إعداد الدستور العراقي يواجه مصاعب الخلاف بين الراغبين بإجراء انتخابات أو تكليف نخبة

أكاديميون يفضلون الاستعانة بالخبراء لضمان إنجاز المهمة في أسرع وقت ممكن

TT

اصبحت مطالبة بعض الزعماء السياسيين والدينيين الشيعة العراقيين باختيار الأشخاص الذين يكتبون الدستور عبر اجراء انتخابات على مستوى الوطن بأكمله عقبة معقدة جديدة أمام ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش واخذت تهدد باطالة الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة للعراق.

ويرى هؤلاء ان الشيعة الذين يشكلون نسبة 60% من عدد سكان العراق ستضمن لهم الانتخابات، أغلبية واضحة بين الأشخاص الذين سيكتبون الدستور وهذا سيمكنهم من فرض الصيغة التي يفضلونها بما يخص عدد من المسائل الخلافية بضمنها دور الدين في الحكم.

لكن زعماء السنة من العرب والأكراد يعارضون هذا الأسلوب خوفا من ان يستغرق تنفيذ ذلك ما لا يقل عن عامين وينجم عنه حصول الشيعة المتطرفين على الأغلبية في مجلس اعداد الدستور. وظلت الادارة الأميركية، التي ترى ان وضع دستور جديد هو شرط مسبق لانهاء الاحتلال، تحاول اقناع الشيعة للقبول بحل وسط.

وأدى هذا الخلاف الى ايقاف مسار عملية كتابة الدستور التي كانت ادارة بوش تظن انها ستكون في هذه اللحظة في أوج نشاطها.

كذلك أصبح الخلاف أول اختبار أساسي أمام الجماعات الاثنية والدينية المتعددة يتعلق بمقدرتها على تكوين حكومة مستقرة وموحدة. وبعض من أولئك المشاركين في هذه القضية يقولون ان الخلاف سيحتد أكثر حينما تُطرح قضايا أخرى من نوع الفيدرالية وحقوق النساء لوضعها في الدستور. وقال مسؤول من الادارة المدنية لقوات التحالف ان هذه القضية ستحدد «ما سيأتي لاحقا».

وقال عادل عبد المهدي أحد المسؤولين الكبار في «المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق» ان «كل شيء نقوم به يجب ان يكون بطريقة يراها العراقيون شرعية. نحن لدينا فرصة واحدة. نحن بحاجة الى الوقت كي نكون واثقين من اننا نقوم به (صياغة الدستور) بشكل صحيح». وأضاف عبد المهدي ان تنظيم انتخابات عامة هو «الطريقة الأكثر عدلا وتمثيلا» لاختيار من سيكتب الدستور. وقال انه بهذه الطريقة يمكن تحقيق «ما يريده الشعب العراقي». وعلى الرغم من غياب أي مقياس يبين مدى تأييد الناس لفكرة انتخاب الاشخاص الذين سيكتبون الدستور، فان المبدأ نفسه يبدو انه يلقى دعما واسعا، حتى بين السنّة العاديين الذين يخافون من ان أي طريقة أخرى توفر امكانية التلاعب بصياغة الدستور وفق ما تريده قوات الاحتلال. وكانت اللجنة المتكونة من قانونيين وأكاديميين ورجال دين، والمكلفة بدراسة طرائق اختيار من سيشارك في كتابة الدستور، قد أيدت فكرة اجراء انتخابات عامة قبل ان يطالب الزعماء السياسيون السنّة من اللجنة النظر في طرائق أخرى أيضا.

وكانت هذه اللجنة قد تشكلت من قبل مجلس الحكم المؤقت وطرحت في الأخير ثلاث طرق لاختيار كاتبي الدستور: أولا عبر انتخابات وطنية، وثانيا عبر اختيار مباشر من قبل المجلس، وثالثا عبر مجالس البلديات في شتى انحاء الوطن حيث يكون النقاش فيها وقفا على الأكاديميين والزعماء السياسيين وشيوخ العشائر ورجال الدين والوجوه البارزة في كل طائفة. وعلى الرغم من ان اللجنة لم تضع هذه الخيارات الثلاثة ضمن تراتبية معينة فان بعض أفراد اللجنة يقولون ان معظم أعضائها يؤيدون فكرة الانتخابات.

وقال القاضي السابق ياس خضير عضو اللجنة ان «الدستور بحاجة الى ان يُكتب بواسطة ممثلين عن الشعب وهذا لا يمكن تحقيقه الا من خلال الانتخابات». لكن الزعماء السياسيين السنّة والمسؤولين في قوات التحالف يرون ان انتخاب كاتبي الدستور سيحتاج الى وقت طويل وسيسبب مشاكل كثيرة. فقبل دعوة الناخبين للمشاركة في التصويت يحتاج العراق، حسبما يقولون، الى احصاء سكاني عام وهذا سيحتاج ما بين 18 شهرا الى عامين لتنفيذه. وقال مسؤول أميركي مشارك في هذه العملية «نحن لا نستطيع ان ننتظر كل هذه الفترة. انه أمر غير عملي».

ويجادل الزعماء السنّة والمسؤولون الأميركيون ان العراق غير مستقر بشكل كاف كي تجري فيه انتخابات. اذ يمكن ان تكون المراكز الانتخابية أهدافا لهجمات يقوم بها المتمردون، ويمكن ان تكون العملية الانتخابية نفسها موضع تلاعب المتطرفين الدينيين وبقايا النظام السابق. ويشعر العلمانيون العراقيون وأبناء الطوائف الدينية الصغيرة، خصوصا الطائفة المسيحية، بالقلق من ان يسيطر الشيعة المؤيدون لحكم ديني على مجلس اعداد الدستور المنتخبين. وقال بروفسور القانون حكمت حكيم الآشوري المسيحي الذي عمل مع اللجنة الدستورية «نحن نحتاج الى خبراء في كتابة الدستور وقد لا يمكننا ان نحصل عليهم عبر الانتخابات. فلكي يكون لدينا فعلا نظام ديمقراطي في العراق يجب ان نتوثق من ان لدينا كتّاب دستور غير منحازين لصالح دين معين أو طائفة معينة». صياغة الدستور تعتبر واحدة من ثلاث خطوات متبقية في خطة ادارة الرئيس بوش لاقامة حكومة مستقلة وديمقراطية في العراق. فعقب الفراغ من صياغة الدستور العراقي سيجرى حوله استفتاء، وبمجرد المصادقة عليه ستقام انتخابات في البلاد للوصول الى شكل الحكومة المنصوص عليها في هذا الدستور. فادارة الرئيس جورج بوش ستسلم السيادة كاملة للعراقيين فقط بعد تكوين الحكومة العراقية المرتقبة. ويصر مسؤولون في سلطات الاحتلال على ان مسألة صيغة الدستور العراقي أمر متروك للعراقيين انفسهم، الا ان بول بريمر الحاكم المدني للعراق ابلغ اعضاء مجلس الحكم العراقي بانه يعتقد ان تأخير اجراء الانتخابات سيؤخر عملية تسلم العراقيين السيادة كاملة على بلادهم، كما اعرب عن اعتقاده ايضا في احتمال ان يسفر ذلك عن بعض اوجه القصور في الدستور المرتقب. ويعتقد بريمر انه من الافضل ان يكون هناك فريق من الخبراء يمثل الأطراف المعنية بدلا من تكليف مجموعة من الاشخاص لا اهلية او سلطة لهم سوى فوزهم في الانتخابات. وفيما تركت سلطات الاحتلال لمجلس الحكم الانتقالي تحديد كيفية اختيار الاشخاص الذين ستوكل اليهم مهمة صياغة الدستور، فان بريمر يملك حق الاعتراض على القرار. وعلى الرغم من ان المجلس تسلم أواخر الشهر الماضي تقرير لجنة الدستور، فان العملية لا تزال حتى الآن في مرحلة مناقشة هذه القضية. وفي خطوة تهدف فيما يبدو الى تحفيز القادة العراقيين، حددت ادارة الرئيس بوش في قرار مجلس الامن الذي اجيز الاسبوع الماضي يوم 15 ديسمبر (كانون الاول) المقبل موعدا لتحديد جدول زمني لصياغة الدستور العراقي. ومن جانبها تأمل الادارة الاميركية في ان يتم الفراغ من صياغة الدستور العراقي مطلع العام المقبل مع اجراء استفتاء عام بعد وقت قصير من انتهاء العمل في صياغة الدستور واجراء الانتخابات بنهاية فصل الصيف، الا ان مسؤولا اميركيا يعتقد ان المهام المطلوبة ربما لا تنجز طبقا للجدول الزمني المحدد. وعلى الرغم من ان دولا اخرى والعديد من القادة السياسيين العراقيين قد حثوا ادارة بوش على انهاء الاحتلال وتسليم السيادة كاملة للعراقيين قبل استكمال صياغة الدستور، فان مسؤولين اميركيين استبعدوا هذا الخيار على اعتبار ان هذا الاتجاه ربما يشجع قادة المرحلة الانتقالية على تطويل أمد عملية صياغة الدستور وربما عرقلتها. وقال عراقيون مشاركون في عملية صياغة الدستور ان اكبر عقبة في طريق اختيار أي توجه بخلاف اجراء الانتخابات هي الفتوى التي اصدرها رجل الدين الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني، اذ ان هذه الفتوى، التي تؤكد على ضرورة انتخاب الاشخاص الذين سيتولون عملية صياغة الدستور، تعتبر من كلا الطرفين المعنيين بهذه القضية كمطلب لا يمكن تجاهله. فقد قال موفق الربيعي، عضو مجلس الحكم العراقي، ان السيستاني يعتبر اكثر الاشخاص المتنفذين الذين سيكون لهم دور في تحديد الدستور العراقي المرتقب. وقال الربيعي ان السيستاني على ادراك تام بطبيعة التحديات التي تواجه اجراء الانتخابات، الا انه يعتقد ان الانتخابات تعتبر افضل طريقة لضمان ان يكون الدستور مصاغا بواسطة مجموعة منتخبة. وفي تعليقات مكتوبة الى «اسوشييتد بريس» قال السيستاني انه ليس من المحتمل «ان يكون هناك بديل» لاجراء انتخابات عامة في البلاد. وقال الربيعي انه واعضاء آخرين في مجلس الحكم الانتقالي يحاولون التوصل الى اجماع حول اختيار عدد يتراوح بين 250 و300 ممثل لصياغة الدستور، مؤكدا ان التركيز على اختيار النخب المحلية سيساعد على ضمان مشاركة اكثر العناصر كفاءة واعتدالا. وأوضح الربيعي انه يحاول الآن اقناع السيستاني بتأييد هذا المقترح. وثمة جانب آخر اكثر اثارة للجدل يتمثل في ما سينص عليه الدستور العراقي المرتقب. فهل سيكون الاسلام الدين الرسمي للدولة؟ وهل سيكون الاسلام مصدرا من مصادر التشريع أم المصدر الأوحد له، كما يطالب بعض الشيعة؟ وهل سيسمح النظام الفيدرالي للاكراد والشيعة بتطبيق قوانين خاصة وعطلات رسمية في المناطق التي يشكلون فيها غالبية؟ هنا، يقول البروفيسور حكمت حكيم انه اذا كان ثمة اعتقاد في صعوبة هذه المسألة، فمن الافضل الانتظار حتى بدء المؤتمر الدستوري.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»