سيقتله إذا ما عثر عليه. وقد تأكد لنا من مصادرنا الخاصة ما أبلغ به هذا الشاهد العيان عن هذه الوحدات الإنتاجية المتحركة. وأكد مصدر آخر وهو مهندس مدني عراقي وفي مركز يمكنه الاطلاع فيه على تفاصيل المشروع، أكد وجود هذه التسهيلات الإنتاجية المتنقلة المحمولة على ناقلات أو مقطورات.

ثمة مصدر ثالث وفي مركز مطلع أبلغ عام 2002 أن العراق ابتكر نظما إنتاجية جوالة محمولة على سيارات النقل البري وعلى مقطورات سكك حديدية. وأخيرا هناك مصدر رابع هو عسكري عراقي هارب برتبة رائد. لقد أكد أن العراق يملك مختبرات أبحاث بيولوجية جوالة بالإضافة إلى الوحدات الإنتاجية التي أشرت إليها سابقا. وقد وضعنا مخططا لما أبلغتنا به مصادرنا عن هذه المنشآت الجوالة. وهنا على المخطط ترون المصانع المتحركة المركّبة على ناقلات وقاطرات وسيارات. والوصف الذي قدمته مصادرنا للمواصفات الفنية التي تتطلبها مثل هذه المنشآت الإنتاجية مفصل ودقيق جدا. وإننا نعرف طبقا لهذه الرسوم المبنية على وصف المصادر ما هو شكل هذه المختبرات ونعرف شكل الخزانات والمضخات وآلات ضغط الهواء وغيرها من الأدوات ونعرف كيف يتم تركيبها مع بعضها وكيف تعمل ونعرف الكثير عن الوسائل والمسطحات المركّبة عليها.

كما يظهر من هذا الرسم، يمكن إخفاء هذه المصانع بسهولة إما بنقلها على سيارات نقل تبدو ذات مظهر عادي أو على مقطورات تجوب آلاف الأميال من الطرق وخطوط السكك الحديدية العراقية أو بوقوفها في مواقف السيارات والمخازن أو في داخل الشبكة العراقية الواسعة من الأنفاق والاستحكامات المبنية تحت الأرض.

نحن نعلم أن العراق يملك سبعة من هذه المصانع المتحركة لإنتاج العناصر الجرثومية ونعلم أن المنشآت الثلاث المحمولة على شاحنات نقل تتضمن شاحنتين أو ثلاثا لكل منها. وهذا يعني أن عدد المنشآت الإنتاجية الجوالة المحمولة على ناقلات قليل وربما كان عدد الناقلات 180 هذا ما نعلمه ولكن ربما يكون هناك أكثر. نعلم أن هناك ثماني عشرة ناقلة. تصوروا محاولة العثور على ثماني عشرة سيارة نقل بين آلف وآلاف سيارات النقل التي تجوب طرق العراق في كل يوم. لقد استغرق عمل المفتشين الدوليين أربع سنوات كي يكتشفوا أن العراق يصنع عناصر بيولوجية. فكم من الوقت تظنون أنه سيستغرق للعثور حتى على واحدة من الناقلات الثماني عشرة إذا لم يتقدم العراق، كما هو المفترض أن يفعل، بتقديم المعلومات عن إمكانياته في هذا السبيل. أيها السيدات والسادة، هذه منشآت متطورة فهي على سبيل المثال قادرة على إنتاج الأنثراكس والبوتولينوم السامة وهي قادرة في الواقع على إنتاج عناصر بيولوجية مجففة خلال فترة شهر واحد تكفي لقتل آلاف مؤلفة من الناس. وتعتبر مثل هذه العناصر الجافة من أكثر هذه الأنواع فتكا بالبشر. أجمع خبراء الأمم المتحدة في عام 1998 على أن العراق أتقن الوسائل الفنية للتجفيف لبرامجه للأسلحة الجرثومية وأصبح الآن يطبق خبرته في التجفيف في وحدات انتاج متنقلة.

نحن نعلم ما اعترف العراق به في الماضي من أنه لم يتقن إنتاج الأنثراكس بنجاح فحسب بل عناصر جرثومية أخرى بما فيها البوتولينوم والأفلايسين وسم الخروع.

غير أن الأبحاث العراقية لم تقف عند هذا الحد. فقد عمد صدام حسين إلى استقصاء وتجربة عشرات العناصر التي تسبب الأمراض مثل الغنغرة الغازية والجراثيم الصفيحية والتيفوس والكزاز والكوليرا وجدري الجمال والحمى النزفية كما أن لديه الموارد المالية الكافية لإنتاج الجدري. لقد تمكن العراق أيضا من تطوير وسائل نقل ونشر العناصر الجرثومية الفتاكة على نطاق واسع ودون تمييز في مصادر المياه وفي الهواء. فلدى العراق على سبيل المثال برنامج لتعديل خزانات وقود طائرات الميراج النفاثة. ويبيّن هذا الشريط المصوّر الذي حصلت عليه لجنة التفتيش الدولية لتجربة طيران عراقية قبل سنوات طائرة من طراز ميراج ف ـ 1، يبين الرذاذ الذي تلاحظون رشه من أسفل الطائرة هو عملية تمثيلية لرش ألفي لتر من مادة الأنثراكس. في عام 1995 أبلغ الضابط العراقي مجاهد صالح عبد اللطيف المفتشين ان العراق ينوي تركيب خزانات الرش على طائرة من طراز ميغ 21 معدّلة تم تحويلها الى طائرة بلا طيار أو مركبة جوية مزودة بخزانات الرش كوسيلة مثالية لشن هجوم إرهابي تستخدم فيه الأسلحة الجرثومية. وقد أقر العراق بصنع أربعة خزانات للرش لكنه لم يقدم حتى اليوم دليلا موثوقا على تدمير هذه الخزانات، وهو الدليل الذي يطالبه به المجتمع الدولي. لا مجال هناك للشك في أن صدام حسين يملك أسلحة جرثومية كما يملك القدرة على إنتاج كميات إضافية كبيرة منها بسرعة. كما أن لديه القدرة على نشر هذه السموم والأوبئة الفتاكة وبوسائل تؤدي إلى الموت والدمار. وإذا كان مجرد التفكير في الأسلحة الجرثومية مروعا فما بالكم بالأسلحة الكيماوية التي لا تقل رهبة.

لقد عرضت لجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتحقق والتفتيش كثيرا من هذه الأمور وهي أمور موثقة وموجودة في تقرير لجنة التفتيش الدولية لعام 1999 ويمكن الجميع قراءتها والاطلاع عليها. دعوني الآن أهيئ الوضع لطرح ثلاث نقاط رئيسية ينبغي علينا جميعا أن نضعها في اعتبارنا: أولا أن صدام حسين استخدم هذه الأسلحة الرهيبة ضد بلد آخر وضد شعبه بالذات. والحقيقة أن تاريخ الحروب الكيماوية لم يسجل أن بلدا ما استخدم الأسلحة الكيماوية ميدانيا منذ الحرب العالمية الأولى أكثر مما استخدمه نظام صدام حسين العراقي. ثانيا: كما هو الحال بالنسبة للأسلحة الجرثومية لم يقدم صدام حسين أي بيان حول مصير الكميات الهائلة من الأسلحة الكيماوية. وهي 550 قنبلة من غاز الخردل و30000 قذيفة فارغة ومواد أولية كافية لإنتاج 500 طن من العناصر الكيماوية. وإذا أخذنا في اعتبارنا نوعا واحدا من الأسلحة المفقودة وهو 6500 قذيفة متخلفة من الحرب العراقية الإيرانية نجد أن لجنة الرقابة والتحقق الدولية تقول ان المادة الكيماوية في هذه القذائف تقدّر بنحو ألف طن. هذه الكمية من الأسلحة الكيماوية ما زال مصيرها مجهولا. هنا أريد أن أنقل عن الدكتور بليكس قوله «إن غاز الخردل ليس مربّى، وينبغي عليكم أن تعرفوا ما فعلتم به».

ونحن نعتقد أن صدام حسين يعلم ماذا فعل بالغاز ولم يثبت براءته من حيازته أمام الأسرة الدولية. إننا نملك الدليل على أن هذه الأسلحة ما زالت موجودة وأن ما لا نملكه هو دليل من العراق على أنه تم بالفعل تدمير هذه الأسلحة أو على مكان وجودها، وهذا ما نحن بانتظاره. النقطة الثالثة: أن سجل العراق للأسلحة الكيماوية حافل بالأكاذيب. ولقد استغرق العراق عدة سنوات لكي يقر العراق في النهاية بأنه أنتج أربعة أطنان من العنصر الفتاك «في. اكس» الذي تكفي نقطة واحدة منه على الجلد للتسبب في الوفاة خلال دقائق. فما بالكم بأربعة أطنان.

لم يعترف العراق إلا بعد جمع المفتشون الوثائق والمعلومات نتيجة لفرار حسين كامل صهر صدام حسين الذي قتل. كذلك حصلت لجنة التفتيش على أسلحة العراق على أدلة جنائية على أن العراق أنتج عنصر «في. اكس» وعباه في وسائل نقله ونشره. لكن العراق ما زال حتي اليوم ينكر قطعا أنه أنتج هذا السلاح الكيماوي. وفي السابع والعشرين من يناير (كانون الثاني) أبلغت لجنة الرقابة والتحقق الدولية هذا المجلس أن لديها معلومات تناقض ادعاءات العراق بالنسبة لبرنامج عنصر «في. اكس».

نحن نعلم أن العراق يخفي أجزاء رئيسية من بنية إنتاج أسلحته الكيماوية الممنوعة ضمن الصناعات المدنية المشروعة. وتبدو هذه المنشآت للجميع، وحتى للمفتشين الدوليين، وكأنها مؤسسات بنيوية مدنية عادية. وعليه فإن إنتاج الأسلحة غير المشروعة الممنوعة يمكن أن يجري متزامنا أو مترادفا مع الإنتاج التجاري المشروع في هذه البنية الممزوجة الغرض. ومن غير المحتمل أن تكشف عمليات التفتيش هذه، أو أي عمليات تفتيش على هذه المرافق عن أي شيء محظور، خاصة إذا كان هناك أي تنبيه بأن المفتشين قادمون. ويمكنكم وصف ذلك بأنه إبداع أو عبقرية شريرة، ولكن العراقيين تعمدوا تصميم برامج أسلحتهم الكيميائية بحيث يمكن التفتيش عنها. إنها بنية تحتية ذات حليف مبني في داخلها. وتحت ستار البنية التحتية الثنائية الاستعمال، قام العراق بجهد لإعادة إنشاء مرافق كانت لها صلة وثيقة ببرامجه القديمة لتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية. فعلى سبيل المثال، أعاد العراق بناء أجزاء أساسية من مؤسسة طارق الحكومية. وتحتوي مؤسسةطارق على مرافق صممت خصيصاً لبرنامج العراق الكيميائي وقد وُظفت فيها شخصيات رئيسية من البرامج القديمة. وهذا هو الطرف الإنتاجي من عملية الأسلحة الكيميائية التي ـ يملكها صدام. فماذا عن جانب حمل هذه الأسلحة؟ سوف أريكم جزءاً صغيراً من مجمًع كيميائي يدعى المصعد، وهو موقع استخدمه العراق لثلاث سنوات على الأقل لنقل الأسلحة الكيميائية من مرافق الإنتاج إلى الميدان. وقد أظهرت أقمارنا الصناعية، في شهر مايو (ايار) من عام 2002، نشاطاً غير معتاد في هذه الصورة. إننا نشاهد هنا عربات شحن موجودة مرة أخرى في نقطة نقل البضائع هذه، ونستطيع أن نرى أن هناك عربة إزالة تلوث مرتبطة بنشاطات الأسلحة البيولوجية والكيميائية ترافق عربات الشحن. وما يجعل هذه الصورة مهمة هو أن لدينا مصدراً بشرياً أيّد أنه تم نقل أسلحة كيميائية في هذا الموقع في ذلك الوقت. فهي اذن ليست مجرد صورة، وليست شخصاً يشاهد الصورة. هناك الصورة وثم المعرفة التي كانت لدى شخص ما، بحيث يتم الجمع بينهما لإقامة الحجة. ولا تظهر هذه الصورة التي التقطت للموقع بعد شهرين، في يوليو (تموز)، الموقع السابق فقط، وهو الشيء الذي يبدو في الوسط في قمة الصورة وقربه إشارة الجرافة، وإنما تظهر أن هذا الموقع السابق، وجميع المواقع الأخرى المحيطة بالموقع قد تمت إزالتها وتم تمهيد الأرض بالجرافات. وقد أزيلت الطبقة العليا من التربة. لقد أزال العراقيون فعلاً أديم الأرض من أجزاء كبيرة من هذا الموقع لإخفاء الأدلة على الأسلحة الكيميائية التي كانت ستكون هناك نتيجة سنين من النشاط في (صنع) مثل هذه الأسلحة الكيماوية. ولدعم برامج أسلحته البيولوجية والكيميائية المهلكة، يحصل العراق على المواد اللازمة من جميع أنحاء العالم مستخدماً شبكة سرية واسعة. أما مصدر معظم ما نعرفه فهو الاتصالات التي تم اعتراضها والتنصت عليها والمصادر البشرية الموجودة في وضع تستطيع معه معرفة الحقائق. وتشمل جهود الشراء العراقية مواد يمكنها تصفية وفصل العضويات البالغة الصغر والسموم المستعملة في صنع الأسلحة البيولوجية، والأجهزة التي يمكن استخدامها لتركيز العوامل البيولوجية، ووسائط نمو يمكن استخدامها لمواصلة إنتاج الأنثراكس (الجمرة الخبيثة) وسم البوتولينوم، ومعدات تطهير للمختبرات، ومفاعلات مبطّنة بالزجاج ومضخات خاصة لا تتأثر بعوامل وعناصر أسلحة كيميائية أكالة، وكميات كبيرة من كلوريد الفينيل وهو من سلائف عوامل الغاز والتقرّح، وغيرها من المواد الكيميائية مثل كبريتيد الصوديوم، وهو من السلائف المهمة لعامل غاز الخردل. وسوف يجادل العراق بالطبع بأنه يمكن استخدام هذه المواد لأغراض مشروعة أيضا. ولكن، إن كان هذا صحيحا، فلم كان علينا أن نعرف بأمرها عن طريق التنصت إلى الاتصالات والمجازفة بحياة البشر؟ ولمَ يفسر أي منا الشك وعدم التيقن لصالح العراق مع معرفة تاريخ العراق الموثق بشكل جيد في مجال الأسلحة البيولوجية والكيميائية؟ إنني لا أفعل ذلك (أي لا أفسر الأمر لصالحه)، ولا أعتقد أنكم ستفعلون ذلك أنتم أيضاً بعد الاستماع إلى هذه المكالمة التي تم اعتراضها (وتسجيلها. قبل أسابيع قليلة فقط، اعترضنا اتصالاً بين قائدين في فيالق الحرس الجمهوري. سوف يعطي أحدهما تعليمات إلى الآخر. وستسمعون، أثناء المكالمة، أن ما يريد تبليغه للرجل الآخر، يريد أن يتأكد من أن الرجل الآخر قد سمعه بوضوح، إلى حد إعادته، كي يتم تدوينه وفهمه تماما. استمعوا.

(شريط) دعونا نراجع بعض المواد المنتقاة من هذه المحادثة. ضابطان يتحدثان، أحدهما إلى الآخر عبر اللاسلكي ويريدان التأكد من أنه لن تتم إساءة فهم أي شيء. «أجل». «أجل». «التعبير». «التعبير. كتبتُ هذا». «عوامل الأعصاب». «عوامل الأعصاب». «أينما ورد». «أينما ورد». «في تعليمات البرقية اللاسلكية». «في التعليمات». «تصحيح. كلا، في تعليمات البرقية اللاسلكية». «البرقية اللاسلكية. أبلغ». لمَ يقوم بإعادتها (أي التعليمات) بهذا الشكل؟ ولم يؤكد بهذه القوة، أن الأمر سيُفهم، ولمَ ركز على التعليمات باللاسلكي؟ لأن الضابط الأعلى مرتبة يشعر بالقلق من أنه قد يكون هناك من يتنصت إليه. حسنا، كان هناك من تنصت عليه. «عوامل الأعصاب». «كف عن التحدث عن ذلك. إنهم يتنصتون علينا. لا تقدم أي دليل على أن لدينا هذه العوامل الرهيبة». ولكننا نعرف أنها لديهم، ومثل هذه المكالمة تؤكد ذلك. وإن تقديرنا المحافظ هو أن العراق يملك اليوم ما بين مائة طن وخمسمائة طن من مخزون عوامل الأسلحة الكيماوية. وتلك كمية كافية لملء 16 ألف صاروخ ميداني. وحتى التقدير الأدنى أي المائة طن، من شأنه أن يمكن صدام من إحداث إصابات جسيمة عبر منطقة تبلغ مساحتها أكثر من مائة ميل مربع، وهي مساحة تبلغ حوالي خمسة أضعاف مساحة مانهاتن. ودعوني أذكّركم بأن الرؤوس الحربية الكيماوية ذات الـ122 ملليمتراً التي عثر عليها المفتشون أخيراً، من الممكن جداً أن تكون كما أشار البعض، قمة جبل الجليد المختفي تحت الماء. والسؤال المطروح أمامنا جميعاً أيها الأصدقاء هو متى سنرى بقية جبل الجليد المخفي؟ إن صدام حسين يمتلك أسلحة كيماوية. وقد استخدم صدام حسين مثل هذه الأسلحة. وليس لدى صدام حسين أي رادع ضميري يردعه عن استخدامها ثانية ضد جيرانه وضد شعبه. ولدينا مصادر تخبرنا أنه فوض أخيراً قادته في الميدان سلطة استخدامها. وما كان سيصدر الأوامر لو لم يكن يمتلك الأسلحة ويعتزم استخدامها. كما أن لدينا مصادر تخبرنا أن نظام صدام عكف، منذ الثمانينات من القرن الماضي، على إجراء التجارب على البشر لاستكمال برنامج أسلحته الكيميائية أو البيولوجية. وقال مصدر إنه تم في عام 1995 نقل 1600 سجين كانوا ينتظرون تنفيذ الحكم عليهم بالإعدام إلى وحدة متخصصة بمثل هذه التجارب. وقد رأى شاهد عيان سجناء رُبطوا إلى الفراش، وشاهد إجراء التجارب عليهم، والدماء تسيل من أفواههم، وإجراء عمليات التشريح على أجسادهم للتثبت من التأثير عيهم. إن وحشية صدام حسين لا حدود لها. ودعوني أنتقل الآن إلى الأسلحة النووية. ليس لدينا أي مؤشر على أن صدام حسين قد تخلى في أي وقت من الأوقات عن برنامج أسلحته النووية. بل على العكس، لدينا أكثر من عقد من الإثباتات على أنه ما زال مصمماً على الحصول على الأسلحة النووية. ولتقدير التحدي الذي نواجهه اليوم تماماً، تذكروا أن المفتشين قاموا في عام 1991 بتفتيش مرافق الأسلحة النووية الرئيسية العراقية لأول مرة وأنهم لم يعثروا على ما يجعلهم يستنتجون أن لدى العراق برنامجاً للأسلحة النووية. ولكن كذبة صدام انكشفت في شهر مايو (ايار) من عام 1991 على أساس المعلومات التي قدمها أحد المنشقين. والحقيقة هي أنه كان لدى صدام برنامج سلاح نووي سري ضخم شمل عدة تقنيات مختلفة لتخصيب اليورانيوم، بما في ذلك فصل النظائر الكهرومغنطيسية، وأجهزة طرد الغاز ونشر الغاز. ونحن نقدر ان هذا البرنامج السري قد كلف العراقيين عدة مليارات من الدولارات. ورغم ذلك، استمر العراق في تبليغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لا يملك أي برنامج للأسلحة النووية. ولو لم يتم إيقاف (نشاطات) صدام، لكان من الممكن أن ينتج العراق سلاحاً نووياً بحلول عام 1993، أي قبل سنوات من التاريخ الذي كان يتم التكهن به على أنه أسوأ التقديرات قبل الحرب (أي حرب الخليج).

وفي عام 1995، ونتيجة لمعلومات من منشق آخر، اكتشفنا أن صدام حسين أطلق، بعد غزوه الكويت، برنامجاً مسرّعاً لإنتاج سلاح نووي غير متقن، منتهكاً بذلك التزامات العراق للأمم المتحدة. ويملك صدام حسين حالياً عنصرين من العناصر الثلاثة الأساسية اللازمة لصنع قنبلة نووية. فلديه كادر من العلماء النوويين ذوي الخبرة ولديه التصميم اللازم لتصنيع قنبلة نووية. وقد تركزت جهوده الرامية إلى إعادة تشكيل برنامجه النووي منذ عام 1998 على الحصول على العنصر الثالث والأخير، أي كمية كافية من المواد القابلة للانشطار لإنتاج انفجار نووي. وينبغي عليه، كي يصنع المادة القابلة للانشطار، أن يطور قدرة على تخصيب اليورانيوم. وصدام حسين مصمم على الحصول على قنبلة نووية. وقد بلغ تصميمه حدا جعله يقوم بمحاولات سرية متكررة للحصول على أنابيب ألومنيوم عالية المواصفات من أحد عشر بلدا مختلفاً، حتى بعد استئناف عمليات التفتيش. وتخضع هذه الأنابيب لمجموعة المورّدين النوويين بالضبط لكونه يمكن استخدامها كنابذات لتخصيب اليورانيوم. ولم يبق اليوم تقريباً من لم يسمع بأمر هذه الأنابيب، وكلنا نعرف أن هناك اختلافا في وجهات النظر; هناك جدل حول ما ستستخدم هذه الأنابيب فيه. ويعتقد معظم الخبراء الأميركيين أن الغرض منها هو أن تكون بمثابة دوّارات في نابذات تستخدم لتخصيب اليورانيوم. ويجادل خبراء آخرون والعراقيون أنفسهم بأنها تُستخدم في الحقيقة لإنتاج هياكل صاروخية لسلاح تقليدي، هو قاذفة صواريخ متعددة. ودعوني أخبركم عن الأمر الذي لا يقوم أي جدل أو خلاف حوله بالنسبة لهذه الأنابيب. أولا، يوافق جميع الخبراء الذين حللوا الأنابيب الموجودة في حوزتنا على أنه يمكن تعديلها لاستخدامها في النابذات. ثانيا، لم يكن للعراق حق في شرائها لأي سبب، فهي محظورة على العراق. وأنا لست خبيراً في أنابيب النابذات، ولكن بوصفي عسكرياً قديماً، أستطيع أن أخبركم أمرين. أولا، يبدو لي غريباً أنه تم صنع هذه الأنابيب لتتحلى بقدرة على الاحتمال يزيد مستواها كثيراً عن المتطلبات التي تضعها الولايات المتحدة لصواريخ مشابهة. ولعل العراقيين يعتمدون معايير أعلى من التي نعتمدها نحن في صنع أسلحتهم التقليدية، ولكنني لا أظن ذلك. ثانياً، لقد قمنا بالفعل بإجراء تجارب على أنابيب من شحنات مختلفة تم الاستيلاء عليها سراً قبل وصولها بغداد. وما لاحظناه في هذه الشحنات المختلفة هو التحرك نحو مستويات أعلى من المواصفات، بما في ذلك ما لاحظناه في الشحنة الأخيرة، من أنه تم كساء الأنابيب بطبقة من أكسيد الألومنيوم بطريقة التحليل بالكهرباء على السطحين الخارجي والداخلي الشديدي الصقل. فما الذي يدفعهم إلى مواصلة إدخال التحسينات على المواصفات، والقيام بكل هذا المجهود في سبيل شيء، لو كان صاروخاً، فإنه سرعان ما سيتفتت متجزئاً إلى شظايا عند إطلاقه؟ ولا تشكل أنابيب الألومنيوم العالية الاحتمال سوى جزء من القصة. ذلك أننا نملك أيضاً معلومات استخباراتية من مصادر متعددة بأن العراق يحاول الحصول على مغناطيس وآلات موازنة شديدة السرعة. ويمكن استخدام هذين الشيئين في برنامج نابذات غاز لتخصيب اليورانيوم. وكان المسؤولون العراقيون قد أجروا مفاوضات في عامي 1999 و2000 مع شركات في رومانيا والهند وروسيا وسلوفينيا لشراء معمل إنتاج المغناطيسات. وأراد العراق معملاً ينتج قطع مغناطيس تزن ما بين عشرين وثلاين غراما. وهو نفس وزن قطع المغناطيس التي كانت تستخدم في برنامج نابذات الغاز العراقي قبل حرب الخليج. ويشكل هذا الحادث، بربطه مع الأنابيب، مؤشراً آخر على محاولة العراق إعادة تشكيل برنامج أسلحته النووية. وتظهر الاتصالات التي تم اعتراضها (والتنصت إليها) في الفترة الممتدة من منتصف عام 2000 وحتى نهاية الصيف الماضي أن شركات وهمية عراقية حاولت شراء ماكينات يمكن استخدامها لموازنة دوارات نابذات الغاز. وكانت إحدى هذه الشركات قد شاركت أيضاً في محاولة فاشلة، في عام 2001، لتهريب أنابيب الألومنيوم إلى العراق. وسيستمر الناس في مناقشة هذه القضية، إلا أنه ما من شك لدي ان محاولات الشراء غير المشروعة هذه تظهر أن صدام حسين ما زال يركز بشكل كبير على الحصول على القطعة الحاسمة الناقصة في برنامج أسلحته النووي، أي القدرة على إنتاج مادة قابلة للانشطار. كما أنه انهمك في محاولة المحافظة على أجزاء أساسية أخرى في برنامجه النووي، وخاصة كادر العلماء النوويين الأساسي. ومما تجدر ملاحظته أن صدام حسين أبدى اهتماما شخصياً متزايدا خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، بأفضل العلماء النوويين العراقيين، وهم مجموعة تطلق عليها الصحف التي تسيطر عليها الحكومة جهارة اسم «المجاهدين النوويين». وهو يحضّهم ويمتدح تقدمهم بصورة منتظمة. التقدم نحو تحقيق ماذا؟ لقد طالب مجلس الأمن الدولي، العراق قبل فترة طويلة بوضع حد لجميع نشاطاته النووية من أي نوع كانت. ودعوني أتحدث الآن عن الأنظمة التي يعكف العراق على تطويرها لإطلاق أسلحة الدمار الشامل، وخاصة صواريخ العراق البالستية والطائرات بدون طيار. أولاً، الصواريخ. كلنا نذكر أن هدف صدام حسين قبل حرب الخليج، كان صواريخ لا يبلغ مداها مئات من الكيلومترات فقط بل آلاف الكيلومترات. كان لا يريد ضرب جيرانه فقط، وإنما أيضاً ضرب دول تبعد كثيراً عن حدوده. وفي حين أن المفتشين دمروا معظم الصواريخ البالستية المحظورة، إلا أن العديد من التقارير الاستخباراتية التي تم جمعها في العقد الماضي من مصادر داخل العراق تشير إلى أن صدام حسين ما زال يحتفظ بقوة سرية قد تصل إلى بضع دزينات من الأشكال المختلفة للصواريخ البالستية المنبثقة من صاروخ سكود. وهي صواريخ يتراوح مداها ما بين 650 و900 كيلومتر. ونحن نعرف من المعلومات الاستخباراتية ومن اعترافات العراق نفسه أن صواريخ العراق المسموح بها والمزعومة، صواريخ «الصمود »2 و«الفتح»، تخرق مدى المائة وخمسين كيلومتراً الذي حدده هذا المجلس كمدى أقصى في اقراره رقم 687. إنها أنظمة ممنوعة. وقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (نموفك) أيضاً أن العراق قام باستيراد محركات صواريخ من نوع 380 إس إيه ـ 2 بطريقة غير مشروعة. وهي على الأرجح للاستخدام في (إنتاج) الصمود 2.

وقد كان استيرادها غير مشروع لثلاثة أسباب. فقد حظر القرار رقم جميع الشحنات العسكرية إلى العراق. وقد حظرت انسكوم بشكل محدد استخدام هذه المحركات في صواريخ أرض ـ أرض. وأخيراً، وكما أشرنا للتو، إنها لنظام يفوق مدى المئة والخمسين كيلومتراً المحددة كمدى أقصى. والأسوأ من كل شيء، هو أنه تم الحصول على بعض هذه المحركات في عهد قريب جداً هو شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي، أي بعد إصدار هذا المجلس للقرار رقم 1441.

وما أود منكم ان تعلموه اليوم ان لدى العراق برامج تهدف الى انتاج صواريخ بالستية ذات مدى يزيد على ألف كيلومتر. وأحد هذه البرامج يسعى لانتاج صاروخ يعمل بوقود سائل قادر على ان يصل أهدافا على بعد 1200 كيلومتر. وبامكانكم أن تروا من هذه الخريطة، كما أستطيع أن ارى أنا، من سيكون في خطر من هذه الصواريخ.

وكجزء من هذا المجهود هناك أدلة صغيرة اخرى، وهي ان العراق أنشأ منصة اختبار محركات هي أكبر من أي منصة كانت بحوزته في أي وقت في الماضي. ولاحظوا الفارق الدراماتيكي في الحجم بين منصة الاختبار الى اليسار، اي المنصة القديمة، والمنصة الجديدة الى اليمين. ولاحظوا منفذ العادم. فمن هنا تنبعث نيران المحرك. اما فتحة العادم لمنصة الاختبار الى اليمين فهي أطول من تلك الى اليسار بخمسة أضعاف، وتلك الى اليساراستخدمت لصواريخ قصيرة المدى. اما المنصة الى اليمين فالهدف منها كما هو واضح هو اختبار صواريخ بعيدة المدى يمكن ان تنطلق الى بعد 1200 كيلومتر.

وهذه الصورة التقطت في أبريل (نيسان) .2002 ومنذ ذلك التاريخ، انتهى العمل على منصة الاختبار وتم وضع سقف فوقها لكي يكون من الصعب على الاقمار الصناعية ان ترى ما يدور داخل المنصة.

ونية صدام حسين لم تتبدل. فهو لا يطور الصواريخ للدفاع الذاتي، بل انها صواريخ يريدها كي يضخم قوته، وكي يهدد، وكي يطلق رؤوسا حربية كيماوية وبيولوجية ـ واذا سمحنا له ـ نووية.

والآن الى العربات الجوية التي تسيّر بدون طيار. لقد كان العراق يعمل على مجموعة من هذه لمدة تزيد على عقد. وهذا يبين ما سيكون شكل العربة الجوية التي تسير بلا طيار. وقد انطوى هذا المجهود على محاولات لتعديل طائرات من طراز ميغ ـ 21كي تسير بلا طيار، وبنجاح أكبر، طائرة من طراز لـ29. لكن العراق يركز نشاطه حاليا على هذه الطائرات بل على تطوير واختبار عربات جوية بلا طيار أصغر حجما، مثل تلك.

وهذه العربات الجوية مناسبة لنشر اسلحة كيماوية وبيولوجية. وهناك أدلة وافرة على ان العراق كرس جهودا كبيرة لتطوير واختبار وسائل رش، وقد كيفت هذه لتركب في العربات الجوية المذكورة. وفي القليل الذي ذكره صدام لنا عن هذه العربات فانه لم يقل الحقيقة.

واحدى الأكاذيب كشفت عنها، بصورة حية ولا جدال فيها، معلومات استخباراتية جمعناها يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي. فاستنادا لإعلان العراق حول الأسلحة بتاريخ 7/12 الماضي فان لدى عرباته الجوية التي تعمل بدون طيار نطاقا يبلغ كيلومترا فقط الا اننا اكتشفنا احدى احدث هذه العربات في طيران اختباري سارت فيه الطائرة مسافة 500 كيلومتر بدون توقف بواسطة طيار ذاتي قي نمط شبيه بنمط استاد سباق الخيل كما هو مبين هنا. وهذا الاختبار لا يفوق فقط مسافة الـ150 كيلومترا التي تسمح بها الأمم المتحدة، بل انه حذف من معلومة مهمة من الإعلان العراقي بتاريخ 7/12 الماضي. وقد سيرت هذه العربة الجوية بصورة دائرية مرارا وتكرارا ولهذا فان الحد الأقصى لـ80 كيلومترا هو فعلا 500 كيلومتر. وقد سيرت بدون اعادة تزويدها بالوقود وبواسطة طيار ذاتي، بشكل يخرق كل الالتزامات وفقا للقرار 1441.

ان الصلات بين برنامج العراق للعربات الجوية التي تسير بلا طيار وعناصر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية على مدى السنوات العشر الماضية هي مدعاة للقلق البالغ. فبامكان العراق ان يسخر هذه العربات الجوية الصغيرة الحجم التي يمتد جناحها بضعة امتار فقط لاطلاق مواد بيولوجية على جيرانه، واذا تم نقلها، الى بلدان أخرى بما فيها الولايات المتحدة.

أيها الأصدقاء، ان المعلومات التي عرضتها عليكم عن هذه الاسلحة الرهيبة وعن استمرار العراق في ضرب التزاماته عرض الحائط، التزامات نص عليها قرار مجلس الأمن 1441، هذه المعلومات متصلة بموضوع اود الآن أن اصرف بعض الوقت عليه. وهو يتعلق بالإرهاب. ان مثار قلقنا لا يتعلق بمجرد هذه الاسلحة غير المشروعة بل بالطريقة التي يمكن لهذه الاسلحة غير المشروعة ان ترتبط بالإرهابيين وبمنظمات إرهابية التي لا وازع لديها باستخدام مثل هذه الأدوات ضد أناس ابرياء حول العالم. فالعراق والإرهاب يعودان الى عقود في الماضي. وبغداد تقوم بتدريب اعضاء «جبهة التحرير الفلسطينية» على اسلحة خفيفة ومتفجرات. كما يستخدم صدام هذه الجبهة لتحويل اموال الى عائلات المفجرين الانتحاريين الفلسطينيين لغرض اطالة الانتفاضة. ولا سر في ان اجهزة استخبارات صدام الخاصة تورطت في عشرات الاعتداءات او محاولات اغتيال في التسعينات.

لكن ما أود أن ألفت انتباهكم اليه هذا اليوم هو الصلة التي يحتمل ان تكون شريرة أكثر بين العراق وتنظيم «القاعدة» الإرهابي، وهي صلة تجمع تنظيمات ارهابية كلاسيكية واساليب قتل عصرية. العراق يؤوي حاليا شبكة ارهابية مميتة يرأسها ابو مصعب الزرقاوي، وهو أحد أتباع أسامة بن لادن ومساعديه في القاعدة.

والزرقاوي فلسطيني من مواليد الأردن، قاتل في الحرب الأفغانية قبل أكثر من عقد من الزمن. وبعد عودته الى أفغانستان في عام 2000 أشرف على معسكر تدريب إرهابي. وكان احد اختصاصاته، وأحد اختصاصات المعسكر، السموم. وحينما أطاح تحالفنا طالبان ساعدت شبكة الزرقاوي في تأسيس معسكر تدريب آخر على السموم والمتفجرات. وهذا المعسكر يقع في شمال شرق العراق وترون صورة له هنا.

وهذه الشبكة تقوم بتلقين متدربيها على كيفية انتاج سم «الريسين» وغيره من سموم. ودعوني أذكركم كيف يعمل سم ريسين. فأقل من قبصة - تخيلوا قبصة من الملح ـ أقل من قبصة ريسين، اذا تناولتم هذه الكمية الضئيلة في طعامكم فانها ستسبب صدمة ويستتبعها فشل في الدورة الدموية وتأتي الوفاة في غضون 72 ساعة، ولا توجد مضادات حيوية له ولا علاج. انه (سم) قاتل.

وهؤلاء المكلفون بادارة المعسكر هم مساعدون للزرقاوي ويعملون في مناطق كردية في شمال العراق خارجة عن سيطرة صدام حسين، الا أن لدى بغداد عميلا على أعلى مستوى في هذه المنظمة الراديكالية التي تدعى «أنصار» الإسلام التي تسيطر على هذه الزاوية من العراق. وفي عام 2000 وفر هذا العميل ملاذا آمنا لـ«لقاعدة» في المنطقة. وبعد ان كنسنا «القاعدة» من أفغانستان، قبل بعض أعضائها هذا الملاذ الآمن حيث ما زالوا هناك حاليا.

ولا تقتصر نشاطات الزرقاوي على هذه الزاوية الصغيرة من شمال شرق العراق. فقد توجه إلى بغداد في مايو (ايار) 2002 من أجل معالجة طبية، وبقي في العاصمة العراقية مدة شهرين. وخلال هذه الإقامة قدم إلى بغداد زهاء 24 متطرفا وأنشاوا لهم قاعدة عمليات هناك. ويقوم الآن هؤلاء الأشخاص المنتسبون إلى «القاعدة» والعاملون في بغداد بتنسيق تحرك الأشخاص، والأموال والإمدادات إلى العراق وعبره من أجل شبكته، وهم يعملون الآن بحرية في العاصمة منذ أكثرمن ثمانية أشهر. وينفي المسؤولون العراقيون اتهامات العلاقة مع «القاعدة». وهذه الاتهامات هي ببساطة غير ذات مصداقية. ففي العام الماضي تفاخر عضو في «القاعدة» بالقول إن الوضع في العراق «جيد» وأن بغداد يمكن المرور بها بسرعة. ونحن نعلم ان هؤلاء الأعضاء على صلة بالزرقاوي لأنهم يبقون، كل يوم، على اتصال منتظم مع مرؤوسيه المباشرين، بمن فيهم متآمرو خلايا السم. وهم ضالعون في نقل ما هو أكثر من الأموال والمواد. ففي العام الماضي اعتقل اثنان من الأشخاص المشتبه في انتمائهم إلى «القاعدة» أثناء عبورهما الحدود من العراق إلى المملكة العربية السعودية. وكانوا على صلة بشركاء في خلية بغداد، وتلقى أحدهما تدريبا في أفغانستان على كيفية استعمال «السيانيد».

ويستطيع الزرقاوي من خليته في العراق أن يدير شبكته في الشرق الأوسط وما وراءه. ونحن في الولايات المتحدة، جميعنا في وزارة الخارجية، وفي وكالة التنمية الدولية، فقدنا صديقا عزيزا باغتيال السيد لورانس فولي بدم بارد في عمان، الأردن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

إن عملا حقيرا ارتكب ذلك اليوم: اغتيال فرد مهمته الوحيدة كانت مساعدة شعب الأردن. ويقول القاتل الذي تم القبض عليه إن خليته تلقت مالا وأسلحة من الزرقاوي من أجل تلك الغاية. وبعد الاغتيال غادر شريك للقاتل الاردن متوجها إلى العراق للحصول على أسلحة ومتفجرات من أجل مزيد من العمليات.

ويحتج المسؤولون العراقيون قائلين إنهم لا يعلمون شيئا عن مكان وجود الزرقاوي أو أي من رفاقه. ومرة أخرى أقول إن هذه الاحتجاجات ليست ذات مصداقية. إننا نعلم عن نشاطات الزرقاوي في بغداد. وقد وصفتها في وقت سابق. والآن، اسمحوا لي أن أضيف حقيقة أخرى. لقد طلبنا من جهاز أمني صديق أن يتصل ببغداد بشأن إبعاد الزرقاوي وتوفير معلومات عنه وعن شركائه المقربين. وقد اتصل هذا الجهاز بالمسؤولين العراقيين مرتين، ونقلنا معلومات كان من شأنها أن تجعل من السهل إيجاد الزرقاوي. وما زالت الشبكة في بغداد، وما زال الزرقاوي طليقا في تحركاته.

وكما يعلم زملائي حول هذه الطاولة وكما يعلم المواطنون الذين يمثلونهم في أوروبا، فإن إرهاب الزرقاوي لا يقتصر على الشرق الأوسط. فقد تآمر الزرقاوي وشبكته للقيام بأعمال إرهابية ضد دول بما فيها فرنسا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وألمانيا وروسيا. وحسبما يقول معتقلون، جنّد أبو عطية، الذي تخرج من مخيم الزرقاوي الارهابي في أفغانستان، تسعة متطرفين على الأقل من شمال أفريقيا عام 2001 للذهاب إلى أوروبا والقيام بهجمات بالسموم والمتفجرات. ومنذ العام الماضي تم اعتقال أعضاء في هذه الشبكة في فرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وايطاليا. وحسب آخر إحصاء لنا، فقد تم اعتقال 116 عضوا عاملا في هذه الشبكة الارهابية. ويظهر المخطط الذي أمامكم الشبكة العاملة في أوروبا.

إننا نعلم بأمر هذه الشبكة الإرهابية، ونعلم بصلتها بالزرقاوي لأن الشخص المعتقل الذي قدم المعلومات عن الأهداف، قدم أيضا أسماء أعضاء الشبكة. وقد اعتقل ثلاثة من هؤلاء الذين عرّفهم بالاسم في فرنسا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وعثرت السلطات في شقق الإرهابيين على أدوات تفجير أسلحة وقائمة بعناصر صنع سموم. ويقول المعتقل الذي ساعد على الربط بين هذه الأمور إن المؤامرة استهدفت أيضا بريطانيا. وقد أثبتت الأدلة مرة أخرى في ما بعد أنه كان مصيبا. فعندما كشف البريطانيون عن خلية هناك الشهر الماضي، اغتيل ضابط بريطاني أثناء عملية هدم الخلية. ونحن نعلم أيضا أن رفاق الزرقاوي كانوا ناشطين في بانكيسي جورج في جورجيا، وفي الشيشان بروسيا. والتآمر الذي هم على صلة به ليس قضية ثرثرة كلامية. فأعضاء شبكة الزرقاوي يقولون إن هدفهم هو قتل الروس بالمواد السامة.

ولا يدهشنا أن يقدم صدام حسين المأوى للزرقاوي ومساعديه. ويقوم فهمنا لهذا على خبرة تمتد عقوداً بالنسبة للروابط بين العراق و«القاعدة». وقد أبلغنا مصدر من «القاعدة» أنه حتى في عهد يعود إلى أوائل وأواسط التسعينات من القرن الماضي، حين كان أسامة بن لادن يتخذ من السودان مقراً له، توصل صدام وبن لادن إلى تفاهم بأن «القاعدة» لن تقوم بدعم أي نشاطات مناوئة لبغداد بعد ذلك. وكانت قد تمت إقامة الروابط عبر اتصالات سرية رفيعة المستوى قام بها جهاز المخابرات العراقي مع «القاعدة»... ونحن نعرف أن أعضاء من المنظمتين اجتمعوا مراراً والتقوا أكثر من ثماني مرات على أعلى المستويات منذ أوائل التسعينات. وقد أبلغنا ضابط في جهاز استخبارات أجنبي أن بن لادن اجتمع مع مسؤول رفيع المستوى في المخابرات العراقية في الخرطوم ثم اجتمع في ما بعد مع مدير دائرة الاستخبارات العراقية. وقد أصبح صدام أكثر اهتماماً حين شاهد هجمات القاعدة المروعة. وقد أخبرنا عضو محتجز من القاعدة أن صدام أصبح أكثر استعداداً لمساعدة القاعدة بعد تفجير سفارتينا في كينيا وتانزانيا. كما أن صدام تأثر بهجوم القاعدة على السفينة «يو إس إس كول» في اليمن في شهر اكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000.

وقد استمر العراقيون في زيارة بن لادن في موطنه الجديد في أفغانستان. ويقول منشق رفيع المستوى، وهو أحد كبار المسؤولين السابقين في جهاز الاستخبارات العراقي في أوروبا، إن صدام أرسل عملاءه إلى أفغانستان في وقت ما في أواسط التسعينات لتقديم التدريب لأفراد «القاعدة» في كيفية تزوير الوثائق. وقد لعبت السفارة العراقية في باكستان، في الفترة الممتدة من أواخر التسعينات وحتى عام 2001، دور حلقة الوصل مع تنظيم «القاعدة». ويعتقد البعض، يدعي البعض أن هذه الاتصالات لا ترقى إلى أمر مهم. ويقولون إن طغيان صدام العلماني وطغيان «القاعدة» الديني لا يجتمعان. ولكن هذه الفكرة لا تبعث على الارتياح في نفسي. فالطموح والكراهية يكفيان للجمع بين «القاعدة» والعراق، ويكفيان لأن يتمكن تنظيم «القاعدة» من تعلم كيفية صنع قنابل أكثر تطوراً وكيفية تزوير الوثائق; ويكفيان لأن يتوجه تنظيم «القاعدة» إلى العراق طلباً للمساعدة في الحصول على المعرفة في (مجال) أسلحة الدمار الشامل. وسجل صدام حسين الخاص بتعاونه مع منظمات إرهابية إسلامية أخرى واضح. فقد افتتحت منظمة «حماس»، على سبيل المثال، مكتباً لها في بغداد في عام 1999، كما استضاف العراق مؤتمرات حضرتها منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. وهاتان المجموعتان هما في طليعة المجموعات التي تقوم برعاية الهجمات الانتحارية ضد إسرائيل. وما زالت لدى تنظيم «القاعدة» رغبة عميقة في الحصول على أسلحة الدمار الشامل. وأستطيع، كما فعلت في قصة الزرقاوي وشبكته، أن أرسم لكم تطورات قصة عميل إرهابي رفيع المستوى وإخباره «إيانا» كيف أمن العراق التدريب على هذه الأسلحة لتنظيم «القاعدة». وقد أصبح هذا العميل الآن، لحسن الحظ، محتجزاً وروى قصته. وسوف أرويها لكم الآن كما وصفها هو نفسه:

كان هذا الإرهابي الرفيع المستوى في تنظيم «القاعدة» مسؤولاً عن أحد معسكرات التدريب التابعة للتنظيم في أفغانستان. ومعلوماته منبثقة من تجاربه هو نفسه ومن مشاركته الشخصية في المستويات العليا في «القاعدة». وهو يقول إن بن لادن وأرفع نوابه في أفغانستان، قائد القاعدة المتوفى محمد عاطف، لم يكونا يعتقدان أن لدى مختبرات «القاعدة» في أفغانستان مقدرة كافية لصنع عوامل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هذه. وكان عليهما التوجه إلى مكان آخر; كان عليهما البحث عن المساعدة خارج أفغانستان. فإلى أين توجها، وأين بحثا؟ لقد توجها إلى العراق. ويتضمن الدعم الذي وصفه الحسيني تقديم العراق تدريباً على الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية لاثنين من أتباع «القاعدة» ابتداء من شهر ديسمبر (كانون الاول) من عام 2000. وقال إن ناشطاً يعرف باسم أبو عبد الله العراقي أُرسل إلى العراق عدة مرات في الفترة الممتدة من عام 1997 وحتى عام 2000 للمساعدة في الحصول على سموم وغازات. وقد وصف عبد الله العراقي العلاقة التي أقامها مع المسؤولين العراقيين بأنها كانت «ناجحة». وكما قلت في مستهل كلمتي، ينبغي ألا يشكل أي من هذه الأمور مفاجأة لأي منا. فقد شكل الإرهاب أداة استخدمها صدام طوال عقود. وقد كان صدام مؤيداً للإرهاب قبل زمن طويل من معرفة هذه الشبكات الإرهابية بأسمائها، وما زال هذا الدعم مستمرا. إن الرابطة بين السموم والإرهاب جديدة. إن الرابطة بين العراق والإرهاب قديمة. وإن الدمج بينهما مهلك. وفي ضوء هذا السجل التاريخي فان ما نفاه العراق عن دعمه للإرهاب هو في مصاف نفيه عن اسلحة الدمار الشامل. كل ذلك (الإنكار) هو بمثابة شبكة أكاذيب. وحينما نتصدى لنظام يحتفظ بمطامع بالهيمنة الاقليمية، ويخفي اسلحة دمار شامل، ويوفر ملاذا ودعما فعالا للإرهابيين، فاننا لا نتصدى للماضي بل للحاضر، وما لم نتصرف، فاننا سنواجه مستقبلا أكثر ترويعا.

أيها الأصدقاء، لقد كان هذا عرضا مطولا ومفصلا. وأنا اشكركم لما ابديتموه من صبر. لكن ثمة موضوعا واحدا آخر أود ان اتطرق اليه بايجاز وهو موضوع لا بد انه يستأثر باهتمام المجلس المعمق والمستمر وهو انتهاكات صدام حسين لحقوق الإنسان. وفي اساس كل ما ذكرته، وكل الحقائق وانماط السلوك التي حددتها، احتقار صدام لارادة هذا المجلس، واحتقاره للحقيقة، وما هو أشد إدانة له ازدراؤه لأرواح الناس.

ان استخدام صدام حسين لغاز الخردل وغاز الأعصاب ضد الأكراد عام 1988كان من أفظع الأعمال الوحشية في القرن العشرين. فقد زهقت ارواح خمسة آلاف رجل وامرأة وطفل، وشملت حملته ضد الأكراد من 1987 الى 1989 اعدامات جماعية سريعة، وحالات اختفاء، وسجنا تعسفيا، وحالات تطهير إثني، وتدمير حوالي الفي قرية. كما قام بتطهير اثني ضد العراقيين الشيعة وعرب الأهوار الذين ازدهرت ثقافتهم طوال أكثر من ألف سنة.

إن دولة صدام حسين البوليسية تقضي بلا رحمة على أي شخص يتجرأ على الاعتراض. ففي العراق حالات من الاختفاء الجبري للأشخاص أكثر من أي دولة أخرى في العالم. عشرات الآلاف من الأشخاص اختفوا خلال العقد الماضي. لا شيء يشير بوضوح إلى نوايا صدام حسين الخطرة والتهديد الذي يشكله لنا جميعا أكثر من قسوته تجاه مواطنيه وجيرانه. ومن الواضح أن صدام حسين ونظامه لن يقفا عند شيء إلى أن يوقفهما شيء.

على مدى عشرين عاما، سعى صدام حسين، بالأفعال والأقوال، وراء تحقيق طموحه للسيطرة على العراق والشرق الأوسط الأوسع، مستخدما الوسيلة الوحيدة التي يعرفها ـ تخويف، وإكراه وإبادة الأشخاص الذين يمكن أن يقفوا في طريقه. وبالنسبة إلى صدام حسين، فإن امتلاك أكثر أسلحة العالم فتكا هو الورقة الرابحة العظيمة، التي يجب أن يحصل عليها كي يحقق طموحاته. ونحن نعلم ان صدام حسين مصمم على الاحتفاظ بأسلحة الدمار الشامل التي في حوزته. وهو مصمم على صنع المزيد. ونظرا إلى تاريخ صدام حسين من العدوان، ونظرا إلى ما نعرفه عن خططه الكبيرة الحمقاء، ونظرا إلى ما نعرفه عن صلاته الإرهابية، ونظرا إلى تصميمه على الانتقام من أولئك الذين يعارضونه، هل ينبغي علينا بأنه نخاطر بإنه سوف لن يستخدم يوما ما هذه الأسلحة في مكان وزمان يختارهما هو، في وقت يكون فيه العالم بوضع أضعف كثيرا للقيام برد؟ إن الولايات المتحدة لن تقوم بتلك المخاطرة تجاه الشعب الأميركي ولا تستطيع أن تفعل ذلك. إن ترك صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل لأشهر أو سنوات قليلة أخرى ليس خيارا، ليس في عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول).

زملائي، قبل ثلاثة أشهر اعترف هذا المجلس بأن صدام حسين يستمر في تشكيل خطر على السلام والأمن الدوليين، وأن العراق كان ولا يزال يخرق التزاماته بنزع أسلحته. ويشكل العراق اليوم تهديدا، والعراق ما زال في حالة خرق مادي. والحقيقة، أن العراق بإخفاقه في انتهاز فرصته الوحيدة الأخيرة للخروج نظيفا ونزع أسلحته، وضع نفسه في حالة خرق مادي أعمق وأقرب إلى اليوم الذي سيواجه فيه تبعات خطيرة لتحديه المستمر لهذا المجلس.

زملائي، لدينا التزام تجاه مواطنينا، ولدينا التزام تجاه هذه الهيئة أن نرى بأن قراراتنا يجري الامتثال لها. لقد صغنا القرار 1441 ليس لكي نذهب إلى الحرب; صغنا القرار 1441 لكي نحاول المحافظة على السلام. وصغنا القرار 1441 لكي نعطي العراق فرصة واحدة أخيرة. والعراق حتى الآن لم ينتهز تلك الفرصة الوحيدة الأخيرة. فعلينا ألا نتخلف عن القيام بواجبنا وبمسؤوليتنا تجاه مواطني بلادنا الممثلين بهذه الهيئة.

وشكرا، حضرة الرئيس.