من «سارس» إلى «جدري القرود»: أمراض جديدة تنتقل من الحيوان نحو الإنسان

توسع المدن والانتقال السريع عبر المحيطات يوفر فرصا أكبر لانتشار أوبئة أشد وأقوى

TT

منذ ظهور فيروس غرب النيل في عام 1999, تبارت الصحف في اظهار عناوينها المثيرة مثل مرض «لم يظهر بالغرب من قبل» أو «الأطباء محتارون». وتم الإبلاغ عن حالات متفرقة من الوباء الطاعوني في نيويورك ومرض جنون البقر في بريطانيا. ثم تحدث الجميع، في شهر مارس (آذار) من هذه العام، عن انتشار مرض الالتهاب الرئوي الحاد الذي يعرف رسميا باسم «متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الشديدة» (سارس). وثم اعلن الشهر الماضي عن دخول مرض جدري القردة نصف الكرة الغربي، وخاصة الولايات المتحدة.

العامل المشترك في كل هذه الأوبئة هو انتقالها للإنسان من خلال اتصاله مع الحيوان, وتعرف هذه الامراض بـ«الاوبئة الحيوانية القابلة للانتشار نحو الانسان» zoonosis. ويقول الدكتور دان شابيرو الاختصاصي بالأوبئة المعدية انه يسجل أحيانا انتقال مرض من حيوان لآخر ولكن إذا كان الحيوان الآخر هو الإنسان فهذا يخلق مشكلة.

وعند انتشار جدري القردة اتخذت سلطة الصحة الفيدرالية قرارات حازمة لوقف الانتشار بمنع بيع كلب المروج الأليف، بالإضافة إلى ست أنواع من القوارض المستوردة من أفريقيا. وأصيب الكثير من سكان الغرب المتوسط بالمرض بعد اتصالهم مع كلب المروج الأليف الذي أصيب بالمرض بعد وضعه بالقرب من القوارض.

* أوبئة حيوانية

* ولا تعتبر الأوبئة الحيوانية ظاهرة جديدة فكان من المعروف أن الحيوانات تنقل لائحة طويلة من الأمراض بما فيه السعار والجرب والسلمونيلا وداء الشعرينات والتسمم بالبوتولين والملاريا والحصبة والحمى الصفراء وفيروس الهانتا وعدد من أشكال المكورات العنقودية والأنفلونزا. ويعتقد أن فيروس الأنفلونزا الإسبانية الذي انتشر في عام 1918 والذي يعتقد أنه قتل 20 مليون شخص، انتقل من الخنزير.

وما جذب الاهتمام لمرض جدري القردة هو انه لم يظهر في نصف الكرة الغربي من قبل. ولكن الخبراء يقولون انه يصعب تحديد ما اذا كان عدد الأوبئة التي تنتقل من الحيوان للإنسان كل سنة آخذ بالتزايد. وما يعرف حقا هو أن ازدياد اعداد المدن في العالم، والتعدي على الغابات والصحارى غير المأهولة من قبل، وانتقال الإنسان عبر المحيطات بسرعة الطائرات النفاثة، يوفر فرص كثيرة للأوبئة لتظهر أو تعيد ظهورها بأشكال اشد واقوى في أي مكان تقريبا. وسرعة السفر بالعالم تبين هذه الإمكانية بشكل اوضح، إذ يمكن لحيوان أن ينتقل من غابات الكونغو إلى منزل شخص ما في الولايات المتحدة في غضون 24 ساعة. ولكن إذا تم نقل الحيوان بالبحر فعند وصوله, قد يكون قد تخلص من المرض أو مات. ويعتقد بعض علماء الأوبئة أن الأوبئة الحيوانية آخذة بالتزايد ولكنهم يضيفون أنه لا داعي للخوف لأن علماء اليوم قادرون على تقفي الأوبئة الجديدة.

ويمكن للمرض أن ينتقل من الحيوان للإنسان بعدة طرق: باستهلاك لحوم مصابة، أو التعرض للدغة البعوض أو للبراغيث، أو الاتصال مع حيوان مصاب، أو التعرض لمنتجات حيوانية مصابة مثل الدم أو الجلود أو الفرو أو الصوف أو المنتجات اللبنية.

وأصيب البريطانيون بالشكل البشري لمرض جنون البقر نتيجة لتناولهم لحم يحتوي على جسيم البروتين الميكروسكوبي الذي يسبب المرض. ويعتقد موظفو الصحة أن العمال العاملين في قطاع الطعام في الصين، أصيبوا بداء الالتهاب الرئوي الحاد نتيجة لمعالجتهم لحيوانات بسوق يزود المطاعم في مدينة جوانجدونغ. وفي الولايات المتحدة أدت الشعبية المتزايدة لشراء الحيوانات الأليفة النادرة، الى انتشار مرض جدري القردة الذي يعتقد انه بدأ عندما وضعت كلاب المروج مع حيوانات مستوردة مصابة بالمرض. وصرح موظفو الصحة الفيدرالية أن ستة أنواع من القوارض سببت انتشار جدري القردة في الإنسان: الفأر الغامبي العملاق وسنجاب الشجر والسنجاب الحبلي والشيهم والفأر المخطط وفأر الزغبة. ومنع بيع واستيراد كل القوارض الأفريقية ويحظر أيضا اطلاقها في البرية.

وهذه ليست أول مرة تتخذ السلطات الفيدرالية تدابير حازمة بالحظر على الحيوانات الأليفة، ففي عام 1975 منعت السلطات الفيدرالية بيع السلاحف الصغيرة بعد أن اكتشف أنها مصدر لـ14 بالمائة من كل حالات السلمونيلا في البلاد. وفي نفس السنة منعت السلطات أيضا استيراد القردة وغيرها من الرئيسيات غير البشرية كحيوانات أليفة لأنها تحمل أمراضاً مثل التهاب الرئة.

ويقول الخبراء ان المشكلة مع الأوبئة الحيوانية ذات حدين، إذ حالما يحمل نوع من الحيوان فيروسا، فان من المستحيل إزالته. والعامل الآخر هو كفاءة المرض الجديد بالانتقال في البشر، فالإيدز مثلا ينتقل بكفاءة من خلال الجنس ولا تضعف شدته في كل مرة ينتقل فيها.

* خدمة «نيوز داي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»