ترسيم الحدود الأردنية ـ العراقية تم بعد الحرب العراقية ـ الإيرانية

TT

اثارت تصريحات رئيس مجلس الحكم الانتقالي العراقي محسن عبد الحميد التي اطلقها الاسبوع الماضي مطالبا الاردن بأراض ادعى فيها انها سلخت عن العراق في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين، حفيظة الاردنيين شعبا وقيادة ومن ثم اجريت اتصالات على اعلى المستويات لمعرفة طبيعة هذه التصريحات ومدى جديتها، وقد تبين انها تصريحات تمثل الموقف الشخصي لمحسن عبد الحميد.

واذا كان رد وزير الداخلية الاردني في المؤتمر الصحافي انه لا يوجد اراض متنازع عليها مع العراق فانه اوضح على هامش المؤتمر ان موضوع الحدود سوّي بين الدولتين بالتراضي من دون اللجوء الى المحاكم الدولية او تحكيم جهة ثالثة، واشار الى انه تم اعتماد خرائط الانتداب البريطاني عام 1928.

وحقيقة الامر كما هو على الارض فان المسافر الى بغداد بالطريق البري يرى عند بلدة الرويشد التي تبعد 257 كيلومترا عن العاصمة عمان، مركز الحدود الاردنية القديم الذي صار ضمن حدود بلدية الرويشد ويستغل حاليا من قبل وزارة الزراعة والدوائر الحكومية الاخرى كمستودعات ومكاتب وغيرها. وكانت هذه الحدود قد بنيت في مطلع الستينات بعدما اطيح بالنظام الملكي في العراق عام 1958، وعلى اثرها حدثت قطيعة بين الاردن والعراق امتدت سنوات حتى عام 1966 وعادت بتوقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك في 4 يونيو (حزيران) 1967، وكانت الحدود منذ الاربعينات والخمسينات مفتوحة بين الجانبين خاصة انه كان في تلك الفترة توافق بين الحكمين في الاردن والعراق وترابط بين العائلتين المالكتين حتى وصلا الى الاتحاد العربي بينهما في الرابع عشر من فبراير (شباط) 1958 وانتهى بالانقلاب العسكري العراقي في 14 يوليو (تموز) 1958.

وبقيت النقطة الحدودية في بلدة الرويشد التي تبعد عن الحدود الاردنية الحالية نحو 70 كيلومترا، ولكن تنبه الاردن زمن الملك الراحل الحسين بن طلال الى ترسيم الحدود مع العراق عندما قامت الحرب العراقية ـ الايرانية، ووقف الاردن الى جانب العراق وقدم الدعم اللوجستي له وفتح اراضيه لاستيراد جميع احتياجاته عبر ميناء العقبة. ورأى انها فرصة مناسبة لهذا الطلب. وفعلا وافق العراق على تشكيل لجنة اردنية ـ عراقية فنية من خبراء الاراضي والمساحة والمركز الجغرافي الاردني استعانت بالخرائط والوثائق البريطانية زمن الانتداب البريطاني عام 1928، واخذت اللجنة مدة عامين واكثر في عملية المسح والاستكشاف وترسيم الحدود ووضع العلامات الخاصة بذلك.

وبالنتيجة توصل الجانبان بالتراضي ودون وساطة احد الى اتفاقية على ترسيم الحدود في زمن حكومة احمد عبيدات الأردنية عام 1984، جرى ايداعها لدى المؤسسات الدولية. ونتيجة الترسيم شيد الاردن نقاط عبور جديدة هي الحالية التي تبعد عن الحدود القديمة 72 كيلومترا وجرى ترحيل مركز عراقي متقدم في الاراضي الاردنية، معروف الان باسم طريبيل، واقامة مواقع عسكرية فيها، بعد ان اكتشف في جنوب طريبيل على بعد 15 كيلومترا في منطقة الريشة حقل غاز طبيعي عام 1987، واقام الاردن في المنطقة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية.

ويسكن في المنطقة اهالي الرويشد من مربي الاغنام والمواشي لا يتجاوز عددهم خمسة الاف نسمة وقد اشتهرت منطقة الرويشد في الاونة الاخيرة عندما غزت قوات التحالف العراق واحتلته، واحتشد في المنطقة اكثر من ثلاثة الاف صحافي واعلامي كانوا على استعداد لدخول العراق وتغطية اخبار الحرب.