وثيقة أخرى عثر عليها في بغداد تكشف عن رفض صدام زيادة «مكافآت» النائب البريطاني غالاوي

المدعي العام البريطاني قد يأمر بفتح تحقيق في المسألة والنائب يلوح بالذهاب إلى القضاء

TT

لاتزال تداعيات قضية تلقي النائب البريطاني جورج غالاوي مئات الألوف من الجنيهات الاسترلينية من نظام بغداد المخلوع، تثير ضجة واسعة في بريطانيا. وعلى رغم نفي النائب و«شريكه» الاردني فواز عبد الله زريقات لهذه الاتهامات التي أوردتها صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية اول من امس، فقد نشرت الصحيفة أمس وثيقة جديدة تبين ان الرئيس المخلوع صدام حسين رفض الاستجابة الى طلب غالاوي للحصول على قسط اوفر من ارباح النفط العراقي. ولليوم الثاني على التوالي احتلت أنباء «القصة» المثيرة مكاناً بارزاً في الصحف البريطانية، فيما لوح السياسي الاسكتلندي برفع قضية ضد «ديلي تلغراف». وإذ تردد أن غالاوي قد يخضع لتحقيق رسمي حول كيفية صرفه أموال جمعية «قافلة مريم» الخيرية، فقد أشير الى ان حزب العمال يجري تحقيقاً مع النائب الاسكتلندي بشأن تهجمه على رئيس الوزراء وزعيم الحزب توني بلير. وفي اليوم الثاني لنشر صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية وثيقة استخباراتية عراقية تشير الى أن النائب العمالي الاسكتلندي قد قبض 375 الف جنيه استرليني سنوياً من بغداد إضافة الى تسهيلات وعقود تجارية شتى، افردت الصحيفة صفحاتها الست الاولى لتقارير حول غالاوي وعلاقته بنظام بغداد السابق. واستكمالاً لما جاء في الوثيقة السابقة، وهي حسب الصحيفة رسالة وجهها مسؤول في جهاز الاستخبارات للرئيس العراقي اشتملت على إشارة الى طلب النائب البريطاني قدراً اكبر من المال، أبرزت «ديلي تلغراف» امس وثيقة تحوي رداً لصدام رفض فيه تلبية رغبة غالاوي. وقالت الصحيفة إن الوثيقة الجديدة، شانها شان سابقتها، قد وجدت طريقها اليها بمحض الصدفة. وأوضحت ان مراسلها في بغداد ديفيد بلير عثر على الرسالة الجديدة في إحدى خزائن وزارة الخارجية العراقية التي تعرضت للسلب والنهب. بيد ان غالاوي استنكر الامر ووعد باتخاذ «أي إجراءات قضائية» قد تكون ضرورية للدفاع عن سمعته ضد الصحيفة. وكانت «ديلي تلغراف» نشرت اول من امس الرسالة التي قالت إن ضابطاً كبيراً في جهاز الاستخبارات العراقي قد ارسلها الى «رئاسة الجمهورية ـ السكرتير» في الثالث من يناير (كانون الثاني) عام 2000 لإبلاغه بما دار في اجتماع بين غالاوي ورجل أمن عراقي. ونقل المرسل المجهول عن غالاوي طلبه «زيادة حصته من النفط» و «منحه تسهيلات واستثناءات تجارية»، مؤكداً ان زريقات اخبره ان مشاريع النائب و«خططه المستقبلية لصالح القطر بحاجة الى تغطية مالية تكون دافعاً له لعمل المزيد». وقال المسؤول المجهول في رسالته إن غالاوي طلب مساعدات أكبر توفر له «دخلاً مالياً تحت غطاء تجاري ومن دون ان تكون على علاقة مباشرة به».

واضاف المسؤول السابق، حسب صحيفة «ديلي تلغراف»، إن النائب البريطاني اشار الى ضرورة أن يقوم وكيله فواز عبد الله زريقات ـ بالتعاون مع زوجة غالاوي الفلسطينية الاصل الدكتورة امينة أبو زياد ـ بالتداول بكافة الامور المالية والتجارية في العراق بالنيابة عنه «مشدداً على أن اسم غالاوي ينبغي الا يُذكر لاحقاً». ونشرت الصحيفة البريطانية صورة رسالة رسمية وقعها النائب العمالي لإبلاغ «كل من يهمه الامر» بان زريقات هو «ممثلي» في العراق بكل ما يتعلق بجمعية «مريم» او «لجنة الطوارئ في العراق».

وتابع ضابط الامن العراقي المزعوم في رسالته الى صدام قائلاً عن غالاوي انه «يخطط حالياً لتنظيم زيارات وفود رياضية وثقافية عراقية الى بريطانيا وللبدء في بث برامج في مصلحة العراق وليحدد (موقع) إيراك اون لاين على شبكة الانترنت ولحشد شخصيات بريطانية لتأييد الموقف العراقي».

واضاف المسؤول ان النائب يحتاج الى مبالغ اكبر «لان الدعم الذي يقدمه (شيخ عربي قالت الصحيفة إن اسمه غير واضح) محدود ومتغير لانه يعتمد على مزاجه الشخصي والتبدلات الاقتصادية والسياسية. ولذلك فإنه (غالاوي) يحتاج الى دعم مادي متواصل من العراق». وزاد إن النائب العمالي البريطاني قد حصل عبر نائب رئيس الوزراء طارق عزيز على مساعدة قدرتها صحيفة «ديلي تلغراف» بـ375 الف جنيه سنوياً. إذ تقول الرسالة ذاتها، غالاوي تلقى كل ستة اشهر ثلاثة ملايين برميل نفط، كانت حصته من ارباحها بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء تتراوح بين 10 و15 سنتاً على البرميل الواحد. وحسبت الصحيفة ارباح غالاوي السنوية من هذه «المنحة» بـ375 الف جنيه استرليني سنوياً. وذكرت الرسالة ان النائب البريطاني تلقى إضافة الى هذه الارباح النفطية عدداً من العقود التجارية كانت نسبة ارباحه منها لاتزيد عن واحد بالمئة.

وجاء في الرسالة نفسها ان غالاوي قد اقام «شراكة» مع تاجر نفط عراقي قالت الصحيفة إنه «برهان محمود الجلبي» كي «يوقع على عقود نفط محددة بالاتفاق مع ممثله (غالاوي) فواز (زريقات)». ووصف الجلبي، وهو رجل اعمال عراقي مقيم في بريطانيا بان له «تجربة كبيرة في تجارة النفط» كما أنه يحمل مشاعر حب عميق للعراق وقد ساهم مادياً لمساعدة «حملات نظمت في بريطانيا لمصلحة البلاد، إضافة الى أن السيد مظفر الامين (القائم بالاعمال العراقي السابق في لندن) قد زكاه». والرسالة «الجديدة» التي تحمل عبارة «سري وشخصي» مؤرخة بتاريخ 2 مايو (آيار) 2000 ـ اي بعد حوالي ستة اشهر من توجيه الرسالة الاولى لصدام. وقد مهر سكرتير الرئيس المخلوع الفريق الدكتور عبد حميد الخطاب بتوقيعه الكتاب المتعلق بـ«قافلة مريم» و الموجه الى عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، و طه ياسين رمضان نائب الرئيس، وطارق عزيز نائب رئيس مجلس الوزراء، و علي حسن المجيد عضو قيادة مجلس الثورة. وجاء فيه إن صدام أمر بان «تدرس (الرسالة الاولى) من قبل اللجنة الرباعية ووزير الخارجية. إلا ان مبدأ أن من يقوم بمبادرة في إظهار الحق حتى ولو على الطريقة الغربية يقتضي دعماً استثنائياً سيرهق كاهلنا ولا اعتقد باننا قادرون على ان نوفي بذلك إذا ما اعتمدناه في سياستنا».

غير ان غالاوي أكد انه لم يقبض اي اموال من النظام العراقي كما لم يطلب اي مساعدات لقاء نشاطاته الرامية الى رفع العقوبات. وقال عن الوثيقة الاولى «ربما كانت من نتاج المزورين أنفسهم الذي زوروا أشياء كثيرة جداً في الصورة العراقية ذاتها. ربما قامت (صحيفة) ديلي تلغراف بتزويرها». إلا ان الصحيفة ذكرت امس ان اشخاصاً وردت اسماؤهم في وثائق أخرى وجدها مراسلها في خزائن الخارجية العراقية ذاتها، لم يشككوا بصحة هذه الوثائق. ونسبت الى الفيكونت جون اندرسون ويفيرلي وهو وزير سابق وعضو مستقل في مجلس اللوردات البريطاني، قوله «ليس لدي من سبب كي أشكك بهذه الاوراق». ويشار الى ان «هذه الاوراق» تضمنت مراسلات بينه وبين دبلوماسيين عراقيين حول ترتيبات زيارة كان يعتزم القيام بها الى بلادهم عام .2000 وفي هذه الاثناء، خرجت صحيفة «التايمز» البريطانية امس بنبأ مفاده ان المدعي العام البريطاني اللورد غولد سميث يدرس إمكانة فتح تحقيق مع غالاوي بشان استعماله أموال جمعية «قافلة مريم». وأعربت الصحيفة التي كانت اتهمت النائب العمالي بالتصرف باموال الجمعية الخيرية التي اسسها عام 1998 لمساعدة اطفال العراق، عن اعتقادها ان المدعي العام قد اصدر سلفاً تعليمات بجمع معلومات حول تلك الاتهامات التي أوردتها «التايمز» في تحقيق نشر قبل اسابيع. ونقلت عن متحدث باسم المدعي العام قوله «إننا نتحدث حالياً الى لجنة الجمعيات الخيرية حول ما إذا كان من الضروري اتخاذ اي اجراءات جديدة» بشان الموضوع. غير انه أوضح ان من السابق لاوانه الحديث عن طبيعة هذه الاجراءات او عما إذا كانت ستتخذ فعلاً. ويذكر ان التقرير الذي نشرته «التايمز» اتهم غالاوي بتغطية تكاليف رحلات قام بها بين سبتمبر (أيلول) 1999 و يناير (كانون الثاني) 2002 الى 15 دولة منها الاردن والامارات العربية المتحدة ولبنان والمجر وبلجيكا ونيويورك ورومانيا، وذلك من أموال جمعية «قافلة مريم». وإذ شدد غالاوي على أن أموال الجمعية ذهبت بكاملها لإعانة أطفال العراق، فقد اعتبرت «التايمز» ان الجمعية اصبحت قاعدة لحملة ضد العقوبات المفروضة على العراق ولمناهضة إسرائيل دفاعاً عن الانتفاضة الفلسطينية.

وعلى الصعيد نفسه، وصف إيان مكارتني، وهو رئيس حزب العمال الحاكم وعضو مجلس الوزراء البريطاني، الاتهامات الموجهة الى غالاوي بانها «خطيرة للغاية». بيد ان المسؤول اعتذر عن عدم الخوض في التفاصيل باعتبار ان المحاكم قد تنظر في الامر. وافادت صحيفة «التايمز» أن النائب يخضع سلفاً الى تحقيق حزبي بسبب تصريحات ادلى بها خلال مقابلة مع فضائية ابو ظبي قبل اسابيع، ووصف فيها الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء توني بلير بانهما «ذئبان» يهاجمان العراق. ووصف الجنود البريطانيين والاميركيين في المقابلة ذاتها بانهم «اسود» تقودها «حمير». ويُذكر ان تقارير اشارت قبل عاصفة الاتهامات الحالية بايام الى ان الحزب على وشك اتخاذ إجراءات تاديبية بحق النائب الاسكتلندي، الذي اعتبر بلير تصريحه لتلفزيون أبو ظبي بانه «مشين».

واشارت صحف بريطانية الى احتمال تجريد غالاوي من مقعده البرلماني مع نهاية الدورة الحالية بين 2005 و.2006 ومع ان النائب الذي يمثل منطقة كيلفين بغلاسغو منذ سنوات قد احتفظ عام 2001 بمعقده باغلبية ضخمة تزيد عن سبعة آلاف صوت، معروف ان عدد النواب الاسكتلنديين في مجلس العموم البريطاني سيُخفض من 72 الى 59 نائباً. ولذلك سيصار الى دمج دوائر انتخابية مع بعضها البعض، مما سيؤدي الى فقدان بعض النواب دوائرهم. ويعتقد ان غالاوي من اقوى المرشحين للخروج من البرلمان بموجب سياسة الدمج. وكانت انباء ترددت قبل الانتخابات الماضية عن محاولات لإبعاد غالاوي عن البرلمان البريطاني، بيد أنه نجح في الاحتفاظ بمقعده. ومع ان رئيس المنظمة الحزبية في كيلفين، وهو عادة قادر على لعب دور اساسي في دعم المرشح البرلماني، اكد على استمراره بتاييد غالاوي، فالارجح ان النائب سيواجه تحديات كثيرة للبقاء في البرلمان. غير انه اكد عزمه على الدفاع عن مقعده كمستقل إذا قرر الحزب معاقبته والتخلي عنه.