رأس ايزيس يتوج مدخل المتحف المصري والطراز التلقيطي يميز عمارته

من بين 73 تصميما معماريا تنافست لإنشاء المتحف تم اختيار تصميم المهندس الفرنسي مارسيل دورنون وقامت شركة إيطالية بتنفيذه

TT

بين أحضان نيل القاهرة وبالتحديد في ميدان التحرير «الاسماعيلية سابقاً» يقبع مبنى ضخم فريد تعلوه قبة دائرية، وعلى جانبي مدخله الرئيسي من أعلى نحت بارز لأجسام آدمية بهيئة المعبودة ايزيس، ومحاط بسور معدني من الطراز الفرنسي وحديقة بديعة بها تماثيل فرعونية وبأحد أركانها نصب تذكاري رخامي تعلوه مجموعة من التماثيل الآدمية، انه المتحف المصري الذي احتفل بعيده المئوي أواخر العام الماضي، وأمر ببنائه الخديوي عباس حلمي الثاني، ووضع تصميمه المعماري الفرنسي «مارسيل دورنون» عام 1897 وهو مشيد على طراز العمارة التلقيطي وأول مبنى في مصر مشيد بالخراسانة المسلحة. ويعود تاريخ انشاء المتحف الى العام 1902 حيث افتتح الخديوي عباس حلمي الثاني مبنى المتحف واختير موقعه في ميدان التحرير لكي يمثل المرحلة الثقافية والمعمارية التي كانت سائدة في مصر في ذلك الوقت، فميدان التحرير هو أشهر ميادين «القاهرة الخديوية» التي شيدها الخديوي اسماعيل في النصف الثاني من القرن 19 الميلادي لتكون امتدادا للقاهرة القديمة، وروعي ان تتبع عمارتها وتخطيط ميادينها الطراز الأوروبي الذي تأثر به الخديوي اثناء دراسته في باريس والنمسا، وقد اطلق على مشروعه الجديد القاهرة الجديدة «باريس الشرق».

تعود أهمية المتحف المصري الى كونه أول مبنى في العالم انشئ خصيصا بهدف ان يكون متحفا، بعكس متاحف أوروبا الكبيرة كاللوفر والمتحف البريطاني التي كانت قصورا وبيوتا للأمراء والملوك ثم تحولت الى متاحف، كما ان المتحف المصري هو أكبر متحف في العالم يضم حضارة شعب واحد «أي الحضارة المصرية الفرعونية» على عكس المتاحف الأخرى، مثل متحف اللوفر الذي يضم مجموعة من الحضارات الآشورية والمصرية والسورية والافريقية وغيرها، فالمتحف المصري يضم مجموعات أثرية هامة لا مثيل لها في العالم ومن بين 73 تصميما معماريا تنافست في مشروع انشاء المتحف، تم اختيار تصميم المهندس الفرنسي «مارسيل دورنون» في حين قامت شركة ايطالية بتنفيذ وبناء المشروع، واعتبر البناء الذي صممه «دورنون» عملا ابداعيا بمقاييس تلك الفترة عام 1897 ميلادية وقد تم استخدام مادة الخراسانة المسلحة ولأول مرة في مصر في بناء المتحف مع الاستعانة بأحدث أساليب البناء والتشييد الموجودة في ذلك العصر.

ولقد جاءت أغلب التصميمات التي تنافست مع تصميم دورنون بعناصر معمارية ذات طابع مصري قديم مما يعكس تأثر هؤلاء المهندسين بالحضارة المصرية القديمة، أما تصميم دورنون فقد جاء ليعبر عن أنماط وعناصر معمارية متأثرة بالفن والعمارة التلقيطية، ذلك الطراز الفني المعماري الذي ساد وانتشر في العمارة المصرية في القرن 19 وبداية القرن العشرين الميلادي، وسمي بالتلقيطي لأنه يجمع بين العديد من الطرز الفنية والمعمارية القديمة والحديثة في بناء واحد.

وهنا في المتحف المصري سنجد مجموعة من طرز العمارة التي استخدمها «دورنون» وهي الطراز الكلاسيكي «اليوناني الروماني» وطراز عصر النهضة الفرنسي والايطالي، وبهذا جاء التصميم على عكس ما كان متوقعا، أي لم يأت متأثرا بالحضارة المصرية القديمة، فهو لا يحوي أي تأثيرات بالفن المصري القديم سوى في تصميم حجراته وقاعاته الداخلية، فمدخل القاعات الداخلية تحاكي ضريح المعابد المصرية القديمة والحجرات تحاكي معبد أدفو.

* عمارة المتحف

* أول ما تقع عليه عيناك عند زيارتك للمتحف المصري هو ذلك السور المعدني المذهب الذي يحيط به والذي يعد من أجمل وأندر التحف المعدنية في عمائر القاهرة القديمة والتي يصعب تكرارها الآن وقد نفذ تبعا للطراز الفرنسي ويزين أبوابه الرئيسية التاج الملكي. ويتكون المتحف من طابقين وطابق آخر أرضي «بادروم» وتتميز واجهته الرئيسية بالتماثيل والسيمترية حيث يقسمها المدخل الرئيسي للمتحف الى جزئين متماثلين يتكون الجزء الواحد من ثلاث نوافذ كبيرة زجاجية، بعقود نصف دائرية بسيطة تتبع طراز عصر النهضة الفرنسي بالاضافة الى باب خشبي كبير يفتح على مجموعة من القاعات المخصصة لمكتبة المتحف أو المكاتب الادارية والادارة. وفي أعلى الواجهة توجد مجموعة من اللوحات الرخامية البيضاء يبلغ عددها أربع لوحات في كل جزء، على هذه اللوحات كتابات باللغات الأجنبية، الفرنسية والانجليزية واللاتينية وغيرها لأشهر علماء الآثار في العالم، والى جوار هذه اللوحات توجد نقوش بارزة من الجص داخل دوائر بها الأحرف AH وهي الأحرف الأولى من اسم الخديوي عباس حلمي الذي أمر بانشاء المتحف واشتهر عصره بنهضة معمارية كبيرة.

* رأس ايزيس

* يعد مدخل المتحف المصري من أهم العناصر المعمارية به، فتتقدمه سلالم رخامية وكتلته تبرز عن سمت الواجهة وهو يتكون من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول عبارة عن دعامتين على اليمين واليسار بينهما من أعلى نحت بارز من الجص لسيدتين نحتتا على الطراز الروماني لكن برؤوس فرعونية وهما يرمزان الى المعبودة ايزيس، أما الجزء الثاني من المدخل فهو يرتد الى الداخل قليلا ويتكون من عامودين من الرخام ينتهيان بتيجان أيونية «تشبه قرون الماعز» ذات طراز يوناني ويعلوها عقد كبير دائري يتوسطه نحت بارز لرأس ايزيس، ويعد استخدام التماثيل والمنحوتات على العمائر من أهم فنون العمارة التي استخدمت من أجل زخرفة المباني في مصر في القرن 19 و20 الميلادي، والجزء الثالث من المدخل فيه باب المتحف المصنوع من الخشب المصفح بالنحاس وله مقبضان مذهبان بهيئة رؤوس الأسود وبأعلى الباب حائط من الجص المفرغ على شكل دوائر متماسة.

ويتميز المتحف ببهوه الكبير الذي يرتفع الى أعلى بارتفاع طابقين لينتهي بقبة كبيرة بها نوافذ زجاجية تنفذ من خلالها اشعة الشمس لتنير داخل المتحف باضاءة ذاتية، وتتميز عمارته من الداخل بالأعمدة ذات الطابع الفرعوني، التي تحمل عقودا دائرية «بوائك» والممرات والسلالم المزدوجة المصنوعة من الرخام ذات درابزين مكون من «برامق» جصية وهي شكل من اشكال العناصر المعمارية السائدة في طراز عصر النهضة الأوروبي.

وفي الطابق الثاني مجموعة قاعات كبيرة وحجرات يفتح بعضها على البعض وهي مخصصة لعرض المجموعات الأثرية مثل توت عنخ آمون، وأثار وادي الملوك وتانيس والمومياوات الملكية والتوابيت وتماثيل المعبودات.

وبينما جاءت واجهة المتحف من الخارج بسيطة تعبر عن طراز عصر النهضة الفرنسي، جاءت تصميمات المتحف من الداخل لتتسق مع المعروضات نفسها فبرزت أقرب الى روح العمارة الفرعونية، وهذا ما أراده المعماري دورنون، فيعرض بالطابق الأول للمتحف الآثار الحجرية الكبيرة الحجم كالتماثيل الضخمة وعندها ستشعر وكأنك داخل أحد المعابد الفرعونية.

* حديقة المتحف

* تشتهر حديقة المتحف المصري بنباتاتها وأشجارها النادرة وتلك التماثيل الفرعونية التي تزينها وهي تعد من أهم الحدائق الأثرية في مصر، وفي أحد أركانها نصب تذكاري من الرخام يعلو قبر مارييت باشا، أول من فكر في انشاء المتحف المصري والذي أوصى بأن يدفن مع الآثار فكان ضريحه بالحديقة، ولقد تم وضع تمثال لمارييت باشا مع مجموعة من التماثيل الخاصة بأشهر علماء الآثار في العالم بأعلى النصب التذكاري.

ويحتوي المتحف المصري بالقاهرة على 160 ألف قطعة أثرية، بخلاف القطع الموجودة بالمخازن، وهو لم يكن أول متحف في مصر فقد أقام «محمد علي» أول متحف في مصر عام 1835 بمنطقة الازبكية (وسط القاهرة) وأشرف عليه رفاعة الطهطاوي، وبعد وفاة محمد علي تعرض المتحف للإهمال والسرقة، وفي عام 1858 جاء الى مصر «أوجست مارييت» عالم الآثار الفرنسي الذي عشق مصر وقام باكتشافات أثرية هامة، واقنع المسؤولين بانشاء أول هيئة للآثار بمصر وانشاء مخزن للآثار تحول بعد ذلك الى متحف عام 1863 ليطل على النيل لكنه تعرض للفيضان وغرقت بعض آثاره وبعد ذلك كان التفكير في انشاء المتحف المصري الحالي، وكان أول مدير له العالم الفرنسي جوستاف ماسبيرو.