الشاب عثمان العبيدي يتحول إلى رمز للوطنية بغرقه بعد أن أنقذ 6 أشخاص

حكاية عراقية من واقعة جسر الأئمة

TT

في حي شعبي اسمه «السفينة» بمنطقة الاعظمية في بغداد، وفي احد ازقته الضيقة، يقوم مسكن صغير على مساحة 100 متر مربع حيث تتشارك في العيش اربع عوائل ، كان يعيش الشاب عثمان علي عبد الحافظ العبيدي الذي توفي غرقا الاربعاء الماضي في حادثة جسر الأئمة بعد ان انقذ ستة اشخاص سقطوا في نهر دجلة وكادوا ان يغرقوا، فيما فشل في انقاذ الشخص السابع ، وكانت امرأة بدينة، حيث التفت حولهما العباءة التي كانت ترتديها فقيدت حركتهما معا ليستقرا في قاع النهر.

عثمان العبيدي سطر بعمله وتضحيته ملحمة للتماسك الاجتماعي والديني والوطني بين العراقيين تتردد الان اصداؤها في كل العراق. فقد تقاطرت على المنزل الصغير في حي السفينة طيلة الايام الماضية حشود بشرية من كل صوب لتقدم التعازي لعائلة السباح الشهيد ولتشيد بنبله وخلقه العالي وتفانيه في التضحية وهو ما يزال في مقتبل العمر .

«الشرق الاوسط» حضرت تشييع جثمان العبيدي ومراسم العزاء المقامة على روحه. قال صديقه محمد ابراهيم جمعة «التقيته قبل يوم الحادث ورأيته متفائلا في المشاركة بمراسم الزيارة في اليوم التالي، لكنه كان قلقا بسبب تحضيراته الدراسية لامتحانات الدور الثاني (كان طالبا في الصف الخامس الثانوي)، وفي يوم الحادث كنت في المحل العائد لنا وجاءني والده يسأل عنه، وبعد ساعتين جاء شخصان واخبرا والده بان عثمان نقل الى المستشفى لانه اصيب في عمليات الانقاذ ولم يخبراه بوفاته».

اما الصديق الاخر مهند علي حسين فقال «لم تكن هذه هي المرة الاولى التي يساهم فيها عثمان في انقاذ الزائرين، ففي احدى زيارات عاشوراء كان هنالك زائرون يسبحون في نهر دجلة وكان هو موجودا هناك، وعندما كاد احدهم ان يغرق اسرع عثمان لانقاذه، فهو سباح ويمارس الرياضة، وقد شاهدت عثمان على الجسر يوم الحادثة يساعد الاخرين وينقل المصابين الى سيارات الانقاذ، لكنه فجأة قفز من الجسر الى النهر مباشرة عندما شاهد رجالا ونساء واطفالا يقفزون الى النهر، فهرع لانقاذهم وشاهدنا بأم اعيننا كيف انقذ ستة اشخاص بدون توقف، لكن في المرة السابعة لم يعد الى ضفاف النهر».

منير عبد الحافظ العبيدي عم الفقيد قال «كنا جالسين معا في البيت يوم الحادث، وبعد سماعنا خطيب وامام جامع ابو حنيفة النعمان يناشد اهالي الاعظمية انقاذ اخوانهم زوار الامام موسى الكاظم، كان عثمان قد هرع مسرعا الى منطقة الجسر، وطلبت منه ان ينتظرني لكنه لم يفعل وعند وصولي الى مكان الحادث شاهدته يقوم بعمليات الانقاذ. كان هو في النهر وانا على الجرف اسحب الضحايا والمصابين، وفي لحظة لم ار سوى يد عثمان وهو يغرق مع الزائرة التي حاول انقاذها، وسارع اصدقاؤه الى نجدته لكنهم انتشلوه وقد فارق الحياة، وقد ذهلت من الموقف».

والد عثمان تحدث عن طفولة ابنه فقال «في احد سفراتنا العائلية الى مدينة الحبانية، وكان عمره اربع سنوات نزل الى الماء وهو لا يعرف السباحة، وكاد ان يغرق وقد انتشلته في اللحظات الاخيرة ، واليوم فارق الحياة في الماء ايضا. كان مثال الابن الشهم في التطوع لانقاذ الاخرين»، واضاف «ان ما يقوم به المعزون يجعلني اشعر بان ابني لم يمت بإحيائه ارواح الاخرين. هذا اغلق محلاته ليكون الى جانبي، وذاك وقف معي من يوم التشييع الى نهاية العزاء في اليوم الثالث، وقد توافدت الى مجلس العزاء شخصيات دينية واجتماعية من مختلف طوائف الشعب العراقي، ومنهم من قدم من محافظات بعيدة». وذكر الوالد ان عثمان قام قبل وفاته بيوم واحد بتصوير افراد العائلة الذين كانوا موجودين في البيت «وكأنه كان على علم بما سيحصل له». عثمان العبيدي ترك والديه وشقيقتيه فهو الابن الذكر الوحيد لذويه، وبقيت اعماله وتضحيته تحيي ذكراه.