السجاد الصيني: نظرة فاحصة إلى تاريخه وتصاميمه وأنواعه

فوارق فنية كبيرة بين مناطق النسج المختلفة والشعوب المتعددة في أنحاء البلاد ومع ازدياد الطلب على السجاد الصيني طور الفنانون مزيدا من التصاميم

TT

السجاد الصيني، من أكثر السجاد جاذبية لهواة جمع السجاد الشرقي او المقتنين العاديين الذين ينحصر همهم في تأثيث بيوتهم بفرش انيق له طابع شرقي. غير ان ما ينتج في الصين من سجاد هذه الايام يمتد من الناحية الفنية التصميمية على عدة انماط وانواع لها ارتباط مباشر بالاقاليم والعرقيات المختلفة في هذه البلاد الشاسعة.

النمط الغالب في أذهان العامة على ما يعرف بـ«السجاد الصيني» هو النمط التقليدي في مناطق الكثافة السكانية الصينية العرقية «الهان» Han Chinese او مناطق الداخل الصيني الذي يفصله «سور الصين العظيم» عن المناطق الاخرى، بتصاويره الصينية الكلاسيكية الذي تمثل التنين والاشجار والتشاكيل الزخرفية الخاصة. الا ان هناك انماطاً أخرى عريقة ـ يعرفها الخبراء ـ تنتج في انحاء الصين الاخرى معظمها عريق في تاريخه، من اهمها سجاد اقليم تركستان الشرقية (سنكيانغ ـ ويغور) ومنه سجاد خُتن ويشتمل على عدة ملامح وشخصيات ثقافية متميزة، والسجاد المنشوري من إقليم منشوريا والسجاد المنغولي من إقليم منغوليا الداخلية في شمال شرق الصين، والسجاد التيبتي في جنوب غربها. ويضاف الى هذه الانماط العريقة انماط أخرى استوردت تصاميمها من الخارج ولا سيما ايران، والواقع انه ينتج في الصين اليوم بعض أجمل السجاد ذي التصاميم الايرانية والقوقازية والتركية.

* رجعة تاريخية بالنظر الى تشعب الموضوع سنقصر البحث على النمط الكلاسيكي لسجاد شرق الصين. ويستدل من الوثائق التاريخية المتوافرة بدايات للصناعة التقليدية نحو القرن الميلادي الثالث عشر في محيط العاصمة بكين وميناء تيانتسين ابان عهد سلالة يوان Yuan الآتية من منغوليا. وتمييز هذا النمط عملية سهلة جدا حتى على الشخص غير الخبير، وذلك لخصائصه التصميمية المميزة من حيث التشاكيل المستعملة التي عادة تبدو وكأنها تطفو على سطح السجادة ولا صلة لبعضها ببعض ومن دون حدود واضحة. بينما في السجاد الاسلامي المشرقي (الايراني والتركي والكردي خصوصاً) نجد التشاكيل والزخارف متجانسة وبعضها متداخل ببعض لتشكل وحدة تصميمية كاملة، كذلك فإن عدد التشاكيل المستعملة محدود، ويتراوح النمط العام احياناً بين الرسم الهندسي المجرد والزهور. ومن حيث الشكل العام للسجادة فإن معظم الإنتاج الاثري مربع الشكل (بمعـدّل مترين الى مترين ونصف المتر مربّع)، بينما تختلف اشكال القطع القديمة والحديثة المعاصرة، فتشمل مختلف الرقع والاشكال بما فيها الدائري والاهليلجي Eliptical (شبه البيضاوي)، ومنه ايضا «ليانات» او انخاخ للممرات.

من الناحية التاريخية لم تكن هذه الصناعة في يوم من الايام في عداد الفنون الصينية الرئيسية الراقية. ولذا لم تلق رعاية بالغة او اهتماماً كبيراً حتى حوالي النصف الثاني من القرن السابع عشر، عندما كانت صناعة السجاد وفنونه في اوجها في مختلف دول المشرق الاخرى. ولعل مرد هذا التأخر عوامل عدة منها: قلة انتاج الصوف في الصين، وطبيعة الحياة اليومية للمواطن الصيني التي لم يلعب فيها السجاد دوراً مهماً، يضاف اليها عامل الطقس ايضا. الا ان العامل الاهم قد يكون ان هذه الصناعة لم تجد لها مكانا وسط شغف الصينيين بالصناعات الفنية الدقيقة كنسج الحرير وتنفيذ الزخارف والاشكال الدقيقة التي نراها في تطريز الحرير ونقوش الخزف الصيني. ويقال ان بعض الصينيين اعتبر صنع السجاد حرفة «همجية» متخلفة لارتباطه بشعوب آسيا الوسطى من الترك (الويغور والقزق والقيرغيز والتركمان) الذين طالما هدّدوا الصين على مدى التاريخ. وهذه النظرة، اضافة الى قلة كميات السجاد الاثري العائد الى الحقب الزمن القديمة من تاريخ الصين، جعلت نظرة العامة الى السجاد الصيني محكومة بأنه سجاد معاصر من القرن العشرين يُصنع في مشاغل كبيرة عادة ما تمتلكها شركات اجنبية.

* مراكز الانتاج الرئيسية يكاد يتعذّر معرفة «منطقة نسج» السجاد الصيني الحديث بدقة انطلاقاً من تصميمها. ولكن في مـا يلي بعـض اهم مراكـز هذه الصناعة:

نينغسيا Ning Hsia : معظم سكان منطقة (اقليم) نينغسيا، في شمال الصين، مسلمون اعتنقوا الاسلام في القرن التاسع، وارتبطوا بعلاقات قربى بسكان تركستان الشرقية الذي برعوا في صنع السجاد قبل قرون. ويروي الأب جربيللو الذي رافق الامبراطور الصيني عام 1696 الى نينغسيا في احدى الوثائق التاريخية «ان الامبراطور اعجب بالسجاد واصرَّ على التفرّج على طريقة صنعه». ولعل هذا الاهتمام الطارئ كان وراء المباشرة بصنع السجاد للقصر الامبراطوري واماكن العبادة لاحقاً، هذا يعني ان هذه الصناعة كما نعرفها اليوم في الصين بدأت من نينغسيا. حسب معايير اليوم يُعد انتاج نينغسيا الافضل بين السجاد القديم. وبسبب عراقة هذه المنطقة في هذه الصناعة، صار اسم «نينغسيا» يطلق على كل السجاد الصيني الرفيع المستوى، لدرجة ان بعض التجار باتوا يسيئون استغلال هذا الاسم سعيا وراء ترويج بضاعتهم. كذلك قد يطلق هذا الاسم لتمييز الانتاج القديم عن الانتاج التجاري الذي بوشر بصنعه في اواخر القرن التاسع عشر. ومما يساعد على تميز انتاج نينغسيا عن غيره من السجاد الصيني ان صوفه جيد النوعية ويجلب خصوصاً من التيبت ومنغوليا.

الجدير بالذكر ايضا ان السجاد لم يكن يصنع داخل مدينة نينغسيا وحدها، بل في المدن والبلدات المحيطة بها ايضا، حيث كانت الصناعة بيتية بالدرجة الاولى. ومن اهم هذه المدن: زينينغ Xining وداييوان Daiyuan ولانجاو Lanzhou وسينينغ Sining وسوجاو Suzhou، الا ان انتاج كل منطقة نينغسيا كان ولا يزال يسوّق من المدينة ويحمل اسمها.

ويتسم سجاد نينغسيا من الناحية التقنية او التركيبية بقلة عدد عقده، لكن الصوف المستخدم فيه ناعم والاساس قطني مما يجعل السجادة طرية سهلة الطي. اما عن التصاميم الفنية المعتمدة فيه فمتنوعة اكثرها شيوعاً تصميم الوسام المركزي (الجامة) ويكون عادة وساماً مستديراً مؤلفاً من مجموعة تشاكيل صغيرة مكررة، قد تكون تشكيل تنين او اضمومة زهر او مجموعة طيور او اشكال هندسية. واحيانا يتكرر هذا التصميم في زوايا السجادة. باو تاو Pao Tao: باو تاو مدينة ـ واحة تقع على النهر الاصفر Huang Ho على طرف صحراء اوردوس بشمال الصين. وتعد مركزاً مهماً لصنع السجاد وتسويقه، وتزدهر الصناعة خصوصا في بلدتي سوييوان Suiyuan وغويهواGuihua وبلدات صغيرة اخرى في محيط المدينة.

يتميز سجاد باو تاو بصغر رقعة قطعه (1.6 م X 0.8 م)، وبكثافة عقد عالية نسبياً، وبتصاميم حيّة كالمناظر الطبيعية والصور البشرية والطيور والخيول والزهور. ويُستخدم اللون الازرق الغامق للارضية في بلدة سوييوان، بينما يكثر استخدام اللون الاشهب واللون العاجي مع مختلف درجات الاحمر المائل الى البني في باو تاو نفسها، اما الزخارف فزرقاء وصفراء وبيضاء. ومن الملاحظ كثرة استخدام اللون الاحمر في النماذج القديمة.

غانسو Gansu: منطقة بشمال وسط الصين على الحدود الجنوبية لصحراء غوبي الواسعة. ويتسم السجاد الذي يصنع في قرى المنطقة وبلداتها بالالوان الزاهية والتشاكيل والتصاميم والزخارف التي تشبه الى حد بعيد انتاج تركستان الشرقية (خُتن ويرقند وكاشغر). الأساس (اي خيوط السداة واللحمة) في سجاد غانسو (كانسو) غالباً من القطن، وعقده اكثر كثافة من عقد سجاد نينغسيا، ووبره ناعم وطويل، وشكل السجاد مستطيل. اما بالنسبة للتصاميم، فيكثر في غانسو استخدام الوسام المركزي المستدير واحياناً ثلاثة اوسمة مركزية. وفي المنطقة تشكيل خاص بها يعرف باسم «بولو» bulo هو عبارة عن دوائر حمراء وزرقاء وبيضاء منثورة على ارضية السجادة، التي تكون عادة زرقاء مع تشاكيل حمراء او برتقالية اللون. بكين Peking / Beijing: تأسس اول مشغل سجاد في العاصمة الصينية بكين عام 1860 تحت رعاية الامبراطور، ويقال ان اول من اشرف عليه راهب بوذي من التيبت. وقد صُنعت في هذا المشغل اعداد ضخمة من السجاد السميك الكبير القطع الذي غلبت عليه الارضية الزرقاء او الشهباء او العاجية المزينة بباقات الزهر، او الرموز الصينية التقليدية مع وسام مركزي مكوّن من عدة اجزاء تشكل معا منظراً طبيعياً.

سجاد بكين اكثر عقداً من سجاد نينغسيا، اذ يتراوح عدد عقده بين 60 و86 عقدة في البوصة المربعة، وصوفه لامع. ولكن مع ان تصاميم سجاد بكين القديم كانت تشبه كثيراً تصاميم نينغسيا، تغير الحال في اواخر القرن التاسع عشر لكي تتفق مع ذوق المشتري الغربي، وهكذا صارت الارضية شهباء اللون او زرقاء فاتحة مزينة بباقات الزهر وعدد من الرموز الصينية التقليدية، وخاصة الرموز التاويّة الدينية.

ومع ازدياد الطلب العالمي على السجاد الصيني في القرن العشرين طوَّر الفنانون والصانعون الصينيون مزيدا من التشاكيل والتصاميم الجديدة. كما تأسس العديد من مشاغل السجاد في مدينة تيان تسين (تيانجين) Tientsin/Tienjin ـ التي تعد ميناء بكين وثالث كبرى مدن الصين بعد شنغهاي وبكين ـ وعدة مدن اخرى. كذلك ادخلوا عدة الوان جديدة على الصناعة منها الاخضر الفاتح (الفستقي) والزهري (البمبي) Pink، والاحمر الارجواني والرمادي، وهي الوان لم يكن ينظر اليها في الماضي بعين الرضى. وبين المناطق الصينية التي تنتج السجاد اليوم حسب نمط بكين المعاصر مناطق شانسي Shansi وشنسي Shensi وجيلي Zhili، ولكن من الصعب جدا تمييز انتاجها.