مزادات الفنانين بين طمع الورثة وحاجة البعض ظاهرة جديدة تثير الجدل بين النجوم المصريين

نادية لطفي: لو أعرف انهم سيعرضون مقتنياتي للبيع لأحرقتها * ليلى علوي: أؤيدها وأطالب بانتشارها

TT

يترقب الآلاف من هواة جمع المقتنيات النادرة، والتردد على المزادات وخاصة التي تخص المشاهير، ذلك المزاد الذي اعلن عن اقامته الشهر القادم، وتعرض فيه مقتنيات نجم الكوميديا الراحل علاء ولي الدين، حيث قرر شقيقاه خالد ومعتز عرض سيارته وخناجره ودبابيس بدلته الذهبية، والملابس التي ارتداها في أشهر أفلامه مثل عبود على الحدود والناظر وابن عز، وكذلك الهاتف الجوال الخاص به وغيرها من أشيائه للبيع.

وقد أبدى الكثيرون دهشتهم فور الاعلان عن هذا المزاد خاصة انه لم تمض سوى أشهر قلائل على رحيل صاحب هذه الأشياء، بالاضافة الى حالة الذهول والصدمة التي مازالت على وجوه اصدقائه من مفاجأة الرحيل الدرامي الخاطف، وتساءل هؤلاء عن هدف هذا المزاد، وتأثيره على عشاق الفنان الراحل، ومدى أحقية ورثته في التصرف في هذه الاشياء، وتحولت التساؤلات الى غضب واضح، وهو ما حاول خالد ولي الدين شقيق علاء ومدير أعماله ان يخفف منه، بالتأكيد ان الهدف من المزاد ليس الربح المادي، بل ان يتحول عائده الى صدقة جارية على روح الفنان الراحل، بالتبرع به لصالح مرضى مستشفى السكر، دون ان يعود على أسرته أي مقابل.

وبعيدا عن الغضب والتساؤلات، فإن الكثيرين من خبراء المزادات يتوقعون أن يحقق مزاد متقنيات علاء ولي الدين نجاحا غير مسبوق، بدليل تلك المكالمات المتواصلة التي تتلقاها أسرته من أثرياء ورجال أعمال من كافة البلدان العربية تستفسر عن موعد المزاد ومحتوياته، ويذهبون الى ان عائده سيفوق ما حققه مزاد السندريللا الراحلة سعاد حسني، الذي اقيم في العام الماضي، ونقلته بعض الفضائيات العربية على الهواء مباشرة، وعرض فيه سيارتها وملابسها واكسسواراتها وبعض أوراقها الخاصة، وهو المزاد الذي قوبل بغضب عارم من نجمات جيلها تزعمته الفنانة نادية لطفي، التي عارضته بشدة، وقالت انه يسيء إليها والى تاريخها، ويحوله الى مجرد سلعة، دون احترام للخصوصيات والذكريات.

وتقول نادية لطفي لـ«الشرق الاوسط» انها مازالت مصرة على موقفها، ولو تعلم ان ابنها أو أسرتها ستعرض مقتنياتها وملابسها وأوراقها للبيع بعد رحيلها لقامت باحراقها على الفور، حتى ولو كان الهدف من البيع نبيلا وللأعمال الخيرية فهذه أشياء لا يجوز المساس بها، أو عرضها لمن يدفع الثمن، بل يجب ان تبقى مصانة، أو حتى وضعها في متحف عام لتكون شاهدا على تاريخ هذا الفنان وحياته وسيرته.

والغريب في الأمر ان مزادات الفنانين تعتبر ظاهرة جديدة في مصر، مع انها تعد من الأمور العادية منذ سنوات بعيدة بالنسبة لنجوم ونجمات اميركا وأوروبا، ولكن فارق الثقافات والعادات يجعل العادي في اميركا مستحيلا أحيانا في الشرق.

لم يسمع الجمهور المصري عن مثل هذه المزادات إلا منذ سنوات قليلة، وتحديدا عام 1998 عندما فوجئ بخبر في جريدة «الأهرام» موقعا باسم الخبير المثمن محمود الفاو يعلن عن أول مزاد من نوعه لبيع مقتنيات تخص فنانة شهيرة دون أن يكشف عن اسمها، وكان الاعلان مغريا خاصة بالنسبة للفضوليين، الذين أرادوا الكشف عن شخصية صاحبة الاعلان، وتسابقوا لحضور المزاد واكتشفوا انه يخص نجمة الاغراء في السبعينات ناهد يسري بطلة فيلم «سيدة الاقمار السوداء»، وغيره من افلام الاثارة في سنوات ما بعد نكسة 1967.

ورغم ان ناهد يسري اختفت منذ سنوات طويلة، إلا ان المزاد حقق نجاحا غير متوقع، ودفع الاثرياء والتجار مبالغ طائلة في شراء الملابس والسجاد والتحف والنجف والاكسسوارات وهو ما لفت نظر الخبراء المثمنين الى أهمية وربحية هذه المزادات، فراحوا يجرون اتصالات ومفاوضات مع عدد من النجوم والمشاهير لاقناعهم باقامة مثل هذا النوع من المزادات لبيع مقتنياتهم أو بعضها.

وفي الوقت الذي فشلت فيه مفاوضاتهم مع نجوم مثل فاتن حمامة وعمر الشريف وهند رستم فانهم نجحوا مع نجوم آخرين مثل فارس السينما الراحل احمد مظهر الذي عرض عددا من سيوفه الخاصة النادرة، وكذلك الفنانة برلنتي عبد الحميد التي أقامت أكثر من مزاد لعرض مقتنياتها من التحف والهدايا، وبعضها يخص زوجها الراحل المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية في العهد الناصري.

نجاح مزادات برلنتي عبد الحميد أغرى الفنانة مريم فخر الدين بالاقدام على التجربة حيث قامت بعرض مقتنياتها في مزاد في صالة مزادات بجاردن سيتي، عرضت فيه 350 قطعة من الاثاث والتحف والملابس، بينها حذائها الشهير الذي ارتدته في فيلم «رد قلبي» وحظي المزاد بتعاطف اعلامي بعد ان اعلنت صاحبته ان عائده سيتوجه للصرف على علاج والدتها المريضة.

أما أضخم المزادات الفنية فهو الذي عقد في 19 اكتوبر (تشرين الأول) عام 1999 واشرف عليه منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) واللجنة الوطنية لبرنامج تليفود وراديو وتلفزيون العرب ART وضم مقتنيات نادرة لعدد من الفنانين البارزين، منها منديل ونظارة سيدة الغناء العربي ام كلثوم واللذين وصل ثمنهما الى 5 ملايين دولار، وساعة يد عبد الحليم حافظ التي بيعت بـ100 ألف جنيه وسيارة مرسيدس موديل 69 تخص زعيما عربيا راحلا بيعت بـ170 ألف جنيه، وفستان ارتدته سعاد حسني في فيلم «المتوحشة» بيع بعشرة آلاف جنيه.

وضم المزاد كذلك القلم الخاص للأديب العالمي نجيب محفوظ وعود الموسيقار بليغ حمدي وفستان لصباح وساعة جيب لفريد شوقي وتسابق عدد كبير من النجوم للمشاركة في هذا المزاد والدعاية له من أجل دعم هدفه النبيل بتوفير أموال لضحايا الفقر والجوع في العالم.

والحق ان ظاهرة مزادات النجوم تنقسم حولها الآراء بشكل حاد، الفنانة القديرة مديحة يسري تقول بانفعال: هذه تجارة بالفنان بعد رحيله، واذا لم يكتب في وصيته موافقة صريحة على اقامة مزاد لمقتنياته فليس من حق الورثة الاقدام عليه، وتضيف: ربما اتفهم الأهداف النبيلة لبعض هذه المزادات ولكن الافضل ان يتم تجميع الاشياء الثمينة التي تخص الفنان في متحف خاص بالنجوم كما يفعلون في الدول المتحضرة، ثم يخصص جزء من عائد هذا المتحف للأعمال الخيرة حتى نحافظ على متعلقات النجوم ونحفظها من الضياع.

أما الفنانة سميحة أيوب فتشير الى نقطة مهمة وهي أن بعض الفنانين الكبار يبيعون مقتنياتهم أمام ضيق ذات اليد، وللانفاق منها على حياتهم، بعد ان ذهبت الاضواء والصحة وقل الدخل، ولو وجدوا من يساعدهم ما اقدموا على تلك الخطوة الاضطرارية ومن هنا يأتي دور النقابات الفنية في رعاية الفنانين الكبار بما يليق بتاريخهم، وليس مجرد معاش شهري هزيل لا يغني ولا يثمن من جوع.

وتعلق النجمة بوسي على الظاهرة الجديدة قائلة: هناك أشياء يجوز بيعها والتصرف فيها، ولا يضير النجم ولا ورثته الاعلان عن بيعها في مزاد عام، مثل السيارات والانتيكات واللوحات وما شابه، أما الذي لا يجوز التصرف فيه تحت أي ظرف هو الاشياء الخاصة مثل الخطابات والمذكرات ومحتويات غرف النوم.

وتشكك بوسي في نوايا ورثة الفنانين احيانا من اقامة هذه المزادات فالأعمال الخيرية تكون مجرد واجهة براقة في حين ان الاهداف الحقيقية مادية في الأساس.

وبهدوء يقول الممثل الكوميدي اشرف عبد الباقي: يعلم الجميع مدى الصداقة التي كانت تربطني بعلاء ولي الدين، حتى أن أسرته اتصلوا بي لانقاذه عندما فقد الوعي يوم رحيله وذهبت به الى المستشفى ولو كان المزاد المزمع لبيع متقنياته فيه ما يضر باسمه وسمعته لوقفت في وجهه وعارضته، ولكن اشقاءه أكدوا لي ان عائده سيذهب كله كصدقة جارية على روحه، وعلاء كان من محبي الخير، وينفق أموالا طائلة في وجوه الخير، ولو سألوه في حياته لوافق على هذا المزاد بلا تردد.

وبلا حساسية تقول النجمة ليلى علوي انها لا ترى أي جريمة في هذه المزادات، بل تحرص على حضورها وتشارك في عمليات الشراء، وتقول مازلنا ننظر الى هذا الأمر بحساسية غير مبررة، لان نجوم العالم يتنافسون في عرض وبيع مقتنياتهم، والمساهمة بعائدها أو جزء منها في المشروعات الخيرية، وهي ظاهرة طيبة يجب ان تنتشر في العالم العربي، فما يبقى من الفنان هي أعماله وسيرته وليس ملابسه وساعته ونظارته.

ويبقى السؤال أيهما أكرم للفنان بعد رحيله أن تجمع مقتنياته في متحف ويراها كل الناس؟ أم ان تباع في مزاد لمن يدفع أكثر؟ بغض النظر عن الهدف. هل هو لصالح الورثة أم لصالح أي جهة خيرية!