سور دمشق وأبوابها السبعة استخدمت في السابق لصد الغزاة ولاستقبال ضيوف الخلفاء والأمراء وتستثمر حاليا سياحيا حيث تجذب السياح والمهتمين بالآثار

TT

تشتهر مدينة دمشق عاصمة سورية، بالعديد من الأوابد والمواقع الأثرية المهمة، التي تدل على تاريخها العريق وتراكم الحضارات المتعاقبة عليها. ومن أبرز آثار دمشق المتبقية حتى الآن، أبوابها وسورها. إذ تعرف دمشق بأنها مدينة الأبواب السبعة، فهي تضم سبعة أبواب أثرية ما زال بعضها قائماً بشكله المكتمل بعد أن أجريت عليه ترميمات عديدة في عصور متلاحقة. وهناك جزء من السور ما زال قائماً وهو الممتد ما بين باب السلام وباب توما، بينما تعرضت الأجزاء الأخرى منه للهدم في العهود السابقة، وتجري باستمرار أعمال ترميم وإصلاح في هذا السور وفي الأبواب السبعة.

* سور دمشق

* نشأ هذا السور منذ كانت دمشق بين أيدي اليونان والرومان، وكان الرومان قد أقاموه لتحصين المدينة جرياً على عادتهم في تحصين المدن، وكان يومئذ مستطيلا (1500م x 750م)، لأن المدينة كانت تتسع وتمتد بشكل هندسي منتظم. وكان سور المدينة يضم يومئذ ارضا مساحتها 105 هكتارات، وكانت جوانبه توازي الخطوط المستقيمة التي تخط الشوارع، فتنمو وتتسع حسبها، عدا جانبه الشمالي الذي كان يماشي نهر بردى، وهو خندق طبيعي لا يمكن تجاوزه. ظل السور على وضعه المتين حتى دخول العرب المسلمين دمشق سنة 14هـ، فحافظوا عليه طوال أيام الخلفاء الراشدين، وأيام بني أمية، وكان يحمي المدينة.

وعندما احتل العباسيون دمشق في 25 رمضان 132هـ/ 749م، قام عبد الله بن علي الذي دخل المدينة من الباب الشرقي في عهد الخليفة أبي العباس السفاح بتخريب السور ولم يترك منه سوى قطعة صغيرة تمتد بين باب توما وباب السلام (وهي القائمة حتى الآن). وظل السور مهملاً حتى أعيد بناؤه في عهد الدولة الاتابكية النورية أيام نور الدين محمود بن زنكي الملقب بـ «الشهيد»، الذي دخل دمشق سنة (549هـ/ 1154م)، ثم استكمل البناء بعد ذلك في العهد الأيوبي. ولقد عدّل نور الدين في بعض أبواب دمشق، وكان اهتمامه بالأبواب لغرضين: الغرض الحربي، حيث بنى فوق كل باب مسجداً ومنارة (مئذنة)، بغية مراقبة العدو من مكان مرتفع عند اقترابه من دمشق إبان الحملات الصليبية، اضافة إلى الأذان. والغرض الاقتصادي، وهو إقامة سوق صغير (باشورة) عند كل باب لتنشيط الحركة التجارية في المدينة».

* بناء السور

* ظل السور أيام المماليك قوياً، وكانوا يرمّمونه كلما اقتضى الأمر ترميمه لدوام الحاجة إليه، غير ان السور أخذ يتهدم ويزول منذ دخل العثمانيون سنة 922هـ دمشق، فقد كان من جراء إهمالهم، أن خربت أقسام من القلعة وظهرت فيها أقسام جديدة، وهدمت بعض أبواب السور، وهدم قسم كبير من السور نفسه، واقتحمت المساكن جدرانه الشاهقة، وقامت فوقها وأخذت حجارة منه ومن القلعة، وبنيت بها مبان أخرى. أما الخندق المحيط بالسور، فقد غص بالأتربة من أكثر جوانبه. وقد لاحظ تهدم السور وفقدانه في أكثر أقسامه، الكاتب الفرنسي بيار لوتي عند زيارته دمشق سنة 1894، أي زمن العثمانيين.

وأما بناء السور، فهو عمل ضخم، حيث يلاحظ في معظم أجزائه كلها حجارة ضخمة ارتفاعها 80 ـ 95سم، هي بقايا السور الروماني القديم، أو أخذت منه. أما المداميك التي تلي هذه الحجارة المنحوتة، وارتفاعها خمسون أو ستون سنتيمتراً، فهي من صنع نور الدين زنكي، وكذلك نجد فيه مداميك اصغر، ارتفاع الواحد منها عشرون أو ثلاثون سنتيمترا، وهي تدل على ترميمات المماليك.

قيس طول السور زمن الأيوبيين، فكان ستة آلاف ذراع، ويبلغ محيطه اليوم ما يقرب من 4500 متر. وأما ارتفاعه فيقدر اليوم في القطعة المسجلة منه، بثمانية أمتار وقد يبلغ العشرة. ويبلغ طول القسم المتبقي حالياً من السور، حوالي 500 متر، والسور فيه لا يزال قائماً قوياً، على الرغم من التصدع الذي أصابه، والسر في بقائه قيام النهر «عقربا» إلى جانبه، وهو خندق طبيعي.

* أبواب دمشق

* سور دمشق الذي بني أوائل القرن الثالث للميلاد، كان فيه سبعة أبواب رومانية، ثلاثة منها تجاه الشمال، وهي: باب توما، وباب السلام، ثم باب الفراديس (باب العمارة)، واثنان إلى الجنوب هما: باب كيسان والباب الصغير، ثم الباب الشرقي جهة الشرق، وباب الجابية إلى الغرب، ويمتد بينهما الشارع المستقيم (سوق مدحت باشا)، بطول 1500 متر. وقد عدل نور الدين زنكي بعضا من أبواب السور، فسدّ باب كيسان وفتح باب الفرَج، الذي جدده الملك الصالح أيوب سنة (639هـ / 1241م)، كذلك فتح باب النصر عند سوق الأروام (بداية سوق الحميدية من جهة شارع النصر)، وهدم هذا الباب سنة (1280هـ / 1863 ـ 1864م)، أيام الوالي محمد رشدي باشا الشرواني. أما باب الجنيق الواقع بين باب توما وباب السلام، فقد سدّ منذ عهد بعيد، وكان عنده كنيسة حوّلت إلى جامع صار بيوتاً للسكن فيما بعد!.

* باب شرقي

* وهو من أجمل وأضخم أبواب دمشق القائمة حتى الآن، ويقع هذا الباب في الجهة الشرقية من السور، وينتهي عند الشارع المستقيم. بني في العهد الروماني أوائل القرن الثالث للميلاد، ونزل عليه (خالد بن الوليد) عندما فتح دمشق سنة (14هـ/ 635م)، ومنه دخل عبد الله بن علي حين احتلها العباسيون سنة (132هـ/ 749م)، جدد الباب الشرقي في عهد نور الدين زنكي، كما جدد بناء المئذنة، ويتألف الباب من ثلاثة أبواب أكبرها الأوسط الذي سد، والباب الجنوبي، وبقي الشمالي الصغير مفتوحاً للمرور، إلى أن تم الكشف منذ عهد قريب عن الأجزاء التي كانت مختفية منه.

* باب كيسان

* يلي الباب الشرقي تجاه الجنوب قبالة (دوار المطار) في شارع ابن عساكر، وقد سدّ نور الدين زنكي هذا الباب وفتح باب الفرج، ثم أعيد فتحه في عهد المماليك سنة (765هـ/ 1363م)، كما كان بقربه مسجد جدّده نائب الشام سيف الدين منكلي بفا، وتشير اللوحة الأثرية عند هذا الباب أنه جدد في العهد العربي، وأدخلت عليه تعديلات عام 1925م، كما تذكر المراجع أن تسميته جاءت نسبة إلى كيسان، مولى الخليفة معاوية بن أبي سفيان، الذي أعتقه بعد نزوله على الباب إبّان فتح دمشق. وجاء عن ابن عساكر (أن أبواب دمشق كانت تنسب إلى الكواكب، وكان نصيب باب كيسان كوكب زحل)، ويذكر الدكتور المنجد، ان الباب صار مدخلاً لكنيسة القديس بولس (سانت بول)، التي شيدت عام 1939م، كما تروي المصادر التاريخية، ان هذه الكنيسة بنيت في المكان نفسه الذي تمّ فيه إنزال القديس بولس الرسول بسلة من فوق السور، فتمكن من الوصول إلى أوروبا ونشر المسيحية في إيطاليا واليونان وغيرهما.

* باب السلام

* يقع إلى الغرب من باب توما، وكان أصلاً باباً رومانياً أعاد نور الدين زنكي بناءه ثم تهدم فجدده الملك الصالح أيوب سنة (641هـ/ 1243م)، في العهد الأيوبي، وكان يسمى أيضاً (باب السلامة وباب الشريف)، كما كانت تعلوه مئذنة على غرار باب توما والباب الشرقي، وله ردفتان مصفحتان بالحديد. ذكر العلبي أن تسميته بباب السلامة، جاءت من صعوبة دخول الغزاة منه لكثرة الأشجار والأنهار في جهته، فبردى والعقرباني والداعياني تمر عنده عبر حي الدباغات، حيث مصانع الجلود، كما يورد العلاف عن ابن عساكر (وكان الذين يدخلون دمشق يدخلون منه للسلام على الخلفاء الأمويين).

* باب توما

* ويقع في الجهة الشمالية من سور دمشق، وهو في الأصل باب روماني نسب لأحد عظمائهم واسمه توما. وكانت عنده كنيسة حوّلت إلى مسجد في ما بعد، كما ارتفعت فوقه مئذنة على غرار مئذنة الباب الشرقي. وروي أن عمرو بن العاص نزل عليه يوم فتح دمشق، كما أورد ابن عساكر أن هذا الباب ينسب إلى كوكب الزهرة.

جدد الباب كبقية أبواب دمشق في العهد الأيوبي، ولتحصين المدينة إبان الحروب الصليبية، في ما بعد أزيل المسجد الذي كان عنده أثناء تنظيم المنطقة في بدايات الانتداب الفرنسي، وبقيت المئذنة إلى أن أزالها المهندس ايكوشار في الثلاثينات من هذا القرن قبيل الحرب العالمية الثانية بسنوات.

* الباب الصغير

* وهو باب المدينة الجنوبي، ارتفاعه 373 سم وعرضه 250 سم، وسمي بذلك لأنه كان اصغر ابواب دمشق، وهو باق إلى الآن، وهو الذي جدد زمن الأيوبيين، وقد نزل عليه يزيد بن أبي سفيان في حصار دمشق، ودخل منه تيمورلنك سنة 803، عندما أحرق دمشق. وفوق قوسه العربية، من الداخل، قوس أخرى، تحيط بالكتابات، وأمامه باشورة، وعلى بابه مسجد يسمى اليوم مسجد الباشورة.

* باب الجابية

* وينسب إلى قرية الجابية، لأن الخارج إليها كان يخرج منه، قوسه عربية، وبناؤه بالحجارة الضخمة، وكان ذا ثلاثة أبواب، بابان صغيران والأوسط كبير ضخم، وكان يمتد من الأبواب الثلاثة ثلاثة أسواق إلى الباب الشرقي، الأوسط وهو الكبير للناس وأحدهما لمن يشرق بوابته، والآخر لمن يغرب بها.

* باب الفراديس

* ويسمى اليوم باب العمارة، والفراديس هي البساتين، وهو باب مزدوج، الخارجي باب ضخم مستطيل بني بحجارة رومانية ضخمة قديمة، وعلى عتبته من الخارج كتابة طمست، وهو من أسوأ أبواب المدينة حالاً، فقد تفتتت أطراف عضادتيه وقوسه معلقة فوقه.

وهناك باب الفرج، ويقع في الجهة الشمالية، وكان قد أحدثه نور الدين زنكي وهو باب مزدوج وبجانب مسجد يسمى مسجد باب الفرج.