* نقوش وكتابات ورسوم لحيوانات تعطي دلالة عن أهمية الدوادمي تاريخيا .
* قصر الملك عبد العزيز أبرز معالم المحافظة حالياً وهضبة جبلة شهدت حروب العرب رغم جمالها.
* سلطت الأضواء قبل أيام على محافظة الدوادمي وسط السعودية بعد أن تم تدشين أحدث مطار سعودي فيها وهو المطار الذي حمل اسم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، ويعتبر المطار السابع والعشرين في منظومة المطارات المدنية السعودية.
بدر الخريف، من مكتب الرياض زار الدوادمي ورصد أبرز مظاهر المحافظة التي اشتهرت منذ القدم بتراثها الجيولوجي المتمثل في صخورها الغرانيتية الصلبة التي تكثر فيها المعادن الفكرية المختلفة، إضافة إلى آثارها التاريخية ومعالمها الأثرية اللافتة التي حظيت باهتمام المؤرخين والآثاريين قديما وحديثا.
على بعد 330 كيلومترا غرب العاصمة السعودية تقع مدينة الدوادمي التي لم تذكر كتب المعاجم الجغرافية أسباب تسميتها بهذا الاسم، الا أن الشيخ حمد الجاسر علامة الجزيرة العربية الراحل ألمح إلى أن تسميتها بهذا الاسم ناتجة عن كثرة نوع من الشجر يسمى «الدوادم» الذي يُدبغ به، وقد تكون هذه التسمية بسبب كثرة أشجار السمر والطلح التي تشتهر بها المنطقة وهذه الأشجار تنتج مادة حمراء اللون كالدم.
ويبدو أن الدوادمي تعتبر من أقدم المستوطنات البشرية في وسط الجزيرة العربية إذ تحمل جبالها ووديانها آثاراً ونقوشاً ومخربشات وصوراً للإنسان وبعض الحيوانات، أبرزها صور باهتة لأسود بحجم كبير، تنتشر حولها مناجم للتعدين والركامات الحجرية. وقد أورد المؤرخون معلومات تشير إلى غنى المنطقة بالمعادن لدرجة أن احد المؤرخين ذكر أن ذهب المنطقة قد ساهم في رخص ثمنه في العراق والحجاز في زمن مضى.
وإذا ذكرت الدوادمي فلا بد من ذكر وادي مأسل الذي ورد في شعر الشاعر العربي الجاهلي امرؤ القيس وبالتحديد في معلقته المشهورة التي مطلعها: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنـزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل حيث ورد ذكر مأسل في قول الشاعر:
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل إذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بري القرنفل وقد أولى الباحثون عنايتهم بنقش مأسل الذي فُرِّغ على لوحتين حجريتين في واجهة وادي مأسل كتبا باللغة السبئية، كما تشتهر المنطقة بهضبة جبلة التي كانت من أيام العرب وشهدت حروبا ثمانية، أربعة قبل الإسلام ومثلها بعده، كما توجد بالمنطقة قرى وهضبات تحتضن آثاراً موغلة في القدم، وفي العصر الحاضر يعتبر قصر الملك عبد العزيز في الدوادمي الذي بني قبل 53 عاما أحد معالم المنطقة الأثرية.
وتشير المعلومات، التي توفرت لدى «الشرق الأوسط» أثناء زيارة الأمير سلطان بن عبد العزيز لمحافظة الدوادمي وتدشين مطارها الذي أطلق عليه اسم مطار الأمير سلمان بن عبد العزيز، الى أن بناء المدينة تم في منتصف القرن العاشر الهجري وان اغلب سكانها يمتهن الزراعة وتربية الماشية كما أن البعض من السكان امتهن التجارة.
وتبعد المحافظة عن الرياض حوالي 330 كيلومترا غربا وتضم حوالي 436 مدينة وقرية وهجرة وتعتبر من أكبر المحافظات في منطقة الرياض مساحة وسكانا. حيث تقدر مساحتها بحوالي 29 ألف كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 272 ألف نسمة، وتتوفر في المحافظة جميع الدوائر والمرافق الحكومية وقد تولى إمارتها خلال العقود السبعة الماضية أكثر من 26 أميرا، أولهم شعيل بن سالم السويد وآخرهم المحافظ الحالي محمد بن سعود الهلال.
* آثار الدوادمي
* ولعل أبرز آثار المحافظة التي تمثل أهمية تاريخية: قرية العيصان التي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة الدوادمي بنحو سبعة أكيال وتشير المصادر إلى أنها كانت قرية عامرة لبني نمير حتى القرن الثالث الهجري وموردا من موارد حاج حجر اليمامة وتعرف حاليا عند أهل الدوادمي باسم (السدرية) وهي الآن محاطة بسياج من قبل وكالة الآثار بوزارة المعارف. وتوجد خارج السياج بالقرب من زاويته الجنوبية أكمات صخرية تعرف باسم (صفية القران) نقشت عليها كتابات إسلامية معظمها بالخط الكوفي تحمل أدعية وأسماء لبعض الأشخاص، والقرية الأثرية تنتظر جهود وكالة الآثار لعمل الحفريات اللازمة لمعرفة تفاصيل تاريخها.
كما أن من أبرز المعالم الأثرية موضع سمرة التي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الدوادمي بنحو خمسة عشر كيلا، وتنتشر حول منجم التعدين المساكن والأدوات المستخدمة في التعدين كالمساحق والأرجاء وتبدو ماثلة للعيان أساسات بعض المباني ومصلى والكثير من الركامات الحجرية. ويرى الباحث الاثاري عبد الله الشايع أن سمرة هذه ماهي الا معدن الكوكبة لبني نمير، وقد ذكر الأصفهاني صاحب كتاب «بلاد العرب» أنها إنما سميت الكوكبة لأن رجلا مر فإذا هو بفضة شبه الكوكب فحفروها فانشعبوا فيها حتى كان يدخل فيها نحو من مائة رجل من مدخل واحد فينشعب كل واحد منهم في معمل لا يراه صاحبه، وتعرف سمرة عند أهالي الدوادمي باسم «الفقور».
وتمثل قرية أضاخ إحدى المعالم الأثرية وتقع في الجهة الشمالية من محافظة الدوادمي إلى الشمال الغربي من بلدة أضاخ الحالية بنحو ثلاثة أكيال وهي محاطة بسياج من قبل وكالة الآثار. وذكر ياقوت الحموي أنها من قرى اليمامة لبني نمير، أما الأصمعي فقال: «أضاخ سوق وبها بناء وجماعة ناس وهي معدن البرم، وكانت قرية عامرة ذات منبر حسب ما ورد في كتاب المناسك». وما تزال آثار القرية الباقية شاهدا على سعتها وتنتشر فيها حطامات الأواني الفخارية والزجاجية، ونتمنى أن تجد هذه القرية الاهتمام لكشف خباياها الأثرية التي ستساعد دون شك في إضافة الكثير لمعرفة تاريخها.
* قرية المعادن
* وتبرز قرية المعادن كإحدى المعالم اللافتة في المنطقة وتقع آثار هذه القرية في الجهة الشمالية الغربية من محافظة الدوادمي في جبل حليت وهي قرية ذات منبر وما تزال اساسات مسجدها ماثلة للعيان وتنتشر ركامات مبانيها في سهل قريب من المعدن، وقد ذكر أبو علي الهجري وهو يتكلم عن جبل حليت: «حليت جبل اسود في ارض الضباب بعد ما بين الطرفين كثير معادن التبر وكان به معدن يدعى النجادي كان لرجل من ولد سعد بن أبي وقاص يقال له نجاد بن موسى به سمي، ولم يعلم في الأرض معدن أكثر منه نيلا، لقد أثاروه والذهب غال بالآفاق كلها فأرخصوا الذهب بالعراق وبالحجاز وإلى الشمال الغربي منها مقبرة إسلامية فيها شاهد قبر يحمل اسم صاحبه عمر بن أسد».
* نقش مأسل
* أما نقش مأسل فقد أولاه الباحثون عنايتهم منذ أن تحدث عنه فلبي في النصف الثاني من القرن الرابع عشر. وهذا النقش فُرغ على لوحتين حجريتين في واجهة وادي مأسل كتبا باللغة السبئية احدهما ما يزال واضحا وتسهل قراءته، أما الآخر فقد أثرت فيه عوامل التعرية، وتوجد بالقرب من هذه الواجهة كتابات ورموز متفرقة ويقع النقش بالقرب من بلدة مأسل الحالية جنوب شرقي مدينة الدوادمي، وقد تمت زيارة هذا الموقع من قبل فريق علمي يرأسه الدكتور عبد الرحمن الأنصاري قبل ست سنوات، وقد قام هذا الفريق بتصوير النصوص بطريقة الاستنتاج وقراءتها قراءة متأنية على النحو التالي:
1 ـ ابكرب اسعد وابنه حسان يهأ من ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة وأعراب طود وتهامة ابنا حسان ملككرب يهأ من ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه قطعوا هذا المقطع بالوادي مأسل الجمح عندما ساروا وحلوا بأرض معد وضموا قُطّناً من شعوبهم بمعية شعوبهم /من/ حضرموت وسبأ أبناء / ي/ مارب وصغار الأقيال والراجلة وكل قادتهم ومن يليهم ورماتهم واعوانهم واعرابهم /من/ كندة وسود وعُلة وهأ.....
2 ـ معد كرب يعفر ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه، وأعرابهم في النجاد والتهائم اعلنوا ودونوا هذا النص في مأسل الجمح عن الحملة التي قاموا بها في عرف كتأ لنصرة من نادوهم من العرب الثائرين المحاربين للمنذر وقد تحاربت قبائل سبأ وحمير ورحبتن وحضرموت ويحن ومعهم قبائل كندة ومذحج ومعهم بني ثعلبة ضد المنذر الذي استسلم وفي شهر ذي قيظان من سنة إحدى وثلاثين وستمائة. والجدير بالذكر أن التاريخ المذكور في النص حسب التقويم الحميري وهو يوافق سنة 516 الميلادية.
* محطة طريق الحج البصري
* أما هضبة طخفة فهي أشهر من أن يُعّّرف بها، وهي واقعة في ملتقى حدود محافظتي الدوادمي والرس ومنزل طخفة في الجهة الشمالية منها وهو إحدى محطات طريق الحج البصري، ولا تزال آثار هذا المنزل واضحة المعالم وتتكون من بركة كبيرة مدورة تبرز منها درجتان، وبجوارها من الشمال عدد من الآبار المطوية طياً محكماً، وبجوار كل بئر ما يشبه البركة الصغيرة مستطيلة الشكل يربط بينها وبين البئر مجرى مائي.
وهناك آثار مجيرة التي تقع إلى الجنوب من مدينة الدوادمي بخمسة وثلاثين كيلا، وتتمثل هذه الآثار في شواخص حجرية موغلة في القدم احيطت بسياج محكم من قبل وكالة الآثار والمتاحف.
وتنتشر في معظم جبال المحافظة الكثير من الرسومات والمخربشات لها أهميتها في إشعار العرب أنماط حياتهم. وتمثل الرسوم حيوانات منقرضة كالوعول والأسود والنعام وصورا لحيوانات أخرى بالإضافة إلى صور الإنسان ومن ابرز مواضع تواجدها، هضبة الطاغية وهي هضيبة حمراء فاردة تكوينها من الحجر الرملي بالقرب من بلدة الفيحاء إلى الشرق من مدينة الدوادمي بنحو 75 كيلا، وهضبة صافية، وتقع إلى الشرق من هضبة الظعينة على بعد اثني عشر كيلاً منها، والى الشمال من بلدة مغيراء، وإضافة إلى ذلك فهناك معالم أخرى لها أهمية تاريخية منها جبال كبشات التي تقع في الجهة الغربية من المحافظة ومن ابرز ما فيها رسم الوعول والكتابة الإسلامية في بئر صنعاء في الجهة الشمالية من كبشات، وجبال ثهلان وهو مشهور ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة الدوادمي وهو مليء بالرسوم والرموز والمخربشات، إلا أن أهم ما يلفت النظر فيه ما يضمه موقع المطيوي في الجنوب الغربي حيث نقشت في إحدى اللوحات الصخرية صور للأسود فضلاً عن الوعول والرموز الباهتة. وصور الأسود من الصور النادرة في المحافظة إذ لم يعثر عليها إلا في هذا الموضع وفي هضبة منية. كما أن موضع فغران الذي يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من ثهلان قد نقشت في إحدى الواجهات صور للإنسان وبعض الحيوانات، كما أن هضبة منية الحمراء التي تتكون من صخور الغرانيت عثر فيها على واجهة تمثل صوراً باهتة للأسود بحجم كبير وامام إحدى الصور إنسان يحمل قوساً، ويقع هذا الأثر غرباً من بلدة منية غير بعيد عنها. أما جبال ماسل التي تقع في احد الأودية في جهته الغربية فتحوي كثيراً من الرسوم والمخربشات أهمها النعام والوعول.
* بئر المانية وكهف للأمراء
* وتشتهر المنطقة بهضبة جبلة التي كانت من أيام حروب العرب الثمانية وتتمتع الهضبة بجمال أخاذ وشموخ مشرف واشتهرت برؤوسها الشاهقة ومراعيها الخصبة. ويذكر الدكتور محمد بن ناهض القويز استشاري الأمراض الباطنية والباحث والكاتب واحد المهتمين بآثار المنطقة بأن جبلة تضم في ناحيتها الجنوبية بئراً يطلق عليها بئر (ليلي سنجر) وهي جيولوجية المانية قدمت إلى هناك قبل 37 عاماً وحفرت البئر بمساعدة فتيان من الدوادمي، كما تضم المنطقة كهفا عظيما يسمى غار الشيوخ حيث كان يمكث الأمراء خلال رحلات الصيد، كما تنتشر في جبلة شلالات ومصب ماء عذب.