مشكلات نشر الرواية وتوزيعها في مائدة مستديرة

دور الرقابة في الحد من نشر الرواية وطباعتها والقرصنة في النشر والتوزيع قضايا بحثها النقاد والناشرون والمترجمون في القاهرة

TT

احتلت مشكلات نشر الرواية وتوزيعها جانباً كبيراً من اهتمامات النقاد والمترجمين والناشرين المصريين والعرب والأجانب والذين شاركوا في فعاليات مؤتمر الرواية العربية الثاني الذي انعقد في القاهرة قبل أيام. وقد خصصت ادارة المجلس الأعلى للثقافة المشرفة على المؤتمر مائدة مستديرة لمناقشة أسباب تردي حالة الترجمات الغربية للرواية العربية وتراجع عدد كبير من الناشرين الغربيين عن تسويق ونشر الترجمات الأجنبية للروايات العربية، فضلا عن امتناع دور النشر الكبرى عن الاهتمام بتسويق ونشر روايات عربية.

وقالت المترجمة الايطالية ايزابيلا كاميرا دافليتو، التي تقوم بتدريس الأدب العربي المعاصر في جامعة نابولي: لا يوجد نجاح كبير للرواية العربية بالرغم من وجود الترجمات والجهد الكبير المبذول فيها، إلا انها ما زالت توزع على نطاق ضيق ومحدود بين النقاد والباحثين، فهي حتى الآن لا تتمتع بتوزيع كبير ولا باهتمام يؤدي الى ذلك من جانب الناشرين الكبار في أوروبا وأميركا، والسبب وجود موقف سياسي ضد الدول العربية.

وأشارت دافليتو الى انه لا توجد رواية عربية تباع في المكتبات الرئيسية والمهمة، حتى كتب نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل شهدت انحسارا كبيراً في نشرها في المكتبات، ولا توجد لاهي وغيرها إلا في مكتبات صغيرة ومتخصصة. وأضافت: «انه منذ سنوات كنا نستطيع أن نقدم لدور النشر روايات من فلسطين، الآن دور النشر قليلة»، ودعت ايزابيلا الى ضرورة ان يقوم العرب بدور في هذا المجال، وان تدعم السفارات عمليات التبادل الثقافي والنشر وتساهم في مساعدة دور النشر التي تترجم الأدب العربي في أوروبا وأميركا.

وذكرت ايزابيلا انها لا تستطيع أن تنشر في المجلات في ايطاليا مقالاً عن الأدب العربي في الوقت الذي تنشر فيه مقالات عن الأدب الاسرائيلي، وهي مقالات مدفوعة الثمن تنشر في مجلات شهيرة هناك.

ويرى الروائي السوري نبيل سليمان ان للرقابة دوراً كبيراً في الحد من نشر الرواية وطباعتها. وذكر انه في سورية لا يطبع أي كتاب بدون الحصول على موافقة الرقابة مسبقا. وقال: «طالبت مراراً بكف يد الرقيب في اتحاد الكتاب السوريين عن ذلك لأنها أقسى من كف الرقيب غير المثقف، ومن هنا يعاني الكتاب من ازدياد قسوة الرقباء في السنوات الأخيرة، وهناك روايات كثيرة تمنع لجرأتها، وهو ما يجعل روايات كثيرة لا تخرج الى النور، ويمكن معرفة ذلك من عدد الروايات التي تتقدم للمسابقات، فمثلا عندما أعلنا عن مسابقة للرواية باسم «حنا مينا» وصلنا 240 رواية، وهذا يعني ان في سورية دفقاً روائياً غزيراً، وهذا الدفق غير مسموح له أن يخرج الى النور بسبب معوقات كثيرة أقساها يد الرقيب في اتحاد كتاب سورية».

وتحدث نبيل سليمان عن القرصنة في مجال نشر الروايات والمترجمة منها على وجه الخصوص. والحال سيىء أيضاً في التوزيع. وقد يستمر هذا الى أجل غير معلوم. والحل الذي يراه يتمثل في شقين: الأول وجود مؤسسات كبيرة تضطلع بمهمة النشر والتوزيع، فلا فائدة ترجى من دكاكين النشر الصغيرة، كما ان هناك ضرورة لوجود مؤسسات تقتني الروايات وهي عملية تساعد في تنشيط النشر.

وتحدث طالب الرفاعي المسؤول بالمجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت عن العلاقة بين المؤلف والناشر، التي تنتهي بمجرد طبع الكتاب، ودعا الى وجود شبكة كبيرة وواسعة لترويج الكتاب عبر الجامعات ودور النشر والمكتبات العامة، لتمكن الكاتب من نشر إبداعه بشكل كبير.

وأشار الرفاعي الى عدم وجود مشروع عربي كبير لنشر الروايات، فكل دولة تنشر بمفردها، ولمح الى مشروع مستقبلي للمجلس الوطني الكويتي لنشر الرواية، إذ سترفق مع أعداد مجلة «العربي» الكويتية روايات جديدة ، وهو مشروع قادر على أن يرتفع بنشر وتوزيع الرواية العربية في أنحاء الوطن العربي.

وأشارت الكاتبة السورية غالية قباني الى ان هناك اشكالية في تقاليد النشر والقراءة والطباعة في مؤسسات النشر العربية، كما انه لا توجد منظومة واضحة لجعل القراءة عادة يومية في المجتمعات العربية. وذكرت ان الفرد في الوطن العربي يقرأ ما هو محتاج له فقط، فلا توجد ثقافة تكرس الحاجة الى الاشباع الروحي بالقراءة، وهو ما ينعكس على الأدب بشكل عام. وقالت غالية قباني ان الرواية ولدت في الوطن العربي كائناً معوقاً، كما ان الطباعة ولدت معوقة، فليست هناك صناعة نشر عربية بالمعنى المفهوم تهتم بقراءة الأعمال المرشحة للنشر وطباعتها وتوزيعها، وهذا يجعل الروائي العربي معزولا عن المجتمع. وتحدثت عن الناشرين الذين يهتمون فقط بالحصول على أموال نظير طبع الأعمال الأدبية من دون نظر لقيمة ما يطبعونه من كتب.

أما المترجمة السويدية مارينا ستاج فقدمت مداخلة قالت فيها «لم تنشر دار نشر كبرى واحدة في السويد كتاباً واحداً لمؤلف عربي، وهي أعمال لا تهتم بها سوى دور النشر الصغيرة، وقد كانت الكتب المنشورة من الروايات العربية في البداية قليلة جدا، وكذلك كان الاهتمام بها، وقد قدمت دور النشر الصغيرة في السويد مثل «دار الحمراء» التي يملكها هشام بحري أعمالا كثيرة، وهي تعمل بحماس كبير من أجل انجاز وطبع رواياتها وكتبها العربية». وذكرت ستاج ان هذه الدار نشرت روايات كثيرة، لكن التوزيع محدود وهي تعاني من أزمة نتيجة ذلك، وربما تقف هذه المحدودية في التوزيع أمام دخول دور النشر الكبرى الى عالم نشر الروايات العربية المترجمة، وقد تكون سبباً من أسباب ترددها في الاضطلاع بهذا الأمر.

وأشارت الى ان الذين يترجمون الأدب العربي في السويد قليلون. ورغم وجود سوق كبير في السويد لتوزيع وتسويق الرواية العربية إلا ان وجودها محدود. ودعت الى استثمار الوجود العربي الكبير في السويد، والذي يتمثل في كثير من اللاجئين العرب، وهذا يحتاج الى أموال كثيرة. وتحدثت ستاج عن وجود بعض الكتاب العرب في السويد بين اللاجئين أمثال سليم بركات.

وتحدث الدكتور فتحي عبد الفتاح عن أزمة المبدع، مشيراً الى ان المبدع العربي لا يعيش على إبداعه، فجميع المبدعين العرب يبحثون عن عمل آخر غير الإبداع يعيشون منه، وذكر ان الاعمال التي تحتل مساحة قرائية كبيرة تحتلها لسبب بعيد عن الإبداع والتفرد ولكن بسبب علاقتها بالتابوهات. وقال د.عبد الفتاح: «ان الجوهر الحقيقي للإبداع هو الحرية وهي قضية مهمة لا بد من ايجاد حلول لها، بعد أن صارت ممارسة الإبداع خطراً على حياة وحرية المبدعين، فالمبدع الذي يخرج على هذه التابوهات يتعرض لمخاطر كثيرة، ومع ذلك ومن خلال متابعة هذه الأعمال التي تصدر ممكن أن نضع أيدينا على نوعية الكتب والروايات التي يقرأها المصريون والعرب، وهذا سوف يجعلنا نضع أيدينا على مفاتيح كثيرة في مجال نشر وتوزيع الرواية العربية».

وأشار الباحث الدكتور محمد فتحي عبد الهادي الى دخول بعض المبدعين العرب مجال النشر الالكتروني إما عن طريق دور النشر أو قيامهم بأنفسهم بذلك، وهناك كتب تصدر على الانترنت من دون أن تطبع، وقد تصدر كتب عبر الانترنت بشكل مواز لصدورها مطبوعة. ودعا د. فتحي الى بحث ذلك وتأثيره على نشر الرواية، وضرورة ضبط الروايات الصادرة ببليوجرافياً، لانه لا يوجد دليل حول الروايات الصادرة بحيث يوثق للرواية العربية، لنعرف عدد الروايات التي صدرت في كل دولة على حدة وفي الوطن العربي عامة. وذكر د.فتحي ان الببليوجرافيا العربية للروايات الصادرة يجب ان تتم بشكل مستمر ومنظم، ولا يجب ان نتركها للأعمال الفردية ويجب ان ندقق في المعلومات التي تخرج من دور النشر حتى تكون الببليوجرافيا معبرة بشكل دقيق عن النشر العربي في مجال الرواية.

وأشار الروائي هاني طلبة الى ان الكتاب يواجه مشكلات كثيرة أهمها الطباعة والتسويق، كما ان معظم الاغنياء لا يقرأون، والفقراء غير قادرين على القراءة، ومستوى دخل الفرد العربي لا يتيح الفرصة للقراءة ودفع ثمن الكتاب، إضافة إلى ان توزيع الرواية العربية يواجه مشكلة كبيرة، إذ لا توجد شركات توزيع كبيرة على مستوى الوطن العربي تضطلع بهذه المهمة.

ودعا طلبة الى ضرورة ان تنشئ وزارات الثقافة في الوطن العربي جوائز لتشجيع وترويج الرواية العربية للتعريف بالأدباء، مثلما تفعل الجامعة الاميركية بجائزتها التي تمنحها باسم نجيب محفوظ، وقد حقق عدد من الكتاب شهرة كبيرة بسبب حصولهم على هذه الجائزة.

وتحدثت المترجمة الايطالية مونيكا روكو عن الترجمة السيئة للروايات العربية الى الايطالية على قلتها، مشيرة الى ان كتابا وطلابا كثيرين في ايطاليا يريدون الاطلاع على الأدب العربي، إلا انهم لا يعرفون كيف يحصلون على هذه الكتب بسبب القصور الاعلامي. وقالت مونيكا روكو ان الاشتراك في المهرجانات يمكن أن يقوم بدور في التعريف بذلك، كما يمكن ان تكون هناك ندوات عن الأدب العربي المعاصر في المراكز والجامعات تروج للترجمات الأجنبية للروايات العربية.

وذكرت الناشرة التونسية نجاة ميلاد ان الكتاب العربي بلا قراء بسبب القصور في تسويقه والدعاية له، وقالت ان الدعاية والاعلان لهما دور مهم في التعريف بالكتاب العربي.

أما المترجم السويسري هارتموت فندريتش فأعرب عن تفاؤله لحالة الكتاب العربي في أوروبا، مشيرا الى ان هناك توسيعا في توزيع الرواية هناك، وان هناك اهتماما متزايدا في أوروبا بالكتاب العربي والروايات الصادرة وليس أعمال نجيب محفوظ فقط.

ولفت المترجم الاميركي روجر آلن الى ان أزمة القراءة ومحدوديتها غير قاصرة على الدول العربية فقط، لكنها موجودة في أميركا وانجلترا، وذكر ان هناك تحولات كبيرة في العالم لا بد من مراعاتها في عملية النشر للرواية والإبداعات الأخرى، إذ بدأت قطاعات كبيرة من القراء والافراد يتعاطون مع الكومبيوتر والانترنت، وهو ما يجب استغلاله لصالح الرواية وضرورة ارتيادها مجالات النشر الالكتروني.

وتحدث الناشر المصري ابراهيم المعلم عن صناعة كتب الاطفال في الوطن العربي وما تشهده حاليا من تطورات، وأشار الى ان دور النقاد محدود في الكتابة عن الرواية والابداعات الشعرية والقصصية وان حكاية الأسعار المرتفعة لا تؤثر في توزيع الكتب بالسلب فهناك كتب غالية جدا، ومع ذلك يتم توزيع اعداد كبيرة منها. وقال ان الجوائز أيضا لا علاقة لها بزيادة القراء، مشيرا الى ان المشكلة تنبع من تدريس الأدب في المدارس. وأشار الناشر محمد هاشم مدير مركز ميريت الى ان احترام المبدع وحريته ركيزة من أهم ركائز ميريت، لكنها تواجه عقبة كبيرة خاصة بعدم وجود منافذ تسويق تخرج من خلالها مطبوعاتها للناس، وقال ان هذا يجعله أحياناً يلجأ الى طلب مساهمة المبدع في تحمل تكاليف الطباعة حتى لا تتوقف ميريت عن النشر.