شركات الإنتاج «تحتكر الفن» وتحول النجوم إلى «عاطلين عن العمل»

كاتيا فرح تبحث عن شركة تتبناها وزلزلي لا يستطيع إنتاج ألبوم وفقا لشروطه وميشلين تصف الساحة الفنية بـ(المقرفة)

TT

تبحث المطربة اللبنانية كاتيا فرح عن شركة انتاج فنية تتبناها وتعيدها الى الساحة الفنية بعد طول غياب. وقالت فرح لـ«الشرق الأوسط» انها مصدومة بالوضع السائد بالنسبة للفنان الحقيقي، مشيرة الى ان الزمن الحالي يتوجه الى القد الجميل وليس الصوت الاصيل، واعتبرت كاتيا انها واحدة من عشرات الفنانين اللبنانيين الذين ينتظرون الفرج للاطلالة من جديد على جمهورهم، وان اسماء لامعة في عالم الغناء باتت غير موجودة اليوم بسبب اهمال شركات الانتاج الفنية لها، لأنها تسعى حالياً وراء فنانات دخيلات على عالم الغناء وترى فرح ان المشوار ما زال طويلاً جداً، ويصعب الوصول الى الفرج بوجود هذا الكم الهائل من الفنانات الدخيلات على المهنة، اللواتي يغنين بأجسادهم وليس بصوتهن.

وكلام كاتيا يسلط الضوء على ازمة جديدة يواجهها عدد من المطربين والمطربات المعروفين في لبنان، وهي عدم تبنيهم من قبل شركات الانتاج. فحالياً يندرج اكثر من اسم فنان او فنانة على قائمة طويلة وتصح فيهم تسمية العاطلين عن العمل، اذا جاز التعبير، في غياب شركة او جهة معينة تأخذ على عاتقها انتاج اعمال فنية خاصة بهم وترويجها. وتطول لائحة هؤلاء الفنانين لتشمل اسماء معروفة على الساحة الفنية تركت بصماتها الايجابية ولديها اغان شهيرة امثال زين العمر وهاني العمري، ومنى مرعشلي، وغيرهم. وقد اضطر بعض هؤلاء الى طرح أغان احادية Single للعودة الى الساحة بشكل او بآخر، مثل اغنية «آلو» لهاني العمري، و«على عيني» لزين العمر. وبعض هؤلاء لمعت اسماؤهم في العالم العربي، ومنهم علاء زلزلي الذي ما زال حتى الآن يبحث عن شركة فنية تنتج له عمله الجديد على طريقته وضمن شروطه الفنية.

ويؤكد زلزلي الذي يغيب عن الساحة الفنية منذ اكثر من عام ونصف العام ان بعض شركات الانتاج تستخف باسماء فنانين يتمتعون بقدر كبير من النجاح، وذلك للتمكن من اتمام صفقات بكلفة اقل مما يجعلها تتحكم بهم كما تريد.

وتتذمر بعض المطربات من عدم الاهتمام حالياً بالفنانات ذوات الصوت الجميل، مما جعل شركات الانتاج تراهن على اسماء عرفت في عالم عرض الازياء مثلاً او الاعلانات التجارية.

وتضم المطربة ميشلين خليفة صوتها الى اصوات المطربات المظلومات ، لاسيما انها واحدة من الفنانات الاصيلات، وقد انتظرت اكثر من ثلاث سنوات لتنال فرصتها مع احدى شركات الانتاج. وتصف الفترة التي ابتعدت فيها عن الساحة الفنية وعن سوق الكاسيت بـ«المقرفة» اذ كانت تراقب تدهور مستوى الاغنية اللبنانية بشكل ملحوظ.

وتأتي كلودي الشمالي من ضمن المطربات اللواتي اختفين عن الساحة بشكل ملحوظ لعدم تبينها من قبل شركة انتاج فنية، وقد رددت اخيراً انها تفكر في انتاج اعمالها بنفسها.

المطرب طوني كيوان اختصر الطريق من الآخر واسس شركة انتاج تحمل اسم «كيوان برودكشن» تسّوق لأعماله الفنية، فيما المغني سيمون حدشيتي ينتظر من يتذكره او يدق بابه.

ومن الفنانين الذين لمع نجمهم قبل عقد او اكثر وغابوا قسراً عن الساحة الفنية لاعتبارات تعود بالدرجة الاولى الى تمنع شركات الانتاج عن دعم اعمالهم. اعتبرت المطربة منى مرعشلي ان الفوضى الحاصلة في «عالم» الاغنية، هي السبب الرئيسي لغيابها المعلن. وقد اعتمدت هذه التسمية نظراً لاستمرارها باحياء الحفلات في دول مختلفة من العالم. وهي تحضر كذلك البوماً يتضمن اللون الغنائي الطربي الذي طالما عرفها الجمهور به.

وتشدد منى دائماً على عدم تغييره، لأنها لن تسير مع التيار الحالي السائد في الاغنية اللبنانية والعربية مع احترامها لعدد من المغنين.

وكيلا تقع مرعشلي فريسة هذا الجو الجديد اصرت على انتاج اعمالها بنفسها لأنها تبحث كما اضافت، عن النوعية الجيدة عوضاً عن الكمية التي يمكن ان تؤمنها لها شركة الانتاج «اذا توفرت». وهي تقول انها لا ترغب في تحطيم ما اسسته خلال سنوات طويلة مديرة ظهرها للربح المادي المسيطر حالياً على عقول معظم من يمتهن الفن على حد اعتبارها. ومن المؤسف كما تضيف ان المنتجين والشعراء والملحنين يعرفون حق المعرفة مستوى الامكانيات الصوتية التي يحملها عدد من الفنانين الجدد ولكنهم يغضون النظر عنها. وهو ما يدفع الى انتشار الصورة الرديئة التي لا تتعدى العرض المشهديShow، ويغزو بالتالي معظم المنازل والعقول امام نسبة كبيرة من الفنانين الذين يحترمون انفسهم ويلزمون بيوتهم.

الفنانة مادونا من جهتها ترفض «اتهام» نجوميتها بالتراجع جماهيرياً بل تعتبر ان ما حصل طال الناحية الاقتصادية لحياتها الفنية على حد قولها، وذلك لأنها كما تعتبر «فقدت الانتاج نتيجة عدم احتضان شركة خاصة لأعمالي»، مؤكدة على وقوف عدد من تلك المؤسسات وراء نجوم الحاضر. وتساءلت مادونا عما يمكن ان يتبقى من هؤلاء في حال انتزاع الرعاية عنهم؟». وذلك لأن الفنان بنظرها لا يستطيع الاستمرار بمجهوده الخاص. وما يثير العجب ان مجموعة من الفنانين يدخلون شركات محترمة ومعروفة، بينما هي ما تزال في دائرة التفاوض معها. وتواجه بالتأجيل الدائم. واعتبرت ان في ذلك مؤامرة، خصوصاً اذا ما لوحظ «الموت السريع» الذي تعاني منه الاغنية الراهنة، وهو ما يدل على التجارة البحتة، واضافت «انه عصر الاغنية الموسمية البائدة وليس عصر الفنان الجيد الساطع نجمه».

وفيما يتولى بعض من بقي على الساحة من الفنانين انتاج اعماله بنفسه، مثلما اعتاد الفنان راغب علامة منذ سنوات ليبقى «سوبر ستار» الجمهور في لبنان وخارجه. يعجز بعض من ظهر معه منذ اكثر من عشر سنوات عن انتاجات فردية يتولاها بقدراته الخاصة. كما هو حال الفنان مايز البياع، الذي يبرر تقلص اعماله بغياب شركات الانتاج مؤكداً محاولاته المستمرة اصدار الاغنيات المنفردة عبر «فيديو كليب» تبثه المحطات التلفزيونية. ويضيف ان معادلة الاغنية الناجحة والفنان النجم اختلفت عن ذي قبل، لأن الواحد من هؤلاء يحتاج بنظره اليوم الى عملية متابعة تشمل فترة طرح العمل.

وهو يعتبر كغيره ان افول نجم العديد من ابناء جيله يعود الى سيطرة الكثير من شركات الانتاج على الساحة الفنية واحتكار بعضها للسوق والتضارب فيما بينها من جهة اخرى وفي سياق ذلك وجد البياع ان كلفة المتابعة الادارية للفنان ارتفعت على مر السنوات امام شركات لا تعرف المصداقية «وهي فاتحة على حسابها؟»، وتتعامل بالتالي مع ظاهرة السوق السوداء للكاسيت والـCD الرائجين في لبنان حالياً حيث يباع العمل غداة طرحه في الاسواق بأرخص الاسعار.

وقد حاول البياع كما قال التغيير في الاسلوب الغنائي مطعماً الالحان بايقاعات غربية، لكنه وجد نفسه يغرد «خارج السرب». واضاف ان الموجة الراهنة والمستمرة منذ ثماني سنوات تقريباً لا تستند الى ارض صلبة، وانما تتكل الى عينة من المستعمين الذين لا تتعدى اعمارهم الثماني عشرة سنة. وشدد على وجود ردة للكلمة الجيدة والاسلوب القديم و«الاصيل».

ويتساءل البعض عن القواعد التي يرتكز عليها تفضيل مطرب عن غيره من قبل شركات الانتاج التي تأخذ على عاتقها الترويج والتسويق وتوزيع العمل الفني. وفيما تعتمد شركات ازدياد الطلب على الفنان لاحياء الحفلات ميزاناً لشهرته، فإن شركات اخرى تعتقد ان مبيعات شريط الفنان هي الدافع للتهافت عليه اكثر من غيره.

وتتنافس شركات الانتاج على جذب اسماء كبيرة او معروفة من الفنانين لديها وتدفع بالمقابل مبالغ كبيرة لاجتذابهم، كما سعت شركة «روتانا» اذ دفعت حوالى المليون دولار اميركي لعمرو دياب للعمل معها مقابل تركه شركة «عالم الفن» وكذلك الامر بالنسبة الى اليسا التي قبضت مبلغاً لا يستهان به للانتقال من شركة «ديلاز» الى «روتانا».

ويمكن القول ان الساحة الفنية تعاني حالياً من ازمة، سببها طوفان «المواهب الفنية» بحيث اصبح العرض اكثر من الطلب. والمعروف ان الشركات الفنية عامة تبحث عن النجم الذي يقبل عليه جمهور عريض ويؤمن مردوداً مادياً مربحاً لها. واشار مسؤول في احدى الشركات الى ان غياب بعض المطربين المعروفين حالياً يعود الى تعنتهم او تمسكهم بآرائهم من دون الاخذ بنصائح شركات الانتاج التي ينوون التعامل معها.