أحداث البناية B7 في إسكان مستشفى الملك فهد في جازان: بقايا غاز مسيل للدموع ودماء جافة تشهد على خطورة الإرهاب

«شاهد» يكشف لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل مهمة عن اللحظات الأخيرة قبل المداهمة مع المجموعة المسلحة

TT

روى شاهد تحتفظ «الشرق الأوسط» باسمه، تفاصيل اللحظات الاخيرة قبل مداهمة قوات الامن السعودية للشقة السكنية في اسكان مستشفى الملك فهد في جازان لمجموعة ارهابية، وكيف انه كان قاب قوسين او ادنى من الموت.

ووصف «الشاهد» كيف ان سلطان القحطاني الذي لقي مصرعه في المداهمة «جن جنونه عند رؤية رجال الامن». وسلطان هو ابرز المطلوبين في احداث جازان الاخيرة، حيث يحتل الخانة 16 في قائمة خلية اشبيليا في الرياض ومطارد ايضا من قبل السلطات الاميركية باسم «زبير الريمي» ومصنف بأنه شخص خطر ومجهز لتنفيذ اعمال ارهابية.

واضاف «الشاهد» ان سلطان، الذي كان في الشقة بصحبة اربعة مطلوبين آخرين، بعد اكتشافه محاصرة قوات الامن للشقة صاح بأعلى صوته «أبقتل الخائن». وكان يتطاير شررا بحثا عمن ابلغ عنه لتصفيته، ووجه الآخرين بقتل الخائن حالا.

ووفقا لمصادر «الشرق الأوسط» قام رجال الامن بالتنسيق مع «احدهم» من اجل ترك باب الشقة مواربا لالقاء القبض على المطلوبين اثناء تناولهم لطعام الافطار حرصا على عدم وقوع ضحايا.

بيد ان ذلك لم يتم حسب ما خطط له، حيث اكتشف المطلوبون قبل لحظات من نجاح فصول الخطة انهم وقعوا في كمين محكم.

حينها شرع سلطان بالبحث عمن اعتقد انه افشى سره في الشقة واندلع صوت الرصاص، واختلط الوضع بين اطلاق نار داخل الشقة ونيران على رجال الامن بطريقة انتقامية لم تسمح إلا بالرد عليهم.

ووفق معلومات مصادر متطابقة، فإن خطة المداهمة كانت تستهدف القاء القبض على الخلية المسلحة اثناء تناول الافطار «وهي افضل خطة متاحة لالقاء القبض عليهم من دون مقاومة»، وهذا ما أكده الشاهد ايضا. ووفقا لمعلومات فقد ارتاب المطلوبون «قبل لحظات بسيطة من ساعة الصفر» لبدء المداهمة.

وذكر احد السكان المجاورين لبناية الحادث، الذي سارع بالتوجه الى ساحة المجمع السكني لـ «الشرق الأوسط» «نزلت فورا بعد رؤيتي لآليات رجال الامن ووجودهم الكثيف في اسفل البنايات الملاصقة للشقة، فسمعنا من موقعنا اطلاق نار مختلطاً بأصوات تهديد بقتل الجميع».

ويروي المصدر تفاصيل اللحظات الاخيرة قبل الهجوم بقوله: «تناول سلطان الكيس الذي يحتوي طعام الافطار عند مدخل الشقة، وبعد ان وضع الاكل امام المجموعة في المجلس وجه سلطان احد افراد المجموعة الارهابية بأن ينظر من شباك النافذة، حيث ارتاب من شيء ما، عن الوضع في الخارج، فأخبره احدهم بأن الامن يطوق محيط البناية، فصاح سلطان «الخيانة»، وتوجهوا جميعا الى غرفة السلاح، في تلك اللحظة ايضا كان الرقيب علي حنتول امام باب الشقة، فما ان خطا الى الداخل حتى اطلق عليه احدهم النار، فناور الرقيب حنتول للحظات ببسالة واستطاع ان يقتل احد الخمسة وبعدها اصيب بأربع رصاصات توزعت على انحاء جسمه منها واحدة في العين اليسرى، والاخرى يمين رأسه. بعد سقوط الرقيب حنتول في اللحظات الأولى للمداهمة توجه سلطان إلى الأعلى وتحصن في غرفة صغيرة ومنها بدأ تصويب الرصاص على رجال الامن في محاولة لقتل اكبر عدد ممكن، وطلب سلطان من اثنين من اعوانه الصعود الى سطح البناية.

ونتج عن مجريات تلك الاحداث مقتل سلطان واثنين آخرين واستسلام اثنين آخرين جميعهم مطلوبون للامن بتهمة الارهاب. في حين استشهد الرقيب حنتول، واصيب اربعة آخرون من رجال الامن.

ومن المصادفات اللافتة في موقع مداهمة مستشفى الملك فهد بجازان انها تقع على بعد 11 كيلومترا من موقع مداهمة امنية مماثلة شهدتها قرية الكربوس الشهر الماضي. وكانت مداهمة البناية السكنية المهجورة في قرية الكربوس الكائنة على الطريق العام الذي يربط مدينة جازان بمحافظة ابو عريش، ناجحة ومن دون مقاومة، حيث ضبطت فيها السلطات الامنية السعودية عددا كبيرا من الاسلحة معظمها قاذفات وصواريخ ار بي جي، الى جانب اعتقال 12 شخصا لم تكشف السلطات عن هوياتهم.

وتجولت «الشرق الاوسط» الاثنين الماضي في موقع المداهمة وهي البناية B 7 في اسكان مستشفى الملك فهد بجازان، فكان الصمت يخيم على ارجاء المكان، وبقايا خرطوش من غاز مسيل الدموع، وجدرانها وابوابها ونوافذها الخارجية والداخلية مصابة بعشرات الطلقات النارية، وفي الممرات والدرج بقع من الدماء الجافة، ومخلفات الملابس الملطخة بالدم، وشوهدت دماء كثيفة في موقع تحصن المطلوب سلطان في الطابق الثالث.

وقال السكان المجاورون انهم عاشوا لحظات رعب حقيقي. ويضم ذلك الاسكان 596 وحدة سكنية معظمها شقق، وكل بناية مكونة من ثلاثة طوابق بواقع شقتين في كل طابق. وجرى افتتاحه وتدشين اعمال المستشفى في عام 1982.

وعند التقاء «الشرق الأوسط» بأحد سكان نفس البناية الذي طلب عدم ذكر اسمه أكد «لم نكن نعلم بوجودهم بيننا، واصلا لم نلاحظ وجودهم على الاطلاق، فالابناء في مدارسهم والآباء والامهات في اعمالهم ولا مجال للتفكير بأننا سنشهد مثل هذه الوقائع المرعبة، فكما ترى حالة اسكان المستشفى يعمه السكون» رافضا الحديث عن كيفية اجلائهم من البناية او تفاصيل عامة اخرى.

بيد ان سكانا آخرين في بنايات مجاورة تحدثوا عن احداث فجر ذلك اليوم، وقال علي، 39عاما، «صليت الفجر وعدت كما غيري من السكان الى منازلنا ولم يكن هناك ما يثير الانتباه، وكان نفس الحال عند خروجنا للعمل في السابعة صباحا، لكن عند الساعة السابعة والنصف او الثامنة سمعنا اصوات الطلقات النارية، وفي ثوان جاءنا الخبر الى مكاتبنا في المستشفى بأن هناك مداهمة للبناية المجاورة لمسكني»، واضاف بالقول «توجهنا مباشرة الى هناك للاطمئنان على عائلاتنا فوجدنا رجال الامن اخلوا كثيرا من السكان وقادوهم الى مواقع آمنة في محيط الحي السكني للمستشفى».

وقال علي انه زار الشقة في اليوم التالي للاحداث «رأيت اكياسا بلاستيكية فيها طعام، الفول والكبدة وخبز التميس على حالها في المجلس». وقال «رأيت بقايا دماء الشهيد علي حنتول في مدخل الشقة»، واضاف «علمنا ان الشهيد علي لم يأبه لخطر هؤلاء الارهابيين، حيث دخل إلى الشقة بكل بسالة». وتحدث علي ان الطائرة المروحية «كان لها دور حاسم في حماية رجال الامن والمدنيين في الاسفل». وقال «كان هؤلاء يطلقون الرصاص عشوائيا علينا في الاسفل، وعندما جاءت المروحية عاد الارهابيون وتحصنوا في الداخل»، وقال علي «بعد دقائق من تحليق المروحية جرى انزال مجموعة من رجال الامن على سطح البناية».

ووفقا لمشاهدات «الشرق الاوسط» فإن باب السطح اصيب بطلقات نارية كثيفة، لكنها لم تخترقه نظرا للمواد المصنوعة منه، ويوجد بقايا حريق قال مسؤولون عن الصيانة انه «حريق قديم». ومن اعلى السطح يمكن مشاهدة محيط الاسكان الخارجي، حيث توجد في الخلف (غرب السور الخارجي) مزرعة صغيرة عشوائية، والى شمالها مجمع لمستودعات الادوية والمعدات الطبية التابعة للمستشفى.

وفي محيط البناية B 7 هناك عشرات البنايات المماثلة، وعلى بعد امتار منها كان موقع العاب اطفال مخصص لابناء السكان، وتفصل بناية الحدث بناية واحدة فقط عن موقع شقة اتفق السكان على استخدامها مقرا لحضانة وروضة اطفال موظفي وموظفات المستشفى. ويبلغ عدد سكان الموقع ثلاثة آلاف، بينهم الف سعودي.