هل المغاربة مشعوذون ام انها مجرد تهمة تلصق بهم وتساهم في انتشارها وسائل الاعلام العربية والمحلية، ولماذا اكتسب المغاربة هذه الصفة، بحيث كلما أثيرت قضية من قضايا السحر والشعوذة في الصحافة تقود خيوطها المتشابكة في احيان كثيرة، الى مغربي او مغربية ساهما اما بشكل مباشر او غير مباشر فيها، لدرجة ان «الخبرة» المغربية في هذا المجال لا يعلى عليها واصبحت مطلوبة جدا مثل العملة الصعبة في مختلف الدول العربية. ورغم ان الصحافة المحلية لا تتوقف عن نشر مقالات عن المشعوذين واساليب النصب والاحتيال التي يمارسونها على ضحاياهم والتي تتجاوز الابتزاز المادي الى القتل او الاغتصاب احيانا، فاننا لم نسمع عن حملة لمحاربة هؤلاء المشعوذين الذين يمارسون «مهنتهم» بشكل ظاهر وعلى مرأى ومسمع من الجميع، بل منهم من يملك «عيادات» خاصة في احياء راقية يستقبل فيها الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية مقابل مبالغ مالية تحدد حسب المنصب الذي يشغله الزبون او الزبونة.
فهل يمكن الحديث عن وجود تواطؤ ما، بين هؤلاء والسلطة، ولماذا لا تتم محاربة هذه الفئة التي تتسبب في تشويه سمعة المغرب والمغاربة؟ خصوصا اذا عرفنا ان القانون الجنائي المغربي لا يتضمن أي عقوبة من أي نوع ضد من يمارس أعمال السحر والشعوذة.
فكيف اكتسب المشعوذون المغاربة او «الفقهاء» كما يطلق عليهم بالعامية المغربية، هذه «السمعة الطيبة» واستطاعوا منافسة «زملائهم» في البلدان العربية الذين يستسلمون كليا امام ادعاءاتهم بامتلاك «قدرات خارقة» لحل ومواجهة جميع المشاكل في مختلف مجالات الحياة بدءا من الزواج والطلاق والعنوسة والعقم والامراض الى استخراج الكنوز من باطن الارض. ولم يتسن لنا الاتصال بأحد المشعوذين اصحاب الخبرة «العالمية» الذين يتنقلون في بلدان عربية وأوروبية لتقديم خدماتهم للزبائن مقابل مبالغ مالية كبيرة، لكننا استقينا معلومات من مصادر مختلفة تفيد بأن «الفقيه» المغربي يجد كل الترحيب والحفاوة ويستجاب لطلباته وشروطه من طرف الزبائن خصوصا الميسورين منهم القادمين من دول عربية، حيث يتقاضى أجرته بالدولار. ورويت لنا في هذا السياق قصص كثيرة من بينها ان ثريا عربيا كان مستعدا للتنازل لمشعوذ مغربي عن جميع املاكه مقابل ان يشفيه من مرض الشلل الذي اصابه والذي فشل الأطباء في علاجه، ونصحه أحد الأقرباء بالتوجه الى المغرب للقاء أحد الفقهاء المشهورين ليجرب علاجا من نوع آخر، بعدما اقنعوه بأن الشلل الذي اصابه هو نتيجة سحر، لكن العلاج لم يأت بأي نتيجة، وعاد ادراجه بعد ان صرف الكثير من الاموال. وشخص آخر اصيبت زوجته بمرض الانفصام لم ينفع معه العلاج الطبي ايضا، وبعد ان فشلت محاولات المشعوذين المحليين اتصل بمغربي مقيم في دولة أوروبية وتمكن هذا الاخير من ان يجمع من ورائه الملايين قبل ان يكتشف زوج المريضة بأنه تعرض للنصب والاحتيال، وعندما قرر ابلاغ الشرطة كان المشعوذ قد اختفى ولم يعثر له على اثر. قصص كثيرة تصب في نفس الاتجاه وتؤكد من دون شك ان المشعوذين المغاربة أذكياء ونجحوا لحد الآن في تسويق تجارتهم المربحة، وهذا ما اكده لنا عياد ابلال وهو أستاذ متخصص في علم الاجتماع والانتروبولوجيا، بعد ان رفض اربعة أساتذة من نفس التخصص الحديث الينا، وقالوا انهم غير معنين بالموضوع !.
وأوضح ابلال ان «ممارسة السحر والشعوذة بالمغرب والتي هي امتداد لانتربولوجيا ثقافية تاريخية ليست وليدة اللحظة، تعتبر مصدرا اقتصاديا وموردا للاغتناء السريع، من هذا المنطلق، ونظرا لمدى سذاجة التفكير الشعبي المغربي والعربي عموما، فان هؤلاء السحرة يشتغلون في هذا المجال انطلاقا من منظور التسويق الاقتصادي. وفي اطار رفع قيمة رأس المال الرمزي لهؤلاء السحرة والمشعوذين، يعتمدون على آليات الاشهار والدعاية والتسويق، تعتمد على بطاقات الزيارة والاعلانات في الصحف وعلى بعض المواقع الالكترونية، كما يهتمون بتسويق سمعتهم وخبرتهم خارج البلد عن طريق الخدمات التي يقدمونها للجاليات المغربية بأوروبا وهي جالية كبيرة، والاعمال التي يقومون بها تعد تجارة جد مربحة اثبتت فعاليتها، وهذا ما وقفنا عليه من خلال لقاءاتنا وتتبعنا العميق لهذه الظاهرة الشعبية، ومن هذا المنطلق بالتحديد وجدنا ان صورة السحرة المغاربة بالخارج جيدة وتترجم خبرة مفترضة، هي في الحقيقة تمويه اعلامي لهذا المجال الذي اصبح يعتمد آليات وميكانيزمات «الماركتينغ» كما هو الحال في مجال الاقتصاد والتجارة».
وبالرغم من انه اكد نجاح المشعوذين المغاربة في تسويق «تجارتهم» التي اصبحت «ماركة مسجلة» في الخارج، فقد قلل من اهمية استعانة العرب بالخبرة المغربية في هذا المجال، وانتقد ما تنشره الصحف والمجلات العربية. وقال «ان الحكم على هذا الموضوع من خلال الصحافة هو حكم اختزالي «لأن الكتابات الصحافية في بعض المنابر والصحف العربية تنقصها النظرة العلمية». فهذه الممارسات والمعتقدات برأيه هي جزء من البنيات الرمزية للمتخيل الشعبي العربي، وبالتالي اعتبار الاوساط الشعبية العربية تستعين بالسحرة المغاربة مجرد كلام، لا يستند الى ابحاث ميدانية، واكد ان «تعاطي البعض من «الفقهاء» المغاربة في دولة عربية معينة الى جانب الأهالي الاصليين، لهذه الممارسات وخاصة فيما يتعلق باستخراج الكنوز كما جاء على سبيل المثال، في أحد اعداد مجلة «سيدتي» من كون البعض في مناطق سوربة يستعينون بسحرة من المغرب، فهي في نظري مسألة واردة ولكن ليست قاعدة بقدر ما هي استثناء».
ومن جهة اخرى برر عدم محاربة هؤلاء المشعوذين من طرف رجال السلطة بالصرامة المطلوبة، بكون وجودهم يخدم الوضع السياسي العام في مختلف البلدان العربية وليس في المغرب فقط. وقال ان «السياسي العربي يريحه الابقاء على هذا الوضع، وان يشجع الاوساط الشعبية التي ترتع فيها هذه الممارسات وهذا المتخيل الذي يغذيه الاعلام والثقافة الرسمية التي يبدو انها لم تقدر خطورتها على النسق المجتمعي»، وبالنسبة للمغرب يبدو من وجهة نظره انه «بالرغم من وجود رغبة وارادة سياسية في تخليص المجتمع من هذه الممارسات، وبالتالي خلخلة هذه المعتقدات والخرافات، هناك عدة اسباب تجعل هذه الرغبة والارادة نسبية بل وشكلية، كما قال، من بينها ان البعض المستفيد من الوضعية الحالية ومن تخلف هذه الاوساط، يسعى الى عرقلة كل اصلاح، وخص بالذكر بعض السياسيين الذين سيفقدون الكثير برأيه، ان اصبح الفكر الشعبي فكرا نقديا وعلميا، كما ان بقاءهم السياسي رهين بمدى سذاجة تفكير الاغلبية التي تشكل الاوساط الشعبية المغلقة، وهذا الوضع ينطبق على العديد من البلدان العربية».
وأكد ابلال ان «هذه الفئة من السياسيين والذين هم في نفس الوقت رجال أعمال واصحاب مشاريع كبرى، يساهمون بشكل كبير في انعاش هذا التفكير الشعبي من خلال دعمهم المالي وحضورهم احيانا في المواسم والحفلات الشعبية التي تنشط فيها ممارسات من قبيل طلب «البركة» و«السترة» وقراءة الطالع، وكذا التقرب الى «الأسياد» و«الأولياء» وكتبة التمائم و«الحروز».
ومن جهة اخرى وفي ظل ارتفاع معدل البطالة وفشل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فان الدولة لا تفكر ولن تفكر على الاقل على المدى القريب كما قال في تناول هذه المسألة بالجدية والصرامة المطلوبين لأنه «على المستوى السوسيو اقتصادي فان هذه الممارسات قد اصبحت تشكل تجارة مربحة وتشغل عددا كبيرا من الأسر، ولا ادل على ذلك من ارتفاع عدد الدكاكين والمحلات التجارية الخاصة بمستلزمات ومستحضرات السحر والشعوذة من بخور وادوات ووسائل من حيوانات واعضائها المحنطة والتي تباع بعضها بأثمان باهظة والتي تضر بشكل كبير بصحة المواطنين المتعاطين لهذه الممارسات، الشيء الذي جعل المستفيدين من هذه التجارة يحولون دون غيابها وافولها».
ولنفي، من جديد، «التهمة» الموجهة للمغاربة او على الاقل «تخفيفها» اكد ابلال ان «هذه الممارسات ليست حكرا على منطقة او قطر دون آخر، بقدر ما هي ممارسات تعتبر التطبيق المباشر والتجلي الحقيقي لطبيعة التفكير الشعبي العربي الذي يدين بالكثير الى الخرافة والاساطير، وهذا التفكير من بين اسباب التخلف العربي، وهذا هو واقع الفكر الشعبي ليس في المغرب فحسب، بل وفي عدد من الدول والاقطار العربية المتخلفة. لكن الاختلاف يظل كما قال «في حدة التوتر والانتشار والكثافة الاجتماعية للأسباب التي سبق ذكرها».اما على المستوى النظري والرمزي قفد اشار انه «من خلال العودة التحليلية لمختلف الكتب التراثية بخصوص وصفات السحر والتعاطي له، نجد ان اغلبها طبعت في المشرق وهذا ما يؤكده «الفقهاء» المتعاطون لهذه الممارسات والذين لهم نصيب ايضا من التاليف والنشر الذي يتم في سرية تامة».