استراتيجية وتفجيرات «القاعدة» (3) - تفجير المسلم لشاحنة يقودها وخطف الطائرات وتفجيرها في أحد الأهداف الأرضية مخالف للشريعة

* ركاب الطائرة لا يمثلون عدوا لأمة الإسلام لأنهم من جنسيات مختلفة وديانات شتى * تفجير الطائرات يحتوي على غدر بشركة الطيران وبالركاب الذين لا ذنب لهم

TT

تواصل «الشرق الأوسط» نشر كتاب «استراتيجية وتفجيرات القاعدة ـ الأخطاء والأخطار» الذي كتبه قادة الجماعة الاسلامية المصرية بعد أربعة كتب جاءت لتصحيح المفاهيم . وهذه الحلقة من الكتاب، الذي خصص للرد على مزاعم القاعدة بشأن «الجهاد» من زاوية فكر الجماعة الاسلامية التي تخلت عن العنف، تناقش الاستدلالات التي يستدل بها من ينتسبون الى تنظيم القاعدة على صحة التفجيرات المنسوبة لهم بدءا بتفجير سفارتي أميركا بكينيا وتنزانيا ومرورا ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك وأخيرا وليس آخرا الرياض والدار البيضاء . وتناقش الجماعة الاسلامية في هذه الحلقة حكمين فقط من الأحكام التي يستند إليها قادة القاعدة، على أن نستكمل باقي الأحكام الأعداد القادمة . هذان الحكمان هما : هل يجوز للمسلم الانغماس في صف العدو لإحداث نكاية بالعدو، أو لنيل المسلم الشهادة حتى لو أدى ذلك لقتله ؟ وهو الحكم الذي يساق عادة لتبرير تفجير المسلم لنفسه بعربة ملغومة أو طائرة مخطوفة . والحكم الثاني هو: هل يباح الهجوم على المشركين ليلا وعلى حين غرة ، خاصة وأن هذا الحكم يساق للتدليل على صحة الاقدام على هذه التفجيرات من دون سابق انذار حتى وإن أدى ذلك لقتل نساء وأطفال المشركين . ان هذه الأحكام ليس فيها عيب أو خلل ـ كما يؤكد مؤلفو الكتاب ـ وإنما يأتي الخلل ممن يطبق هذه الأحكام على واقعنا اليوم ، حيث يأتي هذا التطبيق مشوبا بالخطأ . ولاينسى المؤلفون قبل الانتقال من هذه النقطة مناقشة قضية أخرى حيوية ، ألا وهي ما حكم العمليات الاستشهادية التي تدور في فلسطين والعراق وما مدى درجة حرمتها أو حلها؟ ويقول كتاب الجماعة الاسلامية المحظور: يعتمد البعض اليوم على إباحة الشريعة الإسلامية انغماس المسلم في صف الأعداء مقاتلا لهم، حتى لو أدى ذلك لقتله للقول بجواز تفجير المسلم لشاحنة يقودها في موقع معين، أو للقول بجواز خطف إحدى الطائرات وتفجيرها في الجو، أو للارتطام بها بأحد الأهداف الأرضية. ويعللون ذلك بأن هذا الانغماس يحقق مصالح عديدة على رأسها نيل الشهادة، وأيضا إحداث نكاية في العدو، ويدللون على صحة ما يذهبون إليه بذكر العديد من أقوال العلماء في هذا الشأن. والحقيقة هي أن الحكم الشرعي الخاص بجواز انغماس المسلم في صف العدو مقاتلا إلى أن يقتل لتحقيق مصلحة مشروعة له أو للإسلام أمر مستقر في الشريعة، ولا خلاف مع أحد عليه، لكن الخلاف يبدأ عند تنزيل هذا الحكم على الواقع بصورة لا تلتزم بضوابطه التي حددها العلماء.

وقبل أن نناقش صحة هذا التنزيل لهذا الحكم في الصور التي أشرنا إليها آنفا نذكر أولا تقرير العلماء لهذا الحكم وضوابطه عندهم.

تقرير العلماء لهذا الحكم وضوابطه:

أجاز علماء الشريعة انغماس المسلم في صف الأعداء مقاتلا، حتى لو غلب على ظنه أنه سيقتل، وباستقراء أقوالهم سنجد أنهم قد وضعوا شروطا لهذا الجواز تتمثل في الآتي:

1 ـ أن يكون الصف الذي سيحمل المسلم عليه صفا كافرا أو يجوز قتاله.

2 ـ ألا يختلط بهذا الصف من لا يجوز قتله، سواء من المسلمين، أو المعاهدين، أو نحوهم.

3 ـ أن يتحقق من وراء ذلك الانغماس مصلحة راجحة ولا ينجم عنه مفسدة أكبر منها، ولقد عدد العلماء أمثلة للمصالح التي يمكن أن تنجم وأيضا للمفاسد التي يمكن أن تقع، فتمنع من جواز هذا الانغماس، ونذكر أمثلة لما ذكروه لكل منها:

أما المصالح التي قد تنجم فمنها:

* إحداث النكاية في العدو.

* توهين العدو وبث الرعب في نفوس أفراده مما يسهل هزيمته.

* تجرئة المؤمنين وتشجيعهم وتقوية قلوبهم.

* نيل الشهادة في سبيل الله تعالى.

أما المفاسد التي يذكرها العلماء والتي يمكن أن تقع من جراء هذا الانغماس فهي :

* أن يترتب على ذلك وهن المؤمنين إذا رأوا أنه لم يحدث شيئا وأن فعله كان على سبيل التهور.

* عدم تأثيره لأثر ينفع المسلمين والمجاهدين مع عدم قدرته على التخلص وعدم النكاية. والحقيقة أنه يجب النظر إلى ما عدده العلماء من المفاسد والمصالح المترتبة عن هذا الفعل على أساس أن حالة الحرب قائمة ومشتعلة; لأنه عند القيام بمثل هذه العمليات من دون أن تكون هناك حرب قائمة بالفعل، ستظهر مفاسد عديدة قد لا تكون واردة إذا كان هذا الانغماس حال قيام الحرب.

وما ذكره العلماء في هذا الصدد من جواز الانغماس في صف العدو، أمر منطقي يلبي احتياجات الظفر في الحرب أو الدفاع عن البلاد إذا ما قصدها مستعمر بالاحتلال، ولكن ليس معناه أن يتم الإقدام عليه من دون الضوابط المذكورة أو بإغفال المفاسد التي قد تنجم عنه.

ولنقف مع الإمام الشوكاني عند تفسيره لقوله تعالى: «وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»: «الحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكان ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو في الدنيا، فهو داخل في هذا وبه، قال ابن جرير الطبري : ومن جملة ما يدخل تحت الآية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص، وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين، ولا يمنع من دخول هذا تحت إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب، فإنهم ظنوا أن الآية لا تجاوز سببها وهو ظن تدفعه لغة العرب» أ.هـ وقال الإمام القرطبي: «إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل وينجو.. فحسن ولو علم وغلب على ظنه أنه يقتل، ولكن سينكي نكاية أو سيبلى، أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا» أ.هـ ويقول الإمام الغزالي: «فأما تعريض النفس لهلاك من غير أثر فلا وجه له بل ينبغي أن يكون حراما» أ.هـ فالقضية ليست هي الانغماس في الصف إنما المصالح المترتبة على ذلك.

الأخطاء الشرعية في التفجيرات إذا ما طبقنا الضوابط التي يضعها العلماء لجواز الانغماس في صف الأعداء على صورة خطف الطائرات وتفجيرها، وصورة تفجير الشخص لنفسه سواء بشاحنة أو بمفرده في هدف ما، سننتهي إلى عدم صحة تنزيل هذا الحكم في الصورتين المذكورتين، وبيان ذلك كالآتي:

* إن ركاب الطائرة لا يمثلون صفا مهدر الدم فيجوز الحمل عليه، فهم يكونون في الحقيقة من جنسيات شتى وديانات شتى وأصناف شتى من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، ولا تخلو طائرة من وجود هذه الأصناف أو بعضها ممن يحرم قتلها. * إن هذه الطائرة بمن فيها لا تمثل جيشا معاديا يقف في مواجهة جيش المسلمين، فهم غالبا من المدنيين ولا يدور في خلدهم أنهم في حالة حرب أو مواجهة فكيف يتم تنزيل هذا الحكم بجواز الانغماس على هذه الصورة ؟

* إن الارتطام بالطائرة بهدف أرضي سيحمل دائما احتمالا بمقتل من هو معصوم الدم ممن لا يجوز قتلهم، وتدمير ما لا يصح تدميره من ممتلكات وذلك على حسب نوع الهدف الأرضي المستهدف، مع احتمال الخطأ في الارتطام بهذا الهدف المحدد وإصابة غيره.

* إن اختطاف الطائرة ثم تفجيرها، ينطوي على نوع غدر بالشركة التي تمتلك الطائرة والتي أعطت الخاطف تذكرة لاستخدام طائرتها بشرط عدم تعريض سلامتها وسلامة الركاب للخطر، وأيضا ينطوي على نوع غدر بالركاب الذين ليس لهم علاقة بقضية الخاطف أو عدوه; عندما يفاجأون باختطافهم من دون ذنب أو جريرة، ولا يقال هنا الحرب خدعة; لأن هذا القول يصح عندما يكون هذا التفجير مستهدفا العدو في حرب قائمة، أما استخدام الخدعة مع مسافرين على الأقل بعضهم أبرياء لا جناية لهم ولا حرب بينهم وبين الخاطف فلا وجه له في هذا المقام، وهو خدعة غير جائزة وغدر منهي عنه شرعا.

* إن المسلم عندما ينغمس بنفسه في صف الأعداء إنما يكون مقتله بأيديهم لا بفعله، بينما يكون مقتل مفجر الطائرة بفعله لا بفعل غيره، وهذا قد يدرجه بعض العلماء في عداد القتل المحرم لنفس.

وإذا ما انتقلنا إلى مناقشة القول بإباحة قيام الشخص بتفجير شاحنة ملغومة هو بداخلها في هدف ما، فإننا سنجده ينطوي على أخطاء عديدة; لما ينجم عنه من جناية على الأنفس والأموال المعصومة، أو لوقوع مفاسد عديدة وذلك كالآتي:

* إن الهدف المقصود بالتفجير لا يمثل غالبا صفا متميزا يستحق بأسره القتل، فقد يختلط بهذا الهدف أشخاص شتى من مختلف الجنسيات والديانات والأنواع والأعمار; مما يمنع من الحمل على هذا الصف والانغماس فيه، وفقا لضوابط هذا الحكم المذكورة عند العلماء.

فقد سئل علي أمرون، أحد المشتبه في مسؤوليتهم عن الهجمات التي وقعت في أكتوبر(تشرين الاول) 2002 بمدينة بالي الاندونيسية وأدت إلى مقتل 202 شخص : عن مدى شعوره بالندم بعد تلك الهجمات ؟ فأجاب بقوله : «إنني آسف»، وعندما ذكره الصحافيون بأن العدد الأكبر من القتلى كانوا استراليين وليسوا أميركيين، قال: «هذا هو الجهاد»! وهذا المثال يكشف عن مدى الخطأ الذي يحدث في شخصيات المستهدفين، وأيضا الخطأ في مفهوم الجهاد الذي عبر عنه علي أمرون بقوله «هذا هو الجهاد» وأخطأ علي أمرون في قوله هذا، فالجهاد لم يكن قط في الشريعة لاستباحة دماء الأبرياء أو مبررا للاستهانة بحياة الآخرين.

وهذا بالإضافة إلى ما قد ينجم عن تفجير الشاحنة من تدمير للممتلكات المعصومة سواء كانت في الموقع المستهدف أو في المنطقة المحيطة به، وهو ما يدفع إلى غضب قطاعات عريضة من المواطنين على المسؤولين عن التفجير مما يفقدهم الدعم المطلوب لقضاياهم.

العمليات الفدائية.... استشهاد أم انتحار؟! لا تمكن مغادرة الحديث عن التفجيرات والانغماس في صف الأعداء إلا بعد التعرض لحكم العمليات الفدائية التي يقوم فيها الشخص بتفجير نفسه في عربة ملغومة أو بحزام ناسف أو نحو ذلك، وهل يدخل ذلك الفعل في عداد قتل النفس المنهي عنه شرعا أم أنه يدخل في دائرة الجواز ؟ أو بعبارة أخرى هل هي انتحار أم استشهاد ؟ ونحن سنتناول هذه القضية عبر النقاط الآتية :

1 ـ أنه لا بد أولا من القول : ان هذه التفجيرات لا يجوز اللجوء إليها إلا إذا توفرت القيود والضوابط التي أقرتها الشريعة في هذا الصدد وأبانها العلماء وفق ما ذكرناه آنفا.

2 ـ إنه بعد التأكد من توفر القيود والضوابط المطلوبة يجب النظر إلى المصالح المرجوة منها والمفاسد المترتبة على فعلها وذلك قبل القول بجوازها; مع مراعاة أن حسابات المصالح والمفاسد تلك تتغير من زمان لآخر.

3 ـ إن العلماء المعاصرين اختلفت كلمتهم حول توصيف هذا الفعل فمنهم من يرى أنه لا يجوز لأنه يمثل انتحارا منهيا عنه والبعض الآخر أجازه في ظل شروط معينة، لكن الملاحظ أن دائرة المجيزين له خاصة عندما يكون التفجير في مواجهة مستعمر غاشم، تتسع حتى صارت اليوم أكثر من أغلبية.

4 ـ إن هناك فارقا هاما بين من يقوم بهذه العمليات الفدائية ومن ينتحر بقتل نفسه لا يصح إغفاله، فكم قيل ـ وبحق ـ أن نية ومقصد كل منهما يختلفان اختلافا بينا، فالمنتحر يريد أن يتخلص من حياته ومقصده الهروب من ضر وهم ألم به، ونفسيته يغلب عليها اليأس والقنوط والضيق، وهو يقدم على الانتحار من دون إيمان بقضية أو دفاع عن مبدأ، بينما من يقوم بتلك العمليات يحمل بين جنباته إيمانا عميقا بمبدأ أو دين، ويغلب على أحواله الاستبشار والاطمئنان والسكينة ويهدف إلى نصرة دينه أو وطنه لتحقيق بغيته بنيل الشهادة.

وفي ظل وجود هذا الفارق فلا يصح وصف القائمين بهذه النوعية من العمليات بالمنتحرين لأنهم اما قاموا بها على الوجه المشروع وبالقيود المقررة في الشريعة مبتغين وجه الله وفي سبيل الله فهؤلاء يرجى لهم نيل الشهادة وبلوغ السعادة، واما قاموا بها من دون استيفاء شروط الشهادة أو التزام بالضوابط الشرعية المقررة فلا يطلق عليهم شهداء أو منتحرون لأنهم مخطئون معذورون، فهم في الغالب متأولون في فعلهم هذا.

وبناء على ذلك يمكن القول إن هذه العمليات الفدائية تتوقف مشروعيتها على مدى الالتزام بالضوابط المقررة في الشريعة وما تحققه من مصالح وما ينجم عنها من مفاسد.

الإغارة ليلاً على الأعداء لا تكمل المناقشة لقضية التفجيرات من جوانبها الشرعية المختلفة إلا بتناول استدلال القائمين بتلك التفجيرات بإباحة الشريعة للإغارة على الأعداء على حين غرة وتبييتهم ـ أي الإغارة عليهم ليلا ـ حتى لو أدى ذلك لقتل نساء وأطفال هؤلاء الأعداء.

والاستدلال بجواز تبييت الأعداء من أشهر الاستدلالات التي تساق من البعض لتبرير التفجيرات المباغتة التي لا يحترز فيها عن قتل بعض الأصناف التي لا يجوز قتلها كنساء الكفار وأطفالهم.

ويقولون في معرض المناقشة: كيف تنكرون علينا ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق وهم غارون، وروى ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال :«مر النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء ـ أو بودان ـ وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم قال: هم منهم، وسمعته يقول : لا حمى إلا لله ورسوله» أ.هـ مناقشة الاستدلالات السابقة وتفنيدها أولا: المتأمل في حديث الصعب بن جثامة أو في إغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق، سيدرك أن هذه الأدلة تساق في غير موضعها وبيان ذلك:

إن حديث الصعب بن جثامة يتحدث عن تبييت أهل الدار من المشركين، فمن أراد الاستدلال به على جواز تبييت المسلمين أو تبييت أناس يختلط فيهم المؤمنون مع غير المؤمنين فقد أخطأ خطأ جسيما. وكذلك كان حال بني المصطلق الذين أغار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا قوما مشركين متميزين بدارهم عن غيرهم، فكيف يستدل بذلك على جواز التفجيرات ببلاد الإسلام حيث أغلبية السكان من المسلمين وغير المسلمين أقلية بينهم.

ثانيا: إن جل العلماء أوضحوا أن تبييت المشركين جائز حتى إن أدى إلى سقوط بعض نساء وأطفال المشركين قتلى، لكنهم اشترطوا لجواز ذلك ألا يقصد النساء والأطفال بالقتل.

وفي هذا يقول الإمام بن قدامة: «ويجوز تبييت الكفار وهو كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارون. قال أحمد: لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ؟! قال: ولا نعلم أحدا كره بيات العدو، وقرأ عليه سفيان عن الزهري عن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الديار من المشركين نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم فقال «هم منهم» فقال: إسناد جيد فإن قيل: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والذرية، قلنا: هذا جوال على التعمد لقتلهم، قال أحمد: أما أن يتعمد قتلهم فلا. قال وحديث الصعب بعد نهيه عن قتل النساء; لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحتيق، وعلى أن الجمع بينهما ممكن يحمل النهي على التعمد والإباحة على ما عداه» أ. هـ فانظر إلى قول الإمام أحمد : «أما أن يتعمد قتلهم» ـ أي نساء وأطفال المشركين ـ «فلا»، لتعلم أنه لا يجوز تبييت المشركين إذا انطوى على تعمد قتل النساء والأطفال، فماذا كان سيقول الإمام أحمد لمن استدل بجواز التبييت على القيام بتفجير في بلاد الأغلبية الساحقة، من سكانها، مسلمون، والموقع المستهدف بالتفجير يعلم من يقوم به أنه يشتمل على كثرة مسلمة وقلة من الأجانب مستهدفة من هذا التفجير.

ويؤكد الإمام الشافعي ما ذهب إليه الإمام أحمد في عدم جواز قصد قتل النساء والأطفال في التبييت فيقول: «فإن قال قائل: كيف أجزت الرمي بالمنجنيق والنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء، وهم منهي عن قتلهم؟ قيل: أجزنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق غارين، وأمر بالبيات والتحريق، والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء، وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة، وإنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم».

وتأمل في قول الإمام الشافعي: «إن الدار دار شرك غير ممنوعة» وقارن هذا بتلك التفجيرات التي تحدث في دار ليست دار شرك، وقارن قوله: «إنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم» بما يحدث في هذه التفجيرات حيث يكون القائم بها يعلم وجود المسلمين بأعيانهم في الموقع المستهدف، وقد يرى بعينه بعض النساء والأطفال من غير المسلمين موجودين به ثم يقدم على إتمام التفجيرات.

وهذا المنع من قصد قتل النساء والأطفال المشركين عند التبييت ـ ومن باب أولى المسلمين ـ هو قول الفقهاء كافة.

ويضيف الإمام الرملي ضابطا هاما بقوله: «وتبييتهم» أي الإغارة عليهم ليلا «في غفلة» للإتباع. رواه الشيخان. نعم بحث الزركشي كالبلقيني كراهته عند انتفاء الحاجة إليه إذ لا يؤمن من قتل مسلم يظنه كافرا. أ. هـ ثالثا: أنه لا يجوز حال اختلاط المسلم بغيره من الكفار أن يقصد المسلم بالقتل بالتبييت أو غيره لقوله تعالى: «ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما» (الفتح: 25). يقول القرطبي: «وهذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن; إذ لا يمكن إذاية الكافر إلا بإذاية المؤمن». قال أبو زيد: قلت لابن القاسم أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم، حصرهم أهل الإسلام، وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم أيحرق هذا الحصن أم لا ؟ قال : سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم، أترعى في مراكبهم النار ومعهم الأسارى في مراكبهم؟ فقال مالك : لا أرى ذلك لقوله تعالى لأهل مكة: «لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما» وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه، وإن فعل ذلك فاعل فأتلف أحدا من المسلمين فعليه الدية والكفارة، فإن لم يعلموا فلا دية ولا كفارة; وذلك أنهم إذا علموا فليس لهم أن يرموا، فإذا فعلوه صاروا قتلة خطأ والدية على عواقلهم، فإن لم يعلموا فلهم أن يرموا، وإذا أبيح الفعل لم يجز أن يبقى عليهم فيه تباعه» أ.هـ.