الجعفراوي: 11 سبتمبر غيرت استراتيجية عمل المؤسسات الإسلامية في أوروبا

TT

يتولى الدكتور صلاح الدين الجعفراوي رئيس المجلس الاسلامي في المانيا العديد من المهام في مجال الدعوة الاسلامية، فهو الامين المساعد لاوروبا والاميركيتين في المجلس العالمي للدعوة الاسلامية، والمنسق العام للاستراتيجية والعمل الاسلامي في الغرب، ومنطقة الباسفيك تحت اشراف منظمة الايسيسكو، ومستشار بهيئة آل مكتوب الخيرية في اوروبا. «الشرق الأوسط» التقته في الرباط اخيرا واجرت معه هذا الحوار:

* المؤشرات والاحصائيات التي نشرت اخيرا اكدت ان المجتمع الاوروبي اصبح يتجه نحو انصاف قضايا عربية واسلامية، ما تعليقكم على ذلك؟

ـ حقيقة ان المواطن الاوروبي بات يميز حاليا الكثير من الامور التي كانت مشوهة في دهنه خاصة في ما يتعلق بقضايا العرب والمسلمين، فالاستفتاء الاخير الذي اجرته المفوضية الاوروبية بين الاوروبيين، اكد انهم بدأوا يستوعبون حقيقة ما كانت تبثه وسائل الاعلام الاوروبية عن الصراع في الشرق الاوسط حول الاسلام والمسلمين، ولاول مرة جاء هذا الاستفتاء واضحا لا لبث فيه. كما تم اخيرا فصل احد النواب من الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني لانه ادلى بتصريحات قيل انها معادية للسامية عندما اكد ان اليهود كانوا يقومون بعمليات ارهابية. كما اقيل قائد عسكري الماني من منصبه لانه ارسل رسالة للنائب المفصول ايده على ما قاله، وللاسف مؤسساتنا الاعلامية العربية والاسلامية لم تسلط الضوء على امثال هؤلاء الذين جهروا بصوتهم انصافا للعرب والمسلمين، وكان الاجدر بمؤسسات عربية واسلامية ان تدعو امثال هؤلاء لتكريمهم على شجاعتهم في قول الحق.

* في رأيكم لماذا هذه الصحوة الاوروبية تجاه قضايا العرب والمسلمين؟ هل جاءت نتيجة لجهود المسلمين في اوروبا، أم رد فعل لظروف ما؟

ـ هذه الصحوة كانت موجودة من قبل ولكنها مكبوتة، وكانت تظهر فقط في العلاقات الخاصة واللقاءات بين شخصيات اوروبية وشخصيات عربية واسلامية في المانيا كانوا يتحدثون معنا بصوت خافت، وكانوا يعلمون اننا لن نصرح بما قالوه، وكانوا يتجنبون مثل هذا الحديث في ما بينهم، ولكن اخيرا ظهرت بعض الاصوات القوية في المجتمع الاوروبي بعد ان اتضحت لهم حقيقة الكثير من القضايا واصبحوا يميزون بين الاسلام والارهاب، وان المسلمين في اوروبا ليسوا «خلايا نائمة» للارهاب كما يحاول البعض ان يصورهم. والاوروبي اصبح يدرك ان وسائل الاعلام في بلاده كانت تستخف بعقله ووعيه، وبالتالي بات هناك تعاطف وانصاف من الاوروبيين تجاه المسلمين الذين يعيشون معهم، بل البعض اصبح يدافع ويحمي المسلمين من تغول بعض الجهات المعادية لهم.

* ظاهرة التطرف بين اوساط الشباب المسلم التي بدأت تنتشر في بعض البلدان الاسلامية، هل انتقلت بدورها الى الجاليات الاسلامية في اوروبا؟

ـ لا توجد ظاهرة للتطرف بين ابناء الجيلين الثاني والثالث للمهاجرين المسلمين في اوروبا، بل عكس ذلك فبعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) تغيرت سلوكات العديد من شباب المهاجرين، فاصبحوا يلجأون الى المساجد والمراكز الثقافية، لانهم شعروا بأن عليهم مواجهة التحدي الثقافي والفكري والعرقي الذي فرضته احداث نيويورك وواشنطن عام 2001، وهذا الاتجاه اعتبره تحصينا لهم لمواجهة الظروف التي فرضت عليهم، ومن الاثار الايجابية في ما حدث، فقد اصبح الشباب المسلم في اوروبا يبتعد عن الانعزالية والتقوقع، واصبحوا يجرون حوارات مع نظرائهم من الشباب الاوروبي ويطالبون بان يكونوا في مستوى اقرانهم من الاوروبيين في كافة المجالات لانهم اصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمعات الاوروبية، ومن نتائج ذلك ظهرت الان بين الشباب المسلم في اوروبا صحوة شملت الى جانب تعلقهم بدينهم وهويتهم، تحسين مستواهم الاكاديمي والعلمي.

* ما هي انعكاسات احداث 11 سبتمبر على عمل الهيئات والمنظمات الاسلامية في اوروبا؟

ـ الكثير من المراكز الاسلامية في اوروبا، كان معظم اهتماماتها في السابق منصبة على تعريف وتلقين الاسلام لغير المسلمين، وقد كان لنا رأي خاص في هذا المجال، وهو يجب قبل دعوة الغير للدخول في الاسلام وتوضيح صورة الاسلام، ان نبذل اولا جهدا كبيرا للحفاظ على هوية ابنائنا المسلمين في اوروبا، وهذا يتوافق مع ميثاق الامن والتعاون الاوروبي حيث ينص احد بنوده على الحفاظ على الهوية الثقافية للاقليات الدينية والعرقية، وكانت للاسف المؤسسات الاسلامية تظن، بما ان شبابنا مسلم بالفطرة، لا حاجة له لبذل مجهود تجاهه وهذه كانت نظرة خاطئة جعلت ابناءنا يشعرون بانهم مواطنون من الدرجة االثانية وخلقت بينهم شيئا من الخوف والرهبة من الاندماح في المجتمع الاوروبي، واثر ذلك في العديد من القضايا ومن ضمنها رعاية ابناء الجاليات المسلمة في اوروبا الذين هم الاجدر بعكس الصورة الايجابية عن الاسلام والمسلمين عندما يكونون عناصر صالحة ونماذج طيبة في المجتمعات الاوروبية.

* هناك بعض الوجوه والقيادات الاسلامية تعيش في اوروبا وتظهر من حين لاخر في اجهزة الاعلام الاوروبي، فتعكس صورة سلبية من خلال تهجمهم على بلدانهم الاصلية وعلمائها، ما هو دور المراكز الاسلامية في التصدي لمثل هؤلاء؟

ـ للاسف هناك بعض العناصر الاسلامية تمارس انشطة سلبية، وان كان بعضهم لا نشكك في اخلاصهم وحسن نياتهم تجاه الدين، ولكنهم احيانا يمارسون اخطاء تدل على انهم لا يفهمون حقيقة دينهم . ونجد صعوبة في اقناعهم بسوء تصرفاتهم وللاسف البعض منهم لجأ الى تكفيرنا ورفض اي نوع من الحوار الهادئ كما هناك ايضا فئة من المنتفعين وللاسف وصل بعضهم الى قيادات بعض المراكز الاسلامية في اوروبا، فاساءوا الى الاسلام والمسلمين، ولكن من جانبنا نحاول بقدر الامكان مواجهة هذه الظواهر المتطرفة لبعض الوجوه الاسلامية حتى لا تتشتت جهودنا في سبيل خدمة الاسلام والمسلمين في الديار الاوروبية، ذلك بابراز النموذج الطيب للمسلمين. ولحسن الحظ فان الشعوب الاوروبية اصبحت تميز بين الغث والسمين.

* ما هي طبيعة النشاط الذي يقوم به المجلس الاسلامي في المانيا؟

- منذ انشاء المجلس في سنة 1989، حاولنا ان ننتهج سياسة تختلف كثيرا عن المؤسسات الاسلامية في اوروبا، ففي اواخر السبعينات واوائل الثمانينات، هاجر الى اوروبا الكثير من ابناء الحركات الاسلامية، وكان همهم الاول مناهضة الحكومات العربية والاسلامية فكنا ندعو هؤلاء الى التصالح وفتح حوار اسلامي هادئ على اساس اننا في اوروبا كمسلمين لسنا مسؤولين عن اي قضايا سياسية في البلدان العربية والاسلامية، بل يجب التعاون فقط مع القضايا العامة التي تهم المسلمين جميعا كقضية فلسطين، واحتلال الروس لافغانستان، وان نتفاعل مع قضايا انسانية عامة كالمجاعات في افريقيا، وقد نجح مجلسنا في المانيا الى حد كبير في هذا الاتجاه. وفي جانب اخر كنا نطالب منذ نشأة المجلس بالانفتاح على المؤسسات الرسمية الاوروبية، وبما اننا نعيش في اوروبا، يجب على الاوروبي ان يعي حقيقة الدين الاسلامي من خلال تعاملنا وتفاعلنا داخل المجتمعات الاوروبية.

* وهل قدمتم نماذج ايجابية في هذا الاتجاه؟

ـ نعم، على سبيل المثال عندما حدثت بعض الكوارث في اوروبا مددنا يد العون لغيرنا، كفيضانات هولندا والمانيا، فقد قررنا فتح المراكز والمؤسسات الاسلامية لاستقبال المتضررين من هذه الفيضانات وقدمنا المعونة لهم، وعندما جاء العديد من الفقراء من المانيا الشرقية الذين ضاقت بهم الابواب عقب انهيار النظام الشيوعي فتحنا لهم العديد من المراكز الاسلامية لايوائهم، حيث ان الاسلام في مثل هذه الحالات لا يفرق بين المسلم وغير المسلم.

* كم عدد المسلمين في المانيا، وما هي المؤسسات التي ترعاهم؟

ـ المسلمون حسب الاحصائية الرسمية يقال انهم في حدود 2.7 مليون نسمة، وهناك تقارير غير رسمية، تقول انهم اكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون، ثلثهم من الاتراك، لهم بعض المؤسسات التي ترعاهم، والثلث الآخر جاءوا من بلدان البلقان، والثلث الباقي منهم جاءوا من البلدان العربية ودول اخرى. واكبر جالية عربية مسلمة في المانيا هي الجالية المغربية، وهناك ما يزيد على 2400 مسجد، بعضها في شكل قاعات ومراكز ثقافية، بعضها يسع عدة الاف، وبعضها صغير يسع لعدة مئات، وبعض المدن الكبرى كفرانكفورت فيها حوالي 20 مؤسسة اسلامية، وبرلين فيها اكثر من 55 مؤسسة اسلامية، واكثر تجمع للمسلمين يزيد على ثلاثمائة الف مسلم.

* كيف ترى مستقبل الاسلام والمسلمين في اوروبا؟

ـ الامور بعد احداث 11 سبتمبر، جاءت باثار سلبية للمسلمين في اوروبا ولكن مع ذلك هناك ايجابيات تؤشر بمستقبل طيب للمسلمين، كالجهد الذي قامت به الحكومة الالمانية بعد احداث 11 سبتمبر حيث تم صرف حوالي 500 مليون يورو لاعداد دراسة توضح: هل يشكل المسلمون خطرا على المانيا، وبعد جهد سنتين في اعداد هذه الدراسة، خرجت بنتيجة نشرت قبل نحو شهرين اكدت ان المسلمين لا يشكلون اي خطر على المانيا، ودعت الدراسة الى ضرورة التعامل مع المسلمين واستيعابهم بشكل افضل في المجتمع الالماني. واذا استوعبت الجهات الرسمية في اوروبا جميعها مثل هذه الرؤية ستكون هناك فائدة كبيرة للمسلمين وكذلك لشعوب اوروبا لانهم لم يعودو مجرد عمال مهاجرين، بل هناك العديد منهم علماء لهم حضور مهم في مراكز ومؤسسات اوروبية مختلفة، ومع هذا لدينا تفاؤل مشوب بالحذر لمستقبل المسلمين في اوروبا، لان هناك بعض العقبات، ولكن عموما الوضع حاليا افضل من السابق، ونتمنى ان يكون المستقبل اكثر ازدهارا للمسلمين.

* هل من نداء توجهه من خلال صحيفة «الشرق الأوسط»؟

ـ ندائي موجه الى المؤسسات الاعلامية العربية والاسلامية بان تمد المراكز والمؤسسات الاسلامية في اوروبا بالعون حتى تستطيع بذل جهد اكبر لتوضيح صورة الاسلام الحقيقية في اوروبا، وان تهتم بشكل اكبر بالبرامج التي تبث باللغات الاوروبية والتوسع في هذا المجال.