استراتيجية وتفجيرات القاعدة (2) ـ طريق «القاعدة» يقود الى الدم وحديث أسامة بن لادن عن فسطاطي الإيمان والكفر يعكس خللا في فهم الواقع

ادعاء توفر فرصة الانتصار أشبه بمن أراد الانتصار بالسيف على خصم قد تسلح بالبندقية بعد أن نجح في اكتشاف البارود * التاريخ يدل على أن المصالح الإسلامية والأميركية يمكن أن تتلاقيا ومقولة حتمية الصدام مع الولايات المتحدة خاطئة

TT

يستكمل قادة الجماعة الاسلامية المصرية رؤيتهم للواقع العالمي من خلال زاوية نظر مختلفة. وفي هذه الحلقة تستكمل «الشرق الأوسط» عرضها لـ كتاب : قادة الجماعة الاسلامية الجديد «استراتيجية وتفجيرات القاعدة.. الاخطاء والاخطار» ونتناول اليوم تقييم قادة الجماعة لاستراتيجية القاعدة في (العمل الجهادي) سبرا لاغوارها وتحديدا لابعادها ، ومعرفة بمخاطرها ومثالبها . وينطلقون من ان الترويج للحرب علي اساس ديني بين أمة الاسلام واليهود والصليبيين او على اساس فسطاط الايمان وفسطاط الكفر على حد تعبير أسامة بن لادن يؤكد ان هناك خللا في فهم زعماء «القاعدة» للواقع ، ولقدرات الأمة الاسلامية . ويرجع عصام الدين دربالة ـ أحد مؤلفي الكتاب ـ هذا الخلل الى خلل في قراءة قدرات الأمة، وقدرات الذات ايضا . ويصل المؤلفون الى ان أهم العوامل التي تقف وراء هذه القراءة الخاطئة للواقع تكمن في التعامل مع معطيات هذا الواقع والنظر الى متغيراته عبر مجموعة خاطئة من الافتراضات او المقولات التي تحكم تفكير العديد من العاملين ليس في القاعدة فحسب بل في مضمار العمل الاسلامي عموما . ما فعلته القاعدة في تصور مؤلفي الكتاب أنها جبهت العالم كله ضدها، وهو ما يخالف سنة الرسول ، وخاصمت ترتيب الأولويات ، واعتمدت على الجمود في الوقت الذي يتطلب اللين , بالاضافة الى تبنيها أهدافاً ضبابية ، بل مستحيلة . في هذه الحلقة نقرأ تقييم قادة الجماعة الاسلامية لعمل قادة تنظيم القاعدة الجهادي . 1 ـ استراتيجية «القاعدة».. «خلل في قراءة الواقع» تأسست استراتيجية «القاعدة» على خلل بِّين في قراءة الواقع من جوانبه المختلفة، مما حرمها من اكتشاف الفرص المتاحة امامها، وأوقعها في اختيارات مبنية على الاماني والآمال أكثر من ابتنائها على الواقع والحقائق; ولعل السبب في ذلك يتمثل في جملة الافتراضات الخاطئة التي حكمت تفكير القائمين آنذاك. وتوضيحا لما سبق نقول: ان استراتيجية التحدي والمواجهة لأميركا واليهود والصليبيين وغيرهم لا يمكن تصورها الا مع افتراض وجود خلل في قراءة الواقع بكل ابعاده، سواء المتعلقة بالذات او الغير في ظل غلبة الاهمال والاستخفاف بمعطيات السياسة الدولية. وكذلك فان الترويج للحرب على اساس ديني بين أمة الاسلام واليهود والصليبيين، او على أساس فسطاط الايمان وفسطاط الكفر على حد تعبير أسامة بن لادن، أمر لا يمكن ان يصدر الا مع وجود خلل في قراءة واقع الأمة وقدراتها في اللحظة الراهنة.

خلل في قراءة قدرات الأمة والذات:

فأين قدرات الأمة الاسلامية اليوم التي تستطيع ان تواجه تحالفا بين اليهود والصليبيين والأميركان يدفع إلى تكونه تنظيم «القاعدة» دفعا؟ وأين التكافؤ بينهما سواء على مستوى القدرات العسكرية او التقنية او الاقتصادية او على مستوى وحدة القرار السياسي؟ كي نستطيع القول بوجود فرصة انتصار.

واذا كانت الأمة الاسلامية اليوم غير مؤهلة او مستعدة او راغبة في الدخول في غمار مواجهة على اساس ديني، فهل تنظيم «القاعدة» او الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين والأميركان لديهما القدرة على ذلك ؟! ان ادعاء توفر فرصة الانتصار في ظل هذه المعطيات اشبه بمن أراد الانتصار بالسيف على خصم قد تسلح بالبندقية بعد ان نجح في اكتشاف البارود.

ان ادخال الأمة في مواجهة على اساس ديني في ظل تخلفها ووهنها وتشرذمها أمر يفتقر الى أدنى درجات الحكمة والواقعية، فمن الظلم للأمة وأبنائها ادخالها معركة تتسلح فيها بالكلاشينكوف في مواجهة خصم يدير معركته بالأقمار الصناعية والاسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات.

ولذلك كان من الطبيعي ألا تجد استراتيجية «القاعدة» رواجا لها بين حكومات دول اسلامية، او دعما من تيارات وحركات اسلامية، وبدلا من ذلك كانت ملاحقة أعضاء «القاعدة» وتسليمهم هي اللغة السائدة.

فصحيح انه يمكن لـ«القاعدة» ان تكسب بعض الأنصار من جراء الإحساس بالظلم وصحيح انه يمكن للقاعدة توظيف هؤلاء المتعاطفين لأداء ادوار متنوعة، بدءاً من تقديم المساعدات المادية وانتهاء بتقديم الأرواح; من جراء الاحساس بعدم وجود بديل آخر او حل لتلك الازمة التي تمر بها الأمة الاسلامية اليوم.

هذا كله صحيح، لكن الذي ينبغي التنبيه اليه، والتفطن له، ان هذا التعاطف في أغلبه من جنس تعاطف أهل العراق مع الامام الحسين، حين قال الفرزدق للحسين عندما سأله عن أحوالهم: «قلوبهم معك وسيوفهم عليك»، والمقصود ان هذا التعاطف لا يقوى على مواجهة حقائق الواقع او فوارق القوة، وسرعان ما يتحول إلى تعاطف مكتوم ثم الى لوم واحباط، عندما يجد أصحابه سُحُب الفشل تخيم على تلك الاستراتيجية وان مشروع القاعدة يتجه الى الانكسار بدلا من الانتصار.

ان الخلل في قراءة قدرات الذات وقدرات الخصوم والخلل في معرفة قدرات الأمة واستعداداتها يجعل استراتيجية «القاعدة» أشبه بالبذرة التي يراد استنباتها في الهواء وقبل الأوان.

استراتيجية «القاعدة» ومجموعة الافتراضات الخاطئة:

وهذه الافتراضات قد يكون من بينها ما هو صحيح في حالة معينة، لكن افتراض صحتها على الدوام يوقع في خلل كبير في فهم مجريات الأحداث ومن ثم اختيار الموقف المناسب تجاهها.

ومن أمثلة المقولات الافتراضية التي يتم التعامل معها كثوابت تحكم رؤيتهم للواقع، وتفسيرهم لها على اساسها ما يلي:

المقولة الأولى: ان الخطة الدولية لاستئصال الاسلام والحركات الاسلامية تسير على قدم وساق بغض النظر عما تقوم به «القاعدة» او غيرها تجاه أميركا وحلفائها، وما دام الأمر كذلك فلن نخسر شيئا اضافيا بمهاجمتهم في عقر ديارهم.

والحقيقة ان مثل هذه الخطة الدولية المفترضة للقضاء على الاسلاميين في العالم لم تكن موجودة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 بل كان هناك من الشواهد ما يبين عدم وجود إجماع دولي على خطة من هذا القبيل.

المقولة الثانية: ان المصالح الأميركية لا يمكن ان تلتقي مع المصالح الإسلامية، فالعداء مستحكم والصدام واقع لا محالة.

وهذه المقولة وان صحت في بعض الازمنة او بعض الامكنة، فالتاريخ والواقع يشهدان بعدم صحتها في حالات اخرى، ولعل تجربة الدعم الأميركي من خلال السعودية وباكستان والامارات للمجاهدين الأفغان ضد الجيش الروسي في أفغانستان طوال عقد الثمانينات من القرن الماضي، ما زالت ماثلة في عقول بعض أقطاب «القاعدة» الى اليوم ولعل في الفرصة التي سنحت لنظام طالبان للالتقاء المصلحي مع العرض الأميركي مثالا آخر ـ سوف نتعرض له بعد قليل ـ لخطأ مثل هذا الافتراض وتعميم القول به، فما زالت المصالح هي الدين الرسمي لأميركا وعلى أساسها تتحدد مواقفها وتتقرر علاقاتها.

المقولة الثالثة: ان الصلح او التفاوض او التحالف مع أميركا قرين للخيانة وباب للعمالة، ولا خيار الا الصدام. وهذه المقولة تتجاهل ان الاسلام اتاح لأتباعه سلوك أي من هذه الاستراتيجيات من دون حرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عقد صلحا مع مشركي قريش، وتحالف مع اليهود على الدفاع عن المدينة ولم يكن أي من ذلك موصوما بالعيب، وهذه مسألة سنزيدها بيانا بعد قليل.

المقولة الرابعة: ان أميركا لن تتحمل في صراعها مع القاعدة حدوث خسائر بشرية في جنودها، وكما كانت الخسائر البشرية في صفوف الأميركان سببا في انسحابها من فيتنام في السبعينات من القرن الماضي، ومن الصومال في تسعينات ذات القرن، فكذلك سوف يتم الانسحاب من الخليج والسعودية لهذا السبب.

وهذه المقولة قد تكون صادقة تاريخيا في الحالات المذكورة، لكن الخلل في القياس عليها مع اهمال الفوارق بين الحالة الصومالية والفيتنامية والحالة الخليجية، ففي الحالة الفيتنامية كانت هناك قوى عظمى تستند اليها المقاومة الفيتنامية بصورة تحقق استنزافا متزايدا لأميركا مع وجود خيارات اخرى ـ كالتواجد في الفلبين ـ امام أميركا لمعادلة النفوذ السوفياتي في منطقة جنوب شرقي آسيا، وفي الحالة الصومالية لم يكن هناك أي ثروات او تنافس على مناطق نفوذ يغري أميركا على البقاء والاستمرار.

أما في الحالة الخليجية فالوضع مختلف، فليس أدل على هذا الاختلاف من ارسال أميركا اكثر من 500 ألف من قواتها الى منطقة الخليج سنة 1990 لارغام العراق على الانسحاب من الكويت وفي صحبتهم عشرة آلاف نعش لاعادة ضحاياها من الجنود بداخلها الى أميركا، وهو ما يكشف مدى الاستعداد الأميركي لتحمل خسارة بشرية عالية في سبيل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في بترول الخليج، ولعل الأحداث بعد ذلك جاءت لتؤكد مثل هذا التوجه وذلك عندما ارسلت أميركا زهاء 400 ألف من جنودها كي تقوم باسقاط نظام صدام حسين واحكام السيطرة على النفط.

المقولة الخامسة: من جملة الافتراضات الخاطئة التي تنبني على مقولة صحيحة قول البعض: لا يهمنا ان يواجهنا العالم بأسره، ولا يهم فارق القوة وبيننا وبين أميركا; لأننا لا نقاتلهم بعدد ولا عدة ولكن ننتصر عليهم بطاعتنا لله، واذا كان الله معنا فمن ينتصر علينا؟

ولعل هذا ما أجاب به الملا عمر عندما بدأ القصف الأميركي على أفغانستان في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر عندما سأله أحد الصحافيين في لقاء نادر معه: هل أنت واثق من النصر؟ فأجاب: «نعم; لأن الله معنا». والحقيقة انه لا خلاف في ان طاعة الله سبب اساسي من اسباب النصر، لكن من جملة طاعة الله الأخذ بأسباب الله التي جعلها موصلة للنصر، ومن جملة طاعة الله الالتزام بسنن الله التي جعل الاقدار تسير على هداها.

وفي ظل هذه الافتراضات الخاطئة، لا يمكن قراءة الواقع قراءة صحيحة مما يؤدي إلى عدم اكتشاف الفرص السانحة التي قد لا تتكرر، وهو ما حدث في مطلع سنة 1997 حينما لاحت امام حركة طالبان فرصة لو تم اقتناصها لتغيرت مجريات الأحداث الى اتجاه مغاير تماما للذي حدث وانتهى بسقوط نظام طالبان، وهذه الفرصة السانحة او بالأحرى الضائعة تحتاج وقفة خاصة معها:

2 ـ استراتيجية «القاعدة».. واهدار الفرص الذهبية:

مع صعود حركة طالبان الى سدة الحكم في سنة 1996 وسيطرتها ـ عبر الدعم الباكستاني ـ على أكثر من 90 في المائة من أراضي أفغانستان، بدأت تلوح في الأفق فرصة ذهبية لدعم هذا النظام الوليد، متمثلة فيما عرضته أميركا على سلطات طالبان سواء عن طريق باكستان او عبر بعض الوسطاء، وكان هذا العرض يتضمن دعما عسكريا واقتصاديا لحركة طالبان في مقابل التوافق الاستراتيجي مع المصالح الأميركية الجيواستراتيجية والاقتصادية في منطقة وسط آسيا.

ومن هنا جاء العرض الأميركي بمنح أفغانستان ثلاثة مليارات من الدولارات كمنحة لا ترد، وثلاثمائة مليون دولار سنويا نظير ايجار لمرور خط الانابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي من منطقة بحر قزوين عبر أفغانستان، ومنها الى باكستان فالمحيط الهندي ليجد سبيله الى أميركا وأوروبا واليابان، وكان هذا التوافق الاستراتيجي يمنح الطرفين مزايا عديدة، فعلى الجانب الأفغاني:

1 ـ الحصول على عائد اقتصادي من ايجار خط أنابيب الغاز الطبيعي مما يسهم بلا شك في بناء دولة قوية.

2 ـ الحصول على دعم عسكري يمكن من خلاله حسم الصراع مع التحالف الشمالي المعارض الذي ظل يسيطر على حوالي 10 في المائة من أراضي أفغانستان.

3 ـ قيام تحالف استراتيجي مع باكستان يؤمن مستقبل الحركة ضد أي محاولات تستهدفها من جيرانها.

أما على الجانب الأميركي فكان هذا التوافق يحقق له جملة من المزايا هي:

1 ـ وجود قوة اسلامية سنية متمركزة في وسط آسيا معادلة للقوة الاسلامية الشيعية الايرانية، مما يسهم في احكام الحصار على ايران ويمنعها من التفكير في التمدد شرقا.

2 ـ ايجاد عمق دفاعي لباكستان كحليف هام لأميركا بالمنطقة.

3 ـ ايجاد ركيزة موالية في وسط آسيا بجوار الصين من جهة الغرب، وروسيا الاتحادية من جهة الجنوب.

4 ـ وضع حد لوجود تنظيم «القاعدة» بأفغانستان الذي بات يهدد الولايات المتحدة الأميركية ويستهدف وجودها بالخليج.

ولقد كانت أميركا مستعدة للمضي في هذا الاتفاق قدما من دون اشتراط أي شروط تتعلق بقضية تطبيق الشريعة في أفغانستان.

ومع اعترافنا بفروسية هذا الموقف من حركة طالبان ورعايتها لهذه المعاني شرعا، فاننا نرى انه كان بوسعها ان تجد حلا يحفظ لرجال القاعدة حقهم وسلامتهم ويحقق في نفس الوقت مصلحة الدولة وبقاءها وازدهارها.

3 ـ استراتيجية «القاعدة».. أهداف مستحيلة وضبابية الاستراتيجية الفعالة عند خبراء الاستراتيجية هي تلك التي تبنى على أهداف ممكنة التنفيذ، محددة بوضوح بعيدة عن التعميم والغموض.

واذا طبقنا ذلك على الاهداف التي صيغت من أجلها استراتيجية «القاعدة» لوجدناها على العكس من ذلك، فهي اهداف يقترب بعضها من دائرة المستحيل، ويتسم البعض الآخر منها بغموض وضبابية.

فهدف إخراج القوات الأميركية من الخليج على وجه الخصوص، يمكن ادراجه في عداد الاهداف غير ممكنة التنفيذ في ظل موازين القوى بين القاعدة وأميركا، وفي ظل الاهمية الاستراتيجية القصوى لمثل هذا التواجد بالنسبة للمصالح الأميركية في العالم، فالوجود الأميركي في الخليج ليس من قبيل الترف الأميركي، انما يعبر عن اختيار أميركي حاسم باعتبار منطقة الخليج إحدى اهم دوائر المصلحة القومية الأميركية العليا، ولا أدل على ذلك من قول وزير الخارجية الأميركي الاسبق جيمس بيكر في ادارة جورج بوش الأب عندما سئل عن سر ارسال أكثر من 500 ألف جندي أميركي إلى صحراء الخليج الحارقة إبان احتلال العراق للكويت في أغسطس (آب) 1990 فقال: نحن هناك من أجل ثلاثة حروف فقط هي: «Oil»، وكان هذا الرد كافيا لنيل مساندة الكونغرس لخطة عاصفة الصحراء لتحرير الكويت.

وقد يقول آخر: ان الهدف هو دفع أميركا للتورط العسكري في اكثر من بؤرة في العالم الاسلامي، مما يتيح الفرصة لاستنزافها بشريا واقتصاديا مما يؤدي الى انهيارها مثلما انهار الاتحاد السوفياتي بعد تورطه في أفغانستان.

ونقول: ان هذا الهدف ـ على فرض وجوده ـ يعني ان «القاعدة» سعت قاصدة لاستدراج أميركا إلى التدخل في أفغانستان حتى لو أدى ذلك الى احتلالها وتغييب النظام الاسلامي بها وهذا قول احسب ان أقطاب «القاعدة» لا يرتضونه لأنفسهم ولا نرضاه لهم.

والأقرب للحقيقة ان هذا لم يكن هدفا لـ«القاعدة»، لأن «القاعدة» كانت تعتقد ان اقصى رد فعل أميركي ضد هجماتها ـ حتى في الحادي عشر من سبتمبر ـ لن يتعدى اطلاق بعض الصواريخ على بعض المواقع والمعسكرات في أفغانستان على غرار ما تم عام 1998عقب الهجوم على سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا ولقد كان الامر لا يحتاج إلى مثل هذا الاستدراج لأميركا الى أفغانستان او غيرها لأن الوجود الأميركي القابل للاستنزاف البشري والاقتصادي موجود في اماكن عديدة بطول العالم وعرضه.

4 ـ استراتيجية القاعدة وفن تجبيه الأعداء مارس تنظيم «القاعدة» فنا غير مرغوب فيه او مقدورا على تحمل نتائجه، وهذا الفن هو: فن تجبيه الأعداء. ولا ينفي صحة هذا القول ان «القاعدة» قد اعلنت ان خصمها الاساسي يتمثل في أميركا والصليبيين واليهود; لأن هؤلاء ـ اعني اليهود والصليبيين وأميركا ـ يمثلون نصف العالم.

ويضاف الى هذا ان «القاعدة» قد ادخلت نفسها في صراعات مع العديد من الدول على خلفية أمرين هما:

الدعم المستمر للعديد من الحركات الاسلامية ضد الانظمة القائمة ببلدانها سواء في الشيشان وداغستان او كشمير او الفلبين او غيرها.

القيام بعمليات على أراضي بعض الدول موجهة ضد أميركا مما يؤدي إلى إخلال بهيبة هذه الدول وأمنها وربما يؤدي لوقوع ضحايا من جنسيات تابعة لدول مختلفة، مما يدخل كل هذه الدول في دائرة الصراع.

وإذا كنا نقف بقوة مع دعم أي حركات اسلامية تسعى للتحرر من مستعمر لكن عندما يكون ثمن ذلك عدم انتصار هذه الحركات وتعريض سلامة دولة مسلمة للخطر يكون الامر هنا محل نظر.

وكي نستشعر مدى التوحد بين دول العالم الذي صنعته القاعدة ضدها، نشير إلى قائمة الدول التي ادخلتها «القاعدة» في الصراع ضدها سواء بطريق مباشر او غير مباشر:

ـ الولايات المتحدة الأميركية قوى عظمى نووية.

ـ الصليبيون: وسيتم إدخال ـ تحت هذا المسمى ـ كل العالم المسيحي بأوروبا والأميركتين وآسيا وأفريقيا.

ـ اليهود.

ـ روسيا الاتحادية: على خلفية دعم ثوار الشيشان وداغستان وهي قوة نووية عظمى.

ـ الهند: على خلفية الدعم للثوار المسلمين الكشميريين، وهي قوة نووية آسيوية كبرى. ـ فرنسا: على خلفية تحركات بعض الخلايا النشطة التابعة لـ«القاعدة» وضرب ناقلة البترول الفرنسية قرب السواحل اليمنية.

ـ كينيا وتنزانيا: على خلفية تفجير السفارتين الأميركيتين.

ـ أستراليا: على خلفية قتل رعاياها في تفجير بالي باندونيسيا.

ـ الفلبين: على خلفية الدعم المقدم لجماعة أبو سياف في جزيرة مورو ـ مجموعة الدول العربية والاسلامية التي كانت مسرحا لعمليات القاعدة مثل: السعودية واليمن والكويت والجزائر والمغرب واليمن واندونيسيا وباكستان وطاجكستان.

هذا بالاضافة لايران على خلفية الخلاف مع حركة طالبان، والتحالف الشمالي الأفغاني المعارض بقيادة برهان الدين رباني.

هذه بعض ملامح قائمة الاعداء.. واذا كان البعض سيقول: ان «القاعدة» لم تقصد حدوث هذا فان ردنا عليه سيكون: ان تجبيه الأعداء بهذه الصورة يعتبر خطأ فادحا سواء تم ذلك عن قصد او بغير قصد.

إذا ما نظرنا إلى استراتيجية القاعدة لوجدناها سارت في اتجاه معاكس، فبدلا من مساعدة حركة طالبان على حسم المعارضة الداخلية لها في الشمال، اندفعت في اقتحام صراعات ولدت مزيدا من الاعداء والضغوط عليها وعلى طالبان، وبدلا من ان تدعم القاعدة مبدأ بناء دولة اسلامية قوية اذ بها تتحرك بعقلية التنظيم السري في اهدافها واساليبها، وبدلا من ان تحدد القاعدة أولويات المواجهة لديها اذ بها تدخل في صراع مع اكثر دول العالم مما ولد محيطا معاديا يحيط بها وبحركة طالبان.

وبدلا من ان تحصر «القاعدة» صراعها مع عدو واحد يمكن ان تكون قدرتها تسمح لها بتوقع الانتصار عليه، اذا بها ـ وهي تنظيم سري ـ تتعامل وكأنها تمتلك قدرات دولة عظمى، وتندفع صوب الدخول في مواجهات ضد أميركا تصل الى قمتها بضربها في عقر دارها ـ وهو ما لم يجرؤ عليه الاتحاد السوفياتي من قبل ابان الحرب الباردة ـ والى الدخول في صراعات مع دول اخرى على خلفية دعم الحركات الاسلامية في الشيشان وكشمير وداغستان والفلبين وغيرها، والسؤال أين الأولويات؟ وأين القدرات التي تسمح بكل هذا؟

وهكذا عندما تتبنى «القاعدة» تلك الاستراتيجية من دونما وجود ترتيب صحيح للأولويات، او مراعاة لمحدودية القدرات فان النتائج لا بد ان تكون مأساوية.

5 ـ استراتيجية «القاعدة.. استراتيجية «الجمود» الذي يتأمل في استراتيجية «القاعدة» سيجد انها تقوم على اختيار طريق واحد لحل الصراعات التي اقتحمتها، وهذا الطريق هو طريق استخدام القوة فحسب، وهذا الطريق لا ينتهي السير فيه الا ببذل آخر قطرة دم من انصارها. وهذا الجمود والعكوف على استراتيجية واحدة لا يحقق المرونة اللازمة لتحقيق الاهداف الموضوعة ولا يسمح باعادة النظر في ترتيب الأولويات او المواءمة بين القدرات وفاعلية الاستراتيجيات. وكما غفلت «القاعدة» عن هدى النبي صلى الله عليه وسلم في اختطاط الاستراتيجيات، غفلت ايضا عن سمة المرونة في التعامل من الواقع.

لم يكن بوسع «القاعدة» ان تفعل ذلك لأنها ـ وللأسف ـ لا ترى الا استراتيجية واحدة هي استراتيجية الصراع.

* شواهد تشكك في وجود حرب ضد الإسلام

* إن الولايات المتحدة الأميركية خلال سنوات عقد التسعينات شاركت قواتها في عدد من النزاعات الدولية وكان تدخلها العسكري يصب في اتجاه دعم طرف إسلامي من أطراف النزاع ومن أمثلة ذلك:

ـ مساعدة الكويت والسعودية عسكريا ضد الخطر العراقي البعثي، بعدما قامت القوات العراقية باحتلال الكويت في 2 أغسطس (آب) 1990 .

ـ التدخل العسكري الأميركي هو الذي وضع حدا للمذابح التي استمرت أربع سنوات وقام بها الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، والتي بلغ عدد ضحاياها 250 ألف مسلم في سنة 1995، ولم يتم حسم المشكلة إلا بالتدخل الأميركي وتوقيع اتفاقية دايتون سنة 1995 .

ـ التدخل العسكري لحلف الأطلنطي بقيادة أميركا في 24 مارس سنة 1999 ضد يوغوسلافيا لإرغامها على وضع حد للتطهير العرقي في إقليم كوسوفو ذي الأغلبية المسلمة هو الذي أجبرها بعد 79 يوما من القصف الجوي المتواصل على قبول اتفاقية رامبوييه، وتوقيع اتفاق مع حلف الأطلنطي في 10 يونيو 1999 بعد ثلاث سنوات عصيبة فشلت خلالها أوروبا في وضع حد للأزمة وعجز مجلس الأمن عن إنهائها.

ـ إن ادعاء التوحد الديني للمسيحيين تحت راية الصليب لا يوجد اليوم إلا في مخيلة من يدعونه.

* يجب أن لا نقع في فخ صراع الحضارات

* أسهمت استراتيجية القاعدة، في تعزيز التيارات الصليبية والمعادية للإسلام في اميركا والغرب، مما جعل صوت دعاة الحرب الشاملة للإسلام أكثر حضورا وحظوظا.

وإذا كنا نرى أن الحرب الصليبية هذه لم تكن قائمة حقيقة فقد يقول قائل: وما المانع من إشعال حرب ضد أميركا والغرب على أساس ديني لاستنهاض همم الأمة ولإيقاف هذه المخططات في بدايتها؟

فنقول: نختلف مع هذا المنطق لا لأن الأمة غير مستعدة لهذا الخيار فحسب، ولكن أيضا لأننا نرى أن استنهاض الأمة من رقادها ومساعدتها على الإقلاع الحضاري لمواصلة عطائها من جديد يتطلب منا أن لا نقع في فخ صدام الحضارات، وهو ما يستوجب سياسة التواصل الحضاري مع الحفاظ على الهوية الإسلامية والدفاع والجهاد ضد أي اعتداء على الثوابت الشرعية والمصالح العليا للدين والوطن والأمة.

ونرى أن الإسلام أتاح للمسلمين التواصل مع كل أحد والتفاعل مع كل الحضارات في إطار من التعاون على الخير وإحقاق العدل، وهذا حديث سنزيده بيانا في أكثر من موقع في هذا الكتاب.